في السنة الدولية للتنوع البيولوجي.. أجـراس الإنــذار تُـقـرع مُجددا بـشـدة!
"لقد فشلنا في الحد من التهديدات المؤثرة في التنوع البيولوجي. وإذا لم نتَّـخذ إجراءات راديكالية وفعالة، فسنسير نحو الهاوية"، هذا أهم ما يمكن استخلاصه من تقرير معاهدة التنوع البيولوجي الصادر للمرة الثالثة بمناسبة تخصيص عام 2010 سنة دولية لهذا الملف الحيوي.
“إذا كان العالَـم قد أبدى اهتماما وقلقا بسبب ظاهرة المد البحري “تسونامي”، فإن هناك “تسونامي صامت” يمسّ التنوع البيولوجي ويتم وسط لامبالاة السياسيين وعدم اكتراث الرأي العام”، هذا ما استهلّ به الدكتور أحمد جغلاف، الأمين العام التنفيذي لمعاهدة الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي لقاء جمعه في الأسبوع الأول من شهر مايو بممثلي وسائل الإعلام في قصر الأمم بمدينة جنيف للحديث عن فعاليات السنة الدولية المخصصة من قبل الأمم المتحدة لموضوع التنوع البيولوجي في العالم.
وتقول معاهدة التنوع البيولوجي في تقريرها السنوي الصادر يوم الاثنين 10 مايو 2010 تحت عنوان “التنوع البيولوجي هو حياتنا”: “إن الأنظمة الطبيعية التي ترتكز عليها الحياة والاقتصاد ووسائل العيش فوق الكرة الأرضية، مهدّدة بالتآكل والانهيار، إذا لم نتَّـخذ إجراءات سريعة وراديكالية وبنّـاءة من أجل الحفاظ (على هذا التنوع البيولوجي) وعلى الإستخدام المستدام لتنوع الحياة على وجه الكرة الأرضية”، وهو ما دفع الأمين العام التنفيذي للمعاهدة (الجزائري الأصل) للتأكيد على أن “تدهور التنوع البيئي يهدد الإنسان بالدرجة الأولى”.
حصيلة مقلقة في التقرير السنوي
الإنذار الوارد في التقرير الأممي الثالث الصادر يوم 10 مايو الجاري، ينطلِـق من حصيلة توصلت إليها الأمانة العامة لمعاهدة التنوع البيولوجي تؤكد أن “العالم فشل في جهوده الرامية للحد بمستوى معقول من تدهور التنوع البيولوجي حتى عام 2010″، وهو التعهُّـد الذي سبق أن قطعته الدول على نفسها في عام 2002.
واستنادا الى تقارير أعدتها 113 دولة عضوة، تمكنت الأمانة العامة للمعاهدة الأممية من رسم صورة واضحة عن حالة التنوع البيولوجي في العالم، وتتلخص في اندثار أقسام كبيرة من غابة الأمازون، وذلك بفعل تداخل عوامل عدة تشمل التغيرات المناخية واقتلاع الأشجار والحرائق، تسببت في حدوث تأثيرات كُـبرى على المناخ وعلى حالة تساقط الأمطار وأدت إلى انقراض واسع لأصناف من الكائنات الحية.
من جهة أخرى، أدّى تغيير مجرى العديد من الأنهار وبحيرات المياه العذبة، بغرض التحكم فيها وتسخيرها للإستهلاك البشري أو لإنتاج الطحالب، إلى تراكمات أدت إلى اختناق العديد من الأصناف السمكية وتسببت في التقليل من مرافق الإستجمام.
كما أدت عوامل شتى إلى انهيار النظم البيئية في العديد من الشواطئ المرجانية، من بينها ارتفاع حموضة المحيطات وارتفاع درجات حرارة المياه والصيد المُـفرط وزيادة التلوث، ما يُسهم في انقراض ملايين الأصناف من الكائنات المرتبطة في طريقة عيشها بسلامة الأوضاع البيئية في الشواطئ المرجانية.
الحفاظ على الوضع الحالي ليس الحل
ويقول الدكتور أحمد جغلاف، الأمين العام التنفيذي لمعاهدة الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي: “لو يرغب كل سكان المعمورة في العيش بمستوى عيش المواطن الأمريكي، لَـتطلَّـب الأمر 5 مرات مساحة كرتنا الأرضية”، وفي كلامه دعوة لإدراك بأن الحل يكمن في تغيير أساليب الإستهلاك الحالية والإبتعاد عن التبذير والإنسياق وراء تأثيرات الدعاية والإشهار في تحريف طُـرق استهلاك الأطفال والمراهقين.
وفي انتظار تحرّك السياسيين، يرى الخبير الأممي أن الحل يكمُـن في وعْـي المُـستهلكين بعدم استهلاك مواد لا تراعي حماية البيئة والتنمية المستدامة. كما يراهن على التربية والتعليم، وبالأخص تعليم الجيل الصاعد الذي يُـبدي وعيا أكثر من آبائه بمشاكل البيئة وقضايا التنمية المستدامة والتنوع البيولوجي عموما.
وفي هذا الصدد أورد السيد جغلاف مثالين. الأول هو أن “أبناؤنا اليوم غالبيتهم لم يسبق لهم أن شاهدوا تفاحة في شجرتها”. أما الثاني فقد أورده في سياق التنوية بأنموذج ناجح لتكوين النشء الصاعد في مجال البيئة في إحدى مناطق العالم المهددة أكثر من غيرها بالتغيرات المناخية (أي منطقة السيشال)، حيث قال: “في إحدى المرات، رغب أحد الآباء في اقتناء طبق تقليدي، فاشترى من السوق لحم سلحفاة، ولما رآه ابنه الذي تلقى تكوينا في المدرسة لحماية هذا النوع من السلاحف، نادى الشرطة للإبلاغ عما فعله والده”..!
في هذا السياق، يأتي ما تحدث عنه الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بان كي مون في التقرير السنوي حول التنوع البيولوجي حيث قال: “إننا في حاجة إلى نظرة جديدة لموضوع التنوع البيولوجي من أجل الحفاظ على كوكب صحِّـي وعلى مستقبل مُـستدام للإنسانية”.
المؤتمر العاشر في ناغويا
هذا التغيير هو الذي من المنتظر أن توضع له الأسُـس في الإجتماعات الدولية والاقليمية التي ستنعقد في سياق السنة العالمية للتنوع البيولوجي طوال العام الجاري، إذ من المقرر أن يلتئم المؤتمر العاشر للدول الأعضاء في معاهدة التنوع البيولوجي في مدينة ناغويا باليابان في شهر أكتوبر القادم، وسيسبقها في شهر سبتمبر تنظيم قمة حول التنوع البيولوجي على هامش الموعد السنوي لانعقاد الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة في نيويورك.
ويتمثل الهدف من هذين اللقائين الدوليين، في حث المجموعة الدولية على اتخاذ خطوات عملية، كتوسيع رقعة المناطق المحمية وحماية الفئات والأصناف المهدّدة والتخفيض من التلوث ومن العناصر المدمِّـرة، وتغيير أساليب الصيد والإستهلاك والإستخدام الرشيد للأراضي والمياه والموارد الطبيعية بشكل يسمح بالإيفاء بمتطلبات عدد السكان المستمرة. إضافة إلى العمل على تمكين الجميع من الإستفادة من المزايا المستخلصة من الوصول إلى المخزون الجيني والمعارف التقليدية، كتلك التي تُـستخدم في تطوير الأدوية والمستحضرات الطبية، وأخيرا، تعزيز التوعية والتكوين في مجال الحفاظ على التنوع البيولوجي والالتزام بذلك في الحياة اليومية.
في رده على سؤال لـ swissinfo.ch عن وعي المنطقة العربية بأهمية التنوع البيولوجي، قال الدكتور أحمد جغلاف، الأمين العام التنفيذي لمعاهدة التنوع البيولوجي : “إن ما ينطبق على باقي مناطق العالم، ينطبق على العالم العربي بشكل أكثر حدة، نظرا لأنه يعتمد على موارد محدودة. كما أن الموارد المائية ستصبح أكثر شحا في المنطقة العربية، ومثلما تقول وكالة الاستخبارات الأمريكية، سيصبح الماء العنصر الرئيسي لإثارة الصراعات والتوترات المسلحة في المنطقة، وهذا ما أصبح اليوم في لُـبّ التوترات التي تعرفها فلسطين او تركيا او العراق او في مصر بسبب نهر النيل”.
ويواصل الدكتور جغلاف: “أول مدينة مهدّدة في العالم العربي، هي مدينة صنعاء التي ستصبح بعد بضع سنوات بدون موارد مائية، الأمر الذي سيرغم اليمن على البحث عن عاصمة أخرى. وما تعرفه صنعاء اليوم، قد تعرفة مدينة تمنراست (الجزائر) او مدن عربية أخرى غدا، لذلك، كلما كُـنتُ في بلد عربي، أحاول أن اشدد على توعية الجمهور وحث الضمائر على تفادي التبذير المترتب عن عدم إصلاح حوالي 50% من قنوات المياه، أو عندما أرى الاثرياء يغسلون سياراتهم، هذه أشياء تحزنني، حيث اعتبرها بمثابة ارتكاب جريمة تبذير لإحدى المصادر الحيوية”.
وعن مدى تأثير نمط العمران الذي انتهجته بعض البلدان الخليجية، وبالأخص تلك التي بالغت في بناء الجزر الاصطناعية وما يثار حولها من شكوك في المساس بالتنوع البيولوجي في محيطها، يقول السيد أحمد جغلاف “بالطبع، لها تأثير. واعتقد أنه يجب وضع حد للحماقة الإنسانية”.
تم الشروع في التوقيع عليها في قمة الأرض في ريو دي جنيرو (البرازيل) في عام 1992 ودخلت حيِّـز التنفيذ في شهر ديسمبر 1993.
عدد الدول الأعضاء لحد اليوم 193، ولم تنضَـم لها الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم.
وتهدف المعاهدة على القضاء على كل ما يهدد التنوع البيولوجي ويهدد ما توفره الأنظمة البيئية من خدمات للبشرية.
ألحق بها “بروتوكول قرطاجنة” حول الأخطار البيوتكنولوجية والذي يهدف إلى حماية التنوع البيولوجي من الأخطار المحتملة المترتبة عن التحويرات الجينية. وقد انضمت لهذا البروتوكول لحد اليوم 156 دولة، إضافة الى الدول الأعضاء في الإتحاد الأوروبي.
يوجد المقر الدائم للمعاهدة في العاصمة الكندية أوتاوا.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.