فتح وحماس.. الحوار الفلسطيني الغائب
في ندوة محدودة الحضور جرت وقائعها مؤخرا في القاهرة شهِـدت مشاركة من مسؤولين فلسطينيين سابقين جاؤوا من الأراضي الفلسطينية المحتلة، تركَّـز الحِـوار حول احتمالات نجاح مؤتمر الخريف في تسوية القضية الفلسطينية أو على الأقل، إطلاق عملية جادّة وِفق برنامج زمني محدّد ينتهي بقيام الدولة الفلسطينية العتيدة.
لكن السؤال الذي فرض نفسه على الجميع، هل يُـمكن للمُـفاوِض الفلسطيني أن يذهب إلى هكذا مؤتمر، غير واضح الملامح ومُـتضارب القسمات والنوايا، وهو محمّـل بوزر الانقسام الفلسطيني، سياسيا وجغرافيا، وبانقطاع الصِّـلة بين غزة ورام الله وبين عباس وهنية؟
وبالرغم من بساطة السؤال، فإنه عكَـس إدراكا عاما بأن مستقبل فلسطين، كقضية حقوق قومية، ليست فقط على المِـحك، بل أن التَّـفاعلات الطبيعية بين أبناء الشعب الواحد تعيش لحظة حرِجة وتُـنذر بتدنٍّ غير مسبوق، وهو احتمالٌ إنْ حدث، سيعنى حربا أهلية في ظل احتلال يعمل بكل قوة على شطب القضية الفلسطينية من قاموس السياسة الدولية الراهن.
احتمال الحرب الأهلية الفلسطينية، وإن كان يُـمثِّـل كابوسا كبيرا، مُـعظم شروطه وللأسف الشديدة، قائمة في الواقعين الفلسطيني والإقليمي، كما تدُل على ذلك المواجهات بين مسلحي حماس والجهاد في اليومين الأخيرين والمواجهات بين القوة التنفيذية، التابعة لحماس وبين عائلة حلّـس في القطاع وما ترتّـب عليها من قتلى وجرحى، ومع ذلك، فهو ليس الاحتمال الوحيد المُـتاح، نظريا على الأقل.
فثمة احتمالين آخرين، أحدهما بقاء الأمور على حالها، أي استمرار القطعية الجغرا/سياسية بين غزة والقطاع، والثاني، الدخول في عملية حوارية، ولو بطريق غير مباشر، تبدأ بتهدئة الأمور إعلاميا وتبادل للأفكار عن طريق وسطاء مخلِـصين للقضية الفلسطينية، وصولا إلى إنهاء الوضع غير الطبيعي، الذي يعيشه الفلسطينيون حاليا.
حالة سيولة
كلٌّ من هذين الاحتمالين له شروطه ودوافعه وعوائده المُـمكنة، سلبا وإيجابا، لكن المسألة حتى اللّـحظة تبدو في حالة سيولة تسمح بأن نرى كل الاحتمالات تحدُث في آن واحد، رغم تناقضها الكلّـي.
فعشية عيد الفطر، وفي خطبة لرئيس الوزراء المُقال إسماعيل هنية، أكّـد على أن الوضع القائم في غزة، هو وضع مؤقّـت وأن الحوار مع فتح سيتِـم في إحدى الدول العربية بعد العيد.
وفي التو واللّـحظة نفى متحدث باسم فتح وجود أي شيء يتعلّـق بحِـوار مع حماس، مذكِّـرا بموقِـف فتح والسلطة المحدّد، والذي يشترط إعادة الأمور في غزة إلى ما كانت عليه قبل منتصف شهر يونيو الماضي، بما في ذلك عودة المقرّات الأمنية لسيطرة رئيس السلطة، وبعدها قد يكون هناك حِـوار، دون أن يُـحدّد أرضية معينة له.
إدراك حماس الجديد
يمكن القول هنا أن ما ذكره هنية حول الوضعية المؤقتة الراهنة لغزة، يعني اعترافا وإدراكا بأن الأمور يجِـب أن تعود إلى ما كانت عليه من قبل، أي حالة تواصُـل سياسي جغرافي بين غزة والقطاع، ويعني أيضا تأكيدا بأن الوضع في غزة وتحت سيطرة حماس، لا يمثل أي مقدّمة لإقامة دويلة حماسية في القطاع، فهو أمر مستحيل عمليا، وتأكّـد في الأشهر القليلة الماضية من حيث سيطرة إسرائيل على أسُـس الحياة اليومية لمواطني القطاع من كهرباء وغاز وواردات أدوية وغازات تخدير طبية وأغذية ومواد للبناء، وخلافه كثير.
والأهم من كل ذلك، فهو يعكِـس اعترافا، وإن بطريقة غير مباشرة، بأن غزة بوضعها الراهن باتت عِـبئا على حماس، لاسيما وأن عملية حِـصارها، إسرائيليا وأمريكيا وأوروبيا، آخذة في التكثيف وآخذة أيضا في إنتاج تداعيات سلبية كثيرة على الحركة داخليا. وفي المحصلة، لابد من خطوات جريئة تُـنهي المؤقّـت وتبحث عن الدائم.
متاعب عملية تُـمهد لتغيير
في شقٍّ من هذا الحديث لهنية، يمكن اعتباره رسالة تُـمهِّـد لنوع من الاعتراف بخطأ ما جرى في يونيو الماضي، وهو ما عبّـر عنه غازى حمد، أحد قيادات حماس لاحقا بعد عشرة أيام من حديث هنية في رسالة وجّـهها لقيادات الحركة، مُـطالبا فيها الاعتراف بخطأ الحسم العسكري مطالبا بالتّـراجع عنه.
من يعرفون الكواليس يُـدركون أن رسالة كهذه، وإن عكست متاعِـب الحركة في القطاع المحاصَـر، يروْن فيها نوعا من تحضير الذات لتلبية أحد مطالب فتح والسلطة الفلسطينية برئاسة عباس، وهو التراجع عن الانقلاب العسكري.
ومع ذلك، يظل هناك تساؤل مهم، هل سيعني التَّراجع عن الحسم العسكري لحماس تراجُـعا أيضا وموازيا للسلطة عن الإجراءات التي اتخذتها بحق حماس، كإقالة حكومة هنية ومطاردة كثير من كوادرها في الضفة الغربية وإغلاق العديد من الجمعيات الأهلية، المحسوبة على الحركة؟
ثمة غُـموض هنا، سواء من فتح أو من حماس، أو ربما لم تصل الأمور بعد للتفكير في مثل هذه الخطوات بعد.
ورطة السلطة
في المقابل، تبدو السلطة ورئيسها في ورطة كبرى إذا ما توافرت أسُـس الحوار مع حركة حماس، لاسيما في هذه اللحظة الزمنية، التي تجري فيها الاستعدادات من أجل الخروج بأي مكسب سياسي أو معنوي من مؤتمر الخريف المقبل.
فليس سرا أن هناك دولا عربية ترى أن بقاء الأمور على حالها، حتى ولو صاحبَـها قدر من التَّـهدئة الإعلامية وعدم إطلاق التصريحات المستفزّة من أي من الطرفين تُـجاه الطرف الآخر، فهو يعني مع الوقت نوعا من تكريس القطيعة من جانب وإضعافا للسلطة الوطنية من جانب آخر وإنهاكا للفلسطينيين، لاسيما في غزة من جانب ثالث وإعطاء ميزات نسبية إضافية لإسرائيل لمواصلة ضغوطها مختلفة الأنواع والأشكال على القطاع من جانب رابع، والنتيجة لكل هذا معروفة مقدما، وهي محاصَـرة المفاوض الفلسطيني، سواء ذهب إلى مؤتمر الخريف أم لم يذهب.
ناهيك عن نتائج سلبية مُـباشرة على الأمن القومي لبلد كبير مثل مصر، التي يعنيها هدوء الأوضاع في غزة وعودتها للشرعية الفلسطينية وعدم خروجها عن الخط العام لأي تسوية أو نشاط دولي أو إقليمي يحدث تحت مِـظلة عملية سلام أو مفاوضات أو خلافه.
فتور مقصود
هذا الضغط العربي من أجل فتح قنوات حوار بين السلطة وحماس، يُـقابله نوع من الفتور من قِـبل الرئيس عباس، وهو فتور يبدو مقصودا، لسببين، أولهما، الضغوط التي تمارسها كل من واشنطن وتل أبيب لكي يبتعد عباس أكثر وأكثر عن حماس، ويلتزم بمواجهتها، وِفقا للرؤية الأمريكية الإسرائيلية المشتركة، ناهيك عن التهديدات بأن أي تقارب مع حماس في هذه المرحلة قد يؤدّي إلى نسف مؤتمر الخريف تماما.
وثانيها، أن أي حوار مع حماس، دون التراجع كلية عن سيطرتها العسكرية، سيُـمكن تأويله بضعف موقف السلطة وفتح والمؤسسات الفلسطينية، وهو أمر سيزيد من مصاعب الرئيس عباس، داخليا وخارجيا.
الموازنة بين هذين السببين وبين الضغوط العربية من أجل بدء حوار مع حماس، تدفع بالرئيس عباس إلى انتهاج إستراتيجية مُـزدوجة، جانبها الأول، عدم رفض الحِـوار كمبدأ مشروط، ولكن تأجيله عمليا إلى ما بعد مؤتمر الخريف، مع انتظار خطوات تمهيدية من قبل حماس، وهو ما نرى بعض ملامحه في اللحظة الجارية، وجانبها الثاني، الاستمرار في المفاوضات مع إسرائيل وصولا إلى مؤتمر الخريف، دون التعويل كلية على حدوث اختراق كبير فيه.
مثل هذه الإستراتيجية، تضع في اعتبارها أن نجاح مؤتمر الخريف في حدّه الأدنى، أي أن يطلق عملية تفاوضية مُـبرمجة زمنيا وِفق مبادِئ واضحة تعترف بقِـيام دولة فلسطين على حدود 1967 مع تعديلات بسيطة جغرافيا، على أن ينال هذا الأمر تأييدا عربيا واضحا، سيُـمكِّـن عباس من الحوار مع حماس من موقع قوة.
أما إذا فشل المؤتمر وجاءت نتائجه سطحية وهامشية ولا تمثل أي نوع من الاختراق السياسي أو المعنوي، فعندها يكون الحوار مع حماس ضرورة لإعادة ترتيب البيت الفلسطيني لاحتواء الآثار المتوقّـعة للفشل، فلسطينيا وإقليميا.
الشقان مُـتكاملان، ولكنهما بحاجة إلى حِـنكة سياسية وإلى تنازلات، حتى ولو كانت غير معلنة صراحة.
د. حسن أبوطالب – القاهرة
القدس (رويترز) – قال رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت يوم الأحد 21 أكتوبر، إن المؤتمر الذي ترعاه الولايات المتحدة بشأن إقامة دولة فلسطينية، لن يحقق “انفراجا تاريخيا” في عملية السلام، وهدّد عضوان يمينيان في الائتلاف الذي يتزعمه اولمرت بالانسحاب من الحكومة، إذا ناقش المؤتمر أكثر القضايا حساسية، بما في ذلك مصير القدس والأماكن المقدسة فيها.
وقبل اجتماع حكومته، أبلغ أولمرت الصحفيين بأن المؤتمر الذي يتوقّـع أن يُـعقد في أواخر نوفمبر أو بداية ديسمبر “لا يهدف إلى أن يكون حدثا في حدّ ذاته أو حدثا من أجل التوصّـل لاتفاق أو تحقيق انفراج تاريخي”، وقال، إنه ينبغي النظر للمؤتمر الذي سيعقد في أنابوليس بولاية ميريلاند الأمريكية، على أنه فرصة للمجتمع الدولي لتأييد المفاوضات الرامية لإقامة دولة فلسطينية، والتي يتوقع أن تبدأ بشكل رسمي عقب المؤتمر.
وكلف أولمرت، الذي غادر إسرائيل يوم الأحد 21 أكتوبر متوجِّـها إلى فرنسا وبريطانيا، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، فريقي التفاوض بإعداد وثيقة مشتركة تصدر عن المؤتمر، تتناول ما يطلق عليه قضايا الوضع النهائي التي تشمل الحدود ومصير القدس وملايين اللاجئين الفلسطينيين.
والهدف من الوثيقة المشتركة، أن تكون أساسا لمفاوضات رسمية بشأن إقامة دولة فلسطينية، قال المفاوض الفلسطيني صائب عريقات إنه ينبغي أن تُـستكمل بحلول شهر أغسطس.
وقال افيجدور ليبرمان، وزير الشؤون الإستراتيجية وأبرز عضو يميني في حكومة أولمرت، إنه حذر إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش من أن حكومة اولمرت قد تنهار إذا مضت المحادثات أكثر من اللازم.
وقال للقناة الثانية للتلفزيون الإسرائيلي ليل السبت “إذا ناقشوا خلال مؤتمر أنابوليس القضايا المحورية… فلن تكون هناك حكومة ولن يكون هناك ائتلاف”.
وذكر ايلي يشاي، الوزير بالحكومة الإسرائيلية وزعيم حزب شاس المتشدد، أنه حذر أيضا وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس خلال زيارتها الأسبوع الماضي من أن المؤتمر “قد يهز أركان الحكومة”.
وقد يؤدّي انهيار الائتلاف، الذي يتزعّـمه اولمرت لإجراء انتخابات جديدة ويحتمل أن يؤدّي ذلك لتوقّـف تحركات السلام في الفترة المتبقية من رئاسة بوش.
وألقت مزاعم إسرائيلية بشأن ما يُـشتبه في أنه مخطط فلسطيني لاغتيال أولمرت، بظلال أخرى على التحضيرات للمؤتمر.
وأبلغ مدير جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي الحكومة يوم الأحد عن وجود مخطّـط لمهاجمة موكب أولمرت في طريقه لاجتماع مع عباس في بلدة أريحا.
وعبّـر أولمرت عن “الاستياء البالغ”، لكنه قال إن ذلك لن يدفعه للتخلي عن الحوار مع عباس.
وذكر رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض أن المُـشتبه بهم اعتُـقلوا في شهر يونيو وأفرِج عنهم بعد ثلاثة أشهر، لأن السلطات الفلسطينية خلصت إلى أنه لا يوجد خطر وشيك. وقال مصدر أمني فلسطيني، إن الرجال اعتُـقلوا مرة أخرى بعد أن احتجّـت إسرائيل.
وقال فياض للصحفيين في القدس قبل الاجتماع مع مشرعين إسرائيليين، إن السلطة الفلسطينية تبذُل أقصى ما في وُسعها لفرض القانون والنظام في المدن والقرى وكل مكان يخضع لسيطرتها، وأضاف أن الدروس المستفادة من هذه الواقعة المحددة، تدرس بعناية وتستوعب لضمان أن تتم العملية بشكل أفضل في المستقبل.
وسيجتمع أولمرت مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي يوم الاثنين 22 أكتوبر، كما سيلتقي مع رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون في لندن يوم الثلاثاء قبل عودته إلى القدس.
ويتصدّر جدول أعمال المحادثات برنامج إيران النووي ومؤتمر انابوليس بشأن الدولة الفلسطينية، وسيكون هذا أول اجتماع بين أولمرت وكل من ساركوزي وبراون منذ توليهما منصبيهما.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 أكتوبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.