مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“فرصة لا يجب تضييعها “

Keystone

افتتح مجلس حقوق الإنسان نشاطاته خلفا للجنة حقوق الإنسان، وسط تطلعات للاحتفاظ بمكاسب الماضي وآليات الرقابة وتجنب هفوات التسييس والكيل بمكيالين.

وقد حث الأمين العام للأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان، ووزيرة خارجية سويسرا على عدم تضييع هذه الفرصة فيما ترصد منظمات المجتمع المدني آليات عمل المجلس.

افتتح الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة كوفي أنان أشغال الدورة الأولى لمجلس حقوق الإنسان صباح الاثنين 19 يونيو 2006، بقصر الأمم المتحدة في جنيف وسط ترقب لمعرفة جدول أعمال الدورة التي ستدوم حتى الثلاثين من الشهر.

وقد وصفت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، الكندية لويز آربور هذا الحدث الذي يتم بعد 58 عاما من إصدار الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ” ببداية حقبة جديدة”. كما عبرت أمام ممثلي الدول الأعضاء السبعة والأربعين، بعض منهم على مستوى الوزراء، عن أن حقوق الإنسان ” تنتقل اليوم من مرحلة تأكيد المبادئ والمعايير نحو مرحلة التجسيد الحقيقي لتلك المبادئ”. .

تحت أنظار العالم

لخص الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة الأجواء التي يتم فيها افتتاح أشغال مجلس حقوق الإنسان بقوله ” قد يكون من المبالغ فيه القول أن أنظار العالم، أو أنظار أولائك الذين هضمت او انتهكت او هددت حقوقهم، موجهة صوب هذا المجلس اليوم”.

وفي خطابه الموجه للدول الأعضاء السبعة والأربعين، ذكر الأمين العام بالالتزامات التي قطعتها هذه الدول عند ترشيح نفسها للعضوية، كما ذكر بأن ” السبب الرئيسي في هشاشة الأمن والاستقرار في العالم اليوم، وفي عدم تقاسم الثروة بشكل عادل، يعودان الى النقص في احترام حقوق الإنسان”.

وفي توجه مباشر لأول رئيس لمجلس حقوق الإنسان السفير المكسيكي لويس الفونسو دي آلبا عبر الأمين العام عن ان الأسابيع والأشهرالقادمة ستعرف الدخول في العمل الشاق والمضني المتمثل في تحديد تفاصيل آليات عمل المجلس. وهذه التفاصيل هي التي تبدي العديد من الجهات تخوفات بشأن المسار الذي قد تسلكه والذي لم تتضح معالمه لحد اليوم . وكما قال أحد الممثلين ” يجب انتظار الأسبوع الثاني من أشغال المجلس لمعرفة التوجه الذي قد يسلكه”.

وبما أن الانتقادات التي وجهت للجنة حقوق الإنسان تمثلت في مجملها في اتهامها بالتسييس وبمراعات المصالح الاقتصادية والإستراتيجية قبل الدفاع عن مبادئ حقوق الإنسان ، فقد انتهى الأمين العام في خطابه الى تحذير الجميع ” بعدم السماح بتحويل المجلس الى رهينة للحسابات السياسية او المناورات المنحطة”.

إطار حوار بدل المواجهة

وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي ري ، التي كان بلدها وراء فكرة إقامة مجلس حقوق الإنسان، وعلى الرغم من عودتها الى اعتماد التعبير الفرنسي القديم لحقوق الإنسان رغم تفسير البعض له بأنه تمييز لحقوق الرجل دون المرأة، استمرت في التعبير عن الأمل في رؤية المجلس ” يتحول الى ساحة حوار بدل ساحة مواجهة عندما يتعلق الأمر بمناقشة أوضاع حقوق الإنسان”.

وفي ذلك إشارة واضحة الى التوجه الى ترغب غالبية الدول فرضه على أشغال مجلس حقوق الإنسان، بالابتعاد عن الإدانة “الانتقائية” وتفضيل المساعدة التقنية في مجال حقوق الإنسان.

وكإسهام من سويسرا في دعم انطلاقة مجلس حقوق الإنسان أعلنت وزيرة الخارجية السويسرية عن تقديم دراسة تقترح عددا من الصيغ لطريقة مراجعة أوضاع حقوق الإنسان في الدول، وهي الآلية التي ينظر لها على أنها من النقاط الإيجابية في مجلس حقوق الإنسان الجديد. وتعتزم سويسرا تنظيم ملتقى في 28 أغسطس القادم في مدينة لوزان تدعو له كافة الدول لمناقشة موضوع المراجعة الذي وصفته الوزيرة السويسرية ” بالآلية الجديرة بدعم الحوار والمصداقية والحماية والمسئولية “.

ترقية بعد خمسة أعوام

إذا كان مجلس حقوق الإنسان في وضعه الحالي يعتبر متفرعا عن الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة، إذ هي التي تسهر على انتخاب أعضائه وإليها ترفع تقاريره ,هي القادرة على إقصاء عضو من أعضائه في حال تقصيره، فإن الأمين العام وعد بمراجعة إطاره القانوني من قبل الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بعد خمسة أعوام من الآن.

وقد عبر كوفي أنان عن الأمل في أن يؤدي نشاط المجلس خلال السنوات الخمس القادمة الى توضيح الرغبة في تعديل ميثاق الأمم المتحدة من أجل ترقية مستوى المجلس الى جهاز أساسي من أجهزة منظمة الأمم المتحدة”.

ولكن الأمين العام أوضح الشروط التي يجب توفرها من أجل تحقيق هذا الهدف وهي شروط تتطلب ” تجنب تصرفات الماضي”، كما تقتضي الحفاظ على آليات مراقبة ناجعة اقرتها لجنة حقوق الإنسان.

ومن هذه الآليات التي عددها الأمين العام: نظام الإجراءات الخاصة، وتعيين الخبراء المستقلين، والمقررين والممثلين الخاصين ولجان العمل المختلفة. وقد خص الأمين العام بالذكر الإجراء 1503 الذي كانت تستمع فيه لجنة حقوق الإنسان الى شكاوى منظمات غير حكومية او أفراد ضد بلد من البلدان والذي يوجد محط رغبة في إلغائه. كما عبر عن الأمل في ان يتم الاحتفاظ بهذا الإجراء أو بإجراء مماثل له ” لضمان عدم التغاضي عن اتهامات بارتكاب انتهاكات جسيمة في أي بلد من البلدان”. كما عبر عن الأمل في التوصل الى اتفاق بخصوص بروتوكول إضافي يسمح بتقديم شكاوى بموجب الصك الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وقد أجمعت كل من وزيرة الخارجية السويسرية والأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة والمفوضة السامية لحقوق الإنسان في خطاب الافتتاح على دعوة البلدان الأعضاء لبداية عمل المجلس بالمصادقة على مشروعي قرار تركتهما لجنة حقوق الإنسان والمتمثلين في معاهدة حول الاختفاءات القسرية، ومعاهدة حول الشعوب الأصلية.

تخوفات منظمات المجتمع المدني

منظمات المجتمع المدني التي لعبت دورا رئيسيا في تقدم ملف حقوق الإنسان، والتي كانت تسهم بشكل أوبآخر في أشغال لجنة حقوق الإنسان تبدي انشغالا من موضوع مراجعة آليات عمل مجلس حقوق الإنسان وتتخوف من أن يؤدي ذلك الى تحجيم ما تبقى لها من حقوق مشاركة.

وإذا كانت وزيرة الخارجية السويسرية قد اشارت في خطابها الى أن عمل منظمات المجتمع المدني ” حيوي”، فإن الأمين العام ذكر الدول الأعضاء بأن الجمعية العامة في قرار تأسيس مجلس حقوق الإنسان طلبت الاحتفاظ بطريقة إشراك لجنة حقوق الإنسان لمنظمات المجتمع المدني إلى جانب ممثلي الحكومات والمؤسسات الدولية المتخصصة في مجال حقوق الإنسان.

وهو ما يرى فيه ممثل المنظمة السويسرية مركز دراسات أوربا والعالم الثالث لدى المقر الأوربي لمنظمة الأمم المتحدة مالك أوزدن: ” طمأنة على الحفاظ على دور منظمات المجتمع المدني داخل أشغال المجلس القادم”. ولكن السيد اوزدن يتسائل عما ستؤول إليه تلك التطمينات على ارض الواقع.

وما يخشاه السيد أوزدن هو “أن يستغرق النقاش حول آليات عمل مجلس حقوق الإنسان أكثر من سنة وأن يعمل ذلك على تهميش عملية التطرق لملفات الانتهاكات في العالم خصوصا وان عملية مراجعة أوضاع حقوق الإنسان في الدول الأعضاء وغير الأعضاء لم تحدد روطها بعد”.

ويرى ممثل مركز أوربا العالم الثالث ان ما ورد لحد الآن في خطب المسئولين الأمين وفي خطاب وزيرة الخارجية السويسرية ” ما هو إلا تذكير بما أوصت به الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة ولكن يجب انتظار ما سيطبق على أرض الواقع”.

وجدير بالذكر أن هناك أفكارا متداولة ترغب في تمكين شخصيات معروفة من امثال حاملي جوائز نوبل للحديث باسم منظمات المجتمع المدني داخل المجلس وهو اقتراح يرى فيه البعض رغبة في ” تمييع ” عملية التشهير بمنتهكي حقوق الإنسان بإبعاد المنظمات المدنية العاملة في الميدان.

اما منظمات المجتمع المدني العربية التي اختارت تنظيم مظاهرة أمام مقر الأمم المتحدة بهذه المناسبة لجلب الانتباه الى وضع حقوق الإنسان في العالم العربي فتتساءل على لسان السيد هيثم مناع من المنظمة العربية لحقوق الإنسان ” كيف يمكن لهذا المجلس أن يتعامل مع انتهاكات حقوق الإنسان التي أصبحت بمثابة امر عادي في العديد من دول العالم العربي؟”.

ويحكم السيد هيثم مناع على الخطوات التي تمت لحد الآن في تأسيس مجلس حقوق الإنسان بأنها “نصف هزيمة ونصف انتصار”. ويذكر السيد هيثم مناع بأن” 80% من عمل هذه المحافل الأممية هو من ناتج جهد منظمات المجتمع المدني”. لذلك يحذر من مغبة ” محاولة تهميش عمل منظمات المجتمع المدني في عمل المجلس القادم”.

محمد شريف – سويس إنفو – جنيف

مجلس حقوق الإنسان:

يتبع المجلس الجديد مباشرة للجمعية العامة للأمم المتحدة

يضم 47 بلدا عضوا ينتخبون في كل سنة بالأغلبية البسيطة من طرف الجمعية العامة لفترة تتراوح بين 3 أعوام وسنة واحدة.

الهيكل الأممي الجديد ذو صبغة دائمة ويعقد 3 دورات على الأقل في السنة ولمدة لا تقل عن 10 أسابيع على مدى العام كما يمكن أن يعقد دورات طارئة في حالات الطوارئ.

يقوم المجلس بمراجعة دورية للالتزامات التي قطعتها على نفسها الدول الـ 191 الأعضاء في الأمم المتحدة فيما يتعلق باحترام حقوق الإنسان.

يمكن للجمعية العامة للأمم المتحدة (بأغلبية الثلثين) أن تجمد حق مشاركة بلد عضو في المجلس في صورة ارتكابه لانتهاكات خطيرة ومنهجية لحقوق الإنسان.

تعهد الأعضاء الـ 47 المنتخبون في مجلس حقوق الإنسان باحترام المعايير الأكثر صرامة في مجال حقوق الإنسان.

تم انتخاب لويس ألفونسو دي ألبا، سفير المكسيك لدى الأمم المتحدة في جنيف منذ مارس 2004 بالتوافق رئيسا لمدة عام لمجلس حقوق الإنسان.

انتخب السفير بليز غوديه، رئيس الوفد السويسري لفترة عام في منصب أحد النواب الأربعة لرئيس المجلس ممثلا عن مجموعة الدول الغربية السبع الأعضاء في المجلس.

يتشكل مكتب مجلس حقوق الإنسان من الرئيس ونوابه الأربعة (سويسري عن مجموعة غرب أوروبا ومغربي عن المجموعة الإفريقية وأردني عن المجموعة الآسيوية وتشيكي عن مجموعة شرق أوروبا).

الدول العربية الخمس التي انتخبت يوم 9 مايو لعضوية المجلس هي: الجزائر والأردن والبحرين وتونس والمغرب والسعودية وجيبوتي.

من المقرر ان تلتئم الدورة الثانية للمجلس في شهر سبتمبر القادم.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية