مصر.. حلم كل طالب وعالم آثار
يوفر المعهد السويسري للأبحاث المعمارية والآثار لمصر القديمة فرصة للعديد من البحاثة وطلبة الآثار السويسريين والأوربيين للقيام بتدريب ميداني في ورش الحفائر في مصر.
ويعد المعهد قاعدة لوجيستية لمختلف البرامج التي تقوم بها الجامعات والمعاهد السويسرية التي تدير مشاريع في مصر في إطار علوم الآثار والأركيولوجيا.
إذا كان المعهد السويسري للأبحاث المعمارية والأثرية لمصر القديمة لا يشتمل في مقره في القاهرة إلا على ثلاثة بحاثة دائمين، فإنه يوفر قاعدة لا يُستهان بها بالنسبة للعديد من طلبة المعاهد السويسرية المتخصصة في علوم المصريات أو الأركيولوجيا.
كما يمنح المعهد فرصة للمتخصصين في علوم الآثار من سويسرا وألمانيا والنمسا لتوسيع آفاق معارفهم من خلال الإسهام في الأعمال التي يشرف عليها في مصر.
وأخيرا يوفر المعهد من خلال المشاريع المشتركة التي يديرها في مصر سواء مع الجانب المصري او الفرق العاملة الأخرى، فرصة لتبادل الخبرات والمعارف والتقنيات في مجال التنقيب عن الآثار وتوثيق وتحديد الحقب المختلفة للقطع الأثرية بالاستعانة بتقنيات حديثة وفي تعاون وثيق مع اكبر المعاهد العليا السويسرية.
صقل مواهب وتعميق تجارب
خلال تواجدنا في اسوان لإعداد هذا التحقيق، التقينا بجاكلين فيننيغر الخبيرة المتخصصة في معالجة قطع الفخار أو السيراميك والمتواجدة منذ ثلاث سنوات ونصف بمنطقة الحفائر التي يشرف عليها المعهد السويسري في إيلفنتين.
ومع أنها متخصصة في السيراميك الروماني المتواجد في سويسرا وفي أوروبا عموما إلا أنها ترى “أن السيراميك او الفخار الذي عثر عليه هنا في مصر يعود الى الحقب الرومانية وما بعدها، وبالتالي يدخل في إطار تخصصي. لكن يجب التوضيح بأنه يختلف قليلا وفي ذلك تعميق للمعرفة والخبرة”.
التفاصيل من خلال السيراميك
وعن عملها بالذات تقول الخبيرة السويسرية “عملي يتمثل في تقييم وتحديد حقبة القطع الفخارية التي يتم العثور عليها. وبالإضافة الى ذلك استنباط كل ما تحمله هذه القطع من معلومات سواء تلك المتعلقة بتقنية التصنيع او المتعلقة بالمكانة الاجتماعية أي ما إذا كانت قطع يستعملها النبلاء او عامة الشعب في الحياة اليومية او للتخزين.
كما يمكن الحصول على معلومات تتعلق بالطرق التجارية التي كانت تسلكها تلك القطع لأننا نعثر أيضا على قطع فخارية مستوردة من أماكن أخرى. فمثلا عندما نعثر على قطع شائعة في حوض البحر البيض المتوسط تتكون لدينا فكرة عن الطرق التجارية التي كانت سائدة في ذلك العصر.
ومن المعلومات التي يمكن الحصول عليها أيضا من خلال القطع الفخارية، المهام التي كانت تستعمل من أجلها تلك الأواني. كما ان وجود بعض الأواني الخاصة او عدم وجودها يعطي فكرة أيضا عن العادات الغذائية في المنطقة في تلك الحقب”.
وكل هذه المعلومات تعتبر هامة بالنسبة لعمال الآثار الذين يقومون بالحفائر، لأنه بدون معلومات هذه القطع الفخارية التي يعثر عليها لا يمكن تحديد الحقب الزمنية.
ورشة خاصة لمعالجة السيراميك
وقد استحدث المعهد السويسري بالاشتراك مع المعهد الألماني للآثار ورشة هامة لمعالجة السيراميك يشتغل فيها عدد من العمال المختصين في فرز ملايين القطع الفخارية وفقا للنوع بل أيضا بالنسبة للحقبة.
وتستخدم في ذلك تقنيات يوفرها المعهد التقني الفدرالي العالي في زيورخ. وقد تم إعداد عمال مصريين وتدريبهم على عملية الفرز ويقدم كلهم من منطقة ” قفط” المشهورة بأن أبنائها هم من أمهر عمال الآثار في مصر.
تعاون مع الجامعات السويسرية
يشير مدير المعهد السويسري للابحاث المعمارية والأثرية لمصر القديمة كورنيليوس فون بيلغريم الى أن العلاقات القائمة بين المعهد والجامعات السويسرية المتخصصة “قوية ومكثفة”. وهناك مشاريع مشتركة بين الطرفين في بعض الأحيان.
وقد خص بالذكر التعاون الوثيق مع معهد الأركيولوجيا الإقليمية في جامعة برن وبالأخص التعاون الوثيق مع البروفسور آن ماري كيلكي المتخصصة في علوم السيراميك التي تعودغإلى الحقب الرومانية حتى الإسلامية.
كما أشار الى التعاون القائم بين المعهد ومتحف الفن والتاريخ في جنيف، وبالتحديد مع البروفسور مارك أندري هالديمان. وللمعهد علاقات وثيقة مع جامعة بازل، قسم الأركيولوجيا الذي أرسل طالبة على وشك التخرج ساهمت في أشغال المعهد لمدة شهرين.
لكن مدير المعهد حتى وإن أشار الى كون المعاهد السويسرية المتخصصة في علوم المصريات في كل من بازل وجنيف لكل منها مشاريعه الخاصة في مصر، إلا أنه يعتبر أن المعهد يبقى الدعامة اللوجيستية لكل هذه النشاطات السويسرية في مصر.
حلم يتحقق
من المحظوظات من طلبة علوم المصريات في الحصول على تدريب عملي مطول بمشرع حفائر المعهد السويسري في إيلفنتين بأسوان، لويز فيرلين الطالبة بجامعة بازل والتي قضت للمرة الثانية مدة شهرين لإتمام أطروحة شهادة الليسانس في المصريات حول توثيق التحف التي عثر عليها في جزيرة إيلفنيتن.
عن انطباعها الشخصي بعد هذه التجربة تقول لويز فيرلين “يمكن القول انها تجربة جديدة في الحياة بصفة عامة لأن التواجد في مكان أبحاث اركيولوجية هو أمر خارق للعادة في حد ذاته. المثير انك تجد نفسك مضطرا للتعايش عن قرب ولفترة طويلة مع أناس لم تتعرف عليهم من قبل. وقد ترغمك الظروف على العمل لساعات مطولة عندما تقتضي ظروف الأبحاث ذلك وهو ما كنت أتوقعه. وما عشته يعتبر بحق تحقيقا لحلم كان يراودني منذ آن اخترت التخصص في علوم المصريات”.
وعما إذا كانت الفرصة التي توفرت لها هي متوفرة لكل طالب آخر في سويسرا تقول لويز “مبدئيا يمكن القول ان الفرصة متاحة أمام كل طالب في علوم الآثار. ولكن يجب ان يكون الطالب متوفرا مسبقا على بعض التجارب في ميدان الحفائر لأن التجارب الأولى لا يمكن القيام بها في مصر نظرا لكون اغلب الحفائر هنا تعتبر حفائر اضطرارية لا تسمح للعاملين في الميدان بالتفرغ لتقديم الإرشادات والسهر على تكوين طالب ليست له تجربة مسبقة في الحفائر. لكن الحصول على تجارب أولية في مجال الحفائر في أوروبا أمر ممكن ولو أنه يتطلب قليلا من الحظ الى جانب توفر الإرادة بالطبع”.
استفادة خبراء مصريين
يعتبر تلقين تقنيات فرز قطع السيراميك أو تقديم الإرشادات الموجهة حتى لأبسط العمال الميدانيين في حقل الحفريات، تكوينا متواصلا يستفيد منه كل من يحتك بالخبراء العاملين في المعهد السويسري.
من جهة أخرى، تسمح مشاريع مشتركة مثل الذي تعرفه أسوان القديمة بتبادل خبرات مشتركة بين الطرفين كما تمكن الجانب المصري من التعرف على تقنيات متطورة في مجالات القياس والتوثيق.
عن هذه التجربة يقول مدير المعهد السويسري كورنيليوس “لقد نظمنا هذا المشروع المشترك مع قسم الآثار المصري بطريقة تسمح لزملائنا المصريين او من نسميهم بالمفتشين في قسم الآثار، بالحصول على التكوين الضروري: كالتعرف على النظام المعمول به وإطلاعهم على تفاصيل التحليل والتوثيق والتقييم والنشر”.
ويضيف كورنيليوس “أي لتمكينهم من القيام بالعملية من البداية حتى النهاية على أساس ان يقوموا بذلك في يوم من الأيام لوحدهم”.
لكن نظرا لخصوصية مشروع أسوان المتمثل في أعمال حفائر اضطرارية، يرى مدير المعهد أن استقبال طلبة فيه أمر مستحيل نظرا لخصوصية العمل الذي يتطلب معرفة مسبقة بأعمال الحفائر ونظرا للضغط الممارس على الخبراء والذي لا يسمح لهم بالتفرغ للتكوين.
بدأ الاهتمام بتدريس علوم المصريات او الحضارة المصرية القديمة في الجامعات السويسرية في وقت متأخر عما عرفته فرنسا أو المانيا ولكن في نفس الوقت الذي انطلقت فيه في بريطانيا مثلا، أي في حدود عام 1891 لما تم تأسيس اول كرسي لها في جنيف. وأول من تولى التدريس فيه كان البير نافيل حتى العام 1914.
بعد توقف استأنف جورج ناغيل المهمة في عام 1944. وتعتبر جنيف الجامعة السويسرية الوحيدة التي تولت ما بين عامي 1964 و 1997 تدريس اللغة والآداب القبطية.
المركز الجامعي الثاني المهتم في سويسرا بعلوم المصريات هو بازل وذلك منذ عام 1957 بحيث تولت التدريس في هذه الفروع كل من أورسولا شفايتسر، وسيغفريد مورنتس وغيرهم.
وكانت للعديد من المعاهد السويسرية الأخرى محاولات لتدريس علوم المصريات من حين لآخر ولكن بشكل متقطع.
ويعتبر متحف الفنون والتاريخ بجنيف ومتحف التحف العتيقة في بازل من أهم المتاحف السويسرية التي توجد بها أكبر عينة من التحف المصرية القديمة.
اجتذب معرض توت عنخ آمون الذي أقيم في بازل في عام 2004 واشتمل على أكثر من 120 قطعة فنية نادرة (جلبت خصيصا من متحف القاهرة) أكثر من 600 الف زائر.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.