عودة موسكو بقوة إلى شمال إفريقيا في 2006
مع بوتين، تخلّـت السياسة الروسية في شمال إفريقيا عن الاعتبارات الإيديولوجية وأخذت في الاعتبار المصالح الاقتصادية في الدرجة الأولى.
أما اليوم، وقد وضعت تلك “الحرب” أوزارها وتغيّـرت ملامح المنطقة، فإنه فضل تجاهل ليبيا وركّـز على الجزائر والمغرب لأسباب براغماتية، تتعلق بوزنهما السكاني والاقتصادي والإستراتيجي في شمال إفريقيا.
مع بوتين، تخلّـت السياسة الروسية في شمال إفريقيا عن الاعتبارات الإيديولوجية وأخذت في الاعتبار المصالح الاقتصادية في الدرجة الأولى، طاوية نهائيا صفحة المحاور التي كانت تُـقسِّـم المنطقة إلى “ثوريين” و”رجعيين”.
لو كان نيكيتا خروتشوف أو ليونيد بريجنيف في مكان فلاديمير بوتين، الذي زار المغرب العربي في عام 2006 (وهو أول رئيس روسي تطأ قدماه المنطقة منذ أكثر من ربع قرن)، لَـذهب إلى ليبيا ثم الجزائر، طِـبقا لخارطة التحالفات الروسية أيام الحرب الباردة.
أما اليوم، وقد وضعت تلك “الحرب” أوزارها وتغيّـرت ملامح المنطقة، فإنه فضل تجاهل ليبيا وركّـز على الجزائر والمغرب لأسباب براغماتية، تتعلق بوزنهما السكاني والاقتصادي والإستراتيجي في شمال إفريقيا.
تعزيز العلاقات الروسية المغاربية
فبعدما حطّـت طائرة الرئيس الروسي في الجزائر في مارس الماضي، تصدّرت صفقة أسلحة ضخمة المحادثات الثنائية، التي أجراها مع نظيره الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.
أما في المغرب، الذي زاره في سبتمبر، فطغى التعاون الاقتصادي والرياضي على الزيارة، لكن بوتين منح روسيا منفَـذا ثمينا للمغرب الأقصى، الذي يُـعتبر إحدى دولتين رئيسيتين في المنطقة.
ولا يمكن فصل الزيارتين اللتين أدّاهما بوتين لبلدين مغاربيين في أوقات متباعدة، عن سباق النفوذ الأمريكي الروسي في القارة الإفريقية.
فموسكو شعرت بأنها خسرت ليبيا بعد الصفقة التي عقدها الزعيم الليبي معمر القذافي مع واشنطن لتطبيع العلاقات الثنائية، والتي أخرجت الشركات الروسية من لعبة تقاسم الكعكة النفطية في مرحلة ما بعد العقوبات، ولذلك، اتجه الروس إلى تعزيز العلاقات مع الجزائر من جهة، وفتح بوابة المغرب (وإن بشكل محتشم حتى الآن) من جهة ثانية، وبات واضحا في ظل علاقات باردة مع كل من تونس وموريتانيا طيلة نصف قرن، أن المخططين الروس يلعبون ورقة المغرب، وإن كانوا مُـدركين أنه حلبة مُنافسة أمريكية – فرنسية لا مكان فيها للاعب كبير ثالث.
وقال محلل روسي، رفض الكشف عن هويته، “لم نستطع تأمين زيارة لرئيس تونسي إلى موسكو منذ استقلال هذا البلد، الذي تربطنا به مع ذلك، علاقات جيدة منذ الخمسينات، ولم يزر أي رئيس روسي تونس أيضا”، وأضاف أن موريتانيا “اختارت الذهاب بعيدا في علاقاتها مع أمريكا وإسرائيل على أيام الرئيس المخلوع معاوية ولد طايع، الذي لم يترك مجالا لإقامة علاقات متوازنة مع أطراف دولية من المعسكر الآخر”.
الجزائر.. حلقة رئيسية
وكان الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة تعلّـل بأن الأمين العام السابق للحزب الشيوعي السوفياتي ليونيد بريجنيف، رفض أن يكون في استقباله في موسكو، فألغى مشروع زيارة أعدّها سفيره لدى روسيا محمود المستيري في أواسط السبعينات.
وكان المستيري كشف في تصريحات أدلى بها قبل رحيله في وقت سابق من هذا العام، أن بورقيبة لم يكن راغبا في الزيارة، لأنه كان يتوقّـع أن ينهار الإتحاد السوفياتي السابق، وظلت العلاقات الثنائية مُقتصرة طيلة نصف قرن على التعاون العلمي والتجاري والثقافي، أما مع موريتانيا، فلم تشهد العلاقات الثنائية فترة ذهبية في ظل أي من الرؤساء الذين تعاقَـبوا على حكم البلد.
من هنا، تبدو الجزائر حلقة رئيسية في سياسة موسكو المغاربية، بل والإفريقية، وهي بالإضافة لطابعها العسكري البارز، ترتدي أبعادا أخرى سياسية واقتصادية لا تقل أهمية عنها بالنسبة لموسكو.
وقبل أن يزور بوتين الجزائر في مارس، كانت الحكومتان تقدَّمتا في المفاوضات على صفقةٍ ضخمة، شملت شراء 300 دبابة من طراز 90 أم بي تي أس، التي تتفوّق على دبابة “ميركافا” الإسرائيلية، و84 طائرة مُطاردة من طرازي سوخوي وميغ. وتمّـت الصفقة نهائيا في سبتمبر الماضي، ويُفترض أن الجزائر تسلّـمت خلال الشهر الجاري، الدفعة الأولى من الدبابات التي تُصمِّـمها شركة “روزوبورن إكسبور” الحكومية، وعددها 45 دبابة من مجموع 180 ستتسلمها قبل نهاية 2007.
وكانت صحيفة “لوجون أنديباندان” Le Jeune Indépendant الجزائرية كشفت النِّـقاب الشهر الماضي عن قيمة الصفقة التي بلغت مليار دولار، والتي قالت إنها تشمل 300 دبابة من ذلك الطراز ستتسلمها الجزائر قبل سنة 2011، وقد جرب الجيش الجزائري هذه الدبابة قبل التوقيع على الصفقة، التي تشمل أيضا تدريب العسكريين الجزائريين على قيادتها.
وفي السياق نفسه، يُنتظر أن تزوِّد روسيا الجزائر بـ 28 مطاردة من نوع سوخوي 30 أم كا، من تصميم شركة “إيركوت”، و40 مطاردة من نوع ميغ 29 و16 مطادرة خاصة بالتدريب من نوع ياك 130.
وشملت الصفقة الضخمة، التي تم التوقيع عليها أثناء زيارة بوتين، والتي بلغت قيمتها 5.7 مليار دولار، ثمانية صواريخ أرض جو من طراز تونغوسكي وتجديد 250 دبابة جزائرية من طراز تي 27، وعدد غير معلوم من الصواريخ المُـضادة للدبابات من طراز ميتيس وكورنت، و300 دبابة من طراز تي 90، بالإضافة للقيام بأعمال صيانة للسُّـفن الحربية الجزائرية، روسية الصنع.
بهذا المعنى، استمرت الجزائر، مثلما كانت منذ السنوات الأولى للاستقلال، الحليف الأكبر لروسيا في المغرب العربي، ولم تُغيِّـر نهاية الحرب الباردة من هذه العلاقة الخاصة شيئا، بل إن زيارة بوتين كانت مناسبة لمقايضة الديون الجزائرية تُـجاه موسكو والمُقدَرة بـ 4.7 مليارات دولار بصفقة الدبابات والطائرات، إذ قبِـل الروس شطب الديون المتخلّـدة بذمة الجزائر، مقابل إبرام صفقة الأسلحة، وهذا النوع من العلاقة انتفى مع ليبيا مثلا، التي صارت مُـرتبطة أكثر بالدول الغربية منذ رفع العقوبات الدولية عنها، ناهيك أنها صارت ترسل طياريها المدنيين لإجراء التدريبات في ولاية سياتل الأمريكية.
سياسة “بوتينية” جديدة
لكن الوضع مختلف مع المغرب الأقصى، إذ أن موسكو تُولي اهتماما كبيرا للقارة الإفريقية، بوصفها خزان المستقبل الذي تتهاتف عليه القوى الكبرى، وقال المحلل الروسي، الذي تحدث لسويس أنفو، إن إفريقيا باتت تشكِّـل، في نظر موسكو، سوقا تجارية كبيرة ومجالا فسيحا للاستثمار، ومصدرا مهِـما للخامات والمعادن والمواد الأولية، خصوصا بالنسبة لاقتصاد نشط ومنتعش، ولذلك، سافر بوتين من المغرب إلى إفريقيا الجنوبية عابرا القارة من الشمال إلى الجنوب.
فأمام الاندفاع الصيني للانتشار في القارة على جميع الأصعدة، يعتقد الروس أن التعاون مع بريتوريا، التي لديها خطط سياسية واقتصادية لكامل المنطقة، يشكل جسرا قويا للوصول إلى الجيران.
ومن هذه الزاوية أيضا، يمكن فهم الحِـرص الروسي على تكريس التوازن في العلاقات مع كل من الرباط والجزائر، فهي تسعى إلى أن تكون حاضرة في البلد الرئيسي الثاني في المنطقة، إلى جانب حضورها التاريخي في الجزائر، خصوصا بعد انهيار الحواجز العقائدية السابقة، وتجسَّـد ذلك من خلال التوقيع على سلسلة من الاتفاقات الثنائية بمناسبة زيارة بوتين، شملت تجديد السماح لاثني عشر سفينة صيد روسية بالصيد في السواحل المغربية لمدة ثلاث سنوات أخرى، وتسليم المطلوبين للقضاء وتنشيط إرسال السياح الروس إلى المغرب، وتبادل إعطاء المنح الدراسية للطلاب وتكثيف التعاون العلمي والثقافي والرياضي.
واللافت هنا، أن أحد مستشاري بوتين أفاد إلى أن “التعاون العسكري كان مطروحا على جدول المحادثات”، من دون إعطاء إيضاحات أخرى، كما أشارت مصادر مطّـلعة إلى أن شركة روسية ستكون بين المشاركين في العطاء الدولي لإقامة أول مفاعل نووي سلمي في المغرب.
وعلى هذا الأساس، تبرز ملامح سياسة “بوتينية” جديدة في إفريقيا، لا تقيم وزنا للاعتبارات الأيديولوجية القديمة بقدر ما تُركّـز على تطوير المصالح الاقتصادية، وبخاصة مع شركاء غير تقليديين.
تونس – رشيد خشانة
قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بزيارة رسمية إلى المغرب من 6 إلى 7 سبتمبر 2006 تلبية لدعوة من الملك محمد السادس، وهي أول زيارة لرئيس روسي للمملكة المغربية منذ إقامة علاقات بين البلدين.
أقيمت علاقات دبلوماسية مباشرة بين روسيا والمغرب في عام 1897، لكن علاقات بينهما نشأت في القرن الـ18. ودعا السلطان سيدي محمد بن عبد الله في رسالة بعث بها إلى الإمبراطورة الروسية يكاتيرينا الثانية في عام 1778 إلى عقد معاهدة سلام بين الدولتين.
واستمر التواصل بين الدولتين خلال القرن العشرين عندما قام الملك الراحل الحسن الثاني بأكثر من زيارة إلى موسكو. وتكللت زيارة الملك محمد السادس لروسيا في عام 2002 بإعلان قيام الشراكة الإستراتيجية بين روسيا والمغرب. ووضع الإعلان مبادئ التعاون بين البلدين في المرحلة المعاصرة.
ويحتل المغرب اليوم المرتبة الأولى بين شركاء روسيا التجاريين في إفريقيا. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 1،2 مليار دولار أمريكي في عام 2005. وتحتل روسيا المرتبة الثانية بين مستوردي الحمضيات المغربية بعد الاتحاد الأوروبي.
ويعمل في المغرب عدد من المؤسسات المغربية الروسية المشتركة في قطاع الإنشاءات ومجال التنقيب عن الماء وبيع الآلات الزراعية.. إلخ. ووقعت روسيا والمغرب في عام 2006 اتفاقية لتأسيس مجلس الأعمال الروسي المغربي.
وهناك تعاون ناجح في مجال التعليم والثقافة والبحث العلمي. وتلقى أكثر من 10 آلاف مغربي العلوم في الجامعات والمعاهد العالية بالاتحاد السوفيتي وروسيا. وتحتضن روسيا 2500 طالب من المغرب الآن. ووضع صاروخ روسي قمرا صناعيا للمغرب في موقعه المداري في الفضاء.
ويزور كثير من السياح الروس المغرب. وتضاعف عددهم أو كاد بعدما أعفت المملكة المغربية مواطني روسيا من دخول المغرب بتأشيرة دخول في عام 2005.
(المصدر: عن وكالة نوفوستي الروسية للأنباء بتصرف)
بلغ حجم التبادل التجاري الروسي التونسي في عام 2001: 142,8 ملايين دولار
منتجات التصدير الروسي الى تونس: أخشاب منشورة وورق وامونيا وكبريت ومعدات.
فى الفترة الأخيرة تطور التعاون المتبادل في المجال العلمي التقني بين البلدين. ففي عام 1999، تم انشاء المجمع الهدرو- تقني الكبير في منطقة سيدى البراك كما تم بناء أربعة سدود على انهار تونس بمساهمة روسيا الاتحادية.
تشغل السياحة مرتبة رئيسية في العلاقات الروسية التونسية وازداد عدد السواح الروس الى تونس حيث بلغ عددهم في عام 2001 حوالي 30 ألف سائح.
(المصدر: نقلا عن مجلس الأعمال الروسي العربي، بتصرف)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.