عَـقبات مُـنتظرة على طريق التَّـهدئة بين إسرائيل والفلسطينيين
ساعات قليلة فصَـلت بين إعلان توصّـل الفصائل الفلسطينية في القاهرة إلى اتفاق على التّـهدئة، وِفقا لورقة مَـصرية، وبين قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بغارة استهدفت الناشط الفلسطيني من حركة الجهاد نافذ منصور، الذي تتّـهمه إسرائيل بأنه كان وراء عملية الوَهم المُـتبدّد، والتي انتهت بأسر الجندي جلعاد شاليط في يونيو 2006..
وفيما أبدى عدد من أعضاء الحكومة الإسرائيلية رفضهم للتهدئة المرتقبة، تواصل السلطات المصرية جهودها لتحويل النوايا إلى واقع ملموس.
التطوران يعكِـسان حالة السِّـباق بين جهود مصرية تهدِف إلى كسْـر الجُـمود في الموقف القائم في الأراضي الفلسطينية المحتلة وكبح جماح آلة القتل الإسرائيلية، التي لم تتوقَّـف مُـنذ خمس سنوات مُـتواصلة، وبين موقف إسرائيلي يرى أن أي تهدِئة هي في صالح حماس والإرهاب الذي تمثله، وأن الوقت ليس للتّـهدئة، كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك، بل للمواجهة، وبين هذين القُـطبين، تقع حماس بكلّ ما تتعرّض له من تغيُّـرات وضُـغوط خارجية وداخلية على السَّـواء، هذا السباق مُـمتدّ منذ فترة ومرجّـح أن يستمر أيضا لفترة أخرى، والشواهد على ذلك كثيرة.
سياقات حماس المتعدِّدة
فحماس التي تعيش سِـياقات مُـختلفة في وقت واحد، كحركة للمقاومة وكسلطة أمر واقع سياسية في قطاع غزة، ولكنها محاصرة ومسؤولة جزئيا عن فَـصم العلاقة بين القِـطاع والضفة ووقف عمل بعض المؤسسات الفلسطينية، كالبرلمان الفلسطيني، والمُـستبعدة عن عملية المفاوضات، والتي في الآن نفسه، لا يُـمكن تجاوُز ردّ فعلها إزاء أي نتيجة، قد تصل إليها تلك المفاوضات، والتي تعيش أيضا حالة قِـيادة استثنائية موزَّعة بين قيادة مَـيدانية في الداخل، وقيادتين سياسيتين في الداخل وفي الخارج، ولكل منها حساباته، والضغوط المُـختلفة التي يتعرّض لها.
حماس هذه قبلت، بعدَ تفكير طويل، تهدئة مع الجانب الإسرائيلي مُـشترطة أن تكون تبادُلية ومُـتزامنة وشامِـلة لكل الأراضي الفلسطينية، أي القِـطاع والضفة معا، على أن تبدأ بغزّة، كما اقترحت الرُّؤية المَـصرية لمدّة ستة أشهر، ثم تتدرّج لاحقا إلى باقي المناطق الفلسطينية، إن صمدت التَّـهدئة فعلا.
ومن ناحية، يمكن اعتبار موقِـف حماس الذي أصبح أيضا موقِـف الفصائل الفلسطينية الأخرى، بمثابة خُـطوة محسوبة النتائِـج، سواء تحقَّـقت التَّـهدئة أم لم تتحقق.
فإن جرت بصورة مناسِـبة، يُـمكن لحماس أن تربط بين قُـدرتها على الصُّـمود وبين التوصُّـل إلى التَّـهدئة، بما في ذلك فتح المعابِـر، خاصة معبر رفح، وإن لم تتحقَّـق التَّـهدئة، فلن تخسر شيئا كثيرا، بل سيُـمكنها القول أنها مدّت يديها بالهُـدوء، ولم يقبلها الطَّـرف الآخر، فلا لوم عليها إن قاومت واستمرّت صواريخها في دكّ المستوطنات الإسرائيلية، وهو ما عبر عنه القيادي في حماس محمود الزهار بقوله، “إذا قرّرت إسرائيل الرفض، فإنها ستدفع ثمناً كبيراً لرفضها، فنحن شعب مُـحاصَـر، وليس أمامنا إلا أن نستخدم كل أدواتنا في الدِّفاع عن أنفسنا ضِـدّ إسرائيل”.
إسرائيل.. تَـشدّد وتوزيع أدوار
إسرائيليا، يبدو الوضع أكثر تأزما وتشدّدا. فالمجموعة الأمنية في الحكومة الإسرائيلية ليست مع مبدإ التَّـهدئة ولا تؤيِّـد الجهود المَـصرية فى هذا الصَّـدد. فوزير الأمن الإسرائيلي الداخلي الإسرائيلي “أفي ديختر” ونائب رئيس الوزراء شاؤول موفاز ويوفال ديسكين، رئيس الشاباك، يرفضون عَـلنا التَّـهدئة مع حماس ويُـبالِـغون في عرض ما يرَونه نتائجها العكسية على أمن إسرائيل، من قبيل أن يتحوّل القِـطاع إلى منطقة نفوذ إيراني وأن يتدفّـق السِّـلاح على حماس، التي ستستغِـل التَّـهدئة في إعادة تنظيم صفوفها لمواجهة إسرائيل لاحقا، وهكذا. والمبالغة هنا مقصودة في مفرداتها، وليس في مضمونها الحقيقي.
وهناك مُـزايدة معروفة بين رئيس الوزراء أولمرت ووزير دفاعه باراك حول المزيد من التشدّد إزاء حماس خاصة، والفلسطينيين في غزّة عامة، وهي مزايدة أشبَـه بنوع من توزيع الأدوار التي تخدم الإستراتيجية الإسرائيلية بوجه عام، سواء في المفاوضات مع السلطة الوطنية الفلسطينية برئاسة محمود عباس، أو في التنصُّـل من الالتزامات المقرّرة على جهة الاحتلال، أي إسرائيل، إزاء المناطق التي تحتلها، أي غزة والضفة الغربية.
إستراتيجية تخفيض التسوية
وبموجب هذه الإستراتيجية، يُـصبح المعروض على الرئيس محمود عباس من قِـبل أولمرت في أي تسوية فى غضون الزّمن المنظور، مجرّد 63% من مساحة الضفّة الغربية تحت شِـعار دولة بحدود مؤقَّـتة، على أن ينسى الفلسطينيون حقّ العودة ومصير القطاع والقدس، وأن يلتزموا بما يُـسمى إسرائيليا وأمريكيا، بالحرب على الإرهاب أو تحديدا الدّخول فى حرب مفتوحة مع كل فلسطيني آخر يرفع صوت المقاومة بأي شكل كان.
وبموجب هذه الإستراتيجية أيضا، تؤكِّـد إسرائيل ما تعتبِـره حقَّـها الدائم في معاقبة قِـطاع غزّة عن بكرة أبيه بكل أنواع العِـقاب، دون أن يوجَّـه لها أي لوم أو عقاب، باعتبار أنه كيان معادي وأنها تحارب قِـوى إرهابية.
مثل هذه الإستراتيجية ليست خفِـية، بل مُـعلنة وتطبَّـق صباح مساء، وتؤيِّـدها الولايات المتحدة علناً دون خجَـل، وتعمل على إقناع الرئيس عباس بها، باعتبارها تُـحقِّـق له هدفه في إقامة دولة فلسطينية ما.
وإذا وضعنا إلى جانب هذه الإستراتيجية النهج الإسرائيلي المناهض لإيران والساعي بكل الحِـيَـل والحُـجج لتوجيه ضربة عسكرية أمريكية للمنشآت الإيرانية النووية قبل أن يغادر الرئيس بوش البيت الأبيض نهاية العام الجاري، فضلا عن بعض شواهِـد عملية تُـرجِّـح حدوث مثل هذه العملية العسكرية في غضون الصيف المقبل، يصبح بالتالي موضوع التَّـهدئة بالنسبة لإسرائيل أمرا خاسرا أو على الأقل أمرا بلا عائد مضمون.
رفض لتحسين الشروط
هذا النهج في التحليل، لا يلغي بالقطع أن هناك أزمة حقيقية تواجِـهها إسرائيل بالنسبة للقطاع ولحماس على وجه التّـحديد، فبالرغم من فارق القوّة العسكرية والمادية وكل عمليات الاغتيال والتوغُّـلات في القطاع والحصار اللاإنساني، فإن الجيش الإسرائيلي يبدو غير قادِر على حسم المعركة في مواجهة حماس، التي لا زالت قادِرة على الصُّـمود، وإلى جانبها باقي الفصائل الفلسطينية الأخرى، وجميعهم اثبَـت القُـدرة على الردّ المُـوجع بين الحين والآخر.
هذه الأزمة التي تمتزِج فيها أبعادٌ عسكرية وسياسية وأخلاقية، وحتى في حالة الاستعداد لخوض معركة كُـبرى في مواجهة إيران أو حزب الله اللبناني، فإن التَّـهدئة هنا يُـمكن أن تمثل في حدّ ذاتها مُـشكلة أخرى، ليس فقط في مواجهة الفلسطينيين، بل أيضا في مواجهة مصر، ومن ثَـمَّ يُـمكن الافتراض بأن التشدّد الإسرائيلي المُـعلن، هو من قبيل المواقِـف التفاوُضية لإعادة صياغة بنود التّـهدئة، وبما يجعل لإسرائيل كلّ المزايا والضَّـمانات، مقابِـل لا تعهُّـد جادٍّ إزاء أي شيء، اللَّـهُـم تخفيف القيود والعمليات العسكرية وحسب، وإبقاء الحِـصار تحت رحمة القرار الإسرائيلي في كل وقت.
يبدو افتراض التشدّد كموقف تفاوضي في بعض الأمور، منها توصية الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لرئيس الوزراء أولمرت، بأن تشمل التَّـهدئة المُـطالبة بوقف إطلاق الصواريخ على النقب الغربي ووقف العمليات العسكرية الصَّـادرة من قطاع غزة ووقف تهريب السِّـلاح إلى القطاع، وأن تقدِّم مَـصر ضمانات لوقف تزايُـد قوة حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة، ووقفٍ كاملٍ لإطلاق الصواريخ نحو إسرائيل، ووقْـف جميع العمليات المُـنطلقة من القطاع، وأن تتضمَّـن أيضا الإفراج عن الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حماس جلعاد شاليط.
مثل هذه الشروط الإسرائيلية، تعني أن التهدئة ستظل بحاجة إلى وقت آخر من أجل التفاوض على مثل هذه البنود وضمان قَـبول الأطراف المختلفة لصِـيَـغ محدّدة جديدة، غير أن مَـصر من جانبها، التي توصلت إلى صيغة تهدِئة قبلتها الفصائل الفلسطينية بشقِّ الأنفس، لا تملك تغييرها إرضاء لإسرائيل، كما لا تملك فرضها بعد التغيير، إن حدث، على الجانب الفلسطيني، وتلك بدورها مشكلة أخرى تلوح بَـوادِرها في الأفق، ويجب البحث عن حلول لها، ولكن هل يبقى هناك وقت لذلك؟
د. حسن أبوطالب – القاهرة
القدس (رويترز) – قال مسؤول إسرائيلي رفيع يوم الخميس 1 مايو، إن إسرائيل ستوافق على الأرجح على تهدئة غير رسمية مع الناشطين الفلسطينيين في قطاع غزة، إذا توقَّـفت هجمات الصواريخ عبر الحدود وعميات تهريب الأسلحة إلى الأراضي الفلسطينية.
وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، نقلا عن مسؤول مصري رفيع لم تكشف عنه، يوم الأربعاء 30 أبريل، إن الفصائل الفلسطينية المجتمعة في القاهرة وافقت على اقتراح مصري بتهدِئة مع إسرائيل، تبدأ في قطاع غزة الذي تُـسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، لكن عددا من الفصائل كانت غير حاسِـمة في تأييدها لوقف إطلاق النار، وقالت بعض الفصائل إنها تحتفِـظ بحق الردّ على الهجمات الإسرائيلية.
وقال عضو في الحكومة الأمنية الإسرائيلية المصغرة، طلب عدم الكشف عن اسمه، لأنه لم توضع بعد اللَّـمسات النهائية لاقتراح هُـدنة، إن إسرائيل تنتظر لترى نتائج الوساطة المصرية.
وقال المسؤول “لن تكون هناك اتفاقية موقَّـعة بين إسرائيل وحماس بالطبع”، وأضاف “لكن ليس هناك ما يمنَـع من أن يقدّم كل طرف على حِـدة تعهُّـدا للمصريين، وهذا بالتالي، سيكون اتفاقَ هُـدنة ضِـمنيا”.
وقال إن إسرائيل “في حكم المؤكّـد أن تمضي قُـدما”، مع وقف إطلاق النار “إذا جاء متَّـفقا مع مطالبنا الأساسية.. وهي إنهاء العنف من غزّة وتهريب الأسلحة الذي يذكِّـي ذلك العنف”.
وقال المسؤول إن وجهات نظره تشاركه فيها شخصيات رئيسية تصنع القرار في حكومة رئيس الوزراء ايهود اولمرت، وأنه يتوقّـع “انفراجة بشأن هذا الموضوع في غضون أيام”.
وعبَّـر بعض المسؤولين الإسرائيليين الآخرين، وبينهم ضباط كبار بالجيش، عن معارضتهم لهُـدنة يمكن أن تسمح لحماس وفصائل أخرى بتجميع قِـواها بعد القتال الأخير.
وقالت حركة الجهاد الإسلامي، التي تطلق باستمرار صواريخ على إسرائيل، إنها لا يمكنها أن تقبل رسميا اتِّـفاق هدنة، لكنها لن تكون البادِئة بانتهاكها.
وفي بيان جديد، قال زياد النخالة، نائب الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي، إن الحركة لا يمكن أن تكون طرفا في اتفاق هُـدنة لا يطبَّـق منذ بدايته في الضفة الغربية المحتلة.
وقال النخالة، إنهم لن يكونوا البادِئين بانتهاك أو تقويض الهدنة وأنهم سيعطون فرصة لإعادة فتح معابِـر غزة وتخفيف المعاناة عن الشعب الفلسطيني.
وقالت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية، إن اقتراح القاهرة جزء من خطّـة أشمل ستؤدّي في النهاية إلى رفع القيود على حُـدود غزّة التي شدّدتها إسرائيل بمساعدة مصرية، بعد أن سيطرت حماس على الأراضي في يونيو الماضي.
وكان ناشطو الجهاد الإسلامي في قطاع غزة وراء هجمات صاروخية عديدة على إسرائيل، وهي هجمات قالت الحركة وفصائل فلسطينية أخرى، إنها شُـنَّـت ردّا على العمليات العسكرية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.
وقالت إسرائيل، التي سحبت قواتها ومستوطنيها من قطاع غزة في عام 2005، لكنها ما زالت تسيطر على الحدود، إنها ليس لديها سبب يدعوها إلى مهاجمة الجيب الساحلي إذا أوقف الفلسطينيون هجماتهم الصاروخية.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 1 مايو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.