“على الحكومة الاهتمام أكثر بمشكلة الإدمان على الإنترنت”
طالبت إريكا فوستر - فانيني، النائبة بمجلس الشيوخ السويسري، الحكومة الفدرالية باعتماد إجراءات فعالة من أجل الإحاطة بظاهرة الإدمان على الإنترنت و مكافحتها.
ويؤكد أولفيي سيمون، الطبيب بقسم الطب النفسي المجتمعي بالمستشفى الجامعي بكانتون فو أن المعطيات العلمية المتوفرة حول ظاهرة الإدمان على الإنترنت لا تزال محدودة جدا.
غرفة يلفها الظلام، وتسبح في ضوء شاحب يميل إلى اللون الأزرق، وداخلها مستخدم للإنترنت ملتصق إلى شاشة لا يكاد يفارقها: مشهد يعكس الإدمان على الإنترنت؛ هذه الظاهرة التي باتت حديث الصحف ووسائل الإعلام.
أين ما حللت في هذا العالم الشاسع، وجدت شبابا في مقتبل العمر استحوذت على لبابهم الانترنت وأقبلوا بشدة على استخدامها واستنفاذ الإمكانات اللّا محدودة التي توفرها: ألعاب، ولقاءات افتراضية و صور إباحية، وهذا ليس إلا غيض من فيض هذا المحيط الافتراضي الشاسع.
إلى أي نهاية محزنة تنتهي بصاحبها هذه التجربة: انقطاع عن العالم الخارجي، ومشكلات مهنية، وأمراض بدنية في بعض الأحيان. هذه هي المخاطر التي تتربص بالمدمن على الإنترنت. وهذا المصير المؤلم هو الذي دفع إريكا فورستر – فانيني، النائبة بمجلس الشيوخ السويسري إلى التقدم بمذكرة استجواب إلى الحكومة الفدرالية تحمل عنوان: “الوقاية من الإدمان على الإنترنت”.
مصيبة العصر الحديث
لقد أرادت النائبة دق ناقوس الخطر ولفت الأنظار إلى تزايد عدد الأولياء القلقين على وضع أبنائهم والساعين إلى البحث عن حلول. وتشير النائبة إلى أنه “لكي نقيّم مدى المشكل وحجمه الحقيقي، لابد من أسس قانونية، وهو ما تفتقده المدونة القانونية السويسرية اليوم”. فهي تدعو الحكومة إذن إلى اتخاذ الإجراءات الضرورية لمكافحة هذه الظاهرة التي لا يزال يلفها الغموض.
لكن أولفيي سيمون، الطبيب بقسم الطب النفسي المجتمعي بالمستشفى الجامعي بكانتون فو (في مدينة لوزان)، فيضفي شيئا من النسبية على الموضوع، ويقول: “إذا كان الإدمان على الإنترنت أمرا واقعا لاشك فيه، فإنه لا يمكن مقارنته بأشكال الإدمان الأخرى التي هي أكثر انتشارا داخل المجتمع”.
مشكلة حقيقية أم مشكلة افتراضية؟
ويلاحظ الطبيب النفسي: “في السنوات الأخيرة، كثر الإلحاح على المختصين من أجل دراسة وفهم طبيعة العلاقة بين التقنيات الحديثة والمستخدمين لها. لكن وجود أو عدم وجود ظاهرة الإدمان على الإنترنت ظلت بدون جواب إلى حد اليوم”.
ويضيف أولفيي سيمون: “بصفة عامة ينجر عن الإدمان على الإنترنت فقدان السيطرة على النفس وعلى الوقت الذي يقضيه الشخص قبالة الشاشة، لكنها لا تؤدي إلى سلوكات سيئة جدا كتلك التي نلاحظها عند المدمنين عن الكحول والمخدرات وألعاب القمار”.
ويتفق مع أولفيي سيمون زملاؤه في مستشفى مارموتون القريب من ضواحي باريس، حيث قادت الأبحاث هناك إلى نفس النتيجة. فالذين يسيئون استخدام الإنترنت عادة ما يكونون يعانون من مشكلات عائلية، وفي مثل هذه الحالة، لا يتعافى المدمن بسرعة.
قصور في المعلومات
يأسف أولفيي سيمون لغياب معطيات كافية حول هذه الظاهرة ويقول: “إذا كان صحيحا أن معرفتنا بظاهرة الإدمان على المخدرات تتقدم بسرعة، فإننا نفتقد إلى المعطيات الكافية حول الاضطرابات التي يفترض أنها نتيجة الإدمان على الانترنت، والتي تتجلى على مستوى التصرفات والدوافع مثل الألعاب المرضية، وهو المجال الذي يمكننا أن نصنّف ضمنه الإدمان على الانترنت”.
ونتيجة لذلك، من الصعب تحديد عدد الأفراد المصابين بهذا المرض كما سيكون من الصعب أيضا تحديد نسبة الأفراد الذين هم عرضة لهذا الخطر.
ويضيف الباحث: “لسنا بصدد التقليل من أهمية المشكلة أو نفي وجودها، بل لوضع تقييم علمي، لابد من تحديد مؤشرات لقياس نفسي موضوعي. وهذه المؤشرات هي التي تحدد حجم العمليات النفسية ومدتها ونسبة ترددها”.
وتأمل إريكا فوستر – فانيني أيضا أن يتم سد هذا القصور في المعلومات قريبا. كما تريد أن تعرف مدى استعداد الحكومة لإنشاء قسم خاص داخل المكتب الفدرالي للصحة العمومية أو مؤسسة أخرى من أجل جمع المعطيات المناسبة والضرورية للإحاطة بهذه الظاهرة وفهمها.
المعلومات والحوار
كثيرا ما تكون المخاوف التي يعبر عنها الأولياء مرجعها عدم المعرفة الكافية بالانترنت. ومن أجل الإجابة عن أسئلتهم وتبديد مخاوفهم، أصدرت الجمعية السويسرية لهواة ألعاب الفيديو “Swiss Gamers” مطوية تتضمن نصائح الطبيب النفسي سارج تيسرون. ويهدف هذا العمل إلى تحسيس الأولياء والأطفال بخصوصيات ألعاب الفيديو، وإرشادهم إلى استخدام متوازن لألعاب الانترنت. ويشير الذين أنجزوا المطوية إلى أن هذه المشكلات تعود في الأساس إلى مصاعب وقلق سابقين.
ومن جهته، يضيف أولفيي سيمون أن قضاء ساعات طويلة أمام الشاشة يمكن أن يؤدي بصاحبه إلى حالات من الانهيار النفسي ومن القلق المستمر. ويدعو ناشري المطوية في الأخير الأولياء إلى أهمية التخاطب مع أطفالهم والتحاور معهم، والتأكد من سلامة محتوى المواقع الإلكترونية التي يلجون إليها.
سويس انفو – أندريا كليمانتي
(ترجمه وعالجه عبد الحفيظ العبدلي)
اتخذت الحكومة في الصين، حيث يبلغ عدد مستخدمي الانترنت 137 مليون شخصا، سلسلة من الإجراءات تهدف إلى مكافحة ظاهرة الإفراط في استخدام الشبكة العنكبوتية من طرف الشباب حديثي السن.
ومن هذه الإجراءات تحديد أوقات عمل مقاهي الانترنت، واستخدام برامج تعطل آليا ألعاب الفيديو خارج الوقت المسموح، وإنشاء مراكز لإعادة تأهيل (فتحت منذ 2005) من شأنها أن تساعد على معالجة هذا النوع من المشكلات.
وللاستفادة من هذا النوع من الإجراءات، التي تكون في العادة باهظة الثمن، حيث تبلغ التكلفة الشهرية ما يقارب 1300 دولار أمريكي، يسمح بالحصول على دعم سيكولوجي أو على أنشطة يدوية أو رياضية في الهواء الطلق. وبالإمكان أيضا الحصول بمقتضى هذه الإجراءات على علاجات وأدوية، وإعادة تنشيط البصر بالإضافة أيضا إلى حصص للعلاج بوخز الإبر.
و كذلك أنشأت كوريا الجنوبية حيث يمتلك 93% من مواطنيها حاسوبا، ويقضي عدد كبير من الأطفال والمراهقين أكثر من 15 ساعة في اليوم أمام الشاشة، مراكز لإعادة التأهيل. وفي السنوات الأخيرة ازداد عدد المختصين الذين يعكفون على دراسة هذا النوع من الإدمان في كل من أوروبا والولايات المتحدة، ويقترح هؤلاء المختصون حزمة من الاختبارات ومن العلاجات الجماعية التي يمكن الاستفادة منها.
وتوصل الخبراء إلى أن الحالات الخاضعة للاختبارات الصحية غالبا ما تكشف عن أن هؤلاء المرضى يعانون أصلا من مشكلات نفسية، وأنهم مهمّشون بسبب ذلك،أو يعانون من مصاعب في علاقاتهم العائلية والزوجية.
يمكن لأعضاء البرلمان الفدرالي، عبر مذكرة الاستجواب، الحصول على معلومات تتعلق بأحداث مهمة أو قضايا ترتبط بالسياسات الداخلية أو الخارجية أو بشؤون إدارة الدولة. ويمكن لهذه المذكرات أن تقدم بشكل مستعجل. وبصفة عامة، ترد الحكومة على المذكرة الموجهة إليها في الدورة اللاحقة.
وتوجه رسالة الحكومة إلى الغرفة المعنية والتي سيكون من صلاحياتها مناقشة القضية. ووفقا لبرنامج الدورة الشتوية للبرلمان الفدرالي، التي هي بصدد الانعقاد، تناقش مذكرة الاستجواب التي تقدمت بها إريكا فورستر – فانيني بمجلس الشيوخ (الغرفة العليا) يوم 17 كانون الأول/ ديسمبر 2007.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.