غاب العرب عن التنصيب.. وغابت إسرائيل والإرهاب عن الخطاب
أدّى الرئيس الموريتاني المنتخب، سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، اليمين الدستوري، ليصبح بذلك سابع رئيس للبلاد منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960
وهو أول رئيس يصل إلى سدّة الحكم عن طريق صناديق الاقتراع، بعد أن ظلت قمرة الدبابة وفوهة البندقية، السبيل الوحيد لاعتلاء كرسي الرئاسة في موريتانيا.
جرت مراسيم حفل تنصيب ولد الشيخ عبد الله في قصر المؤتمرات بنواكشوط، وسط إجراءات أمنية مشدّدة، دفعت السلطات إلى إغلاق الشوارع الكبرى وسط العاصمة، وحضره سبعة رؤساء أفارقة، فيما غاب جميع الزعماء العرب عن الحفل، في خطوة أثارت استياء الموريتانيين واعتبروها تجاهلا من القادة العرب، يشي بعقدة هؤلاء الحكّـام حِـيال زميل لهم، يختلف عنهم بشرعية الانتخاب الديمقراطي.
وقد أدّى الرئيس الموريتاني اليمين الدستوري التي تضمن – إضافة إلى الحفاظ على المصالح العليا للجمهورية وحوزتها الترابية واستقلاليتها – فقرة أخرى اعتبرها المراقبون حاسمة في مستقبل التناوب السِّـلمي على السلطة في هذا البلد الحديث العهد بالتجربة الديمقراطية – وتنص هذه الفقرة من القَـسم، على ألاّ يساهم أو يسعى رئيس الجمهورية، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لتغيير المواد الدستورية، التي تتضمن تحديد فترة مأموريته بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
وبعد أداء ولد الشيخ عبد الله للقًـسم الدستورية، وقف رئيس المجلس العسكري المُـنصرف العقيد اعل ولد محمد فال، الذي كان يجلس إلى جانب ولد الشيخ عبد الله مُـهنِّـئا، وعانقه بحرارة، كانت بمثابة الخطوة الرمزية لتسليم السلطة.
قراءة في خطاب التنصيب
وقد ألقى سيدي ولد الشيخ عبد الله خطابا، حمَـل مدلولات ومعانٍ كبيرة ومتشعِّـبة، حيث أصرّ في بدايته على تسجيل العرفان بالجميل للمجلس العسكري ولرئيسه العقيد اعل ولد محمد فال، على وجه الخصوص، قائلا، إن عدم الاعتراف لهم بالجميل، هو مجانبة للصواب وعدم إنصاف للتاريخ الذي سيُـخلد هذا العمل العظيم – حسب قوله – الذي “جعل من موريتانيا نموذجا يُـحتذى به، للخروج السَّـلِـس من عهد الأحادية والوُلوج إلى الديمقراطية العصرية من بابها الواسع”.
وحرص ولد الشيخ عبد الله على التأكيد على نيته، العمل لتعزيز الوحدة الوطنية التي عانت من شرخ كبير جرّاء الأحداث التي شهدتها موريتانيا سنوات 89 – 90 و1991، والتي راح ضحيتها عشرات من أفراد الأقلية الزِّنجية في موريتانيا، قتلا وتهجيرا، ولم يكن الرئيس الجديد ليتطرق لذلك، دون أن يلقي باللائمة على نظام الرئيس السابق ولد الطايع، وإن كان ذلك بصورة غير مباشرة، من خلال القول، إنه سيعمل على “تجاوز الآثار السلبية الموروثة عن الماضي”، ملتزما بإعادة بناء أجهزة الدولة ونظمها، “في ظل سلطان العدل والإنصاف وفصل السلطات واحترام القانون”.
وقال ولد الشيخ عبد الله، إن الحفاظ على المُـكتسبات الديمقراطية التي حققتها البلاد، سيكون في أولوياته، متعهِّـدا بترسيخ الثقافة الديمقراطية، “القائمة على التسامح وقبول الرأي الآخر واحترام دور المعارضة السياسية”.
وتطرق للخطوط العريضة، التي سيتَّـبعها في خوض المعركة ضد التحدّي الأكبر الذي يواجهه، ويتعلق الأمر بالتخلف والجهل والفقر، متعهِّـدا بتحقيق نمو اقتصادي، يسمح برفع المستوى المعيشي للسكان ومكافحة الفقر وتقليص البطالة والحد من الفوارق الاجتماعية، وتمكين المواطنين من الاستفادة من الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم والماء الصالح للشرب والمرافق الحيوية الأخرى.
هذا بالتوازي مع مواجهة أخرى، لا تقل ضراوة عن سابقتها، وتتعلق بمحاربة الفساد وسوء التسيير والرشوة والمحسوبية، وهي أدواء تفشَّـت في الإدارة الموريتانية، وشلَّـت أداءها وحرمت المواطن العادي من خدماتها.
كما تعهد باعتماد مفاهيم جديدة تُـعيد تحديد دور الدولة وصلاحياتها، “وتبتعِـد كل البُـعد عن المسلكيات الاستبدادية، والممارسة الفردية للسلطة، وتتبنى منهج التشاور وتقاسم المسؤوليات وتكاتف الجهود”.
كما التزم الرئيس الموريتاني الجديد، باستعادة مؤسسات الجمهورية من سلطة تشريعية وقضائية لصلاحياتها كاملة، وفقا لما يحدّده الدستور والقوانين والنُّـظم المعمول بها في البلد،
ورسم ولد الشيخ عبد الله في خطابه ملامح سياسته الخارجية، مؤكِّـدا أنه سيعمل على تفعيل دور البلاد في محيطها، العربي والإفريقي والإسلامي، قائلا، إنه يتطلَّـع إلى أن يُـصبح اتحاد المغرب العربي “إطارا حقيقيا للاندماج بين البلدان المغاربية، تلبية لطموحات شعوب المنطقة”.
وفي معرض حديثه عن الشرق الأوسط، تجنَّـب ولد الشيخ عبد الله الحديث عن مستقبل علاقات بلاده مع إسرائيل، رغم أن الكثيرين كانوا يتوقَّـعون أن يتطرّق لها، نظرا لاعتبارها إحدى أهم القضايا الخارجية التي أثِـيرت في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كما تحاشى الحديث عن عملية السلام والمبادرة العربية، لكنه جدّد التزامه بدعم الشعب الفلسطيني قائلا: “وستظل موريتانيا سندا لكفاح الشعب الفلسطيني العادل من أجل الذود عن مقدساته، واسترجاع أراضه وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وسندعم كافة الجهود الرامية إلى استعادة الأراضي العربية المحتلة”.
واعتبر في خطابه أنه “لا يمكن لشعوب الشرق الأوسط أن تنعم بالسلام العادل والدائم، ما لم يتحقق ذلك”.
ما غاب عن خطاب التنصيب
لوحظ أن ولد الشيخ عبد الله تعمَّـد تجنُّـب الحديث في خطاب تنصيبه، عن أمور كان المراقبون يتوقعون إلى معرفة مواقفه منها، وهو تجنُّـب ربَّـما حمل في جانبٍ منه ردودا على تساؤلات المراقبين.
فقد لوحظ أن الرئيس الجديد تفادى الحديث نهائيا عن ما يُـسمى “محاربة الإرهاب”، رغم أن أرفع مسؤول أمريكي يزور موريتانيا من عقدين من الزمن، كان حاضرا لتنصيبه، ويتعلق الأمر بنائب وزيرة الخارجية الأمريكية جون نيغروبونتي، وإن كان هذا الأخير تعمَّـد الحديث في تصريحات صحفية عن أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى لتعزيز تعاونها في مجال محاربة الإرهاب مع موريتانيا، كما لم يتحدث ولد الشيخ عبد الله عن علاقة بلاده بإسرائيل، التي لم ترسل ممثلا عنها لحضور حفل التنصيب، بل أن الرئيس الموريتاني تحاشى حتى الحديث عن عملية السلام والمبادرة العربية، مُـكتفيا بالقول، إنه سيدعم “كفاح الشعب الفلسطيني العادل”، مع العلم أن ولد الشيخ عبد الله كان قد صرّح أكثر من مرة أنه يعتبر إقامة نظام ولد الطايع لتلك العلاقة خطأ سياسيا، لكنها أصبحت أمرا واقعا يجب التعامل معها بحذر، حسب قوله.
وفي مقابلة صحفية أجراها بعد انتخابه، قال إن مصير هذه العلاقة سيتم حسمه عن طريق الشعب الموريتاني، إما بإجراء استفتاء شعبي عليها، أو بإعادة أمر البت فيها إلى البرلمان المنتخب من الشعب الموريتاني، وهو موقف يختلف جِـذريا عن مواقف سلفه العقيد اعل ولد محمد فال من تلك العلاقة، إذ عُـرف عن هذا الأخير دفاعه عنها واعتبارها مصلحة عليا للبلد، “ينبغي على السياسيين الابتعاد عن اللَّـعب بها”.
وقد لوحظ أنه خلال مصافحة الرئيس الجديد لموريتانيا لضيوفه، تعمَّـد معانقة نائب وزير الخارجية الإيراني محمد باقر رضا، فيما اكتفى بمصافحة جون نيغروبونتي بشيء من البرودة، ناهيك عن التصفيق الحار الذي قوبل به المسؤول الإيراني في القاعة، مقابل صمت جنائزي واجه به جمهور القاعة الضيف الأمريكي، كما أن الحفاوة التي استقبلت بها وزيرة الدفاع الفرنسية أثناء حضورها حفل التنصيب، كانت أكثر حرارة مما استقبل به نغروبونتي.
تكنوقراطي.. من أصول محافظة
ولعل السؤال الأكبر الذي يطرحه الكثيرون، يدور حول معرفة شخصية الرئيس الجديد لموريتانيا، من هو؟ وكيف اختاره الموريتانيون رئيسا لهم في مفتتح عهدهم بالحكم الديمقراطي.
ولِـد الرئيس الموريتاني سيدي محمد ولد الشيخ عبد الله سنة 1938 في ولاية “البراكنة” وسط البلاد، وبها أكمل دراسته الابتدائية والإعدادية، قبل أن ينتقل إلى مدرسة “وليام بونتي” بجمهورية السنغال المجاورة، حيث أكمل دراسته الثانوية، بعد أن استقبلته تلك المدرسة ضِـمن عدد من أبناء المستعمرات الفرنسية في غرب إفريقيا.
وفي داكار، واصل ولد الشيخ عبد الله دراسته الجامعية، حيث حصل على الشهادة التحضيرية ( (C.P.M في تخصص الرياضيات ـ الفيزياء ـ الكيمياء، ثم انتقل إلى فرنسا، حيث تابع دراسته، التي حصل منها سنة1968 على شهادة الدراسات المعمقة في الاقتصاد .(DEA)
وبعد عودته إلى البلاد، عيَّـنه الرئيس الأسبق المختار ولد داداه مديرا للتخطيط، لكنه سرعان ما ترقَّـى في الوظيفة، حيث عُـين وزيرا للاقتصاد في الحكومة، وفي يوليو سنة 1978، أطيح بنظام المختار ولد داداه في أول انقلاب عسكري تشهده موريتانيا في تاريخها المعاصر، واعتقل الجيش ولد الشيخ عبد الله مع باقي أعضاء حكومة ولد داداه لفترة وجيزة، ثم أفرج عنهم.
وفي سنة 1982، انتقل للعمل في الكويت، التي شغل فيها منصب مستشار اقتصادي للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية، وهي الوظيفة التي ظل يشغلها إلى غاية نهاية سنة 1985، حين عيَّـنه الرئيس السابق معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، وزيرا للمياه والطاقة، ثم أسند إليه حقيبة وزارة الصيد، لكن العلاقة بين الرجلين سرعان ما توترت، حين أقدم ولد الطايع على إقالة ولد الشيخ عبد الله سنة 1987، واتَّـهمه بالفساد المالي وأمر باعتقاله، ووضعه تحت الإقامة الجبرية لمدة ستة أشهر.
وفي سنة 1989، عاد إلى الكويت، حيث عمِـل من جديد مع الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية بصفته مستشارا اقتصاديا للوزير المكلف بالتخطيط بدولة النيجر، وهي الوظيفة التي ظل يشغلها إلى غاية تقاعده في يونيو 2003، تاريخ عودته إلى بلاده واستقراره بها.
وبعد رجوعه، شوهد الرجل على المِـنصَّـة الرسمية في حفل إعلان زعيم المعارضة آنذاك، أحمد ولد داداه (منافسه فيما بعد) ترشحه للانتخابات الرئاسية في نوفمبر 2003، وهي الانتخابات التي حاول ولد الشيخ عبد الله، مع شخصيات مستقلة أخرى، تأسيس مرصد لمراقبتها، الأمر الذي رفضه ولد الطايع واعتبره اقتراحا معاديا لسياساته، وحذرت النيابة العامة ولد الشيخ عبد الله ورفاقه من مغبَّـة عقـد أي اجتماع باسم ذلك المرصد.
وفي سنة 2004، شارك سيدي ولد الشيخ عبد الله في مؤتمر “ملتقى المواطنة”، الذي نظمه الوزير السابق وأحد المقرّبين من ولد الطايع، أحمد ولد سيدي باب، واعتبر حينها أول محاولة للحوار بين الأغلبية والمعارضة في موريتانيا، وهو الحوار الذي فشل بعد إقدام ولد الطايع على حملة اعتقالات في صفوف المعارضة السياسية.
كما شارك ولد الشيخ عبد الله في جلسات الأيام الوطنية للتشاور والحوار، التي نظمت في أكتوبر سنة 2005 تحت إشراف المجلس العسكري والحكومة الانتقالية، وقد طلب منه رئيس المجلس العسكري العقيد اعل ولد محمد فال حينها تولّـي رئاسة اللجنة المستقلة للانتخابات، الأمر الذي رفضه ولد الشيخ عبد الله، وأعلن عن نيته في دخول الحلبة السياسية من بابها الواسع ليُـفاجئ الجميع بإعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية في يوليو 2006، ووصفته المعارضة حينها بأنه مرشح الجيش.
وقد أحرز في الشوط الأول من الانتخابات، الذي أجري يوم 11 مارس الماضي، نسبة تزيد على 24%، وكان الأعلى من حيث الترتيب، مما أهَّـله لخوض منافسة الشوط الثاني ضد المرشح أحمد ولد داداه، الذي احتل المرتبة الثانية بنسبة تزيد على 20%.
وفي انتخابات الإعادة يوم 25 مارس، تمكَّـن ولد الشيخ عبد الله من الحصول على نسبة تزيد على 52%، وهي نتيجة اعترف منافسه بها وهنَّـأه في رسالة بعث بها إليه، ليتم بذلك انتخابه رئيسا للجمهورية الإسلامية الموريتانية لخمس سنوات قادمة.
وينتمي ولد الشيخ عبد الله لأسرة محافظة، معروفة في الأوساط الصوفية الموريتانية، وهو متزوج وأب لثلاثة أولاد وبنت واحدة.
نواكشوط – محمد محمود أبو المعالي
نواكشوط (رويترز) – عيَّـن الرئيس الموريتاني الجديد سيدي محمد ولد شيخ عبد الله ،محافظ البنك المركزي السابق زين ولد زيدان، رئيسا للوزراء يوم الجمعة 20 أبريل، بعد أن تولّـى السلطة من المجلس العسكري الحاكم في الدولة الإسلامية.
وأدّى عبد الله، وهو اقتصادي عمره 69 عاما ووزير سابق اليمين القانونية يوم الخميس 19 أريل، فيما يكمل التسليم الديمقراطي للسلطة من ضبّـاط الجيش، الذين استولوا على السلطة في انقلاب عام 2005 في الدولة الإفريقية العربية، التي تقع على الطرف الغربي من الصحراء.
وقالت وكالة أنباء موريتانيا في تقرير بثته الإذاعة وفي موقعها على شبكة الانترنت، “تعلن الرئاسة أنه صدر مرسوم بتعيين السيد زين ولد زيدان رئيسا للوزراء.”
وكان زيدان أصغر مرشح ينافس عبد الله في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة، التي جرت الشهر الماضي وجاء في المرتبة الثالثة في السباق، لكنه أيَّـده في انتخابات الإعادة.
وأشادت الولايات المتحدة وأوروبا بهذه الانتخابات كنموذج لإفريقيا والعالم العربي بعد أن أوفى المجلس العسكري الذي أطاح بالرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع من السلطة قبل 20 شهرا بوعده بإعادة الحكم المدني إلى البلاد.
وعانت موريتانيا لسنوات عديدة من الفساد والانقلابات والحكم الاستبدادي منذ الاستقلال عن فرنسا في عام 1960 .
ووعد عبد الله بنبذ الماضي واحترام المعارضة السياسية وتشجيع الانسجام العرقي والاجتماعي، ومكافحة الفقر والفساد وإصلاح الدولة.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 20 أبريل 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.