“عهد جديد في كوسوفو”
خاطب هاشم تاتشي، الفائز بانتخابات كوسوفو، العالَـم مُـعلنا فتح صفحة جديدة في تاريخ منطقة البلقان قائلا: "سنُـعلن الاستقلال مباشرة بعد العاشر من ديسمبر".
وبفوز الحزب الديمقراطي لكوسوفو بنسبة 35% في انتخابات 17 نوفمبر الجاري، يكون زعيم المتمردين سابقا قد امتلك مفاتيح الشرعية السياسية، بعد أن كسب دعم المواطنين أثناء المجابهة العسكرية مع بلغراد.
في المقابل، مُـني الحزب الحاكم، الرابطة الديمقراطية لكوسوفو، الذي أسّـسه إبراهيم روغوفا بهزيمة، حيث تراجع إلى المرتبة الثانية ولم يحصل إلا على 21% من الأصوات.
ويقول عِـصمت كوتشي، وهو جامعي ألباني وعضو بمجلس اتحاد المنظمات الإسلامية بكانتون فو معلقا على هذه النتائج: “هذا زمن الأقوياء، ونحتاج لمن يعبّـر عن تطلّـعاتنا بصوت عالٍ يسمعه الجميع”.
من التحرير إلى التنمية
النتائج التي أفرزتها الانتخابات في كوسوفو كانت رسالة لجميع الأطراف: للداخل، إذ شكلت صفعة لحزب الرابطة الديمقراطية الكوسوفية الحاكم، والذي فشل في تحقيق الإصلاحات الاقتصادية المرجوّة، برغم الدعم الأجنبي. وبالنسبة لرجائي عسيري، رئيس الإتحاد الألباني بسويسرا فإن “اختيار الحزب المعارض كان متوقعا، لأن الناس يئِـسوا من الحزب الحاكم بعد الحصيلة السلبية لسنوات حُـكمه”.
وهي أيضا رسالة للعالم الخارجي “مفادها أن كوسوفو حَـريّة بأن تُـصبح دولة مستقلة، لقد أجرت انتخابات حرّة ونزيهة وديمقراطية، من دون أي نزاعات أو اضطرابات” حسب السيد عسيري، وهي أيضا “رسالة ثالثة لصربيا، بأن شعب كوسوفو قد أخذ زمام أمره بيده، وأنه يتطلّـع إلى مستقبل مُـشرق ومستقر”، على حد قوله.
وكشفت الانتخابات الأخيرة أيضا، أن التنمية والإصلاح الاقتصادي يحظيان بالأولوية لدى سكان الإقليم، فقد حصل حزب بهجت باكولي، رجل الأعمال الألباني الثري المقيم بكانتون التيتشينو بسويسرا على 12% من الأصوات، بالرغم من حداثة تجربته السياسية، وهو ما يرى فيه عصمت كوتشي “دليلا على رغبة الكوسوفيين في العيش بسلام وفي تنمية بلادهم، وعندما يتحقق الاستقرار، سيعود المستثمرون المحليون والدوليون إليها”.
فسنوات عدم الاستقرار التي مرّ بها سكان الإقليم، دفعتهم إلى الانفتاح على العالم الخارجي والاستثمار في الدول الأوروبية المجاورة، وبناءَ شركات ومشروعات، سيكون لها دور فاعل في بناء اقتصاد الإقليم.
الإتحاد الأوروبي بدل “ألبانيا الكبرى”
مفتاح السلام والحرب في منطقة البلقان بِـيد الكوسوفيين اليوم، فهي كما يُـقال “جنة الاستقرار، وفوهة البركان”. وفي هذا السياق، يقول رجائي عسيري، رئيس الإتحاد الألباني والمقيم في برن “إن كوسوفو المستقلة ستكون عامل استقرار في البلقان، وسنتطلع مع جيراننا إلى العمل من أجل الانضمام إلى الإتحاد الأوروبي”.
وفي ردّه على الذين يتخوّفون من أن يؤدّي استقلال كوسوفو إلى إحياء حُـلم “ألبانيا الكبرى”، يقول عسيري: “هؤلاء يجهلون تاريخ تلك المنطقة، إن الرابطة الألبانية لا تزيد عن الانتماء العِـرقي ولم تتحوّل في يوم من الأيام إلى مشروع سياسي”.
لكن الوقوف ضد استقلال هذا الإقليم، بحسب المراقبين، سيؤدّي إلى عودة الأزمة إلى المربّـع الأوّل، وربما إلى توسّـع بُـؤرة الصِّـراع. فالوضع في جمهورية مقدونيا المجاورة لا يزال هشّا، والذين ذاقوا طعْـم الإنعتاق من سلطات بلغراد، لن يقبلوا بالعودة تحت عباءتها، والدول الأوروبية التي تُـؤوي أعدادا كبيرة من اللاجئين، مثل سويسرا وألمانيا، لن ترضى باستمرار حالة اللاحرب واللاسِـلم في الإقليم.
موقف المجتمع الدولي
ويبدو أن هذا الوضع الدقيق هو الذي جعل التحذيرات الصادرة عن العواصم الأوروبية تكتفي بالتأكيد على أهمية أن يتِـم الوصول إلى الاستقلال عبر التنسيق مع المجتمع الدولي، دون رفض الاستقلال في حدّ ذاته. فمن بروكسل، أعلن جيم مورفي، وزير الخارجية البريطاني “حق الإقليم في أن ينال استقلاله، ولكن من خلال الحوار مع المجتمع الدولي”، وكذلك حذّر كارل بيلد، وزير الخارجية السويدي من أن “أي خطوة أُحادِية الجانب، من شأنها أن تؤدّي إلى عزلة الإقليم”.
أما الموقف السويسري، فتميـّز كالعادة، بالتريُّـث والتحفُّـظ المعهود. وفي اتصال مع سويس انفو، امتنعت وزارة الخارجية عن إبداء أي تعليق عن الانتخابات الأخيرة، مفضِّـلة انتظار العاشر من ديسمبر القادم لاتخاذ موقف من الوضع القانوني للإقليم.
وحتى ذلك التاريخ، تذكـّر الوزارة بالموقف المُـعلن عنه في مايو 2005، والذي يتخلّـص في ثلاث نقاط: أولا، ضرورة احترام الحقوق المشروعة للأغلبية الألبانية في حكم أنفسهم بأنفسهم وحق الأقلية الصربية في العيش في سلام والاستفادة من الفُـرص المتكافئة للجميع. وثانيا، تحقيق استقلال الإقليم من خلال مرحلة انتقالية، يشرف عليها المجتمع الدول، واستحالة عودة الإقليم إلى السيادة الصربية. وثالثا، ضرورة المحافظة على الوحدة الجغرافية للإقليم، فبالنسبة لسويسرا كما بالنسبة للمجتمع الدولي، من المُـهم المحافظة على تعدّد الإثنيات في الدول الواقعة في منطقة البلقان.
ويلقى موقِـف سويسرا الدّاعم لاستقلال الإقليم، الترحيب الشديد لدى الجالية الكوسوفية المقيمة في الكنفدرالية والبالغ عددها 200.000 ألباني أي ما يناهز عُشر سكان الإقليم.
وفي تصريح لسويس انفو، قالت نزهة ملاكو، عضو مجلس الأجانب بكانتون زيورخ وعضو جمعية المدرّسين والأولياء الألبان: “إن موقف رئيسة الكنفدرالية الداعي لاستقلال كوسوفو سيُـشجع من دون شك حكومتنا في المستقبل على الحفاظ على علاقات وطيدة مع سويسرا”.
واعترافا بجميل الكنفدرالية على هذه الجالية التي تمثل 10% من مجموع سكان كوسوفو، يقول رجائي عسيري، رئيس اتحاد الجالية الألبانية بسويسرا: “نشكر سويسرا على استقبالها لنا ومساعدتها الاقتصادية والتجارية والأمنية لبلدنا وموقفها العادل الداعم لاستقلالنا”.
لوزان – عبد الحفيظ العبدلي
يبلغ عدد سكان إقليم كوسوفو 2.5 مليون نسمة، 700.000 منهم يعيشون لاجئين في البلدان الأوروبية المجاورة.
95% من السكان مسلمون والبقية مسيحيون، ويوجد بكوسوفو حوالي 50.000 صربي استوطنوا المنطقة في عهد الرئيس اليوغوسلافي الراحل الجنرال تيتو.
يعيش في سويسرا 10% من شعب كوسوفو، وهو ما يعادل 220.000 فردا، وهذا ما يجعل من الكوسوفيين الجالية الأجنبية الثانية بعد الإيطاليين في الكنفدرالية.
تقدّر مساعدات الكوسوفيين المقيمين في سويسرا لأهاليهم المقيمين في الإقليم بحوالي 20 مليون فرنك سنويا.
هو زعيم الحزب الديمقراطي لكوسوفو، الذي فاز في الانتخابات التي نظمت بكوسوفو يوم 17 نوفمبر الحالي، ومن المتوقّـع جدا أن يُـصبح زعيم المتمردين سابقا، الوزير الأول للإقليم قريبا.
يبلغ تاتشي 39 سنة من العمر، ومثلما يلقِّـبه أبناء بلده “الثعبان”، شهد هذا الأخير في حياته الكثير من التقلبات، فهو ينحدر من عائلة شديدة التمسك بقوميتها الألبانية ومن منطقة درينيتشا الوعرة جغرافيا، وهو حاصل على دبلوم في الفلسفة والتاريخ من جامعة بريشتينا.
ومنذ عام 1993، لجأ تاتشي إلى سويسرا كالكثيرين من أبناء بلده، لكن لم يطِـب به المقام، فعاد إلى كوسوفو لتعبِـئة الشباب وتدريبهم على حمل السلاح، فكانوا نواة لما أصبح يُـسمى بعد ذلك بجيش تحرير كوسوفو (UCK)، ومنذ ذلك الحين، دخلت كوسوفو مرحلة تاريخية جديدة وأصبح هاشم تاتشي المطلوب الأوّل للسلطات الصربية.
وبعد التدخل الدولي في كوسوفو وانطلاق المفاوضات حول الوضع القانوني للمنطقة، اختِـير هاشم تاتشي لقيادة الوفد الألباني لمفاوضات رامبووي، وكان عندئذ وزيرا أولا بالحكومة الانتقالية بكوسوفو.
ويقول تاتشي، المعروف بدهائِـه السياسي: “حتى لو بقينا نتفاوض مائة عام، لن نتوصل إلى اتفاق مع الحكومة الصربية”، وقد هدّد أخيرا بإعلان الاستقلال من جانب واحد إذا فشلت المفاوضات في ديسمبر القادم.
وخرج تاتشي قويا من الانتخابات الأخيرة، وهو ما سيمكِّـنه من قيادة بلده إلى الاستقلال، ويعترف أصدقاؤه ومعارضوه بأنه كشف خلال السنوات الأخيرة على قُـدرة فائقة من التعامل مع المتغيِّـرات، وتحوّل بسرعة من زعيم للمتمردين إلى رجل دولة، هدفه تحقيق السلام والاستقرار والتنمية في منطقة 60% من سكانها عاطلين عن العمل.
عبّـر توماس فلاينر، أستاذ القانون السويسري، الذي يعمل أيضا مستشارا للحكومة الصربية، عن اعتقاده بأن الدعم الذي تقدمه سويسرا لاستقلال كوسوفو، “غير دستوري”. ويبرر فلاينر موقفه بالإشارة إلى أن “الفصل 54 من الدستور الفدرالي، يقتضي من سويسرا القيام بكل ما في وسعها للمساهمة في “التعايش السلمي للشعوب”.
ويحتجّ أستاذ القانون السويسري بأن حلا يستند إلى توافق بين الصرب والكوسوفيين، سيؤدي إلى إقرار المزيد من الأمن، مقارنة بما سينجم عن إعلان عن الاستقلال من جانب واحد.
كما زعم فلاينر، الذي يرأس معهد الفدرالية بجامعة فريبورغ، أن إعلانا من هذا القبيل سيكون متعارضا بوضوح مع القرار رقم 1224، الصادر عن مجلس الأمن بخصوص كوسوفو.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.