مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

في قلب جبال الألب: حاسوب سويسري خارق يتحدّى عمالقة التكنولوجيا

حاسوب عملاق
الحاسوب العملاق في جبال الألب في سويسرا هو سادس أقوى جهاز من نوعه في العالم. Marco Abram, CSCS

عادت شبكة الحواسيب الفائقة السويسرية إلى صدارة الساحة العالمية في معالجة البيانات. ويبقى السؤال؛ من الذي سيستفيد من سادس أقوى حاسوب فائق في العالم، وما هي الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها؟

طوّر المركز الوطني السويسري للحوسبة العالية الحاسوب الفائق “ألبز” الذي يعِدُ بمجموعة واسعة التطبيقات المحتملة، مثل رسم الخرائط الكونية، والتمييز بين الحقائق ونظريات المؤامرة، وتقديم نماذج مناخية أكثر دقة. ولكن لا توجد خطط فورية تسمح للشركات الخاصة بالاستفادة من موارده.  

ظلّ حاسوب “بيز ديانت” (Piz Diant)، مستخدما في سويسرا سابقا، للمعالجة السريعة للبيانات الضخمة في مشاريع البحث العلمي التي تجريها جهات مثل هيئة الأرصاد الجوية السويسرية، والمعهد الفدرالي لاختبار المواد، ومعهد بول شيرر للعلوم الهندسية.

أمَّا الآن، فقد استُبدل بيز ديانت بحاسوب الألب الخارق الذي تتضاعف قدرته الحوسبيّة كاملة، عن سابقه 20 مرّة. كما يمكنه استغلال إمكانات الذكاء الاصطناعي. 

ويحتلّ “ألبز” المركز السادس عالميا في القوة الحوسبية، ولا تتفوق عليه في هذا المجال سوى حواسيب الولايات المتحدة، وفنلندا، واليابان. وتستعيد سويسرا بإطلاق هذا المشروع مكانتها في مجال الحوسبة الفائقة، بعد أن تراجع حاسوبها بيز ديانت أمام حواسيب طورتها بلدان أخرى.

محتويات خارجية

الاستخدام يقتصر على المشاريع العلمية

ولا تعني القوة المضاعفة تضاعف عدد طواقم البحث التي ستستفيد من هذه الشبكة الحوسبية الفائقة، الممتدة إلى ثلاث مدن سويسرية وأخرى في إيطاليا. ففي حين بلغ عدد الطواقم المستفيدة من حاسوب بيز ديانت نحو 1،800  فرد، وصل عدد من سجّل للاستفادة من شبكة ألبز الجديدة 1،000 باحثة وباحث، حتى يومنا هذا.

وصرّح البروفسور توماس شولتز، رئيس المركز الوطني السويسري للحوسبة الفائقة، في حديث أجرته معه سويس إنفو (SWI swissinfo.ch) قائلا: “لا يُمكن لهذه المنظومة تقديم خدمات لمليون فرد”. ويعود ذلك إلى أسباب منها أنَّ الحاسوب الفائق تبلغ قيمته 100 مليون فرنك سويسري، وتبلغ ميزانية تشغيله 37 مليون فرنك سويسري، وتموّله أموال عامة. ويقول شولتز موضّحا: “لسنا سوى بنية تحتية مدعومة على نطاق ضيّق. وعلينا أن نكون على قدر كبير من الانضباط في طريقة استخدام المنظومة”.

ولم يخصّص هذا الحاسوب الفائق للاستخدام التجاري العام، بل ستوجَّه قدراته الحوسبية الفائقة لفائدة المشاريع البحثية السويسرية والدولية، لا سيَّما في مجال العلوم الطبيعية.

ولا يمكن للشركات الخاصة استخدامه، إلّا إذا كانت تتعاون مع مؤسسة جامعية أو بحثية سويسرية، وذلك بعد أن تتقدّم بطلب في الغرض، وتتكفَّل بدفع التكاليف.

ويتعهّد المركز الوطني السويسري للحوسبة العالية، كمعهد تقني فدرالي سويسري، بمنح الشركات المنبثقة عن الجهود البحثية (spin-off)، التي تترجم مشاريعها إلى شركات تجارية ناشئة، على أن تتحمّل التكاليف.

وصرَّحت جمعية سويسرا الرقمية (digitalswitzerland)، التي تروِّج للابتكار الرقمي في سويسرا، بأنَّها “تجري مباحثات مع المركز الوطني السويسري للحوسبة العالية”، حول تمكين الشركات الخاصّة من استخدام هذا الحاسوب الفائق، دون تفاصيل عن مسار تقدُّم هذه المباحثات.

تأمين جودة البيانات

الحوسبة الفائقة
توماس شولتس، رئيس المركز الوطني السويسري للحوسبة الفائقة (CSCS). Keystone / Gaetan Bally

تنضاف إلى التمويل الحكومي أسباب أخرى، تحول دون فتح باب الاستفادة على مصراعيه أمام جمهور أوسع حاليا.

إذ يأخذ المركز الوطني السويسري للحوسبة العالية على عاتقه مسؤولية حماية جودة البيانات التي تدخل إلى الحاسوب الفائق، ويدأب على منع تأثرها بمشاريع لا تتّبع أساليب صارمة  لفرزها.

ويوضِّح شولتز، فيقول: “نتَّبع في العلوم الطبيعية أساليب تفرز البيانات غير الصحيحة، وهي أساليب معروفة منذ عهد غاليلو. ونحثّ المؤسسات الإنسانية، والتجارية، والمجتمع، على تبنيها”.

ويكتسي هذا الأمر أهمية خاصة في عصر الذكاء الاصطناعي، وظهور الحواسيب الفائقة المتعطِّشة للبيانات، التي تُدرّب على معالجة البيانات دون تدخل بشري. ويمكن أن يتسبّب إدخال بيانات قليلة الجودة إلى نظام يعمل بالذكاء الاصطناعي، في تكرار التحيُّزات والأخطاء، ما يؤدي إلى عواقب وخيمة.

يُستخدم حاسوب ألبز مثلا، لتدريب نظام نموذج ميديترون (Meditron)، النظام اللغوي المتقدم المعتمد على الذكاء الاصطناعي  لتحليل كميات ضخمة من البيانات الطبية ومعالجتها. وتستخدم الطواقم الطبية لاحقا نظام ميديترون، لتشخيص الحالات المرضيِّة في بلدان تفتقر إلى بنية أساسية طبية متقدِّمة، بأكثر دقّة.

وتعتبر ماري آن هارتلي، البرفسورة في المعهد التقني الفدرالي بلوزان، وعضوة فريق البحث في مشروع ميديترون، أنَّ جمع البيانات عالية الجودة بهذه الطريقة، قد يُقنع المرضى باختيار العلاجات القائمة على الأدلة العلمية، بدلًا من الاستطبابات المحلية المشكوك في فعاليتها”.

الفرز بين الحقيقة والخيال في المجال الصحي

وقد تحدَّثت ماري آن في مؤتمر مشروع ألبز، الذي انعقد في زيورخ في 13 سبتمبر، فقالت: “المعلومات هي العامل الأساسي المُحدِّد للوضع الصحي، وحولنا الكثير من المعلومات المغلوطة”.

وأضافت قائلة: “يفتقر المرضى في البلدان قليلة الموارد إلى شبكة أمان. فإن أخطأنا في أمر ما، ترتَّب عن ذلك عواقب وخيمة. وعلينا أن نتَّبع أعلى المعايير بأقصى درجات الصرامة”.

ويصعب التنبؤ بالمشاريع والمؤسسات التي ستستخدم حاسوب ألبز الفائق بعد عشر سنوات من اليوم، إذ لا يتّضح تأثير الذكاء الاصطناعي على علم الحاسوب وغيره من العلوم، بما فيه الكفاية في الوقت الراهن.

ويرى شولتز، أنَّ “المجهول الأكبر هو كيف ستتطوَّر تقنيات تعلُّم الآلة والذكاء الاصطناعي. فيُرجّح أن يُحدث الذكاء الاصطناعي تغييرات نجد معها أنفسنا ملزمين بالبحث عن طريق مختلفة تمامًا لاختيار المشاريع الجديدة ودعمها”.

وقد بدا تصميم حاسوب ألبز أكثر مرونة بكثير من سابقه بيز ديانت،  من أجل مواكبة التطوّرات في مستقبل يلفّه الغموض.  فيحاكي تصميمه النُظم السحابية، التي تتيح الدخول إليه عبر بوابات برمجية مُخصَّصة لتلبية احتياجات المشاريع المختلفة، بدقّة

ويشرح شولتز الفرق، فيقول: “ترسي تقنيات الحوسبة فائقة الأداء (HPC) في الماضي، بيئة ثابتة ينبغي للجميع التأقلم معها. وللمرّة الأولى، بات بإمكاننا دعم مجموعة من البيئات المختلفة بإجراء تعديلات على واجهات البرامج منفردة، لتتوافق مع احتياجات المجتمعات البحثية المختلفة”.

حاسوب ألبز
تم تصميم حاسوب ألبز العملاق مع مراعاة المرونة للباحثين. CSCS

واجهات برمجية حسب القياس

وقد سجَّلت عدة مشاريع لاستخدام حاسوب ألبز الفائق، منها مشروع “مرصد مصفوفة الكيلومتر المربع” (Square Kilometre Array Observatory)، الذي يسعى إلى رسم خارطة كونية بتفاصيل فائقة الدقة، موظّفا البيانات المستخلصة من آلاف الهوائيات الراديوية الموزعة في جميع أنحاء العالم.

وعلاوةً على ذلك، يهدف التعاون مع خدمات الأرصاد الجوية السويسرية والأوروبية، إلى إنتاج نماذج مستقبلية تتنبّأ بالأحوال الجوية، وتوفّر تفاصيل أكثر، وتتميز بدقة أعلى.

وسيواصل المركز الوطني السويسري للحوسبة العالية استخدام أساليبه السابقة الموثوقة، لاختيار المشاريع البحثية التي سيدعمها، منها الاستعانة بفريق علمي دولي لتقييم نزاهة المشاريع، وجاهزية الفرق المُرَشحة لاستخدام الحاسوب الفائق للالتزام بالأطر الزمنية المحدَّدة.

وسيركّز حاسوب ألبز الفائق على الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لتعزيز البحوث العلميّة، خلافًا لغايات شركات كبرى مثل جوجل وأمازون، التي تستخدم حواسيبها فائقة الأداء دعمًا لبحوثها الخاصة، وتعزيزًا لنموها التجاري.

وفي فعالية إطلاق مبادرة الذكاء الاصطناعي التي عُقدت في ديسمبر، أكَّد كريشتيان وولفروم، نائب رئيس قسم البحوث في المعهد التقني الفدرالي العالي بزيورخ، ضرورة أن “تؤدي العلوم دورًا رياديًّا في مجال استشرافي كهذا، لا أن تتركه في قبضة بعض الشركات متعددة الجنسيات، تلك هي الطريقة الوحيدة الضامنة لاستقلالية الجهود البحثية والريادة الرقمية في سويسرا”.

تحرير: فيرونيكا دي فوري

ترجمة: ريم حسونة

مراجعة: عبد الحفيظ العبدلي/أم

التدقيق اللغوي: لمياء الواد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية