فضيحة برنامج النفط مقابل الغذاء
وجه التقرير الأولي للجنة التحقيق حول تجاوزات تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء اتهامات خطيرة ضد موظفين أمميين من بينهم رئيس البرنامج القبرصي بينون سيفن.
ومع أن التقرير لم يثبت تورط المنظمة فإنه أظهر وجود نقائص وانحرافات لا تبدو المنظمة الأممية في حاجة إليها اليوم.
ما توصل إليه التقرير الأولي للجنة التحقيق في تجاوزات برنامج النفط مقابل الغذاء، من اتهامات خطيرة في حق موظفيين أممين يأتي في وقت تعاني فيه المنظمة الأممية من تراجع مصداقيتها على المستوى الخلقي بعد اتضاح عجزها على المستويين القانوني والإنساني.
وفي انتظار التقرير النهائي الذي من المفروض أن يصدر في منتصف العام، سارعت الأمم المتحدة إلى التعبير ” عن الاستعداد للتعاون مع السلطات القضائية، وعن رفع الحصانة الدبلوماسية عن المتهمين إذا اقتضى الأمر”، حسب تصريح الناطقة باسم الأمم المتحدة في جنيف ماري هويزي.
تهم مثبتة ضد مدير البرنامج
خصص التقرير الأولي المكون من 246 صفحة والذي اشرف عليه الرئيس السابق للخزينة الأمريكية بول فولكر، وساهمت فيه شخصيتان سويسريتان، حيزا كبيرا للاتهامات الموجهة ضد مدير البرنامج للفترة ما بين 1977 و 2003 ونائب الأمين العام للأمم المتحدة القبرصي بينون سيفن.
فقد اثبت المحققون تدخل مدير برنامج النفط مقابل الغذاء لدى السلطات البترولية العراقية من أجل الحصول على حصة من النفط لصالح شركة ” African Middle East Petroleum Co. Ltd التابعة لفخري عبد النور، والتي مقرها في جنيف. وهو ما حاول نفيه السيد سيفن رغم وجود وثائق واتصالات تثبت ذلك.
استفادة الشركة من هذه الوساطة تمثلت في الحصول على حوالي 7،3 مليون برميل من النفط بأسعار مخفضة، وإعادة بيعها بربح يناهز مليون ونصف مليون دولار.
أما عن استفادة مدير برنامج النفط مقابل الغذاء من هذه المبيعات بشكل مباشر، لم يتمكن التقرير إلا من طرح بعض التساؤلات التي بقيت بدون أجوبة مقنعة، حول تحويل 160 ألف دولار لحساب السيد بينون إضافة إلى مرتباته الأممية. وهو ما وصفه التقرير ” بالتصرف غير الملائم من الناحية الخلقية بالنسبة لموظف أممي”
وإذا كانت الاتهامات الموجهة لبرنامج النفط مقابل الغذاء تشمل 21 مليار دولار من بين 64 مليار من العائدات النفطية، فإن اللجنة لم تهتم إلا بما له علاقة مباشرة بإدارة منظمة الأمم المتحدة . أما تحايل نظام الرئيس العراقي على رقابة عائدات النفط مقابل الغذاء فيرى التقرير أن ذلك من صلاحيات لجنة مراقبة تطبيق برنامج النفط مقابل الغذاء المكونة من الدول الأعضاء.
عدم الالتزام بالنزاهة والشفافية
من بين الاتهامات التي يتورط فيها مدير برنامج النفط مقابل الغذاء السيد بينون سيفن والى جانبه الموظف الأممي جوزيف ستفانيدس ، “عدم احترام إجراءات الحياد والشفافية في اختيار الشركات التي تتعامل معها الأمم المتحدة ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء”. ويتعلق الأمر بالخصوص بطريقة اختيار البنك الوطني بباريس BNP من أجل إيداع حساب برنامج النفط مقابل الغذاء . وهو الحساب الذي يقول التقرير أنه ” من اختيار الأمين العام الأسبق بطرس غالي وبدافع اعتبارات سياسية”.
كما يشمل الاتهام طريقة اختيار شركتي سايبولت إيسترن هيميسفير الهولندية، و لويدس ريجيستر انسبيكشن البريطانية. وهو ما يقول عنه التقرير ” أنه اتضح انه تم تفضيل تلك الشركات في مرحلة مبكرة من عملية التنافس وقبل الخضوع لأية إجراءات فعلية لعملية المناقصة”.
وهو ما اعتبره الأمين العام كوفي أنان في رد فعله على التقرير في خطاب ألقاه على الصحافة مدير مكتبه مارك مالوخ براون ” بأنه انتهاك لا مبرر له ارتكب من قبل موظفين وأجهزة في عدم احترام تام لقواعد ونظم منظمة الأمم المتحدة”.
إقصاء متعمد للبنوك السويسرية
تقرير لجنة التحقيق في برنامج النفط مقابل الغذاء يعتبر أنه تم الخضوع لضغوط سياسية في إقصاء البنوك السويسرية من الاستفادة من برنامج النفط مقابل الغذاء، كما يتعرف بأن ذلك كان لتلبية مطالب الولايات المتحدة الأمريكية التي لم ترغب في تركيز الشركات المتعاملة مع برنامج النفط مقابل الغذاء في بلد واحد.
ويشير التقرير إلى أن وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك مادلين أولبرايت، قد عارضت في عام 1996 إيداع حساب برنامج النفط مقابل الغذاء في أحد المصرفيين السويسريين ، القرض السويسري CS، مصرف اتحاد البنوك السويسري UBS. تعليلات الوزيرة الأمريكية ” أن البنوك السويسرية تفتقر للشفافية”.
كما تم إبعاد شركة الرقابة العامة SGS التي مقرها في جنيف بعد اختيار الشركة الهولندية sayboot .
في انتظار التقرير النهائي
وإذا كانت الاتهامات الواردة في التقرير الأولي قد زعزعت سمعة منظمة تعاني أساسا في مصداقيتها بما لا يدع مجالا للشك ، فإن ما ينتظر من التقرير النهائي في حدود شهر يوليو القادم، ينتظر بنوع من الامتعاض في الأوساط الأممية وفي بعض الأوساط السويسرية.
خصوصا وأن التقرير القادم سيتطرق إلى الاتهامات الموجهة لنجل الأمين العام، كوجو أنان الذي كان يشتغل لحساب شركة كوتيكنا السويسرية التي حصلت على مهمة الإشراف على مراقبة شراء البضائع والمواد الإنسانية ضمن برنامج النفط مقابل الغذاء. وعلى الرغم من تعليل الشركة بأن فوزها بمشروع مراقبة المشتريات لم يكن بفضل إبن كوفي أنان، فإن كون الشركة استمرت في دفع اجر شهري له حتى بعد مغادرته الشركة، يغذي الكثير من الشكوك.
وسواء تم تبرير هذا التحمس اليوم في كشف نقائص الأمم المتحدة بدافع رغبة بعض الأجهزة الأمريكية في الانتقام من الأمين العام او للضغط عليه أكثر فاكثر مثلما يتردد، فإن المتحمسين لكشف هذه النقائص مثل المحرجين منها يعللون مواقفهم بدافع الحب والغيرة على هذه المنظمة.
محمد شريف – سويس إنفو – جنيف
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.