فرنكوفونية بيروت سياسية بحتة!
بدأت القمة الفرنكوفونية التاسعة، أعمالها في بيروت يوم الجمعة وتتواصل حتى مساء السبت بحضور 56 دولة.
وقد خيّمت على هذه القمة القضايا الساخنة على الساحة العالمية، مثل الشرق الأوسط والعراق والكوت ديفوار، مما يعني أن السياسة اجتاحت الحركة الفرنكوفونية.
السياسيون من قادة الدول الذين توافدوا على العاصمة اللبنانية يوم الخميس، وفي مقدمتهم “الفرنكوفوني الأول” الرئيس جاك شيراك، يحمل كل منهم مشروعه وهواجسه السياسية الخاصة، ويريد من المنظمة الفرنكوفونية تبينه.
وهكذا تم تسييس قمة بيروت على ثلاث جبهات في آن، وهو ما سيعكسه “بيان بيروت” الذي سيصدر عن القمة عند اختتامها مساء السبت:
– الحرب في ساحل العاج، التي باتت تعتبرها المنظمة من مسؤولياتها لا من مسؤولية الأمم المتحدة.
– أزمة الشرق الأوسط، بدفع من الدول العربية الفرنكوفونية المشاركة.
– أزمة فرنسا مع الولايات المتحدة، والتي تطاول الآن مروحة واسعة من القضايا:العراق، النظام العالمي، البيئة والمناخ، حكم الإعدام وطبيعة الحرب ضد الإرهاب، مبدأ الحروب الاستباقية “البوشي” …، الخ.
وبالطبع، من بين كل جبهات التسييس هذه، تبقى أهداف أم الفرنكوفونية فرنسا هي الأهم والأخطر والأكثر تاريخية. كيف؟
مضامين
في الجعبة هنا مضامين جوهرية لن تبرز في القمة التي يمكن الاعتبار أنها انتهت عمليا مع انتهاء وزراء الخارجية يوم الأربعاء 16 أكتوبر من الاتفاق على “إعلان بيروت”.
من هذه المضامين ما قالته مصادر سياسية عربية مطلعة من أن الرئيس الفرنسي يريد:
– تطوير المنظمة الفرنكوفونية، لتصبح “منصة الانطلاق” الفرنسية الأساسية لمقاومة العولمة في ثوبها الأمريكي وأيضا لمواجهة تفرد واشنطن بالقرار العالمي.
– اغتنام فرصة زيارته لمصر (حيث دشّن مكتبة الإسكندرية التي هي إنجاز فرنكوفوني)، وسوريا والأردن ولبنان، لتوجيه رسائل قوية إلى الولايات المتحدة بأن بلاده لديها مصالح تاريخية وآنية في الشرق الأدنى، وبأنها تريد “حصة كاملة” في أية عملية جديدة لإعادة رسم خريطة الشرق الأوسط قد تبدأ بعد الضربة المحتملة للعراق.
– وأخيرا، يسعى شيراك من خلال كل من جولته ومن القمة الفرنكوفونية، إلى تأكيد وجود الجزء الجنوبي لحوض البحر المتوسط على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي، برغم إصرار ألمانيا على ضرورة التفرّغ في هذه المرحلة لاستيعاب دول وسط وشرق أوروبا في الاتحاد.
آمال مبّددة
هذه الأجواء العابقة بالسياسة والتسييس المحيطة بالقمة الفرنكوفونية، تخلق في الواقع أجواء غير مريحة للدولة المضيفة لبنان. فبرغم أن المسؤولين اللبنانيين يبدون سعداء بانعقاد القمة في عاصمتهم (بعد تأجيل سابق)، ويصفون ذلك بأنه دليل على الثقة الدولية بأن لبنان قادر على الصمود في وجه الأعاصير الإقليمية التي ستهب على المنطقة عبر البوابة العراقية، إلا انهم يحاذرون الإيحاء بأنهم يمشون بالمطلق في ركاب فرنسا، لئلا يُغضبوا الولايات المتحدة.
ويذكر في هذا الصدد، أن الدبلوماسية اللبنانية كثفت صلاتها هذه الأيام بواشنطن، للتأكيد لها بأن صداقتها الفرنسية لا تنسيها أصدقائها الأمريكيين. هذه نقطة.
وثمة نقطة ثانية لا تقل أهمية، وهي أن لبنان كان يمنّي النفس بالتحّول إلى “عاصمة لحوار الثقافات” في العالم، خاصة بين الثقافتين العربية- الإسلامية والغربية. لكن ركوب القمة الفرنكوفونية القطار السريع المؤدي إلى عالم التسييس، فرمل (وسيفرمل اكثر بعد حين) هذه الآمال الكبار. وهذا ما دفع بعض المحللين السياسيين اللبنانيين إلى الذهاب لحد القول، أن القمة الفرانكوفونية، وبسبب غرقها بالسياسة، “لن تكون أفضل حظا من زميلتها قمة بيروت العربية”.
قد يبدو في هذا التقييم شيء من المبالغة. لكن مداولات المؤتمر الوزاري التحضيري للقمة الفرنكوفونية، والتي شهدت خلافات سياسية عاصفة، تميل إلى تأكيد صحة انطباعات المحللين.
سعد محيو – بيروت
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.