فشل الانتصار
قبل عام، تحديدا يوم 25 يناير الماضي، اثبت الفلسطينيون قُـدرة غير عادية بعقد انتخابات برلمانية تحت ظلال سيوف الاحتلال، لكنهم يجدون أنفسهم اليوم وقد ولجوا أتون اقتتال داخلي، ربّـما يكون الأسوأ في تاريخهم الحديث.
ولعل التناقضات ظلت مرادفا ملازما لسياسة الفلسطينيين في نزاعهم مع إسرائيل خلال عقود، إلا أن التناقض الداخلي، الذي يحمله الاقتتال في قطاع غزة، والذي بلغ مستويات غير مسبوقة، يحمل في ثناياه تداعيات لا يمكن حصر نتائجها بعد.
مجرد الانزلاق والوقوع في محظور التحول إلى إخوة أعداء، يعني الوقوف عند مرحلة ستترك آثارها إلى حين على النظام السياسي الفلسطيني بشكل عام، وعلى طبيعة تعامله المستقبلية في تسوية الصراع مع إسرائيل.
ثمة أجندة مختلفة تماما، تلك التي تخص حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، صاحبة الأغلبية في المجلس التشريعي وقائدة الحكومة التي تُـصر على انتزاع معظم صلاحيات الرئيس، الذي يحمل أيضا رئيس حركة فتح المنافسة.
وهذه أيضا – فتح – قد وجدت نفسها، وبعد أربعة عقود من قيادة الشعب الفلسطيني، وسط مرحلة تفرض واقعا جديدا، سياسيا وميدانيا، مختلفا تماما عن ذلك الذي يسميه الفتحاويون، المشروع الوطني الفلسطيني.
وقد حملت الأشهر الاثنى عشر الأخيرة لحركة فتح ولحماس أيضا، وللشعب الفلسطيني عموما، ما لم تتوقّـعه فتح ولا حماس في ذات الوقت من مفاجآت تطوّرت، لم تخل أبدا من تدخلات إقليمية ودولية، إسرائيلية وأمريكية بالتحديد.
ولعل لغة التحريض، التي طغت على الخطاب السياسي الفلسطيني الفتحاوي والحمساوي خلال السنة الماضية، أقوى دليل على مستوى التناقض الداخلي الفلسطيني، الذي عبّـر عن نفسه بأقسى درجاته من خلال القتل والدّمار الذي طال الأطفال قبل الكبار.
أكثر من أزمة ثقة
وبالرغم من جهود حوار واحتواء مُـضنية قادها الرئيس محمود عباس قبل وبعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، فإن فريقي فتح وحماس لم يتمكنا من مغادرة خانة الصراع على النفوذ والسلطة التي أشعلها الحصار الإسرائيلي والأمريكي والدولي، منذ اللحظة الأولى لتولي حركة حماس الحكومة.
ولعل مواقف الطرفين لم تتغير أبدا منذ مارس الماضي، تاريخ تنصيب حكومة إسماعيل هنية، وحتى ليل 30 يناير الجاري، عندما أعلنت حماس وفتح اتفاقا آخرا لوقف الاقتتال.
في ذلك الوقت من شهر مارس، قال هنية إن الرئاسة تُـريد سلب الحكومة صلاحيتها، وفي اجتماع ليل الاثنين 30 يناير، كان هنية يُـصر، بوجود الوفد الأمني المصري، على ضرورة نقل جميع الصلاحيات الأمنية إلى الحكومة.
وخلال وقت قصير، بل قبل وبعد الانتخابات، كانت ثمة حملة تحريض واسعة منقطعة النظير تأخذ موقعها في الصف الأول في حياة الفلسطينيين، على منابر الفضائيات وصدر الصفحات الأولى وعبر أثير الإذاعات ومواقع الإنترنت.
حملة شارك فيها، قياديون ومسؤولون من صفوف الرئاسة ورئاسة الوزراء والوزراء والنواب والناشطين والمدرِّسين وأئمة المساجد والطلبة والمثقفين، حملة تحريض تغلغلت في نسيج المجتمع الفلسطيني.
ويعتقد غازي حمد، الناطق باسم الحكومة وأحد قيادات حركة حماس، أن “هناك أزمة ثقة كبيرة تطغى على مُـجمل الوضع وعطلت مختلف الفرص السانحة للخروج من الأزمة الحالية”.
ويذهب حمد، كما هو الحال في خطاب حماس، إلى اتهام “أطراف خفية”، تقف وراء تخريب عملية الحوار الوطني والعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية.
أزمة قديمة بثياب مضرجة
لكن حركة فتح، تعتقد، وعلى نقيض حركة حماس، أن جذور الأزمة قائمة وغير محصورة في موجة الاقتتال الداخلي، التي تعصف بقطاع غزة حاليا، بل إنها، برأي فتح، السبب الرئيسي للمواجهة الداخلية الدموية.
ويقول احمد غنيم، عضو المجلس التشريعي، إن “الأزمة مستمرة ومتواصلة منذ زمن بعيد، وأن أطرافا إسرائيلية وأمريكية تعمل على تغذيتها، بهدف دفع الفلسطينيين إلى حالة ميؤُوس منها”.
ويعتقد غنيم، وهو أحد الأوائل من فتح، الذين انخرطوا في حوار مع حماس من أجل التوصل إلى برنامج سياسي موحّـد أن “السبيل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، يتمثل في التوصل إلى حكومة وحدة وطنية فقط”.
لكن التوصّـل إلى حكومة وحدة وطنية، يتطلّـب تلبية شروط التوصّـل إلى برنامج سياسي موحّـد، الأمر الذي يعني منح حركة حماس حصّـتها في منظمة التحرير الفلسطينية، وبالتالي، إطلاق يدها في النظام السياسي الفلسطيني بأكمله.
وقد أكّـد أحد المسؤولين، الذي رفض الكشف عن هويته، الوضع الحالي بقوله “تريد حماس حصّـتها في منظمة التحرير، الحكومة والمجلس التشريعي تحت سيطرتها، ولن تتخلى عن هذا، بل إنها ستواصل، ولو بالقوة مسعاها للسيطرة”.
ولعل في هذا ما يفسِّـر مُـواصلة الاقتتال، بالرغم من تأكيدات كل طرف على حُـرمة الدّم الفلسطيني وعدم الانجرار إلى حرب أهلية، وكأن الفلسطينيين فشلوا، حيث حقّـقوا الانتصار.
هشام عبد الله – رام الله
غزة (رويترز) – قال شهود عيان ومصادر أمنية ان حركة المقاومة الاسلامية (حماس) وحركة فتح توقفتا عن اطلاق النار مع بدء سريان هدنة يوم الثلاثاء لكن بعض المسلحين ما زالوا في شوارع قطاع غزة كما أن انتشار الشرطة محدود.
وأضافوا أنه لم ترد أنباء عن أعمال عنف بالغة بعد الساعة الثالثة صباحا (0100 بتوقيت جرينتش) وهو الموعد المحدد لبدء الهدنة التي جاءت بعد مباحثات بين رئيس الوزراء اسماعيل هنية أحد قادة حماس ومساعد رفيع للرئيس محمود عباس الذي يتزعم حركة فتح أمس الاثنين.
وفي الوقت الذي أزال فيه مسلحون من حماس نقاط التفتيش التي كانوا أقاموها ما زال بالامكان رؤية بعض المقاتلين من فتح في مدينة غزة يحرسون المقار الرسمية لعباس وزعيم كبير بفتح ومجمع للخدمات الامنية يعد مواليا لفتح.
وتطالب الهدنة أيضا المسلحين من حماس وفتح بالافراج عن الرهائن ونشر الشرطة الفلسطينية بأعداد كبيرة. وتواجد الشرطة محدود في غزة يوم الثلاثاء ولكن لم ترد أي معلومات على الفور عن الافراج عن الرهائن.
وبعد يوم من الهجوم الانتحاري الذي نفذه مهاجم من غزة مما أسفر عن سقوط ثلاثة قتلى في منتجع ايلات الاسرائيلي على البحر الاحمر توعد وزير الدفاع الاسرائيلي عمير بيريتس باتخاذ اجراء ولكنه لم يلمح لمتى أو أين أو ضد من سيشن الجيش هجومه.
وقال بيريتس في تصريحات اذاعية خلال زيارة للحدود المصرية الاسرائيلية التي يسهل اختراقها قرب ايلات “المبادرة ستكون لنا وليست لدينا نية لان نكشف عما خططنا للقيام به.”
ومع اجتماع رباعي الوساطة الدولية للسلام في الشرق الاوسط في واشنطن يوم الجمعة قد تشعر اسرائيل بالقلق من اتخاذ اجراء عسكري قد يعرض الدفعة الدبلوماسية التي تعززها الولايات المتحدة حليف اسرائيل للخطر.
وفي تصريحات يوم الاثنين بعد الهجوم في ايلات قال بيريتس ان اسرائيل “ستبذل قصارى جهدها للحفاظ” على الهدنة السارية منذ شهرين في غزة مع جماعات النشطاء. والهجوم الانتحاري الذي أعلنت حركة الجهاد الاسلامي وكتائب شهداء الاقصى مسؤوليتهما عنه هو الاول الذي ينفذ داخل اسرائيل منذ تسعة شهور.
وقال وزير الخارجية الفلسطيني محمود الزهار أمس الاثنين ان حماس وفتح اتفقا على وقف اطلاق النار وابعاد كل المسلحين عن شوارع غزة.
وقبل الهدنة قتل 30 فلسطينيا على الاقل في خمسة أيام من الاشتباكات في الشوارع بين الفصيلين.
وكانت هذه هي أشرس اشتباكات منذ تغلبت حماس التي ترفض محادثات السلام مع اسرائيل على فتح في الانتخابات العام الماضي مما أدى الى فرض الغرب حظرا على المساعدات.
وكان العنف المتصاعد أفسد مباحثات تشكيل حكومة وحدة وطنية بين حماس وفتح ودفع بعض العائلات في غزة الى الفرار وترك منازلها. وأغلقت العديد من المتاجر والمدارس أبوابها.
وكانت اتفاقات هدنة سابقة منها اتفاق الشهر الماضي لم تعمر طويلا.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 30 يناير 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.