في البدء كانت الكلمة…
قد يبدو الجدل القائم في بعض الكانتونات السويسرية حول عمر دخول الطفل إلى المدرسة جدلا بيزنطيا. لكنه في الواقع يعكس الكثير عن ثقافة التعليم القائمة في الكونفدرالية، وقد يؤدي إلى نشوء نظام تعليمي أكثر ميلا مما هو قائم حاليا إلى تصنيف الأطفال وفقا لقدراتهم الذهنية.
يشتكي أغلبية مدراء التعليم في سويسرا من أن النظام التعليمي القائم في الكونفدرالية لا يتماشى مع العصر. يتيح الأسلوب التقليدي المعمول به حاليا في الكانتونات الناطقة باللغة الألمانية المجال للوالدين لإرسال طفلهم إلى الروضة لمدة سنة أو سنتين قبل الانتقال إلى مرحلة التعليم الابتدائي في سن السابعة.
ليست المشكلة في هذا النموذج، حسب رأي المطالبين بتغيير النظام الحالي، أن السابعة من العمر تمثل سنا متأخرا للبدء في التعليم الإلزامي. بل إنها تحدد عمر الدخول إلى المدرسة بصورة لا تتناسب وقدرات الأطفال المتنوعة.
كما أنه لا يتميز بالمرونة، لا سيما وأن الأطفال يتحولون مباشرة من الروضة، حيث تعليم القراءة والكتابة ممنوع قانونا، إلى المدرسة. بعبارة أخرى، هم يتحولون من مرحلة اللعب واللهو إلى نظام التعلم الصارم بصورة مفاجئة إلى حد كبير.
نموذج أكثر حداثة..
من هذا المنطلق، تفضل السلطات التعليمية في الكانتونات السويسرية الناطقة باللغة الألمانية تبني نظاما أكثر حداثة يتلاءم مع خصوصية كل طفل وقدراته الذهنية.
يشرح فيرنر شتاوفاخر الأمين العام لإدارة كانتون سانت جالين التعليمية، والأمين الإقليمي لاتحاد السلطات التعليمية في شرق سويسرا قائلا:”وفقا للنظام الجديد سيتمكن الأطفال الذي أظهروا مقدرة متميزة مبكرة من البدء في تعلم الكتابة والقراءة ، كما أنهم قد يتمكنون من الدخول إلى المدرسة في سن أصغر”.
ضمن نفس الإطار، َصوتَ برلمان كانتون زيورخ هذا الأسبوع على إلغاء نظام الروضة التربوي واستبداله بمرحلة تمهيدية تمتد لفترة ثلاث سنوات يسمح فيها للطفل بتعلم مهارات القراءة والكتابة.
يعتقد إرنست بوشور، مدير إدارة التعليم في كانتون زيورخ، أن النظام الجديد الذي سُيعمل به بدءا من عام 2008 يتلافى الكثير من عيوب النظام القديم:”يتميز النظام الجديد بكونه طبيعي ومتدرج، حيث سيسمح للأطفال بالتحول من مرحلة اللعب إلى مرحلة التعلم بصورة تدريجية وبأسلوب يتلاءم مع مقدراتهم ونموهم”.
الطريق لا زال طويلا…. ومخاوف
لم تتبنى الكانتونات الأخرى من شرق سويسرا بعد نموذج كانتون زيورخ. لكنها لا زالت تدرس عددا من النماذج التي تتضمن مرحلة تمهيدية في المدرسة تستمر لمدة ثلاث إلى أربع سنوات. أما الهدف فهو اختيار النموذج الأفضل الذي يتلاءم مع احتياجات التلاميذ لديها.
في كل الأحوال، فإن التغيير المنشود سيتطلب قدرا كبيرا من الجهود لا سيما في مجال تدريب المعلمين وإزالة النصوص القانونية التي تحدد سن البدء في التعلم بالسادسة والنصف أو السابعة، وتمنع تعليم القراءة والكتابة في الروضة.
الجدير بالذكر، أن أعضاءا بارزين في حزب الشعب السويسري اليميني يعارضون تبني النموذج التعليمي الجديد إضافة إلى ممثلين عن بعض الأباء والأمهات الذين يخشون من فرض التعليم على الأطفال في سن مبكرة.
لكن المخاوف الحقيقية قد تتمثل في أن النظام الجديد في الوقت الذي يراعي فيه الطفل المتميز يقف في غير صالح الطفل “العادي” الذي لم يظهر مقدرة مبكرة على التعلم. ففي مثل هذه الحالة، يقول السيد شتاوفاخر:”لن نجبر الأطفال الذين لم يبدوا استعدادا على التعلم المبكر على الدراسة. بل سيكون بوسعهم البقاء في المرحلة التمهيدية إلى فترة تصل إلى أربع سنوات لو اقتضى الأمر”. ولعل المشكلة أن السيد شتاوفاخر لم يفطن بالفعل إلى مغزى حديثه وتداعياته المستقبلية.
سويس انفو
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.