“فرنسا قررت التغيير” ولكن “على طريقة ساركوزي”
أجمعت الصحف السويسرية الصادرة صبيحة الإنتخابات الفرنسية على أن الرئيس الجديد يجب أن يترجم وعوده إلى افعال، وتتوقع أن تقابله مشكلات متعددة، ربما لم يتنبأ لها من قبل.
ورأى المحللون السويسريون أن الغالبية التي انتخبت ساركوزي تنتظر منه إصلاحات في نواح مختلفة، لكن تطبيقها لن يخلو من صعوبات قد توقع فرنسا في مشكلات لم تكن في الحسبان، حسب رأيهم.
وتنقلت عناوين الصحف بين “نهاية الجمود” و”بداية العصر الجديد”، و”فرصة لفرنسا”، و”فرنسا على طريقة ساركوزي”، لكنها اتفقت على أن مهام صعبة تنتظر الرئيس الجديد.
فمن زيورخ ترى (نويه تسورخر تسايتونغ) أن ساركوزي يحتاج في المرحلة المقبلة “ذكاء سياسيا”، لأن الرئيس الجديد يبدأ عهده “والبلاد في حالة صعبة، فهناك قلق كبير من تحرير القطاعات الاقتصادية، ويتخوف الفرنسيون من البطالة، إذا ما ذهب ساركوزي في المزيد من الليبرالية الاقتصادية، لاسيما وأنه من أكثر مؤيدي إدخال إصلاحات على سياسة سوق العمل”.
وتصف الصحيفة مؤهلات نجاح ساركوزي في “استطاعته إقناع الفرنسيين بتعاطي هذا الدواء المر، وليس التراجع عنها تدريجيا”، في الوقت نفسه، تعتقد الصحيفة أن ساركوزي “يحتاج إلى ذكاء في التفاوض للوصول إلى هذه الأهداف، لأن لغة المواجهة لن تأتي إلا بالاضطرابات”.
لكن (نويه لوتسرنر تسايتونغ) من لوتسرن تتنبأ بوقوع هذه الاضطرابات، “حتى وإن لجأ ساركوزي إلى التفاوض والحيطة لتنفيذ برامجه الإصلاحية وتقول “صحيح أن نسبة المشاركة كانت قياسية، لأن الناخبين يرغبون في تغيير وإصلاح الأوضاع القائمة، لكن أغلب هؤلاء الناخبين سيضطرون إلى القبول بآلام ما كانت نسبة غير قليلة منهم تفضل عدم المرور بهذه التجربة”.
وترى الصحيفة أن فرنسا “مقبلة على مرحلة لن تشهد فيها الهدوء، لأن الشارع السياسي لا يعرف الآن ماذا يفعل أمام الانتخابات البرلمانية، فإذا كانت بعض القوى المختلفة قد نجحت في تحريك الرأي العام بين مؤيد لهذه السياسة أو معارض لأخرى، بالمظاهرات أو الإضرابات، فإن الموقف الراهن يصيب الجانبين بالجمود، حسب رأيها.
من جهتها تساءلت (بازلر تسايتونغ) الصادرة من بازل: “هل يمكن للمرء أن يقدم وعودا بتحقيق جميع الأحلام، أكثر مما تتحمل طاقته لاستيعاب جميع المشكلات؟ إن كل شيء ممكن؛ المستحيل وأسوأ الاحتمالات، ومن يفكر كيف تتلاصق المصالح الاقتصادية مع السياسة الواقعية في فرنسا، فيمكنه أن يهز رأسه أسفا على هذه الوعود الغوغائية”، حسب وصف الصحيفة التي تطالب ساركوزي بأن يشمر عن ساعديه الآن “ليبرهن لناخبيه أنه سيحقق كل ما وعد به”.
“وعود ساركوزي الرئيس”
ومن برن يأتي تعليق (دير بوند) أكثر ايجابية، إذ ترى الصحيفة أن نتيجة الانتخابات “فرصة طيبة للأمة الكبيرة”، لأن هذه النسبة الكبيرة من المشاركين أرادت توصيل رسالة مفادها عدم الرضا عن الأوضاع القائمة، ويطالبون بالتغيير والإصلاحات التي ستكون أصعب مهام الرئيس الجديد، فإن نجح في قيادة هذه المسيرة، حسبما وعد، فستكون فرنسا حصلت على فرصتها النادرة، وإن فشل، فستكون النتيجة أن يغادر بسرعة”.
أما في جنيف فقد أفردت (لوتون) 6 صفحات كاملة للحديث عن نتائج الانتخابات الفرنسية، ورأت اليومية أن هناك موجة “هي التي رفعت ساركوزي إلى هذه القمة”، وتساءلت عما إذا كان سيتمكن الآن من تحقيق الوعود التي قدمها للناخبين قبل التصويت.
وتتابع: “إن المرء يأمل الآن أن يتمكن هذا ساركوزي الرئيس من النصر على عنف ساركوزي المرشح، وهو الآن يرتدي معطف السعادة مقسما بالمثالية الديمقراطية واحترام أسمى القيم والمبادئ، لتتحرر فرنسا من شياطينها التي تسببت منذ وقت طويل في إضعافها”.
في المقابل، تأمل (تاغس أنتسايغر) من زيورخ أن يساعد انتخاب ساركوزي على حدوث “مرونة في هذا الشد العضلي الذي أصاب الأمة الفرنسية”، لكنها في الوقت نفسه تعتقد أن الرئيس الفرنسي الجديد “سيقوم بإجراء تعديلات شاملة في سوق العمل، وستكون على دفعة واحدة لتودع فرنسا سياستها الاجتماعية التي اشتهرت بها منذ عقود، لأن حصول ساركوزي على منصب الرئاسة سيتيح له مواصلة خططه التي أعلن عنها في 2002، عسى أن تخرج فرنسا من الجمود الاقتصادي الذي تعاني منه”.
وتعتقد الصحيفة ان الخروج بفرنسا من مأزق النمو الاقتصادي المتراجع، هو الحل الوحيد الذي سيعالج هذا الشد العضلي الذي أصاب الحياة السياسية الفرنسية، أثناء الانتخابات.
لكن (تاغس بلات)، الصادرة من سانت غالن، ترى أن كل هذه العوامل تصب في اتجاه واحد، وهو أن “فرنسا بدأت مع ولاية ساركوزي عهدا جديدا، لأنها ستدخل إلى حلبة السياسة الدولية بدعم قوي جديد بسبب أفكار وسياسة ساركوزي”، ولكنها تشير في الوقت نفسه إلى أن الناخبين الفرنسيين يحتاجون إلى “حركية في ملفات متعددة تمس حياتهم اليومية”.
وترى الصحيفة أن الاشتراكيين الفرنسيين ومعهم اليسار “تحولوا إلى القوة السياسية الأكبر في المعارضة”، وتعتقد أن هذه التيارات السياسية ستعيد تقييم أفكارها المتعلقة بنظرتها إلى الانفتاح الاقتصادي والعولمة، وتعتقد (تاغس بلات) أن اليسار الفرنسي “سيفكر جديا في مزيج من الاشتراكية الديمقراطية، وهو ما قد يؤدي إلى انقسام الأحزاب اليسارية والاشتراكية”.
” اي فرنسا يريدها ساركوزي”؟
ومن برن تتوقع (برنر تسايتونغ) ان تشهد فرنسا أوقاتا مؤلمة، تخرج فيها المظاهرات إلى الشوارع، وتعيش فرنسا أحداث شغب، وتعقد الصحيفة أن الفرنسيين “يحبون الثورة بدلا من التطور الهادئ”، ولذا، فإن “مهمة الرئيس الفرنسي الجديد لن تكون سهلة، فجبال الديون التي تقف أمام فرنسا تحتاج إلى علاج وحل سريعين، وبرامج لإصلاح خطط القضاء على البطالة وتحويل الاقتصاد من خمول إلى نجاح وقدرة تنافسية جيدة، دون الإخلال بشبكة الرعاية الاجتماعية”.
وتعتقد الصحيفة أن تطبيق برامج ساركوزي “يحتاج إلى تعديلات في طريقة تعامل الفرنسيين مع المشكلات التي يعانون منها، لأن الرئيس الجديد لا يريد أن تتدخل الدولة كلما حدثت مشكلة”، ولكنها في الوقت نفسه تساءلت عن القوة التي سيحصل عليها لمواجهة المعارضة غير العادية التي تنتظره عندما يشرع في تنفيذ برامجه.
وفي نفس الاتجاه، يسير تحليل صحيفة (لا تريبون دو جنيف) من جنيف، التي ترى أن ساركوزي يريد أن يحطم الجمود دون أن يتكسر شيء، وتعتقد أن مهمته الحالية هي “إعادة الوئام إلى فرنسا عن طريق كلماته الحماسية، وإلا فإن الشروخ ستفرق بين الفرنسيين، الذين اختاروا طريق التغيير”.
وتعلق الصحيفة على كلمة ساركوزي بعد الإنتخابات قائلة، “إن احترام الديمقراطية لا يكون بالكلمات، بل بالأفعال”، إلا أنها تساءلت: “أي فرنسا يريد ساركوزي”؟
وفي صحيفة (24 اور) الصادرة في لوزان، استعراض لمسيرة نجاح ساركوزي عبر 15 عاما، ورأت الصحيفة أن نتيجة الانتخابات وما صحبها من صخب وتحاليل وتقارير، “أعادت فرنسا مجددا إلى الساحة الدولية، وهو أحسن خبر إلى الآن”، حسب رأيها.
سويس انفو – تامر أبوالعينين
باريس (رويترز) – فاز المرشح المحافظ نيكولا ساركوزي في انتخابات الرئاسة الفرنسية يوم الاحد 6 مايو 2007 مكتسحا منافسته الاشتراكية سيجولين روايال على خلفية مشاركة جماهيرية ضخمة اعطته تفويضا قويا للإصلاح.
وتدفق آلاف من الانصار اليمينيين الى وسط باريس للاحتفال بالنصر ولكن وقعت ايضا مناوشات بين المتعاطفين مع اليسار والشرطة في ميدان واحد على الاقل بباريس كما وردت تقارير عن وقوع اعمال عنف متفرقة في ضاحيتين قرب العاصمة.
وفي كلمة امام أنصار حزبه تعهد ساركوزي بتمرير برنامجه الاصلاحي ووعد بشن حرب على البطالة وتعزيز الاخلاقيات الفرنسية، وقال إن”الشعب الفرنسي اختار التغيير. سأطبق هذا التغيير لأن هذا هو التفويض الذي حصلت عليه من الشعب ولأن فرنسا تحتاجه ولكني سأفعله مع كل الفرنسيين ” متطلعا الى رأب الصدع الذي حدث خلال الحملة الانتخابية.
وبعد فرز كل الاصوات تقريبا حصل ساركوزي على 53.1 في المئة من الاصوات مقابل 46.9 في المئة لروايال. وبلغت نسبة الاقبال نحو 85 في المئة وهي اعلى نسبة مشاركة جماهيرية في الانتخابات منذ عام 1981.
ويمدد فوزه الملفت للنظر هيمنة اليمين التي بدأت قبل 12 عاما على السلطة ولكنه يمثل ايضا نهاية عصر. وسيتقاعد الآن الرئيس جاك شيراك البالغ من العمر 74 عاما بعد ان قضى فترتين كرئيس لفرنسا وهي قوة نووية تحتل مقعدا دائما في مجلس الامن الدولي.
وقدم ساركوزي وهو ابن مهاجر مجري نفسه على أنه “مرشح العمل” متعهدا بتخفيف صرامة القواعد التي تلزم بعدم زيادة ساعات العمل الاسبوعية عن 35 ساعة من خلال تخفيض الضرائب على ساعات العمل الاضافية خلال الليل وتقليل نفقات الخدمة العامة وخفض الضرائب وشن حرب على البطالة، ورأي الناخبون في ساركوزي العنيد زعيما اكثر كفاءة من روايال وببرنامج اقتصادي اكثر اقناعا.
وهنأ زعماء الاتحاد الاوروبي ساركوزي الذي وعد باعادة وضع فرنسا في مقعد قيادة أوروبا بعد ان رفض الناخبون الفرنسيون دستور الاتحاد الاوروبي في استفتاء جري في عام 2005، وقال”اليوم فرنسا تعود الى اوروبا.”
واتصل الرئيس الامريكي جورج بوش بساركوزي ليهنئه بالفوز وقال انه يتوقع قيام علاقات طيبة مع ساركوزي الذي جعل من اولوياته اصلاح الضرر الذي لحق بالعلاقات الفرنسية الامريكية نتيجة التوتر بسبب حرب العراق، وقال ساركوزي ان فرنسا ستكون صديقة لواشنطن.
وسيتولى ساركوزي السلطة رسميا في 16 مايو ايار ثم يقوم بعد ذلك بتعيين حكومة ويبدأ في الحملة الدعائية للانتخابات البرلمانية في يونيو حزيران حيث يسعى الى الفوز بأغلبية من اجل تنفيذ الاصلاحات.
من كريسبيان بالمر
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 6 مايو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.