مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية ومعضلة التعاون لمواجهة الأوبئة

AFP

خصص اجتماع الخبراء للدول الأعضاء في معاهدة حظر الأسلحة السمية والبيولوجية - الذي يختتم أعماله يوم 28 أغسطس الجاري في جنيف - حيزا وافرا من نقاشه لمعضلة التعاون لنشر المعرفة في مجال محاربة الأوبئة.

وبينما تطالب الدول النامية بضرورة تفعيل بند التعاون الذي تنص عليه المادة العاشرة من المعاهدة، تعترض الدول المتقدمة على ذلك بذريعة حماية أبحاثها العلمية من جهة، واحتمال وجود مخاطر من أن يؤدي ذلك إلى انتشار إمكانية صنع الأسلحة البيولوجية، من جهة أخرى.

هذا النقاش، حسب بعض الخبراء، ليس بالجديد بحيث يُعتبر من المواضيع التي طالما تم طرحها منذ دخول معاهدة حظر استحداث وإنتاج وتخزين وتدمير الأسلحة البيولوجية والسمية حيز النفاذ في 26 مارس 1975.

لكن الجديد هذه المرة أن بعض الدول أو بعض المجموعات المشاركة في اجتماع الخبراء المنعقد في قصر الأمم في جنيف من 24 حتى 28 أغسطس، ترغب في إدخال إجراءات إلزامية تقنن مسألة التعاون في مجال الأبحاث البيولوجية لتمكين الدول الفقيرة والنامية من مواجهة انتشار الأوبئة. بل هناك من يرغب حتى في تقنين ما يجب تطبيقه على الدول التي ترفض التعاون في هذا المجال.

شرح التعقيدات بعيدا عن السياسة

لتوضيح التعقيدات الكامنة وراء عملية التعاون في مجال الأبحاث البيولوجية لأغراض سلمية ولمساعدة الدول النامية في مواجهة انتشار واحتواء الأوبئة، التي تنص عليها معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية في بندها العاشر، والتخوفات من إمكانية إسهام ذلك في انتشار الأسلحة البيولوجية بطريقة مخالفة لما تنص عليه هذه المعاهدة، يجدر الإطلاع على جوهر ورقة قدمها معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلم في هذا الاجتماع في جنيف.

وتطرق المعهد لشرح هذه الإشكالية من منطلق تجاربه كمعهد للأبحاث واتصالاته بباقي المخابر والمعاهد. وتوصل إلى خاتمة مفادها أن هذا التعاون، الذي يتطلب تبادل معلومات ومعارف وتكنولوجيا وخبرات في مجال تشخيص وتحليل واحتواء الأمراض المعدية، يتوقف على مدى رغبة الدول في تقديم مثل هذا التعاون الذي ينظر له في بعض الأحيان على أنه موضوع حساس ومحفوف ببعض المخاطر، كسقوط تلك المعلومات والخبرات بين أيادي تسيء الاستعمال.

وحتى ولو توفرت الإرادة للقيام بهذا التعاون، يرى المعهد أن الدولة النامية المستقبلة لهذا التعاون يتطلب منها توفير بنية تحتية وتخصيص أموال هامة لهذا المجال، وهذا ما لا يتوفر في بعض الأحيان بالنسبة لقطاع صحي يعاني من نقص الأموال.

أما العنصر الثالث الذي أثاره معهد ستوكهولم في هذه الإشكالية، فهو ضرورة توفر مخابر في البلدان الراغبة في الاستفادة من هذا التعاون، تكون قادرة على التحكم في عملية انتشار الوباء بشكل دائم ومستمر، سواء كان انتشار الوباء ناتجا عن تصرف متعمد أو بشكل طبيعي.

ومن هذا المنطلق، أعد معهد ستوكهولم كتيبا في شهر يونيو الماضي يشرح فيه مبادئ الأمن البيولوجي أو ما يعرف بـ “البيو سيكوريتي”، يمكن تطبيقها في المخابر العاملة في المجال البيولوجي.

نعم للتعاون ولكن بشكل طوعي

إذا كانت معاهدة حظر الأسلحة السمية والبيولوجية تنص في بندها العاشر على ضرورة التعاون، فإن الدول المتقدمة تتبنى مفهوما لذلك التعاون يقوم على ما تسمح به سياساتـُها في مجال يعتبـر من أدق المجالات العلمية، ويحتوي على معلومات حساسة وقد يُساء استعمالها لو سقطت بين أيادي منحرفة.

لذلك تقتصر هذه الدول عند الحديث عن هذا الموضوع على سرد تجاربها وتجارب مخابرها في مجال التعاون. وهذا ما قامت به الولايات المتحدة أثناء هذا الاجتماع للخبراء إذ عرضت ورقة تحت عنوان “جهود حكومة الولايات المتحدة الأمريكية في دعم قدرات العالم في مراقبة انتشار الأوبئة ومواجهتها”.

فهي بعد أن أعربت عن قناعتها بضرورة حصول دول العالم على قدرات لتشخيص الأوبئة بسرعة ومواجهتها، تعتقد أن ذلك يتجسد من خلال ما تقوم به مع الجهات المختصة الدولية، مثل منظمة الصحة العالمية، ومن خلال ما تقوم به مع بعض الدول. وترى الإدارة الأمريكية أن ما تقوم به يذهب إلى أبعد مما ينص عليه البند العاشر من المعاهدة.

وقد أورد الوفد الأمريكي بعض الأمثلة لهذا التعاون مع دول مثل الصين ومصر وغواتيمالا وكازاخستان وكينيا وتيلندا، من خلال برامج تكوين الخبراء في تشخيص الأوبئة، ومن خلال تحضير برامج وبنوك معلومات عن الأوبئة، ودعم مخابر التحليل وتشجيع البحث العلمي، وتعزيز شبكات الترويج للتقارير الخاصة بالأوبئة. وأشار الوفد الأمريكي إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت أكبر ممول للجهود الدولية لمواجهة وباء أنفلونزا الطيور وأوبئة أخرى.

التعاون من خلال آلية ملزمة

لكن مجموعة دول عدم الانحياز بقيادة كوبا، ومعها دول من خارج المجموعة، لا ترغب في أن يبقى التعاون انتقائيا، ومع الدول التي لها مصالح مشتركة، بل أن يطبق عبر آلية ملزمة يطلق عليها اسم “آلية التطبيق الفعلي للبند العاشر من المعاهدة”.

وقد تقدمت دول عدم الانحياز في شهر ديسمبر 2006 بهذه المبادرة التي تقترح فيها برنامج عمل لتفعيل تطبيق المادة العاشرة في مجال التعاون الدولي لمواجهة انتشار الأوبئة، بعد أن استنتجت أن السنوات التي انقضت منذ دخول المعاهدة لم تسمح بهذا التعاون المنشود.

لذلك تطالب في مشروعها هذا – الذي قد يُعرض على مؤتمر المراجعة السابع في عام 2011 -بضرورة اتخاذ قرار لفتح مفاوضات حول بروتوكول إلزامي لتعزيز تطبيق بنود المعاهدة عموما، وبند التعاون الدولي بالخصوص، لأغراض سلمية.

وترى أن التفاوت في المجال العلمي بين الدول الأعضاء في معاهدة حظر الأسلحة البيولوجية، قد يخفف منه التطبيق الفعلي للمادة العاشرة التي تنص على التعاون الدولي.

وتطالب دول عدم الانحياز في هذا الاقتراح الدول المتقدمة بتعزيز التعاون الدولي لصالح كل الدول الأعضاء في المعاهدة؛ وذلك بنقل التكنولوجيا، ودعم الدول النامية بالمعدات المستعملة في الأبحاث البيولوجية السلمية، ورفع كل التحديدات المخالفة لمبادئ وروح المعاهدة.

وتعزز هذا المطلب بضرورة مواجهة الدول النامية لموجات أوبئة متزايدة، مما يجعلها غير قادرة على الإيفاء بالتزاماتها الدولية لو استمرت في الخضوع لتحديدات من قبل الدول المتقدمة.

وهناك دول مثل إيران ذهبت إلى أبعد من ذلك، بحيث تقدمت بمشروع يطالب حتى بكيفية معاقبة الدولة التي ترفض التعاون في هذا المجال.

وعلى الرغم من أن موضوع التعاون الدولي في مجال حساس مثل المجال البيولوجي قديم قدم المعاهدة، إلا أنه مع ظهور هذه الأوبئة المتكررة – من سارس وإنلفونزا الطيور وأخيرا أنفلونزا الخنازير – واللجوء إلى تعبئة دولية شاملة لمواجهة الانتشار، أعاد الاهتمام بهذا الموضوع، وشجع البعض على إعادة طرحه بإلحاح.

ويُفترض أن يتم تقديم توصيات الخبراء للاجتماع القادم للدول الأعضاء في معاهدة حظر الأسلحة السمية والبيولوجية للنظر في مضمونها قبل أن تتخذ شكل مشاريع اقتراحات رسمية تعرض على الدول الأعضاء في مؤتمر المراجعة السابع في عام 2011.

محمد شريف – جنيف – swissinfo.ch

الإسم الرسمي: اتفاقية حظر استحداث وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية والسمية وتدمير تلك الأسلحة.

تم اعتمادها في عام 1972، وعرضت على التوقيع في 10 أبريل 1972، ودخلت حيز النفاذ في 26 مارس 1975.

الدول الأعضاء فيها حتى تاريخ 8 أكتوبر 2008، 162 دولة.

الجهات المودعة للاتفاقية هي حكومات روسيا الفدرالية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية.

تلتزم الدول الأعضاء في المعاهدة بتسهيل التبادل على أوسع نطاق في الأجهزة، والمعرفة العلمية والتقنية التي لها علاقة باستعمال عناصر بيولوجية أو سمية لأغراض سلمية، كما من حقها الإسهام في هذا التبادل.

ومن حق الدول التي لها تلك الإمكانية أن تتعاون بتقديم مجهوداتها، فردية أو جماعية أو بالاشتراك مع منظمات دولية، لتوسيع نطاق الاستفادة المسقبلية، وتطبيق الاكتشافات العلمية في المجال البيولوجي (البكتريولوجي) بهدف الوقاية من الأمراض، أو لأغراض سلمية أخرى.

وستطبق هذه المعاهدة بطريقة لا تعرقل عملية التنمية الاقتصادية أو التقنية للدول الأعضاء في المعاهدة، أو عرقلة التعاون الدولي في مجال النشاطات البكتريولوجية (البيولوجية) السلمية، بما في ذلك تبادل العناصر البيولوجية (بكتريولوجية) أو السمية، وكذلك الأجهزة المستخدمة في ضبط واستخدام وإنتاج عناصر بيولوجية (بكتريولوجية) لأغراض سلمية وفقا لبنود المعاهدة.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية