“على أوروبا أن لا تتخلى عن الدفاع عن قيمها”
يرى ديك مارتي، المقرر الخاص لمجلس أوروبا أن مكافحة الإرهاب يجب أن تتم في إطار احترام دولة القانون وليس بوسائل تنتهك حقوق الإنسان.
وفي حديث خاص، أفاد عضو مجلس الشيوخ السويسري بأن بعض الحكومات تحاول تشويه تقريره حول الترحيل غير القانوني للمساجين من طرف المخابرات الأمريكية.
مرة أخرى يؤكد ديك مارتي، عضو مجلس الشيوخ السويسري والمقرر الخاص للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا أن الجهود التي تبذل لمكافحة الإرهاب “يجب أن تتم في إطار احترام دولة القانون” ويشدد على أن لا تستعمل فيها “وسائل تنتهك حقوق الإنسان”.
وفي حديث مع سويس إنفو، كشف مارتي عن أن بعض الحكومات الأوروبية تسعى بكل ما أوتيت من قوة إلى تشويه التقرير الذي أعده حول الترحيل غير القانوني للمساجين من طرف المخابرات الأمريكية الذي سيعرض يوم 27 يونيو للنقاش من طرف أعضاء الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا في ستراسبورغ (فرنسا).
سويس إنفو: حصل تقريركم حول الترحيل غير الشرعي للأشخاص يُشتبه بأنهم إرهابيون على الكثير من المديح لكنه تعرض لعديد الإنتقادات من جانب الحكومات المعنية. عندما قبلت هذه المهمة، هل كنت تعرف أنك ستجني الكثير من الأعداء؟
ديك مارتي: لقد أديت هذه المهمة باقتناع نظرا لأنه يتراءى لي أن الدفاع عن تلك القيم التي سمحت لأوروبا بإنجاز قفزة حضارية خلال الستين عاما المنقضية أكثر من صحيح.
فبعد كارثة الحرب العالمية الثانية قامت أوروبا بتطور هائل من خلال التصديق على المعاهدة (الأوروبية) لحقوق الإنسان وبتأسيس المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. لقد قامت الدول الأوروبية باختيار قيم تمثل ما يشبه السد بوجه التردي مجددا في البربرية.
لذلك فمن الطبيعي تماما أن يرغب المجلس الأوروبي – باعتباره الراعي لهذه القيم – في الإهتمام بهذه القضية. منذ زمن طويل، دعا المجلس الأوروبي إلى الوقوف بوجه الإرهاب، لكنه يطالب بأن تتم مكافحته بوسائل دولة القانون وليس بوسائل غير مشروعة تماما.
سويس إنفو: وهي وسائل غير مشروعة تحولت – حسب تقريركم، إلى ممارسة عادية من طرف الإدارة الأمريكية..
ديك مارتي: لقد طورت الإدارة الأمريكية مفهوما يُسمى “rendition الذي يعني عمليا اختطاف أشخاص مشتبهين بالإرهاب دون أن يتم التثبت في هذا الإشتباه من طرف هيئات قضائية. هؤلاء الأشخاص يتم إخفاؤهم في مراكز اعتقال غير معروفة تماما مثل غوانتنامو أو كابل أو يتم إعادة تسليمهم إلى بلدانهم الأصلية التي تمارس التعذيب على نطاق واسع. بالنسبة لمن يُدافع عن دولة القانون، من غير المقبول تماما أن أحدا من هؤلاء الأشخاص لم تتم محاكمته إلى حد الآن.
إن الإدارة الأمريكية قد أقدمت على خيار لها ميزة الوضوح على الأقل. فهي تقول عمليا: بمواجهة الإرهاب، نجد أنفسنا في حالة حرب لذلك لا نستطيع تطبيق القانون الجنائي. لكنها ترفض حتى تطبيق قانون الحرب بدءا بمعاهدات جنيف.
سويس إنفو: ومع هذا فإن الولايات المتحدة على غرار البلدان الأوروبية تعلن أنها أكبر المدافعين عن الحريات والحقوق الإنسانية..
ديك مارتي: بالنسبة لي، تظل الولايات المتحدة بلد حرية وديمقراطية بشكل أساسي، إلا أنها تصرفت بشكل ملتبس جدا على المستوى الدولي. لقد أدخلت الولايات المتحدة في عقليتها القانونية تفرقة بينها وبين الآخرين.
فعلى سبيل المثال، لا تنطبق الإجراءات المتخذة ضد الإرهاب على مواطنيها، فهي لا تستعمل إلا بالنسبة للمواطنين غير الأمريكيين وخارج الأراضي الأمريكية فحسب. إنه شكل من أشكال الأبارتايد القانوني الذي لا يمكن التسامح معه بالمرة. لقد طورت الولايات المتحدة قاعدة فلسفية بسيطة جدا مفادها أن ما هو جيد للشعب الأمريكي يبرر عمليا (اللجوء إلى) كل الوسائل.
سويس إنفو: تقول الإدارة الأمريكية إن مكافحة اتلإرهاب بالوسائل التقليدية غير ممكنة. ما هو رأيك؟
ديك مارتي: شخصيا أعتقد أن الوسائل المستعملة من طرف الأمريكيين خلال السنوات الأخيرة ليست قليلة النجاعة فحسب بل إنها ذات آثار عكسية أيضا نظرا لأنها تثير حنق كل العالم الإسلامي وتخلق حركة تعاطف مع الإرهاب. وبالنسبة للإرهاب فإن المتعاطفين معه هم أشبه ما يكون بالأوكسجين للنار: إذ على قدر ما يتكاثر المتعاطفون مع الإرهابيين بقدر ما يتمكن الإرهابيون بالتحرك والشعور بأنهم أصحاب شرعية.
البلدان الأوروبية أيضا كانت لها تجارب مؤلمة ضد الإرهاب خلال العشريات الماضية لكنها كافحته بوسائل دولة القانون.
سويس إنفو:لكنك أدنت في تقريرك الموقف الذي اتخذته أوروبا حيث يبدو أن 14 بلدا إما ساعدوا أجهزة الإستخبارات الأمريكية أو غضوا الطرف عن أنشطة تمت فوق أراضيهم..
ديك مارتي: لقد أوكلت البلدان الأوروبية منذ مدة مكافحة الإرهاب إلى الأمريكيين. لقد قرروا ترك الأمور بيد أجهزة إستخبارات القوة العظمى ناظرين إلى الناحية الأخرى ومتخلين عن الدفاع عن قيمهم الخاصة بهم. وهذا ما يبدو لي أنه مثير للكثير من الإشغال.
إن اللوم الكبير الذي أوجهه إلى العالم الغربي هو أنه لم يناقش أبدا بشكل مفتوح استراتيجية تهدف إلى مكافحة الإرهاب. فعلى المستوى الدولى ليس هناك مجرد تعريف قانوني للإرهاب لذلك فمن المستعجل تحديد استراتيجية مشتركة لا تعتمد على وسائل القمع فحسب بل على الوقاية والتدخل السياسي أيضا.
سويس إنفو: ما هو اللوم الذي توجهه إلى سويسرا التي ورد اسمها أيضا في التقرير بسبب سلوكها “الخاضع” تُجاه الولايات المتحدة؟
ديك مارتي: شخصيا لقد صُدمت مثلا بالسهولة التي جددت بها سويسرا الترخيص السنوي لفائدة عبور طائرات الإدارة الأمريكية في الوقت الذي كانت فيه مؤشرات ملموسة على التجاوزات المرتكبة من طرف أجهزة الإستخبارات الأمريكية. لتجديد هذا الترخيص، اكتفت السلطات السويسرية بتصريح شفوي من موظف في واشنطن نفى فيه أي انتهاك للمجال الجوي السويسري.
سويس إنفو: هل تتوقع أن تتم المصادقة على تقريرك من طرف الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا؟
ديك مارتي: إلى وقت قليل مضى كنت أغلب التفاؤل أما الآن أعرف على وجه الدقة أن عددا من الحكومات تعمل بهمة من أجل التشكيك في نزاهة وصحة هذا التقرير. إذا ما اختار البرلمانيون الدفاع المستميت عن بلادهم عوض الدفاع عن قيم مجلس أوروبا، فإن الأمور سوف تسير بشكل سيء.
أجرى الحديث: أرماندو مومبللي – سويس إنفو
(نقله إلى العربية وعالجه: كمال الضيف)
7 يناير 1945: ولد ديك مارتي في بلدة سورينغو قرب لوغانو جنوب سويسرا
1974: حصل على الدكتوراة في الحقوق بعد دراسات جامعية في جامعة نوشاتيل وفرايبورغ بألمانيا.
1975-1989: تقلد منصب نائب المدعي العام والمدعي العام في كانتون تيشينو
1989-1995: وزير في الحكومة المحلية لكانتون تيشينو
منذ 1995: نائب عن الحزب الراديكالي في مجلس الشيوخ السويسري
منذ 1998: نائب في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا.
منذ 2005: رئيس للجنة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان التابعة للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا.
ديك مارتي متزوج وله 3 بنات
في بداية نوفمبر 2005 نددت منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية بعمليات اختطاف غير مشروعة لأشخاص يُشتبه بأنهم إرهابيون في أوروبا من طرف أجهزة الإستخبارات الأمريكية التي أقامت أيضا مراكز اعتقال سرية في بعض البلدان الأوروبية.
بعد أيام قليلة، كُلف ديك مارتي في نوفمبر 2005 بتقصي الحقائق حول حقيقة وجود معتقلات وسجون سرية أمريكية في بلدان أوروبا الشرقية.
يوم 7 يونيو الماضي، قدم عضو مجلس الشيوخ السويسري تقريرا ومشروع قرار حول المعتقلات الأمريكية السرية في البلدان الأوروبية سيعرض يوم 27 يونيو للنقاش والموافقة على الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا خلال دورتها الصيفية التي تلتئم في ستراسبورغ (فرنسا) من 26 إلى 30 يونيو 2006.
حسب التقرير، توجد مؤشرات قوية على أن 14 بلدا أوروبيا ساعدت أجهزة الإستخبارات الأمريكية أو تسامحت مع الأنشطة غير القانونية لوكالة المخابرات المركزية فوق أراضيها.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.