مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

علويون في غرب سوريا يفرّون من المسلحين بينما “الجثث تملأ الشوارع”

afp_tickers

اختبأت رحاب كامل وعائلتها في حمّام منزلهم الواقع في مدينة بانياس في غرب سوريا ليومين، هربا من مسلحين يجوبون الأحياء بحثا عن سكانها العلويين ويقتلون أفراد هذه الأقلية المرتبطة بالرئيس المخلوع بشار الأسد.

تروي ربّة المنزل البالغة 35 عاما بحرقة لوكالة فرانس برس عبر تطبيق واتساب “اختبأنا في الحمام وأطفأنا الإنارة بشكل كامل لمدة يومين”.

تضيف أنه حين “تمكنا من الهروب من حي القصور (في بانياس)، كانت الجثث تملأ الشوارع والدماء تسيل من المنازل”.

لجأت رحاب وعائلتها الى منزل عائلة مسيحية استضافتهم موقتا، قبل إيصالهم إلى منطقة محاذية للحدود مع لبنان.

وتسأل السيدة بألم “ما ذنب الأطفال؟ هل هم أيضا فلول (الحكم السابق)؟”، مضيفة “نحن كطائفة علوية لا ذنب لنا”.

وبدأ التوتر الخميس في قرية ذات غالبية علويّة في ريف اللاذقية على خلفية توقيف قوات الأمن لمطلوب، وما لبث أن تطوّر الأمر إلى اشتباكات بعد إطلاق مسلّحين علويين النار، وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.

وأرسلت السلطات السورية تعزيزات الى المنطقة الساحلية حيث تتركز هذه الأقلية التي ينتمي إليها الأسد. واندلعت منذ ذلك الحين اشتباكات أسفرت عن مقتل أكثر من ألف شخص بينهم أكثر من 700 من المدنيين العلويين، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.

وأفاد المرصد بأن المدنيين، وبينهم نساء وأطفال، قضوا بنيران قوات الأمن السورية ومجموعات رديفة لها، وكثر منهم في عمليات “إعدام ميدانية” خلفياتها طائفية أو مناطقية.

وهذه الأحداث هي الأعنف تشهدها سوريا منذ أطاحت فصائل معارضة تقودها هيئة تحرير الشام ذات التوجه الإسلامي، بالأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي.

ودعا الرئيس الانتقالي أحمد الشرع الأحد الى الحفاظ على “الوحدة الوطنية والسلم الأهلي” في سوريا، مشددا على أن السوريين قادرون على “أن نعيش سوية بهذا البلد قدر المستطاع”.

– في الدقائق الأخيرة –

وأقرّ مصدر أمني سوري لوكالة سانا الرسمية الجمعة بحصول “انتهاكات فردية” في الساحل، من دون أن يحدد ماهيتها. لكنه أكد العمل على “إيقاف هذه التجاوزات التي لا تمثل عموم الشعب السوري”.

لكن الشهادات والروايات التي تتوالى من المنطقة، إن بالتواصل المباشر أو عبر الشبكات الاجتماعية، تؤشر الى وقوع عمليات تصفية منهجية.

وفي حين قدّم الأسد نفسه على مدى أكثر من ربع قرن على أنه حامي الأقليات في سوريا، تعهدت السلطات الجديدة بعد إسقاطه بضمان حقوق كل مكونات المجتمع ذي التركيبة المتنوعة.

لكن في الساحل حيث يتركز العلويون الذين يشكلون نحو تسعة بالمئة من سكان سوريا ذات الغالبية السنية، طغى الخوف من الانتقام على الوعود بالحماية خلال الأيام الماضية.

ولم يشفع لكثر أنهم كانوا من المعارضين للأسد خلال فترة حكمه. 

ومن هؤلاء سمير حيدر (67 عاما) الذي يؤكد أنه نجا من الموت في اللحظات الأخيرة بعدما فرّ وعائلته قبل دقائق من وصول مسلحين إلى المبنى حيث يقطن في مدينة بانياس. لكن شقيقيه وابن شقيقه لم يحالفهم الحظ وقتلوا جميعا.

وقضى حيدر، وهو يساري معارض، أكثر من عقد في سجون الأسد. كما اعتقل شقيقاه.

ويروي كيف بدأ بسماع أزيز الرصاص ودوي الانفجارات منذ صباح الجمعة مع وصول التعزيزات الأمنية إلى بانياس، مشيرا الى أن من بين المجموعات التي وصلت “عناصر أجنبية”.

يضيف “صعدوا إلى المبنى وقتلوا جاري الوحيد، لو تأخرت خمس دقائق لكنت في عداد الموتى(…) أنقِذنا في الدقائق الأخيرة” بعدما فرّ مع زوجته وابنيه إلى حي ذي غالبية سنية في بانياس.

على مسافة غير بعيدة من منزله، دخل المسلحون الجمعة إلى المبنى حيث يقطن شقيقه. 

ويروي حيدر “أخرجوا جميع الرجال… إلى السطح وأطلقوا النار عليهم…شقيقي قتل، وكل رجال المبنى قتلوا”.

أما شقيقه الآخر البالغ 74 عاما، فقد قتل مع ابنه بالطريقة نفسها، حالهما كحال رجال المبنى حيث كانا يقيمان.

ويكمل حيدر الذي لم يتمكّن من دفن شقيقيه بعد أن “هناك منازل فيها أربع جثث وخمس جثث… لقد ناشدنا أننا نريد أن ندفن موتانا”.

– “الجثث في البحر” –

في مدينة اللاذقية الى الشمال من بانياس، قال شهود عيان لفرانس برس إن مسلحين خطفوا العديد من العلويين الذين عثر على جثثهم في وقت لاحق.

ومن بين هؤلاء مدير المركز الثقافي في المدينة ياسر صبوح الذي روى شهود إنه خطف ورميت جثته أمام منزله لاحقا.

وفي جبلة الواقعة بين بانياس واللاذقية، روى شابّ بحرقة عبر الهاتف لفرانس برس، كيف دخل مسلحون المدينة.

وقال باكيا “نحن ستة أشخاص في المنزل…أنا ووالدي واخوتي، ولا أحد يجرؤ على الخروج من المنزل إطلاقا”، مضيفا “نحن بلا كهرباء لليوم الرابع على التوالي، وبدون مياه، ونفد الطعام من بيتي”.

وأكمل متأثرا “قتل أكثر من 50 شخصا من عائلتي واصدقائي ولم يسمح لنا بالخروج ودفن الموتى… لملموا الجثث بالجرافات ودفنوهم في حفر جماعية ولم يسمحوا للهلال الأحمر بالدخول”.

وتابع “هناك جثث تم رميها في البحر”.

وتمكّن بعض سكان المناطق الساحلية من الفرار عبد الحدود الى لبنان، ومنهم جعفر علي (32 عاما) المتحدر من إحدى القرى العلوية القريبة من جبلة.

ويقول الشاب الذي وصل الى لبنان مع شقيقه “لا أعتقد أنني سوف أعود في القريب العاجل إلى سوريا”. 

وأضاف “نحن لاجئون بلا وطن وسنطالب بتوطيننا في دولة آمنة تكفل حقوقنا ولا نتعرض فيها للاضطهاد”، متابعا “نريد دولا تفتح لنا هجرة إنسانية للعلويين أو نريد حماية دولية”. 

لو-اط/كام/ود

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية