عيد وطني لبلد “أصبح عاديا”!
وفقا للتَّقاليد السياسية السويسرية عشية الاحتفال بالعيد الوطني يوم 1 أغسطس، أجرى رئيسُ الكنفدرالية تقييما لأوضاع البلاد واستشرافا لمستقبلها وسط أوربا والعالم. وتتزامن احتفالات هذا العام مع انضمام سويسرا للأمم المتحدة.
“هل ينعمُ وزيرُ المالية ورئيسُ الكنفدرالية لهذا العام بنوم هني على الرغم من كل ما تشهده سويسرا من أحداث؟” هكذا اختارت صحيفتا “Le Temps” و”Mittelland Zeitung” افتتاح المقابلة المُشتركة مع السيد كاسبار فيلليغر عشية احتفال الشعب السويسري بالعيد الوطني. جواب السيد فيلليغر عن هذا السؤال لم يتجاوز كلمة واحدة: “نعم”.
كيف يتسنى لرئيس الكنفدرالية السويسرية أن ينعم بالراحة على الرغم من انهيار البورصة وانعكاساته على المداخيل الضريبية واستثمارات صناديق التقاعد في سويسرا؟ الجواب بسيط. السيد فيلليغر يعتقد أنه لا يجب تضخيم انعكاسات انهيار البورصة لأن الخسارة التي لحقت بالأسواق المالية السويسرية لم تكن بحجم وتأثير الضربة القاضية. فهو مقتنع بأن الاقتصاد السويسري عموما في حالة جيدة وأمامه فرص جيدة للعودة إلى طريق النمو العام القادم، على الرغم من الأخطار التي تحدق به.
وتتلخص هذه الأخطار في ثلاثة محاور أساسية. أولها انعكاسات أسعار صرف العملات وارتفاع سعر الفرنك السويسري، ثانيها تطور الوضع الاقتصادي للدول الأكثر تعاملا مع السوق السويسرية وعلى رأسها الولايات المتحدة وألمانيا، وأخيرا حالة البورصة والمشاكل التي قد تترتب عنها في حال انهيار الثقة في الساحة المالية السويسرية.
كانت سويسرا “مثالية” وأصبحت “عادية”!
المشاغل الاقتصادية والمالية لا تشكل الهاجس الأوحد لوزير المالية ورئيس الدولة وزملاءه في الحكومة الفدرالية. فقد أحاطت الشكوك بصورة سويسرا في الخارج من جراء سلسلة الأزمات التي تعرضت لها بعض المؤسسات البارزة منذ موفى العام الماضي مثل انهيار شركة الطيران “سويس اير” واتهام شركة المراقبة الجوية “سكاي غايد” بالإهمال اثر اصطدام طائرتين قرب الحدود مع ألمانيا والفضائح المالية التي تورطت فيها بعض الشركات الكبرى، كلها أحداثٌ زعزعت الانطباع التقليدي عن سويسرا كبلد آمن ونموذجي.
يرى رئيسُ الكنفدرالية أن صورة سويسرا تظل جيدة على الرغم من كل هذه الأحداث. ان ما جدّ من أزمات أضفى على سويسرا صفةً “طبيعية”. فقبل مذبحة تزوغ التي أودت في نهاية العام الماضي بحياة أربعة عشر سياسيا من أعضاء حُكومة وبرلمان دويلة تسوغ ومرتكب المجزرة، وانهيار “سويس اير” الذي أعقبه حريقُ نفق الغوثارد مخلفا مقتل أحد عشر شخصا في أكتوبر الماضي، كانت صورة سويسرا مثالية أكثر من اللازم. وكان العالمُ ينظر إلى الكنفدرالية وكأنها “تلميذ نجيب ونموذجي، أو جنة ذاع صيتها بفضل غناها والحقوق التي يتمتع بها شعبها.”
ويرى رئيس الكنفدرالية أن التحول من بلد “مثالي” إلى بلد “عادي” ليس أمرا سلبيا. فسويسرا تظل “حالة خاصة” وتتمتع بمستوى جيد في كل مجالات الحياة، لكنها يُمكن أن تواجه نفس المشاكل التي تعترض دولا أخرى.
لكن هل صورة سويسرا هي التي تغيرت وأصبحت “عادية” أم أن البلد قد أصبح “عاديا” فعلا؟ لا يترك جواب رئيس الكنفدرالية مجالا للشك. سويسرا تغيرت بالفعل وساعدتها الظروف على تحقيق هذا التحول الايجابي. فخلال الحرب الباردة، استفادت سويسرا من حيادها وكان لها دور خاص. لكن الأمور تغيرت الآن، وأصبحت المعركة اقتصادية. في هذا السياق، يشير السيد فيلليغر إلى أن سويسرا، البلد الذي يسكنه 7 ملايين نسمة ويحيط به 6 مليار شخص، تمكن من تحقيق نمو اقتصادي يفوق المُتوسط العالمي. ويقول رئيس الكنفدرالية: “نحن نظل بلدا قويا وله مستقبل جيد، لكننا نبقى بلدا عاديا.”
فكرة الانضمام الى الاتحاد الأوربي لم تنضج بعد
ومن الملفات الجوهرية بشأن مستقبل الكنفدرالية، علاقاتها مع الاتحاد الأوربي. فبعد أن صادق الناخبون السويسريون هذا العام على انضمام بلادهم إلى الأمم المتحدة حيث ستصبح سويسرا عضوا كاملا يوم 10 سبتمبر، تتمحور اهتمامات السويسريين حول الِشأن الأوربي.
في هذا الصدد، يتساءل السيد فيلليغر “ما هو الموقف الذي يجب أن تتبناه سويسرا وسط أوربا؟”. فهو يرى أن كل ما يحدث في القارة الأوربية والعالم عامة يمس سويسرا بشكل مباشر. فعندما تندلع أزمة في منطقة البلقان، يتدفق اللاجئون على الكنفدرالية، وعندما تتسبب اضطرابات في زعزعة الاقتصاد العالمي، تتراجع الاستثمارات وتقوم البنوك والشركات السويسرية بإلغاء مواطن العمل. وكان لأحداثُ 11 سبتمبر تأثير مُباشر على أسواق المال وعلى شركة الطيران “سويس اير” التي انهارت وأفلست.
ويُذَكِّر رئيس الكنفدرالية أن الاتحاد الأوربي يظل أكبر شريك اقتصادي لسويسرا وبالتالي يتعين على برن أن تعمل على مواكبة قوانينها مع تشريعات بروكسيل وأن تُبقي على علاقات وثيقة مع الاتحاد. لكن السيد فيلليغر يشير في المقابل إلى أن سويسرا لها خصوصياتها أيضا مثل النظام الفدرالي والديمقراطية المباشرة. وقد يكون لانضمام الكنفدرالية إلى الاتحاد الأوربي انعكاسات على هذه الخصوصيات.
ويوضح السيد فيلليغر أن الحكومة السويسرية تعتقد أن الانضمام للاتحاد سيكون الحل المُمكن الوحيد المتاح للكنفدرالية على المدى البعيد، لكنه يقر بأنه يصعب في الظرف الراهن الحصول على تأييد أغلبية الناخبين لهذا المشروع. ويشير رئيس الكنفدرالية الى أنه قبل 15 عاما لم تكن فكرة الالتحاق بمنظمة الأمم المتحدة ناضجة بعد، لكنها تبلورت تدريجيا في الأذهان إلى أن تمكنت من إقناع غالبية الشعب السويسري بجدواها.
اصلاح بخات
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.