سويسرا لا زالت وجهة مهمّة للمنظمات الأمنية الخاصة
أصبحت المنظمات الأمنية الخاصة التي لها مقرات في سويسرا، خاضعة منذ بداية عام 2014 لقوانين جديدة، تجبرها على التعريف بنشاطاتها والإلتزام بميثاق حسن السلوك. مع ذلك، يتوقع الخبراء أن سويسرا ستبقى وجهة مهمة لاستقطاب هذه الشركات ذات السمعة المثيرة للجدل والإنتقاد.
في هذا الإطار، يرى ريتو غاسوت، الناطق باسم جمعية المؤسسات السويسرية المقدّمة لخدمات أمنية، بأن “المشروع الأولي للقانون الفدرالي كان يتضمن الكثير من التفاصيل، إذ كان على سبيل المثال يفرض على حارس شخصي لبطل رياضي أن يُعلن مسبقا عن المهام التي سيقوم بها. وكان ذلك بمثابة ثقل بيروقراطي لا فائدة من ورائه. لكن البرلمان صحح الأمور، وهو ما أدّى الى ارتياحنا”.
وأضاف السيد غاسوت “قد لا يُدخل القانون الجديد أية تغييرات على عمل الشركات السويسرية التقليدية العاملة في الميدان الأمني، لكن الأمر مغاير بالنسبة لتلك التي تشتغل في ظروف حرب، والتي عليها أن تُعلن مسبقا عن مهامها وأن تلتزم بميثاق حُـسن السلوك. ولكنني أعتقد بأن هذا القانون أمر تمت صياغاته بذكاء”.
قامت سويسرا في شراكة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ببذل مجهود دبلوماسي كبير من أجل التوصل إلى صياغو “وثيقة مونترو”، التي تُذكر الدول والشركات العاملة في المجال الأمني بالتزاماتها القانونية الدولية في حال حصول صراع مسلح كما توضّح مسؤولية كل الأطراف.
يعدد “ميثاق حسن السلوك” الذي تمت صياغته انطلاقا من وثيقة مونترو، عددا من التصرفات الصحيحة التي يتعين على الشركات اتباعها.
في مناسبة الذكرى الخامسة لصياغة وثيقة مونترو من قبل البلدان السبع عشرة الأولى الموقعة عليها، قامت وزارة الخارجية السويسرية بتنظيم اجتماع “مونترو + 5” في منتصف شهر ديسمبر 2013.
خلال الإجتماع، قدم وزير الخارجية السويسرية ديديي بوركهالتر حصيلة أولية إيجابية، إذ وقعت على وثيقة مونترو لحد اليوم 49 دولة و 3 منظمات دولية (الاتحاد الأوروبي ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، منظمة حلف شمال الأطلسي)، كما وقعت 710 شركة على “ميثاق حسن السلوك”.
في مقابل ذلك، أشار الوزير السويسري إلى أن “هناك حاجة للمزيد من أجل الحصول على انضمام من مختلف أنحاء العالم”، وأعلن أن الهدف الموالي يتمثل في جلب القارّة الافريقية من خلال تنظيم مؤتمر إقليمي كبير في السينغال في عام 2014.
قانون يسمح بكل شيء
القانون الجديد لم يكن مُقنعا بالنسبة للجميع، خصوصا في أوساط اليسار، فقد أعرب أنصار الخضر بالخصوص عن انتقادات شتى، حيث اعتبر الحزب أن “القانون المتعلق بالمرتزقة هو بمثابة صمام يسمح بمرور كل شيء ويُخوّل لشركات الأمن الخاصة هامش مناورة كبير جدا”. وبدل الإكتفاء بالإعلان عن النشاطات، كان اليسار يُفضل أن يتم اعتماد نظام منح تراخيص يتّسم بصرامة أكثر.
ماركو صاصولي، مدير قسم القانون الدولي العام والمنظمات الدولية بجامعة جنيف، يعترف بأن القانون الجديد ليس مثاليا، وفي تصريح لـ swissinfo.ch أشار إلى أن “القانون الجديد لا يطالب إلا بمجرد إعلان، وهذا بمثابة ذر للرماد في العيون”، متسائلا “كيف يُمكن لسويسرا أن تقوم بعمليات التحقيق في الظرف الزمني القصير المخصص والمقدر بأربعة عشر يوما، خصوصا عندما يتعلق الأمر بنشاطات تتم في الخارج؟”.
في المقابل، لا ينصح أستاذ القانون برفض المشروع برمته، ويقول: “هذا القانون يُدخل تعديلا على الكثير من الأمور، لأن الوضع كان في الماضي يرتكز على قوانين محلية خاصة بالكانتونات ولا يمكن تطبيقها في الخارج. ومع أن القانون السويسري ليس مثاليا ومع أننا كنا نطمح إلى ما هو أكثر من ذلك، إلا أنه يذهب الى أكثر مما تطالب به باقي الدول في مجال شركات الأمن الخاصة”.
بدوره، يرى أليكساندر فوترافير، مدير قسم العلاقات الدولية بجامعة “ويبستر” الخاصة في جنيف ورئيس تحرير المجلة العسكرية السويسرية، أن القانون الجديد هو بمثابة خطوة للأمام، ويقول: “هذا القانون مهم كمَـثل يُقتدى به، إذ يُشجع على الإلتزام باتباع “ميثاق حسن السلوك”، لأن محاولة التقنين وفرض المعايير على الطريقة التقليدية في مثل هذه النشاطات، أمر لن يُكتب له النجاح”.
في الوقت نفسه، يرى هذا الخبير في مجالات الدفاع، أن نظام الإعلان عن النشاطات، أمر مُفضل على نظام التصاريح ويُشير إلى أن “التيارات اليسارية ترغب في فرض نظام تصريح، ولكن إذا ما تم التقدم بطلب في هذا المجال وتم الحصول على التصريح، فإن ذلك يعني أن الحكومة السويسرية تُرخص وتدعم، بل حتى تشجّع مثل هذه النشاطات، وهو ما قد يطرح المزيد من المشاكل بدل حلِّها. إنها فكرة جيدة في ظاهرها وخاطئة في مضمونها”.
ضرورة التحرك
لا توجد لحد اليوم، على المستوى الفدرالي، أية قوانين تنظم مجال الشركات التي تقوم بنشاطات عسكرية في الخارج، وهذا باستثناء بعض القوانين المحلية الخاصة بالكانتونات. ولكن في اعقاب استقرار الشركة البريطانية AEGIS في عام 2010 في مدينة بازل، والتي تعتبر من الشركات العملاقة في هذا الميدان، رأت الحكومة والبرلمان في سويسرا بأن هناك ضرورة للتحرك من أجل تأطير “نشاطات المرتزقة”، هذا القطاع المعروف بسُمعة غير جيدة، حيث ينص القانون الجديد على حظر المشاركة المباشرة في اية معارك بصراع مسلح في الخارج.
ويتعلق الأمر في هذا الحظر أيضا بكل ما له علاقة بتوظيف المرتزقة او توفير الموظفين لتأطيرهم. وبالإضافة الى حظر المشاركة في العمليات العسكرية، على شركات الأمن أن لا تشارك في نشاطات قد تساعد على ارتكاب انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان او قد تُخل بمصالح سويسرا.
وعلى الشركات التي تقوم بنشاطاتها انطلاقا من سويسرا، أن تضطر للإعلان لوزارة الخارجية السويسرية عن النشاطات التي تقوم بها في الخارج. وأمام السلطات مهلة 14 يوما للتأكد مما إذا كانت نشاطات تلك الشركات تتعارض مع ما ينص عليه القانون. كما أن على هذه الشركات ان تلتزم بتطبيق “ميثاق حسن السلوك”، الذي ساهمت سويسرا في تحظيره على المستوى الدولي (انظر المقال الجانبي).
وعلى من ينتهك هذه القوانين أن يتعرض لعقوبة قصوى تتراوح ما بين عقوبة سجن لمدة ثلاث سنوات او غرامة مالية. وبالإضافة الى ذلك، يخول القانون للسلطات إمكانية القيام بعمليات تفتيش مباغتة والتحقق من الوثائق ومصادرة العتاد، للتأكد من أن الشركة لا تقوم بنشاطات غير مشروعة.
تعرف نشاطات شركات الأمن الخاصة نموا هاما. فقد أشار وزير الخارجية السويسري في مؤتمر مونترو إلى أن نشاطات هذه الشركات سجلت في عام 2007 ما قيمته 139 مليار دولار أمريكي وقد تصل في عام 2016 الى 244 مليار دولار، أي بزيادة تقدر بـ 76%.
لا زال من الصعب جدا الحصول على تقدير دقيق للشركات العاملة انطلاقا من التراب السويسري والتي لها نشاطات على المستوى العالمي، إذ يتراوح هذ ا العدد، حسب المصادر، ما بين 10 و 20 شركة. كما أنه من غير المتوفر ايضا حجم مبيعاتها وعدد مواطن الشغل التي توفرها.
هجرة الشركات.. أمر غير محتمل!
ولئن أثير نقاش حاد حول مدى نجاعة هذا القانون، فإن سويسرا تبقى البلد الذي يملك أكثر القوانين صرامة في هذا المجال مقارنة مع باقي الدول، وهو ما يثير في نفس الوقت التساؤل عما إذا كانت هذه الشركات التي تقوم بنشاطات في العالم بأسْره، قد لا تجد نفسها ميالة الى نقل نشاطاتها الى دول بها قوانين أكثر ليونة. ومع أن ذلك ينطبق بالدرجة الأولى على شركة AEGIS، إلا أن هذه الأخيرة رفضت الإجابة على أسئلة طرحتها عليها swissinfo.ch.
رغم كل شيء، لا يرى الخبير القانوني الكساندر فوترافير، أن القانون الجديد سيغير الشيء الكثير، إذ أن سويسرا ستبقى في نظره “مهمة” بالنسبة لهذه الشركات، ويقول: “ما يميز شركة AEGIS هو حجمها. فهي تبحث عن بلوغ الحد الذي تتحوّل فيه الى شركة متعدّدة الجنسيات في مجال الأمن. ومن هذا المنطلق، تشكل سويسرا بالنسبة لها، الأرضية المناسبة لتحقيق هذا الهدف، وهذا بسبب عدد من المزايا التي توفرها: إمكانية تنظيم اللقاءات الدولية وقربها من بعض الزبائن، مثل كبريات الشركات الصناعية، وتوفر الموظفين الأكفّاء في ميدان إدارة الأموال أو شراء الشركات، كما توفر الإطار القانوني الملائم بالنسبة للشركات”.
ويذهب هذا الخبير إلى أبعد من ذلك مشيرا إلى أن “القانون الجديد وميثاق حسن السلوك، لن يدفعا الشركات إلى هجرة مقرّاتها في سويسرا، بل سيعْملان على تسهيل الأمور عليها”.
ويُضيف “قد أبالغ إن كررت بأن اللوبي المناصر لموظفي شركات الأمن الخاصة، هو الذي سمح لهذا النقاش بأن يصل إلى هذه النتيجة. فقد كانت مصلحتهم تتمثل في رسم حدود المسؤولية التي تتحملها الشركات في مواجهة أرباب العمل المستفيدين من تلك الخدمات. فهذا القانون سيسمح بإظهارها كشركات ذات مسؤولية، وهو ما قد يتيح لها فتح آفاق واعدة أكثر. فهذا القطاع يعرف المزيد من التوسع، نظرا لأنه يسمح اليوم بتوفير خدمات، حتى لزبائن كانوا في السابق غير متحمّسين بسبب الغموض القانوني السائد”.
هذا التحليل يُشاطره ماركو صاصولي بقوله: “هذا هو وجه الغرابة. فميثاق حسن السلوك أصبح بمثابة معيار لبيع مزيد من الخدمات في مجال الأمن”. وهنا، يرى الخبير القانوني أن “هذه الشركات التي تعاني من سمعة سيئة، قد تستعيد عذريتها بهذا القانون”.
ترجمه من الفرنسية وعالجه: محمد شريف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.