غسيل الأموال بطريقة جديدة
اكتشفت السلطات السويسرية أن عصابات الجريمة المنظمة لجأت مؤخرا إلى تجارة الآثار والتحف كأسلوب جديد لغسيل الأموال.
وساعد على ذلك أن سويسرا تلعب دورا هاما في تجارة الآثار والتحف الفنية سواء بشكل قانوني أو غير مشروع.
عُرفت سويسرا بأنها من المراكز الهامة التي يقصدها تجار وجامعو التحف الفنية والآثار، وساعد على ذلك عدم انضمامها إلى اتفاقية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “يونسكو” التي تعود إلى السبعينيات من القرن الماضي وتحد من عملية تداول الآثار المسروقة حفاظا على الإرث الثقافي العالمي.
وكانت بعض حوادث تهريب الآثار والتحف الفنية التي تم الكشف عنها مؤخرا قد أوضحت أن أغلب الضالعين في هذا المجال يستخدمون مدينة جنيف كمنطلق لهم وتحديدا من بعض المخازن التي يمكن للتجار استئجارها في المنطقة الجمركية.
فآخر عملية تهريب تم الكشف عنها بواسطة الجهاز الإيطالي لحماية الأموال الذي اكتشف بعض الآثار المسروقة بحوزة تاجر في روما، قادت خيوط تحرياتها إلى وجود عدد كبير من الآثار المهربة في سويسرا بواسطة ثرية لبنانية تعيش بين توسكانا الإيطالية وجنيف حيث تستأجر هناك مخزنا في منطقتها الجمركية. وبتفتيش هذا المخزن عثرت الشرطة السويسرية على العديد من الآثار المسروقة.
كما عثرت السلطات في فترة سابقة على 542 قطعة أثرية مهربة من تركيا تقدر قيمتها بـ 75 مليون فرنك قامت إحدى شركات الشحن التركية بإدخالها إلى سويسرا وتخزينها في المنطقة الجمركية في جنيف.
المشكلة والحلول المقترحة
ويرجع السبب في اختيار المهربين لسويسرا كملاذ للآثار والتحف الفنية المسروقة إلى عدم وجود أية رقابة على دخول وخروج هذه المواد، فدخول قطعة أثرية نادرة وثمينة إلى سويسرا أسهل بكثير من إدخال حبة من ثمار الطماطم حسب تصريح اندريا راشر خبيرة الآثار في المكتب الفدرالي للثقافة إلى سويس انفو. وتضيف خبيرة الآثار أن القوانين الحالية المتعلقة تنظر إلى التحف الفنية والآثار على أنها أشياء عادية أو متعلقات.
إلا أن هذه الثغرات القانونية ستكون محل بحث البرلمان السويسري في الخريف المقبل حيث سينظر في تعديل بعض القوانين المتعلقة بنقل الآثار والتحف ذات القيمة الفنية والثقافية، لتضييق الخناق على عمليات التهريب مع الحفاظ على إمكانية بيع وشراء المواد الغير مسروقة أو مهربة. وربما ينتهي الامر بتوقيع سويسرا عى معاهدة منظمة اليونسكو بعد أكثر من ثلاثين عاما من الانتظار.
ويهدف القانون الجديد إلى الحفاظ على التراث الثقافي السويسري من التهريب والضياع ويحاول أن يضمن عودة الاثار والتحف المسروقة إلى بلدانها الاصلية سواء كانت بحوزة اشخاص أو متاحف.
وجه آخر لتبييض الأموال
وتعتبر التجارة في التحف الفنية والآثار أحد الأوجه الجديدة التي لجأت إليها عصابات المافيا وتجارة المخدرات كنوع آخر لغسيل أموالها بعد الرقابة الشديد التي بدأت البنوك والمؤسسات المالية مؤخرا في تنفيذها.
وتعمد هذه العصابات على الدخول في المزادات الكبيرة الهامة وتقتني القطعة الاثرية لتقوم بتسديد جزء من سعرها إما نقدا أو من خلال حساب غير مشبوه، ثم تقوم بموجب الاوراق التي تحصل عليها من صالة البيع بتحويل بقية الثمن من أموال ذات مصدر مشبوه سواء نقدا أو من حساب بنكي دون أن يلتفت أحد إلى هذا على اعتبار أنه سداد لبقية الثمن، وبعدها تحتفظ بالقطعة الفنية لفترة زمنية قبل إعادة بيعها بشكل مشروع.
وقد تنبهت السلطات في كل من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وايطاليا وسويسرا إلى هذه الخدعة بعد ظهور وجوه غير مألوفة في قاعات بيع التحف الفنية النادرة، وبعد عثور اجهزة مكافحة المخدرات في امريكا اللاتينية على آثار ومقتنيات نادرة في مقار شبكات تجارة المخدرات بعد إلقاء القبض عليها.
التجربة الايطالية
النموذج الإيطالي في مكافحة تهريب الآثار والتحف الفنية يمكن أن مثالا جيدا يحتذى به، فقد شكلت السلطات الإيطالية جهازا خاصا لمتابعة هذه المشكلة. وتتعاون المتاحف وصالات المزادات مع هذا الجهاز، حيث تقوم بإبلاغه بأية تحفة ترد إليها للتأكد من منشأها ومشروعية إعادة بيعها أو الاحتفاظ بها، فيقوم هذا الجهاز المختص بمراجعة بيانات الاثر الفني مع المعلومات المتوفرة لديه حول الآثار المسجلة كمفقودة أو مسروقة.
إلا أنه من المفترض أن تعمل الاتفاقيات الدولية بين البلدان المختلفة على تنسيق مكافحة تهريب الآثار والتحف والفنية بشكل أقوى، كما يجب على جامعي هذه المواد القيمة الحرص على امتلاك شهادات تثبت صحة وقيمة مقتنياتهم، وهذه الشهادات تكتسب مصداقيتها من خلال بيوت الخبرة المعتمدة أو المتاحف المتخصصة، التي لن تمنحها بالتأكيد لبضاعة مسروقة أو مهربة.
تامر ابو العينين
سويسرا لم توقع حتى الآن على معاهدة اليونسكو لمكافحة تهريب الآثار.
البرلمان السويسري سيدرس في الخريف القادم قانونا جديدا لتنظيم تجارة التحف الفنية والآثار.
إسنغلال تجارة الآثار والتحف في عمليات غسيل الأموال.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.