عندما تتعثــر سياسة اللجوء بسبب معضلة إعادة المرفوضين إلى أوطانهم
أبرز الجدل الأخير في سويسرا حول طالبي اللجوء النيجيريين الذين رُفضت مطالبهم الإشكالية الشائكة المتمثلة في إعادة مثل هؤلاء إلى بلدهم الأصلي. فما العمل عندما تتردد بعض البلدان في استقبال رعاياها؟ إشكالية جعلت سويسرا وأوروبا تواجهان مفاوضات صعبة.
“النيجيريون لا يأتون إلى هنا كلاجئين، ولكن للقيام بأعمال تجارية غير قانونية”. وكأن المدير الجديد للمكتب الفدرالي للهجرة آلار دو بوا-ريمون فجــّر قنبلة عندما نطق مؤخرا بهذه الجملة التي أثارت انتقادات العديد من المنظمات الحكومية، ومن بينها منظمة العفو الدولية.
وبعيدا عن الجدل، يمكن الحديث في هذا السياق عن النوايا، فالتوجه السائد في سويسرا وأوروبا هو بالفعل تسريع إجراءات اتخاذ القرار في مجال اللجوء، أمام حركات الهجرة المُتنامية. ولا يمكن تصور بلوغ هذا الهدف دون التعاون مع البلدان الأصلية لطالبي اللجوء.
ولكن الأمور تتعقد لدى الحديث عن إعادة طالبي اللجوء المرفوضين إلى وطنهم الأم. فبالنسبة لعام 2010، حددت الرئاسة الإسبانية للاتحاد الأوروبي هدفا واضحا يتمثل في تعزيز اتفاقيات إعادة التوطين مع بلدان منشأ الأشخاص الذين دخلوا بطريقة غير مشروعة أو الذين رفضت طلبات لجوئهم، وذلك من خلال وضع سياسة أوروبية مُشتركة في هذا الإطار.
مـشكلة الجـزائر
وتثار مرارا أيضا في سويسرا مشكلة إعادة اللاجئين إلى بلدهم، مثلما كان الحال في جنيف في الربيع الماضي عندما شهد حي “باكي” وسط جنيف موجة من الانحراف والجنوح التي تورط فيها عدد هام من المواطنين الجزائريين.
ولئن كان اتفاق إعادة طالبي اللجوء القادمين من هذا البلد المغاربي قد تم التوقيع عليه بالفعل في عام 2006، فلا تبدو الجزائر على عجلة من أمرها لتوقيع البروتوكول الإضافي الذي يسمح بإعادة مواطنيها فعلا، مثلما أوضح ذلك تقرير بثه مؤخرا التلفزيون السويسري الناطق بالألمانية.
وفيما يتعلق بنيجيريا، نوهت المتحدثة باسم المكتب الفدرالي للهجرة ماري آفي إلى أن “التعاون يعمل بشكل جيد”، لكن سويسرا “تأمل في تعميق التعاون في مجال الهجرة”. ومن المؤكد أن آلار دو بوا-ريمون قد عبر عن هذا الأمل أثناء لقاء جمعه بالسفير النيجيري مارتين إيهوغيان أوهومويبهي يوم 29 أبريل الماضي في جنيف.
وقد وقعت سويسرا لحد الآن 47 اتفاقا من هذا النوع. ومعظم الــمُوقعين هم بلدان أوروبية ملزمة بتطبيق معاهدة دبلن حول اللجوء. وقد وقعت برن فضلا عن ذلك معاهدة تقنية حول عودة اللاجئين مع ثلاثة بلدان إفريقية هي غينيا-كوناكري، وجمهورية الكونغو الديمقراطية، وسيراليون. وأكدت ماري آفي أن هذه المعاهدة “تعمل جيدا” أيضا.
العــصا والجزرة
ومع ذلك، فإن الأحزاب السويسرية، سواء على يسار أو يمين الطيف السياسي، تأمل في رفع عدد اتفاقيات إعادة التوطين. وخلال الدورة البرلمانية الشتوية التي انعقدت في ديسمبر 2009، أودع عدد من النواب اليمينيين تساؤلات موجهة إلى الحكومة تهدف إلى الوقوف بشكل أفضل على حقيقة الوضع؛ ومن بينهم جون-بيير غران، ممثل حزب الشعب (يمين شعبوي) في مجلس النواب، وهو الحزب الذي يطالب منذ فترة طويلة باتخاذ المزيد من الإجراءات المتشددة في مجال اللجوء عموما.
ويوضح غران في هذا الصدد: “نحن ندرك أن بعض البلدان قد وقعت هذه الإتفاقيات، لكنها لم تحترمها، إما لأنها لا تقبل استعادة مواطنيها، أو لأنها ترفض القيام بدور بلد العبور”. لهذا السبب يعتقد حزب الشعب أنه ينبغي ممارسة المزيد من الضغوط على هذه البلدان، وذلك عبر ربط مسألة إعادة استقبال رعاياها بالحصول على المساعدات التنموية السويسرية.
اللهجة في المكتب الفدرالي للهجرة تميل أكثر إلى الطمأنة، إذ يشير إلى أن “التعاون في مجال إعادة اللاجئين (المرفوضين) يعمل جيدا مع معظم البلدان والمناقشات التحضيرية مفتوحة مع دول عديدة”. ولكن سويسرا تمارس بعدُ في الواقع، شأنها شأن الاتحاد الأوروبي، سياسة العصا والجزرة. فإذا ما تبــيّن أنه من الصعب تنفيذ اتفاق ما، تسعى سويسرا إلى إبرام اتفاقات شراكة في مجال الهجرة.
وعلى سبيل المثال، يوفر هذا النوع من الشراكة رسميا التزاما ماليا يخصص لدعم تدابير إعادة الاندماج في بلد المنشأ أو دعم سلطات الهجرة في بلد ما. ولكن بشكل غير رسمي، سـبق أن عبر بعض الشركاء عن مطالب أكثر خدمة لمصالحهم، مثل تسهيل الوصول إلى سوق العمل السويسرية.
وعلى أية حال، أقرت الحكومة الفدرالية بأن المفاوضات ليست سهلة أبدا، وذلك في معرض ردها على سؤال طرحته النائبة إيزابيل موري من الحزب الليبرالي الراديكالي (يمين). وردت الحكومة بأسلوب دبلوماسي: “إن تطبيق اتفاقات إعادة (اللاجئين المرفوضين) واتفاقيات الهجرة تتطلب حوارا مكثفا مع الدولة المعنية يسمح بفهـمٍ أفضل لمصالح الطرف الآخر”.
“لا للترحيل الجماعي!”
ووقعت سويسرا حتى الآن على ثلاث من هذه الشراكات مع دول يوغوسلافيا السابقة (البوسنة والهرسك وصربيا وكوسوفو) التي تدفق منها سيل ضخم من اللاجئين بعد اندلاع حرب التسعينات. وبات من مصلحة برن إعادة أكبر عدد منهم إلى وطنهم. لكن فيما يخص أبناء كوسوفو الذين لهم حضور هام في سويسرا، دقت المنظمة السويسرية لمساعدة اللاجئين ناقوس الخطر.
ولئن كانت هذه المنظمة لا تعارض من حيث المبدأ اتفاقيات إعادة اللاجئين التي تعتبرها إيجابية إلى حد ما، فإنها تحذر مما أسمته بالترحيل الجماعي. وقال المتحدث باسمها أدريان هاوزر: “من المهم جدا أن تظل إجراءات الطرد عادلة وأن تــُؤخذ بعين الاعتبار سلامة الأشخاص الأكثر تعرضا للخطر مثل النساء والأطفال”، مؤكدا على أنه “يجب تقييم كل حالة على حدة”.
وبينما يتأرجح الدعم في البرلمان الفدرالي للمشروع المضاد الهادف إلى التصدي لمبادرة حزب الشعب التي تطالب بطرد المجرمين الأجانب من البلاد، قد تــــُسيل مسألة إعادة اللاجئين المرفوضين إلى وطنهم المزيد من الحبر واللعاب في المرحلة المقبلة.
كارول فيلتي – swissinfo.ch
(ترجمته من الفرنسية وعالجته: إصلاح بخات)
ينص القانون الدولي العرفي على التزام كل دولة بقبول عودة مواطنيها.
وبصفة عامة، تطبق الدول ممارسة متطابقة في هذا المجال.
لكن بعض الدول أظهرت في السنوات الأخيرة بعض التردد عندما تعلق الأمر باستقبال رعايا من جديد.
لمحاربة الهجرة غير الشرعية، وقعت سويسرا منذ عقدي الخمسينات والستينات اتفاقيات إعادة توطين طالبي اللجوء مع الدول المحيطة بها.
ولمواجهة تطور حركات الهجرة، سعت سويسرا منذ بداية التسعينات إلى تطبيق هذا النهج مع بلدان عبور أو منشأ المهاجرين.
في العام الماضي، قدم 16005 شخصا طلب لجوء في سويسرا، أي 601 أقل من عام 2008.
ولأوّل مرة، تصدرت نيجيريا قائمة البلدان التي ينحدر منها اللاجئون في سويسرا بـ 1786 طلب، أي بزيادة 80.8% خلال عام واحد.
حظوظ طالبي اللجوء النيجيريين ضئيلة جدا في سويسرا للحصول على حق الجوء: فمن أصل 1808 طلب، تمت الموافقة على واحد فقط في عام 2009 بينما حصل ستة نيجيريين على حق المكوث المؤقت.
أهم البلدان التي قدم منها طالبو اللجوء في عام 2009: إريتريا (1724 طلبا)، سريلانكا (1415)، العراق (935)، الصومال (753)، أفغانستان (751) وكوسوفو (694).
وشهد نفس العام مغادرة 7272 شخصا للتراب السويسري عبر النقل الجوي، وتوجهوا أساسا إلى صربيا ونيجيريا وألبانيا وجورجيا.
في المجموع، رحل 1739 شخصا (24%) عن سويسرا بشكل مستقل، بينما تمت مغادرة الأشخاص الـ 5533 الباقون في إطار إجراءات الترحيل التي تخضع لمراقبة السلطات، بحيث تمت مرافقتهم من قبل الشرطة إلى حين صعودهم الطائرة أو إلى بلد المقصد على متن طائرة تقوم برحلة عادية أو برحلة خاصة.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.