فلسطين 2007: “عام الفرقة والانقسام والتراجع”
لم يملك الرئيس الفلسطيني محمود عباس لدى وصوله إلى مدينة بيت لحم للمشاركة في احتفالات عيد الميلاد الأخيرة، إلا أن يقول "نرجو الله أن يكون العام القادم عام الاستقلال للشعب الفلسطيني، ليصل على دولته المستقلة وعاصمتها القدس".
لكن الذي يعرفه الرئيس عباس ويعيشه، ومعه بقية الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، يكاد يكون بعيدا كل البُـعد عن هذه التصريحات المتفائلة، على الأقل فيما يتعلق بالعام المنصرم 2007.
عام 2007، هو الذي سيذكره الفلسطينيون لسنوات قادمة على أنه عام الفُـرقة والانقسام والتراجع، لاسيما بعد سيطرة حركة حماس الإسلامية على قطاع غزة وانكفاء السلطة الفلسطينية، بقيادة حركة فتح، إلى الضفة الغربية.
إنه شرخ لم يشهده الفلسطينيون منذ انطلاق ثورته الحديثة، عضد الاحتلال الاسرائيلي لعام 1965 على يد الزعيم الراحل ياسر عرفات ومجموعة ضمَّـت كذلك الرئيس الحالي عباس.
ومنذ سيطرة حماس على القطاع، وعباس لم يعبُـر الطريق إلى غزة، وثمة حكومة أخرى هناك غير الحكومة التي اختارها الرئيس لتُـدير شؤون الفلسطينيين في الضفة الغربية ولتتدبَّـر فاتورة تمويل القطاع، الذي يعيش حِـصارا إسرائيليا غير مسبوق.
فالمنظمات الإنسانية الدولية، وعلى رأسها هيئة الأمم المتحدة، قد أطقت أكثر من تحذير مفاده أن قطاع غزة “على شفير الكارثة وأن استمرار الحصار لن يؤدّي إلا إلى مزيد من المعاناة لسكانه.
ولم تقتصر تداعِـيات الانقسام على إدارة الشؤون اليومية، بل إنها طالت مختلف مؤسسات السلطة الفلسطينية، لاسيما المجلس التشريعي الذي تسيطر عيله حركة حماس، والذي لم يعُـد قائما مع اعتقال إسرائيل لرئيسه وأكثر من أربعين من نوابه المائة وعشرين، وكذلك، توقَّـفت المعابِـر الوحيدة التي تُـغذّي قطاع غزة بالبضائع وتسمح لحركة تنقُّـل بطيئة ومحدودة.
وقد أقفلت إسرائيل معبر رفح، المعبَـر الرئيسي وبوابة القطاع إلى العالم الخارجي، وكذلك، فهي تشدد القيود على معبَـر ايريز، بوابة غزة إلى إسرائيل والضفة الغربية.
وحذر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي من مخاطر انهيار القطاع الخاص، بشكل تام، إذا استمرت إسرائيل في اغلاقه.
وقال البرنامج في تقرير له إن “القطاع الخاص في غزة على وشك الانهيار بدون أمل في النهوض مجددا، إذا لم يُـرفع الحصار الصارم المفروض على قطاع غزة”.
واستنادا إلى التقرير، فإن مستوى الانتاج في شركات غزة انخفض من 76% من طاقتها قبل يناير 2006 إلى 11% منذ يونيو 2007.
الوضع السياسي المعقد
وبالرغم من إعلان دول العالم، وعلى رأسها الإدارة الأمريكية، وقوفها إلى جانب السلطة الفلسطينية والتعهد بتقديم دعم مالي يقدّر بأكثر من 7 مليارات دولار، فإن سحب الأزمة لا زالت تلف الاراضي الفلسطينية.
وقد أحصى مكتب منسق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، وجود نحو 530 حاجزا عسكريا نصبها الجيش الإسرائيلي في مختلف أنحاء الضفة الغربية، التي تحوّلت إلى مجموعة من المعازل.
ولا يبدو أن انطلاق مفاوضات الحل النهائي، التي أعلن عنها رسميا في مؤتمر أنابوليس، الذي عقد في الولايات المتحدة أواخر شهر نوفمبر الماضي، أنها ستنجح في إرسال مؤشِّـرات إيجابية لتحقيق اختراق في عملية السلام، بل إن هذه المفاوضات انحصرت في أولى جولاتها في الأزمة، التي خلقها إعلان إسرائيل بناء المزيد من المساكن في مستوطناتها بالضفة الغربية، وبالتحديد في محيط القدس الشرقية، التي يريدها الفلسطينون عاصمة لدولتهم المستقلة.
وقد تحوّل الحديث عن الانتهاء من عملية المفاوضات مع نهاية ولاية الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش، إلى سراب، مع إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت، أنه ليس ثمة إطار زمني يُـمكن الالتزام به.
وفي غضون ذلك، تواصل إسرائيل هجماتها على قطاع غزة في ردّ، وِفق ما تقول، على إطلاق الصورايخ على بلداتها، واستمرار سقوط مئات القتلى والجرحى.
وبالرغم من إطلاق إسرائيل سراح نحو الف سجين فلسطيني على دفعات خلال العام الماضي، فإن الجيش الإسرائيلي اعتقل نحو 3 آلاف شخص آخر، استنادا إلى وزارة شؤون الأسرى في الحكومة الفلسطينية، وظل عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل يُـقارب 11 ألف معتقل.
تداعيات الأزمة الداخلية
وقد تركت الازمة الداخلية المُـتمثلة في الانفصال “السياسي” بين الضفة الغربية وقطاع غزة، أثارها على حالة الحريات العامة وعلى مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية.
ولفتت منظمات حقوق الإنسان في قطاع غزة عن وقوع عشرات حالات الخطف والاغتيال والاعتقال غير الشرعي دون ومحاكمة، والاعتداء على الممتلكات العامة ومنع التظاهرات والمسيرات.
وانتقدت المنظمات الإنسانية كذلك، حالات الاعتقال السياسي التي تقوم بها أجهزة السلطة في الضفة الغربية، وقيامها بمنع التظاهرات المؤيدة لمسيرةالسلام، والاعتداء على الصحفيين والمتظاهرين في رام الله والخليل، حيث قُـتل أحد المتظاهرين.
وتسبب الشرخ الذي أصاب القيادة الفلسطينية وانقسامها إلى “جماعة غزة”، حيث تسيطر حركة حماس الإسلامية، و”جماعة رام الله”، مقر السلطة الفلسطينية التي تدعهما حركة فتح وباقي الفصائل الوطنية، في وجود خطاب تحريضي لم يسبق له مثيل في الاراضي الفلسطينية.
ولم يقتصر هذا الخطاب على صفحات الصحف ومواقع الإنترنت وشاشات التلفزيون، بل تعدّاه إلى أدوات الخطاب الأخرى في المسيرات والتظاهرات والكتب، وحتى النكات.
هشام عبدالله – رام الله
القدس (رويترز) – يلتقي رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس يوم الخميس 27 ديسمبر، في مسعى لإنقاذ محادثات السلام التي تعثرت بسبب نزاع بشأن مستوطنات يهودية.
وقد انتهت الجولتان الأوليتان لمحادثات السلام بين فريقي التفاوض الإسرائيلي والفلسطيني، وسط خلافات بسبب استياء الفلسطينيين من خطط إسرائيل لبناء نحو 300 منزل جديد في منطقة قرب القدس، يطلق عليها الإسرائيليون هار حوما ويسميها الفلسطينيون جبل أبو غنيم.
وسيكون اجتماع الخميس في القدس بين اولمرت وعباس الأول بينهما منذ مؤتمر السلام، الذي رعته الولايات المتحدة في أنابوليس بولاية ماريلاند والذي حدّد فيه الزعيمان هدف التوصل إلى اتفاق لإقامة دولة فلسطينية، قبل أن يترك الرئيس الأمريكي جورج بوش منصبه في يناير عام 2009.
ولم يتضح كيف يستطيع اولمرت وعباس التغلّـب على الخلافات بينهما وإحياء المباحثات قبل زيارة بوش للمنطقة أوائل الشهر القادم. وكان أولمرت وعباس كلاهما قد ضعفا سياسيا، وما زالت هناك تساؤلات بشأن التزام بوش بالضغط من أجل الفوز بتنازلات مؤلِـمة من الجانبين.
ويرفض الفلسطينيون حتى الآن التفاوض بشأن القضايا الأساسية، مثل الحدود ومستقبل القدس ووضع اللاجئين الفلسطينيين إلى أن تلتزم إسرائيل بإيقاف كل الأنشطة الاستيطانية، كما هو مطلوب وفقا لخطة “خارطة الطريق” للسلام التي تعثرت طويلا.
ويفسر المسؤولون الإسرائيليون التزاماتهم بموجب خارطة الطريق تفسيرا مختلِـفا عن الفلسطينيين، ويقولون إن الخطة الأمريكية تسمح لهم بالبناء في مناطق المستوطنات القائمة ما دامت الدولة اليهودية لم تبنِ مستوطنات جديدة ولم تُـصادر أراضي فلسطينية جديدة.
وينظر الفلسطينيون إلى البناء في منطقة جبل أبو غنيم على أنه الحجر الأخير في جدار من المستوطنات التي تحيط بالقدس الشرقية العربية، الأمر الذي سيفصلها عن بيت لحم والضفة الغربية المحتلة. ويقول الفلسطينيون إن البناء خطوة إستراتيجية من إسرائيل للقضاء على أي احتمال لأن تصبح القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية في المستقبل.
وأثارت خطط البناء الإسرائيلية الجديدة انتقادا نادرا من الولايات المتحدة ومن الاتحاد الأوروبي، اللذين قالا إن ذلك قد يضعف الجهود الإسرائيلية الفلسطينية لإحلال السلام.
ومنذ مؤتمر انابوليس، كشفت إسرائيل أيضا عن خطط لبناء مساكن جديدة داخل مستوطنة معاليه ادوميم، التي تقول الدولة اليهودية إنها تأمل أن تكون جزءا من أي اتفاق نهائي للسلام.
وقال المفاوض الفلسطيني صائب عريقات، إن عباس سيطلب من اولمرت خلال اجتماعهما، التعهّـد بتجميد كامل لأنشطة الاستيطان “من أجل إعطاء عملية السلام فرصة حقيقية”.
وقال مارك ريجيف، المتحدث باسم اولمرت “الجانبان كلاهما يطرحان على المائدة قضايا ذات اهتمام، والهدف هو إيجاد أرض مشتركة”.
وردت إسرائيل على الاحتجاجات بشأن المستوطنات بحَـث الفلسطينيين على الوفاء بالتزاماتهم في خارطة الطريق وكبح جماح النشطاء الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة، الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الإسلامية حماس، كشرط لإقامة دولة فلسطينية.
ولم يتّـضح بعدُ إذا تمّ التوصل إلى أي اتفاق بشأن الدولة كيف سيُـنفّـذ، بالنظر إلى أن المناطق الفلسطينية مقسّـمة بين حكومة عباس التي يساندها الغرب في الضفة الغربية، وحركة حماس المنافسة التي تدير قطاع غزة.
ومن المتوقع أن تقوم إسرائيل ببعض اللفتات الطيبة تجاه عباس قبل أن يزور بوش المنطقة.
وصرح مسؤولون بأن أحد الخيارات المطروحة للبحث، هو إزالة بعض المواقع اليهودية الصغيرة في الضفة الغربية التي بُـنيت دون ترخيص من الحكومة الإسرائيلية.
وتدرس إسرائيل أيضا تخفيف معايير الإفراج عن سجناء فلسطينيين، وهي خطوة قال مسؤول إسرائيلي يوم الاثنين 24 ديسمبر، إنها قد تُـمهِّـد الطريق إلى إطلاق سراح الزعيم الفلسطيني مروان البرغوثي، وهو خليفة محتمل لعباس في زعامة حركة فتح.
وكان تخفيف القيود الإسرائيلية بشأن الإفراج عن السجناء “الملطخة أيديهم بالدماء”، في إشارة للهجمات على إسرائيليين، جزءا من الجهود الرامية لتحقيق صفقة لتبادل الأسرى مع حماس بشأن الجندي الإسرائيلي الأسير جلعاد شليط.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 27 ديسمبر 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.