“فرق الموت” في العراق أمر واقع
أكد مسئول حقوق الإنسان الأممي في العراق، وجود معلومات عن ظاهرة "فرق الموت" التابعة لأجهزة حكومية في العراق وأشار إلى أن أكبر الملفات تتمثل في الحبس التعسفي والتعذيب والإعدامات الجماعية.
وفي إطار إقامة مؤسسات “دولة القانون”، أعرب المسؤول الأممي عن تفاؤله بتشكيل لجنة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان في العراق في الخريف القادم.
يرأس السيد جياني ماغازيني، بعثة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في العراق ويقوم بنشاطاته انطلاقا من عمان والكويت مع التردد من حين لآخر على بغداد. أثناء زيارته لجنيف في 21 أبريل 2006، خص سويس إنفو بالحوار التالي :
سويس إنفو: كيف يمكن تحديد معالم المهمة التي تقومون بها في العراق حاليا في مجال حقوق الإنسان في ضل الظروف السائدة؟
جياني ماغازيني: تم تحديد مهمة هذه البعثة بناء على القرار الأممي رقم 1546 والذي يخول للبعثة أساسا مهمة حماية حقوق الإنسان والترويج لاحترام هذه الحقوق بما في ذلك تشجيع خطوات المصالحة الوطنية وإصلاح النظام القضائي والمساعدة على إقامة دولة القانون في العراق. وهي مهمة معقدة واسعة المعالم لذلك نحاول قدر المستطاع استخدم الوسائل المتاحة أمامنا لتحقيق هذه الأهداف بإشراك ممثلي المجتمع المدني العراقي .
سويس إنفو: ولمن ترفعون تقاريركم؟
جياني ماغازيني: السيد أشرف غازي الممثل الخاص للأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة في العراق هو الذي يرفع تقريرا كل أربعة أشهر للأمين العام، لكي يقوم هذا الأخير بتقديم تقريره لمجلس الأمن الدولي. ونسهر نحن في بعثة حقوق الإنسان بالعراق على تقديم تقارير بينية كل شهرين عن مدى تحسن أوضاع حقوق الإنسان او بالاحرى عن الأوضاع السائدة في مجال حقوق الإنسان في العراق.
سويس إنفو: هل يمكن الحديث عن تحسن في مجال حقوق الإنسان في عراق اليوم؟
جياني ماغازيني: لا ليس بعد 22 فبراير الماضي ، لأن الأوضاع تدهورت بشكل كبير في مجال حقوق الإنسان. ولكننا نأمل اليوم نظرا للتطورات التي يشهدها مسار تشكيل حكومة عراقية في رؤية البرلمان يقوم بمهامه لتحسين أوضاع حقوق الإنسان وفقا لمتطلبات الدستور العراقي ووفقا للمعايير الدولية . ولنا نشاطات مكثفة مع عدة مؤسسات حكومية ومع أجهزة الشرطة ومؤسسات السجون ومع النظام القضائي الذي نأمل في أن يصبح قويا وقادرا على تطبيق المعايير القضائية الدولية ومعايير حقوق الإنسان.
سويس إنفو: في مجال احترام حقوق الإنسان، كيف يمكن تلخيص عملكم وما هي الملفات التي ترون أنها تحظى بالأولوية في نشاطاتكم؟
جياني ماغازيني: نعمل بشكل مكثف مع العديد من الوزارات بما في ذلك وزارة العدل. وهناك فريق يشرف على إصلاح القطاع القضائي. كما نعمل مع الدول المانحة التي تساعد العراق على تطبيق المعايير الدولية. ويتمثل التحدي الأكبر في إقامة دولة القانون ومراقبة تطبيق حقوق الإنسان وحماية المواطنين من الانتهاكات، وتشغيل آليات حقوق الإنسان في عمليات المراقبة اليومية سواء في مجال مناهضة التعذيب او الإعدامات الجماعية او الحبس التعسفي وما شابه ذلك.
سويس إنفو: وفي حال تعذر حماية المواطن العراقي من الانتهاكات، وهو ما هو ملاحظ اليوم، هل لديكم سلطة لإدانة الانتهاكات والتجاوزات على الأقل وهل تضمنت تقاريركم الصادرة لحد الآن بعضا من هذه الإدانات؟.
جياني ماغازيني: أعتقد أنه يجب القيام بالعمل في الاتجاهين معا: تحديد الانتهاكات التي ترتكب يوميا، لتجنب تكرارها أو الإستمرار في القيام بها او لتجنب أن يبقى مرتكبوها بدون عقاب. كما يجب في نفس الوقت العمل بشكل وثيق مع الجهات التي تطمح لإقامة دولة القانون في العراق، وتطمح الى تطبيق المعايير التي ينص عليها الدستور العراقي او تلك التي تنص عليها الصكوك الدولية لحقوق الإنسان. وأعتقد ان أكبر تحد لبعثة الأمم المتحدة في العراق هو انجاز المهمتين في آن واحد: التوعية والوقاية.
سويس إنفو: وما هي أهم الملفات التي توصلتم إليها في مجال الانتهاكات اليومية لحقوق الإنسان في العراق؟
جياني ماغازيني: أكبر ملف هو ملف الأسرى نظرا لكون القضاء العراقي لم يتمكن لحد الآن من القيام بعمله بشكل مستقل. إذ هناك حالات اعتقال لم تعرض بعد على قاض ولم يتم الفصل فيها هل هي حالات اعتقال تعسفي أم شرعي.
وهناك أيضا انتهاكات أخرى مثل التعذيب وعمليات القتل الجماعي وعمليات الحبس التعسفي. وهذه هي أكبر التحديات التي نواجهها إضافة إلى تدهور الأوضاع الأمنية في غياب وجود حكومة مستقرة وقوية.
سويس إنفو: فيما يتعلق بالاعتقالات ما هي الإحصائيات التي لديكم وكيف يتم تصنيف فئات المعتقلين وبين أيدي من هم معتقلون؟
جياني ماغازيني: هناك تقديرات تشير الى وجود حوالي 30 ألف معتقل، النصف بين أيدي قوات التحالف العاملة في العراق، والبقية في معتقلات وزارة الداخلية الخاضعة للقوانين العراقية. لكن يوجد حوالي 6000 من هؤلاء بين أيدي وزارة الداخلية العراقية ولكن خارج نطاق القانون العراقي نظرا لكون الوزارة سمحت لنفسها باعتقالهم لأكثر من 72 ساعة.
سويس إنفو: كانت هناك شائعات عن وجود ” فرق موت” مسلحة غير خاضعة لإشراف مباشر للحكومة العراقية، هل لديكم تأكيدات حول وجود هذه الفرق العاملة خارج نطاق القانون؟
جياني ماغازيني: قد نبالغ لو قلنا بأن لدينا تأكيدات، ولكن لدينا العديد من الإشارات والدلائل التي تشير الى الى وجود فرق الموت هذه او هذه الميليشيات المسلحة والتي يبدو أن لها علاقة بشكل أو بآخر بأجهزة الأمن وفي بعض الحالات بوزارة الداخلية وبجهاز الشرطة.
وكان الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة قد أشار الى وجود تلك الفرق في التقرير الأخير الصادر في 28 فبراير 2006 ، واصفا ذلك ليس كواقع مؤكد منه بل كقضية بلغت أسماعنا ويتم تكرارها كل يوم. ومع الأسف الشديد هي ظاهرة مازالت مستمرة حتى اليوم.
سويس إنفو: خلافا للتركيز الإعلامي الذي رافق انتهاكات النظام السابق في مجال حقوق الإنسان ، نلاحظ بأن هناك تعتيما او غياب تركيز على تقاريركم الخاصة بهذه الانتهاكات المرتكبة اليوم؟
جياني ماغازيني: أعتقد بأننا في مرحلة انتقالية وأننا بصدد إقامة دولة القانون في هذا البلد من جديد. ويجب أن نمهل هذه الدولة حتى ترى النور. ولكن على المجموعة الدولية وعلى وسائل الإعلام أن تتابع باهتمام بالغ التطورات الحاصلة اليوم في عراق يحاول إرساء قواعد دولة القانون وان يتحول الى مثال يقتدى به في المنطقة وخارجها. وهذا ما تحاول الأمم المتحدة مساعدة العراقيين على تحقيقه.
سويس إنفو: متى ستصدرون تقريركم القادم حول أوضاع حقوق الإنسان في العراق؟
جياني ماغازيني: التقرير القادم سيشمل الفترة حتى نهاية شهر أبريل وسيصدر في منتصف شهر مايو أيار
سويس إنفو: تحدثتم عن جانب آخر من مهمتكم في العراق ألا وهي مهمة دعم المؤسسات الديموقراطية في هذا البلد فيما ذا يتمثل ذلك؟
جياني ماغازيني: نعمل بالدرجة الأولى على تعزيز استقلالية النظام القضائي وتشكيل لجنة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان تكون غير مرتبطة بالحكومة وتمثل كل الطوائف في المجتمع. كما نعمل على تعزيز مؤسسات المجتمع المدني العراقية التي لا زالت تعاني من الضعف. ونعمل في نفس الوقت على ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان عن طريق النظام التعليمي وعن طريق وسائل الإعلام . فالعراق بلد لم يعرف من قبل تقاليد ديموقراطية او تقاليد احترام حقوق الإنسان. وحتى ولو وجدت الإرادة فإن الواقع يفرض تحديات أخرى نعتقد ان علينا أن نلعب دورا مهما في تجاوزها.
سويس إنفو: كانت هناك محاولات من قبل مكتب المفوضة السامية لحقوق الإنسان لتأسيس لجنة وطنية عراقية مستقلة لحقوق الإنسان. الى أين وصلت هذه الجهود؟.
جياني ماغازيني: ينص الدستور العراقي على تأسيس لجنة وطنية مستقلة لحقوق الإنسان، وعلى البرلمان أن يعد قانونا في هذا الصدد ينص على أقامتها وفقا للمعايير الدولية. ونحن على وشك الانتهاء من الخطوات التحضيرية .وقد وضع البرلمان العراقي هذه النقطة من بين أولياته وهو ما قد ينجز من هنا حتى شهر سبتمبر او أكتوبر القادمين.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.