مناهضة التعذيب بين انضمام بعض العرب إلى البروتوكول الإختياري وتردد الأغلبية
سمحت ثورات الربيع العربي بإعطاء آمال كبرى لرؤية الأنظمة الجديدة تخصص مكانة كبرى للمعاهدات الدولية ومن ضمنها آليات مناهضة التعذيب.
المناقشات التي دارت في سياق الملتقى الدولي الذي نظمته جمعية الوقاية من التعذيب بمناسبة مرور خمسة أعوام على دخول البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب حيز التنفيذ حاولت أن تتعرف على حقيقة الأمر.
كان الملتقى الدولي الذي نظمته جمعية الوقاية من التعذيب APT (منظمة غير حكومية سويسرية) في مدينة جنيف يومي 10 و 11 نوفمبر 2011 ، فرصة لمراجعة كيفية تعامل الدول مع مسالة مناهضة التعذيب، ومحاولة تحديد الثغرات التي لا تزال قائمة في مجال محاربة ظاهرة التعذيب، وكيف يمكن تحسين الوقاية من هذه الجريمة التي يقول خوان مينديز، المقرر الخاص الأممي المعني بمناهضتها إنها “في تزايد وليست في تراجع”.
إمكانيات وقاية يوفرها البروتوكول
الاجتماع الذي نظم بمناسبة مرور خمسة أعوام على دخول البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب حيز التنفيذ، سمح بفتح النقاش بمشاركة حوالي 300 شخص من ممثلي الدول والخبراء الدوليين والأمميين وممثلي منظمات المجتمع المدني وذلك لتسليط الضوء على ضرورة انضمام كل الدول للبرتوكول الاختياري المضاف لمعاهدة منع التعذيب.
وقد ركز المنظمون على توضيح الإمكانيات المتاحة من قبل البرتوكول الإضافي أو الاختياري في مجالي الوقاية والتطبيق لبنود معاهدة مناهضة التعذيب، بالإشارة الى أنه أول آلية أممية تخصص مكانة للمؤسسات الوطنية لكي تلعب دورا في عملية تطبيق بنود المعاهدة. كما أنه الآلية الأممية الأولى التي دُعّمت بصلاحيات في مجال الوقاية.
ولكن على الرغم من مرور خمسة أعوام على اعتماده، لا زال البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب يعاني من نقص في عدد الدول التي اعتمدته لحد اليوم إذ لا يتجاوز عدد الدول الأعضاء فيه 61 دولة وعدد البلدان الموقعة عليه 22 دولة.
وكان لبنان، البلد العربي الوحيد المصادق على البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب في المنطقة العربية قبل أن تلتحق به تونس بعد الثورة، في حين تستعد كل من موريتانيا والمغرب للإنضمام. هذا ما يُستخلص من المائدة المستديرة التي خصصها المؤتمر في يومه الثاني لتسليط الضوء على كيفية تعامل الدول العربية مع البرتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب. وقد اخترنا لذلك النموذج المتسرع في تونس بعد الثورة، والنموذج المتزن في المغرب، والنموذج المتردد في الأردن.
المغرب في الطريق للتصديق
بعد شهرين من تنظيم مؤتمر في المغرب للتحسيس بضرورة الانضمام للبروتوكول الاختياري لمعاهدة مناهضة التعذيب، شرع المغرب في خطوات عملية لإكمال إجراءات الانضمام. إذ يقول كريم الكام من المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب أن “السلطات المغربية صادقت على عملية الانضمام وما هي بصدد إكماله الآن هو تقديم وثائق التصديق لسكرتارية منظمة الأمم المتحدة “.ويعتبر السيد كريم الكام أن ما سرًع عملية الانضمام “هو اعتماد دستور جديد في المغرب يُجرم ممارسة التعذيب”.
وعلى مستوى الممارسات يرى السيد الكام أن “استبدال المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بمجلس وطني لحقوق الإنسان، خول هذا الأخير مهام الوقاية من التعذيب وإمكانية القيام بالتحقيقات وحتى الزيارات لكل أماكن الاعتقال، وحتى أماكن علاج المصابين بالأمراض العقلية”.
وهناك طلب تقدم به المقرر الخاص الأممي المعني بمناهضة التعذيب لزيارة المغرب. ويرى السيد حميد الكام “أن المجلس الوطني نصح السلطات المغربية بالإسراع بالرد على طلب المقرر الخاص وان هناك توجها نحو دعوته لزيارة المغرب”. وفي مجال الوقاية يرى السيد حميد الكام ” أن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وبالاعتماد على بنود الدستور الجديد مستعد لكي يلعب دور المحرك لإقامة استراتيجية وآلية وطنية للوقاية من التعذيب”.
الأردن: مقاومة للانضمام مع إبداء ليونة ؟
إذا كان الأردن عضوا في معاهدة مناهضة التعذيب فإنه رغم الجهود التي تبذلها الكثير من منظمات المجتمع المدني الأردنية لازال غير منضم للبرتوكول الاختياري. وترى هبة أبو حلاوة من جمعية الميزان لحقوق الإنسان بالأردن ” أن نشاط منظمات المجتمع المدني في الفترة الأخيرة وإثارة الموضوع من قبل جهات مثل اللجنة الأوربية، دفع السلطات الى الشروع في تغيير موقفها الرافض في البداية لتوصيات لجنة مناهضة التعذيب والتي طالبتها أثناء تقديم التقرير الأخير حول التعذيب، بالانضمام للبرتوكول الاختياري”.
وترى هي الأخرى أن ” الإصلاحات الدستورية الجديدة أدخلت بندا ينص على إلغاء التعذيب في مناطق الاعتقال ولو أن ذلك لا يرقى الى مستوى ما تصبو إليه المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان” على حد قولها.
وفي انتظار انضمام فعلي للبرتوكول الاختياري، تقوم المنظمات الأهلية في الأردن بعدة نشاطات لتعزيز عملية المطالبة بالانضمام، منها تأسيس ائتلاف وطني يضم 70 مشاركا من جمعيات أهلية ومصالح حكومية مثل المحاكم ووزارة العدل. وتشدد جمعية الميزان لحقوق الإنسان على إثارة مسألة تعويض ضحايا التعذيب إذ تقول السيدة هبة أبو حلاوة ” ليس فقط متابعة الشخص المسئول عن ممارسة التعذيب بل أيضا الجهة الحكومية التي تمت فيها ممارسة التعذيب وهذا أمام محاكم الشرطة إذا كان الجاني من الشرطة، أو المحاكم العسكرية إذا كان الجاني من الجيش او المخابرات”.
وترى السيدة هبة أن “هذه الجهود هي لتمهيد الطريق لعملية التطبيق في حالة انضمام الأردن للبروتوكول الاختياري لاحقا لأن العديد من الدول العربية تسارع للانضمام ولكنها تتأخر في عملية التطبيق الفعلي لبنود المعاهدات التي تصادق عليها”.
من جهة أخرى، أعربت السيدة هبة أبو حلاوة عن بعض التفاؤل بعد تعيين رئيس وزراء جديد “من سلك القضاء وكان قاضيا سابقا في محكمة العدل الدولية وهو ما يعني أنه أكثر اقتناعا بأهمية الانضمام للآليات القانونية الدولية”، على حد تأكيدها.
تونس: مصادقة على الفور بعد الثورة
تونس كانت من الدول العربية التي سارعت للتوقيع على معاهدة منع التعذيب في نهاية عهد الرئيس بورقيبة . ولكن ذلك لك لم يمنع، حسب السيد عبد الوهاب الهاني مؤسس حزب “المجد” وعضو الشبكة العالمية لحقوق الإنسان من “تعريض أجيال من النشطاء السياسيين لعملية التعذيب”.
وعلى الرغم من رفع التحفظات على المادتين 21 و 22 من معاهدة منع التعذيب في عهد الرئيس السابق زين العابدين بن علي، الأمر الذي يسمح بالتقدم بشكاوى في حالة التعرض للتعذيب، “لم يتمكن الضحايا وذويهم من استخدام ذلك بشكل جيد أمام المحاكم” في تقدير السيد الهاني.
لكن تونس بعد الثورة، سارعت للانضمام للبرتوكول الاختياري حتى بدون مناقشة. وهو ما يرى فيه السيد عبد الوهاب الهاني “أمرا إيجابيا”. ولكنه يستدرك ليوضح أيضا أن هذا التمشي “يكرس ممارسة سابقة وهي اعتماد قرارات بدون مناقشة عامة وبإرادة من السلطة الأمر الذي يترتب عنه جهل الكثيرين بما ينجم عن هذا الإنضمام خصوصا عندما يتعلق الأمر بآلية للوقاية من التعذيب”.
ويقترح الهاني – بالنظر الى واقع المجتمعات العربية اليوم التي تطغى عليها تيارات دينية إسلامية، وحيث تتم إعادة نظر شاملة في مقومات الهوية أن “يتم توسيع النقاش بخصوص التعذيب لكي يشمل القيم الأخلاقية والدينية المناهضة لعملية التعذيب او الإكراه وأن يتم إشراك رجال الدين في حملات التوعية”.
من جهته، شدد السيد فرج فنيش رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان بجنيف على أن “عملية إقامة مكتب للمفوضية السامية لحقوق الإنسان الذي تم بطلب ملح من المنظمات التونسية المدافعة عن حقوق الإنسان بعد الثورة، تضمنت نقاشا مطولا حول تخويل المكتب صلاحية القيام بزيارات مباغتة لمراكز الاعتقال، ونشر تقرير عن ذلك بدون ترخيص مسبق” من السلطات الرسمية.
تم تنظيم أول منتدى دولي للوقاية من التعذيب يومي 10 و11 نوفمبر 2011 في جنيف.
كانت المناسبة مرور 5 أعوام على دخول البروتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب حيز التطبيق
شارك في المنتدى أكثر من 300 مشارك قدموا من 90 دولة.
عدد الدول التي صادقت على البرتوكول الاختياري لحد اليوم هي 61 دولة ، وهناك حكومات 21 دولة وقعت على البرتوكول ولا زالت تنتظر مصادقة برلماناتها عليه.
كان لبنان البلد العربي الوحيد المنضم للبرتوكول الاختياري لمناهضة التعذيب في 2008. والتحقت به تونس في يونيو 2011 بعد ثورة 14 يناير. وفي الوقت الحاضر، تقوم موريتانيا والمغرب بالإعداد لعملية الانضمام.
أشرفت على تنظيم وتسيير المنتدى جمعية الوقاية من التعذيب APT التي تتخذ من جنيف مقرا لها وهي منظمة سويسرية غير حكومية تنشط منذ عام 1977 في مجال الوقاية من التعذيب.
كانت هذه الجمعية وراء اعتماد الأمم المتحدة لبروتوكول إضافي لمعاهدة مناهضة التعذيب في 18 ديسمبر 2002، يركز بالدرجة الأولى على تنظيم عملية الوقاية من التعذيب بمشاركة آليات وطنية مستقلة وعبر الزيارات الفجئية وغير المحدودة إلى مراكز الاعتقال والإيقاف بشتى أصنافها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.