“غنى سويسرا يعـيقُ نـموها الاقـتصادي”!
"إن لم تُقدم سويسرا على إصلاح جذري لنظامها السياسي، ستجدُ صُعوبة في استعادة ميزتها التنافسية"! هذا الرأي ورد على لسان كاتب الدولة للشؤون الاقتصادية المُستقيل.
ويعتقد السيد دافيد سيز أن السبب وراء بطء نمو اقتصاد الكنفدرالية مقارنة مع الدول الصناعية يكمن في غنى سويسرا..
في آخر حديث له بصفته كاتب الدولة للشؤون الاقتصادية، شدد السيد دافيد سيز على ضرورة إسراع سويسرا لعملية إصلاح نظاميها السياسي والاقتصادي.
وقبل توليه هذا المنصب في يوليو 1999، عمل السيد سيز لمدة 30 عاما في القطاع الخاص حيث بدأ مشواره المهني ضمن مجلس إدارة اتحاد البنوك السويسرية (UBS)، قبل أن يُُعين في عام 1986 رئيسا لإدارة المجموعة الصناعية (SIG).
وفي الحديث الذي أجرته معه “سويس انفو” قبل تخليه عن منصبه يوم 31 مارس 2004، أثار السيد سيز التحديات التي يواجهها الاقتصاد السويسري ومخاطر ابتعاد البلاد عن الركب الأوروبي.
سويس انفو: التحقتم بكتابة الدولة للشؤون الاقتصادية بعد مشوار مهني في القطاع الخاص، هل واجهتم صعوبات للتأقلم مع أجواء القطاع العمومي؟
دافيد سيز: كان ذلك بمثابة صدمة ثقافية حقيقية، لكن التأقلم مُمكن. إن عملية اتخاذ القرارات تختلف جدا. كل شيء يسير ببطء أكثر. يجب استشارة عدد أكبر من الأشخاص ولا يمكن اتخاذ أي قرار قبل التوصل إلى اتفاق معهم جميعا. أما الأمر المُخيب للآمال أحيانا، فهو عدم التمكن من لمس نتائج عملنا على الفور.
يجبُ علينا أن نُدخلَ إصلاحاتٍ على عملية اتخاذ القرار. لقد تطورت الأمور في العالم، ويجب علينا الآن أن نعزز قدرتنا التنافسية على المستوى الدولي. وهذا يتطلب اتخاذ القرارات بسرعة أكبر وبشكل جذري.
سويس انفو: ترى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أيضا أنه يتعين على سويسرا أن تطور قدرتها التنافسية. هل تعتقدون أن بطء الإصلاحات يعيق التطور الاقتصادي؟
دافيد سيز: تماما. لكن المشكلة متأصلة في نظامنا السياسي. إن ثقافة الإجماع في سويسرا هي التي تجعلنا شبه عاجزين عن التحرك بسرعة.
نحن ما زلنا في موضع قوة، وطالما لا تسير الأمور بسوء، فلن يمارس أحد الضغط المطلوب للإقدام على إصلاحات. ربما سننتظر إلى أن يجبرنا الواقع الاقتصادي على تطبيق الإصلاحات أو إلى أن تُمارس علينا ضغوط من الخارج.
سويس انفو: صرحتم مؤخرا بأن سويسرا في حاجة إلى حكومة قادرة على تحديد أولويات واضحة وتمتلك الشجاعة لاتخاذ إجراءات صعبة وغير شعبية بالضرورة.
دافيد سيز: هذا صحيح مع الأسف. إذا ما نظرتم لبرنامج الإصلاحات الذي اتبعته الحكومة خلال السنوات الأربع الأخيرة، ستستنتجون أنه ليس برنامجا حقيقيا.
إنها مجرد لائحة تتضمن المشاكل التي يجب حلها. وهذا لا يسمح لنا بالمضي قدما. يجب على الأحزاب السياسية أن تناقش فيما بينها الإصلاحات الضرورية وأن تتوصل إلى تسوية مُشتركة.
سويس انفو: ما الذي قد يحدث إن لم نسرع في عملية الإصلاح؟
دافيد سيز: إن لم نُسرع، سنفقد مركزنا. إن مشكلتنا تكمن في كوننا أغنياء جدا لاتخاذ قرارات غير شعبية. وأخشى أن تسوء الأحوال قبل أن تتحسن، لكنني آمل أن نتحرك قبل أن يحدث ذلك. وأعتقد أن الإصلاحات الاقتصادية وحدها لا تكفي، علينا أن ندخل إصلاحات أيضا على مؤسساتنا.
سويس انفو: المفاوضات الثنائية مع الاتحاد الأوروبي مازالت متعثرة والمناخ السياسي بدا متدهورا خلال الفترة الأخيرة بين برن بروكسل. هل تعتقدون أن خيار المفاوضات الثنائية مازال قابلا للتطبيق أم أن ازدهارنا الاقتصادي يعتمد على الانضمام إلى الاتحاد؟
دافيد سيز: في الوقت الحالي، يجب أن نركز على المفاوضات الثنائية. مازلت مقتنعا بأنه يمكننا المضي قدما في هذا الاتجاه وأنا متفائل إزاء قدرتنا على إغلاق المفاوضات في غضون الأشهر القادمة. لكن الاتحاد أصبح يفقد صبره أكثر فأكثر، ولا يريد أن يتعامل مع سويسرا بشكل تمييزي. لذلك فإن الضغط سيتصاعد وربما سنملّ يوما ما الضغط ونميل بالتالي إلى الإنضمام.
لكن المزايا التي يوفرها طريق المفاوضات الثنائية مازال يفوق السلبيات، غير أن هذا الوضع قد يتغير. قد نُضطر يوما ما إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي خاصة إذا أدركنا أن العضوية ستكون في صالح اقتصادنا وأمننا. وهذا ليس هو حالنا الآن، لكن ذلك اليوم سيأتي.
سويس انفو: ستنضم 10 دول معظمها من وسط وشرقي أوروبا إلى الاتحاد الأوروبي اعتبارا من 1 مايو القادم. ما هي الفرص التي يتيحها هذا الانضمام للاقتصاد السويسري؟
دافيد سيز: إنها فرص حقيقية. رغم أن المعاملات الاقتصادية مع هذه البلدان لا تمثل سوى جزء ضئيل من إجمالي نشاطاتنا التجارية، فإنني مقتنع بأنها ستتعزز قريبا. هذه البلدان تتوفر على مقومات نمو ممتازة على المدى البعيد، وهي ستنعش لحسن الحظ اقتصاد الاتحاد الأوروبي عموما والسويسري بشكل غير مباشر بما أن الاتحاد هو الشريك التجاري الرئيسي لبلادنا.
سويس انفو: ترأستم كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية لمدة 5 أعوام من الركود الاقتصادي. وشهدنا خلال تلك الفترة إلغاء بعض كبريات الشركات والمصارف السويسرية لعدد كبير من مواطن العمل. هل تأسفون لذلك؟
دافيد سيز: بالتأكيد أشعر بالأسف تجاه كل الذين فقدوا عملهم. لكنني أدرك أيضا ضرورة إعادة هيكلة المؤسسات التي تؤدي مع الأسف إلى الاستغناء عن خدمات العمال.
إن دور كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية يكمن من جهة في تسهيل الإصلاحات، وفي مساعدة من فقدوا عملهم وتسهيل خلق فرص عمل جديدة وتحسين التكوين من جهة أخرى. لكن في كل الأحوال، لا يجب إرجاء الإصلاحات الضرورية، لأن ذلك هو أسوء ما يمكن القيام به.
سويس انفو: أثناء ترأسكم لكتابة الدولة للشؤون الاقتصادية، قـُدتم وفودا اقتصادية في مختلف أنحاء العالم. هل كان من السهل حمل العلم السويسري في هذا الإطار؟
دافيد سيز: بكل أمانة، كان ذلك سهلا جدا. نحن نحتل الصف الثامن في القائمة الدولية الخاصة بالاستثمارات المباشرة في الخارج، ونقابل بالترحيب أينما ذهبنا.
نُُسأل أحيانا إن كان معقولا إنشاء مقرات أوروبية في سويسرا وهي غير عضو في الاتحاد. لكن حتى هذه المسألة إيجابية أكثر منها سلبية، لأن الناس يرون في سويسرا بلدا ليبراليا يتوفر على شبكة متينة من اتفاقيات التبادل التجاري الحر وعلى سوق مالية قوية.
سويس انفو: سمحت لكم زياراتكم المتعددة حول العالم بتكوين صورة عن سويسرا من الخارج. هل ترون أن سويسرا تتحول ببطء لكن بشكل مؤكد إلى الحلقة الضعيفة في أوروبا؟
دافيد سيز: كلا، “الحلقة الضعيفة” تعبير قوي جدا. لكنه مازال يُنظر إلى سويسرا، خاصة في أوساط الشباب، كبلد تقليدي جدا وبلد يحظى بالتقدير على ما حققه من إنجازات في الماضي، أكثر مما يقوم به حاليا.
سويس انفو: ستعودون الآن إلى القطاع الخاص، لكنكم تعتزمون أيضا دخول عالم السينما لإنجاز شريط وثائقي حول انعكاسات العولمة.
دافيد سيز: نعم. أدركت خلال سنوات عملي بكتابة الدولة للشؤون الاقتصادية أن هنالك الكثير من المعلومات المضللة حول العولمة. أريد أن أبدأ بأمثلة ملموسة لآثار العولمة وإنتاج سلسلة من الأشرطة القصيرة المُوجهة للشباب على وجه الخصوص.
إن العولمة لا تحظى بسمعة جيدة في الصحافة، لكنها تحدد جوانب كثيرة في حياتنا. يجب علينا إذن أن نأخذها مأخذ الجد.
سأتوجه في موفى هذا العام إلى أكاديمية السينما بنيويورك لتعلم قواعد المهنة وكتابة السيناريو، وآمل أن أنجح في إنتاج مواضيع تثير اهتمام الشباب.
سويس انفو- رمزي ظريفة/ ترجمة إصلاح بخات
ولد دافيد سيز عام 1944
درس الحقوق في جامعة زيوريخ قبل بدء مشواره المهني في مجلس إدارة اتحاد البنوك السويسرية UBS، أكبر المصارف السويسرية
في عام 1986، عُين رئيس إدارة المجموعة الصناعية SIG
في يونيو 1999، عُين أول رئيس لكتابة الدولة للشؤون الاقتصادية
بعد شغله هذا المنصب لمدة 5 سنوات، استقال السيد سيز من منصبه في نهاية مارس الماضي
وابتداء من 1 أبريل، حل محله جون دانييل غربر، المدير السابق للمكتب الفدرالي للاجئين
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.