في الجزائر.. الهجرة غير الشرعية تتفاقم رغم محاولات الحكومة
لا يمثل الجزائريون، ضمن المغاربة المهاجرين إلى أوروبا، سوى أربعة في المائة من مجموع المهاجرين غير الشرعيين المقيمين والمتوجهين إلى القارة الأوروبية. وبالرغم من قلة النسبة والعدد، إلا أن المغاربة عموما والجزائريين خصوصا سيلقون معاملة في غاية الذل بعد دخول القانون الأوروبي الجديد حيز التنفيذ.
يرى إسلام وهو شاب من ضاحية الحراش شرق العاصمة أن القانون الأوروبي الجديد (الذي يُبيح للسلطات في الدول الأعضاء احتجاز المهاجرين غير الشرعيين لمدة تصل الى 18 شهرا ومعاقبتهم بالمنع من الدخول إلى أراضي الإتحاد لمدة خمسة أعوام) لا يخيفه على الإطلاق، بالرغم من أن تقضية ثمانية عشر شهرا في السجن قبل الترحيل حكم قاس على أشرس المهاجرين السريين شكيمة.
ويضيف إسلام في تصريحات خاصة لسويس انفو: “صدقني، الأوروبيون على نياتهم، فأنا قد رتبت أوراقي بشكل جيد، لأن لي أصدقاء في بريطانيا وسيتدبرون لي أمر الأوراق وجواز السفر، وسأعمل في لندن، وسأرسل المال لأهل بيتي”.
ولكن “كيف ستصل إلى أوروبا قبل الوصول إلى إنجلترا”؟، يُجيب إسلام بكثير من الثقة: “عن طريق تركيا، ثم إلى اليونان بالقوارب أو بالزوارق مع السائحين العاديين”.. ومن سيجمع لك مال الرحلة؟ يرد إسلام: “العائلة، أي الوالد وأبناء عمي، وسيساعدني الأصدقاء في اليونان، وكلهم معرفة قديمة”.
علمت سويس إنفو بعد الحديث مع إسلام، أن “الأصدقاء” في اليونان، ليسوا سوى بعض أفراد عائلة أشخاص يعرفهم في الجزائر، يعلمون الكثير عن الموانئ و المطارات في اليونان. وبسبب عدم معرفة إسلام، وأصدقاءه الذين سيهربون معه باللغة الإنجليزية، فإنهم سيكونون برفقة شخص آخر (إما تونسي أو جزائري) يجيد التحدث بها، وسيعمل على مساعدتهم قبل دخول مطار هيثرو أو ربما مطار أسكتلندي، إذا ما دعت الضرورة لذلك.
التكنولوجيا في خدمة المهاجرين السريين
من ناحيته يرى رضا من مدينة قسنطينة التي تقع على بعد 400 كلم شرق العاصمة، أن القانون الأوروبي الجديد متشدد، لكنه لا يخيف لأنه “لابد من ركوب المخاطر كي نحقق ما نريد” على حد قول رضا الذي يضيف: “أصدقائي وهم يعرفون بعض المهربين، أبلغوني أن الأمور قد تغيرت، فقد صار المهربون يعتمدون، على أجهزة الجي بي إس (GPS) التي توجهها الأقمار الصناعية للوصول إلى البر الأوروبي بأمان، كما أنهم يستعملون مراكب أفضل ومحركات أقوى وقبل مغادرة ميناء عنابة، فإن الانترنت ضروري لمعرفة الأحوال الجوية”.
وفي رده على سؤال سويس إنفو: “وهل نجحت عمليات استعمال الجي بي إس، المسير بالأقمار الصناعية؟” أجاب رضا: “نعم، لقد وصلت قبل أسبوعين مجموعة من الشباب إلى جزيرة سردينيا واتصلوا بأهلهم من فرنسا”، ولكن “سردينيا تقع في إيطاليا وأنت تقول إنهم اتصلوا من فرنسا، كيف ذلك”؟، يستدرك رضا: “نسيت أن أخبرك، أن القانون في سردينيا خاص جدا، فأصحاب الزوارق يغرقونها عند رؤية البر، فيأتي حراس السواحل، فينقذون الركاب، ويعطونهم الأكل والعلاج اللازم، ثم تمنحهم السلطات في سردينيا تصريح مرور (لمغادرة الأراضي الإيطالية) مدة صلاحيته سبعة أيام، يستغله الشباب للوصول إلى حيث يريدون في أوروبا”.
ولكن جزيرة سردينيا جزء من إيطاليا العضو في الاتحاد الأوروبي، وهي ستطبق بدورها قانون الثمانية عشر شهرا في السجن التي ستكون جزاء المهاجر غير الشرعي؟ يجيب رضا بكثير من الإصرار: “لا تخف فهناك الكثير من “المجانين” الذين سيقومون بالمغامرة مهما كلف ذلك”.
يتذكر المرء وهو يسمع كلام رضا، قرار المملكة العربية السعودية (بالتنسيق مع منظمة المؤتمر الإسلامي)، بتحديد عدد الحجاج المسموح بهم لكل دولة (1000 شخص عن كل مليون) وتقنين العملية بشكل منظم وصارم. وقد يستغرب البعض التشبيه بين أوروبا ومكة المكرمة، إلا أن وجه الشبه بينهما واضح، فما كان محبوبا لذاته ويتعلق الناس به حالمين به، ويركبون المخاطر من أجله، فهو قبلتهم، فكما أن قبلة الإسلام، هي الكعبة المشرفة، فإن قبلة المهاجرين غير الشرعيين أصبحت اليوم أوروبا والعالم الغربي بشكل عام.
الدولة مهتمة .. وحوار بالمقلوب
ويعلم وزير التضامن الجزائري، جمال ولد عباس، أن العمل والظروف الاجتماعية الحسنة، هي الحل الوحيد، لأزمة الهجرة غير الشرعية ويضيف قائلا: “تهتم الدولة الجزائرية بهذا المشكل على أعلى المستويات، وقد كلفني الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بعرض حال الهجرة غير الشرعية على مجلس الوزراء، وبعد سماع الرئيس للتقرير الذي قدمته، تلقينا أوامر من سيادته، تتعلق بتحسين ظروف الشباب والاتصال بهم وتحسيسهم بمخاطر ركوب البحر واللعب بحياتهم، وبصفتي وزيرا للتضامن فإني ذهبت إلى الأماكن التي يهاجر منها هؤلاء الشباب أي من وهران و تيارت”.
الحقيقة أن الدولة بأجهزتها، بدءا بوزارة التضامن، ومرورا بجهازي الأمن والقضاء ووصولا إلى رئاسة الجمهورية، مهتمة جدا بموضوع الهجرة غير الشرعية، سواء أكانت من قبل جزائريين، أو من طرف أفارقة قادمين من دول جنوب الصحراء، يتخذون من الجزائر مجرد محطة عبور للوصول بحرا إلى أوروبا.
يرى كثيرون، أن هناك حوارا بالمقلوب، بطلاه الحكومة والشباب، فعندما يقول الشباب بغضب: “لا نرى شيئا من هذه الدولة”، يقول ممثلو الدولة بمرارة “نحن لا ننام في مكاتبنا بسببكم، وأموال الدولة تنفق بسخاء عليكم”. فأين تكمن المشكلة يا ترى، خصوصا وأن ما يقوله الطرفان صحيح إلى حد ما؟.
هناك أرقام لا يمكن أن “يتناطح فيها عنزان أو تيسان”، فتكوين طبيب مختص في الجزائر، على مدى تسعة أو عشرة أعوام يكلف خزينة الدولة، مبلغ مماثلا لتكلفة تكوين نفس الطبيب في أوروبا، أي حوالي مائتي ألف يورو. وفي الجزائر، تنفق الدولة على كل طالب جامعي حسب الإختصاص (تقني كان أو إنساني)، ما بين مائتين وأربع مائة يورو شهريا، أي أنها تصرف نفس المبلغ الذي يدفعه أولياء طالب أوروبي عادي، بدون احتساب ثمن النقل والإطعام والإيواء.
في المقابل، لا يستوعب الطالب الجزائري وهو يتابع دراسته الجامعية مُجمل ما يُصرف عليه، حيث لا يتجاوز ما هو ملموس لديه منحة يتلقاها كل ثلاثة أشهر لا تتعدى خمسة وأربعين يورو. وهنا تمكن الإشكالية، وهي ليست في نفي ما تصرفه الدولة، ولا فيما يلمسه الطالب، بل في حوار الطرشان القائم بين الطرفين.
يرى أرسلان شيخاوي، المحلل السياسي والاقتصادي، والخبير لدى حلف شمال الأطلسي أن “هناك واقعا اجتماعيا يجب أن يتفطن له أصحاب القرار، الذين يخشى عليهم بذل جهد كبير لا يأتي بالكثير ضرورة”. ويضيف أرسلان في تصريح لسويس إنفو: “الشباب الآن يستعمل الانترنت وتقنيات متطورة، ويرى العالم عبر الأقمار الصناعية، وهو يحتاج إلى ظروف تشيع في نفسه البهجة والأمل، لأن التعامل معه الآن جاف جدا”.
ولكن الدولة الجزائرية أصبحت تستعمل الآن الانترنت، فوزارة التربية تعلن نتائج الامتحانات الثانوية عبر الانترنت، والتسجيل في الجامعة يتم عبر الانترنت، والتعاملات البنكية أصبح بعضها يتم الآن عبر شبكة الانترنت.. هنا يرد أرسلان شيخاوي: “هذا صحيح، لكن أخشى على الانترنت من عملية تدجين تخرجه من هدفه وتزيل عنه روحه، ولا أريد الخوض في مسألة كيف تستعمل ومتى تستعمل الأداة الفلانية، ولكن على الحكومة أن تتفطن أنها في دولة بترولية غنية، والتعامل مع المجتمع على الطريقة البحرينية أو القطرية ليس عملية سحرية أو مستحيلة”.
ولكن قد يرى الجزائريون أن عملية من هذا القبيل ستكون مجرد ذر للرماد في العيون؟ يعترض أرسلان شيخاوي ويؤكد: “لا هذا غير صحيح، فالاقتصاد الكلي على سبيل المثال، كان صورة جميلة لدى السعوديين و القطريين، إلا إنهم تغيروا منذ زمن بعيد، لابد من عودة البهجة إلى المجتمع وإلى الشباب بشكل خاص، والأمر نسبي حتى في الدول الصناعية الكبرى، فهناك مشكلة جدية في فرنسا وإسبانيا على سبيل المثال، حيث تهاجر أدمغتها إلى الولايات المتحدة، بحثا عن الاعتراف والوضع الاجتماعي الأفضل”.
جهود هنا.. وعاطلون هناك
يوجد على مكتب وزير التضامن الجزائري جمال ولد عباس، عدد كبير جدا من الملفات، وهو عندما يجلس على منضدته يعطي الأوامر يمينا و شمالا، لأن وزارته أضحت محط أنظار الطبقات المسحوقة، ومن يعانون الظلم في الجزائر، وهم بمئات الآلاف، وربما بالملايين…
كما أن الرجل لا يتوقف عن الترحال والتنقل في طول البلاد وفي عرضها، وهو وزير وفي جدا وموال جدا للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولقد تلقى المدح وتعرض للنقد في الوقت نفسه بسبب موالاته لبوتفليقة.
ويقول جمال ولد عباس: “منذ انتخاب الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، انخفضت البطالة، من ثلاثين في المائة، إلى أقل من أحد عشر في المائة، كدليل على الجهود الجبارة التي تبذلها الدولة، وفي إطار محاربتنا للإرهاب والبطالة، اعتمدنا أسلوب القروض (المتناهية) الصغر من دون فائدة، وملفات المتقدمين قد قبلت وسنعمل من خلال هذه الآلية على مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية”.
عندما ينظر المرء إلى الأمور من وجهة نظر الوزراء في الحكومة الجزائرية، يحصل لديه انطباع غريب، يتلخص في أن المجموعة المنفذة لبرنامج الرئيس بوتفليقة تبذل جهودا كبيرة جدا، فالكثير منهم لم يجلس مع أهل بيته منذ مدة طويلة، وبعض أقرب مساعدي الوزراء مات بالسكتة القلبية بسبب الإجهاد، كما هو حال مساعدين اثنين لوزير الداخلية نور الدين يزيد زرهوني، كما يندر أن يحصل أحد الوزراء أو الموظفين الكبار على عطلة تزيد على واحد وعشرين يوما سنويا.
في المقابل، هناك الوجه الآخر للقطعة النقدية حيث يوجد الملايين من الشباب الذين لا يتمكنون من العثور على عمل، مع أن الدولة تقول إنها تصرف أموالا طائلة على مشاريع تنموية مفيدة، لا يشارك غالبية الشباب في تشييدها أو العمل فيها بسبب العمالة الصينية الوافدة، وهناك أيضا مشاريع أخرى أنهكتها الرشوة والسرقات.
هيثم رباني – الجزائر
طرابلس (رويترز) – دعت ليبيا الاتحاد الاوروبي لمراجعة قوانينه الجديدة لمحاربة الهجرة غير الشرعية يوم الاثنين 14 يوليو 2008 وقالت إنها ستدعو أعضاء الاتحاد الافريقي لاتخاذ تدابير اذا تمسك الاتحاد الاوروبي بهذه الاجراءات التي تعامل المهاجرين الافارقة كمجرمين.
وأيد وزراء الاتحاد الاوروبي اقتراحات فرنسية بابرام اتفاق أوروبي يستأصل شأفة الهجرة غير الشرعية ويجتذب العمالة الماهرة جدا. ويأتي ذلك بعد أسابيع من قرار للاتحاد الاوروبي بأن بالامكان احتجاز المهاجرين غير الشرعيين لمدة تصل الى 18 شهرا أو مواجهة منع المهاجر من الدخول لمدة خمسة أعوام.
وقالت وزارة الخارجية الليبية في بيان نقلته وكالة أنباء الجماهيرية الليبية إن افريقيا لن تقبل بأي قانون يستند الى الاضطهاد ومعاملة المهاجرين الافارقة- ومنهم أطفال ومعاقون- كما المجرمين.
وأضافت الوزارة أنه اذا أصرت أوروبا على موقفها دونما تغيير فستتشاور ليبيا مع الاعضاء الاخرين في الاتحاد الافريقي لدراسة هذا القانون الاوروبي ونتائجه وستتخذ موقفا موحدا ازاء هذه الخطوة.
ولم تقل ليبيا وهي واحدة من منافذ المهاجرين في شمال افريقيا على أوروبا ما هي الخطوات التي تأمل أن يتخذها الاتحاد الافريقي.
وقالت وزارة الخارجية ان الايام التي كانت فيها دول تحدد من طرف واحد مصير دول أخرى قد ولت.
وتقدر المفوضية الاوروبية أن هناك ما يصل الى ثمانية ملايين مهاجر غير شرعي في 27 دولة أوروبية. واعتقل أكثر من 200 ألف في الاتحاد الاوروبي في النصف الاول من عام 2007 وطرد ما يقل قليلا عن 90 ألفا.
وتزيد فترة الاحتجاز التي تمتد 18 شهرا عن أقصى مدة احتجاز في ثلثي دول الاتحاد الاوروبي. وعلى الرغم من أن بمقدور دول الاتحاد الاوروبي أن تقرر حدا أدنى للاحتجاز اذا أرادت ذلك فان جماعات حقوق الانسان تقول انها ستشجع السلطات على سجن مزيد من المهاجرين غير الشرعيين.
وبموجب الاتفاق الخاص بالهجرة والذي ستوضع اللمسات الاخيرة له في أكتوبر تشرين الاول تتعهد دول الاتحاد الاوروبي بطرد مزيد من المهاجرين غير الشرعيين مع تعزيز الهجرة الشرعية واللجوء العادي بحلول عام 2010.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 14 يوليو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.