في الجزائر.. خلافات وتصفية حسابات
اختُـطِـف أو اختَـفى عبد القهار، ابن علي بن حاج، الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة.
وتزامن الاختطاف مع أحداث أمنية وسياسية غاية في الخطورة، يُـظهر بعضها خلافا بين الرئاسة وأجهزة الأمن، فيما يُـظهر بعضها الآخر أن تصفية الحسابات ما بين التيار الإسلامي وبعض مؤسسات الدولة لم يتم الانتهاء منها بعد.
في تصريح خاص لسويس إنفو، قال علي بن حاج: “أحمل الاستخبارات المسؤولية المباشرة وغير المباشرة في اختفاء ابني عبد القهار، لأنهم في مختلف مفاصل الدولة الجزائرية وداخل أوصال المجتمع، الاستخبارات في كل مكان، يمكن تصوره”.
وقد بدا مُـذهلا للوهلة الأولى سماع علي بن حاج وهو يتهم الاستخبارات علانية باختطاف ابنه أو بالمساهمة في اختفائه، فما كانت الأخيرة إلا أن ردّت عبر صحيفتي الشروق اليومي وليبرتي الناطقة بالفرنسية، كي تؤكد أن عبد القهار، إنما انضمّ إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ذات العلاقة بتنظيم القاعدة.
وأضافت الصحفيتان أن ابن علي بن حاج شوهد مع أفراد خلية تابعة للجماعة السلفية في حي القبّـة الشعبي، أعالي العاصمة، ليرد بن حاج على ما جاء في الصحفيتين لسويس إنفو: “كيف يُـعقل أنهم شاهدوه ولم يقبضوا عليه؟ ثم كيف أنهم يعرفون الخلية ولا يقبضون على أفرادها؟ اسمحوا لي أن أؤكد لكم أن العمل المسلّـح اليوم، غير العمل المسلّـح في تسعينيات القرن الماضي”.
ويؤكّـد علي بن حاج لسويس إنفو: “في التسعينات، كنا نعرف قادة العمل المسلح، لقد كانوا أعضاء في مجلس الشورى للجبهة الإسلامية ورؤساء بلدياتها إلى غير ذلك، أما اليوم، فقادة العمل المسلح نكرات لا نعرفهم ولا تنسوا ما ذكَـره ضبّـاط في الجيش، فَـرّوا إلى الخارج، وذكروا اختراق الاستخبارات للجماعات المسلحة وتغريرها بالشباب الغاضب على وضعه الاجتماعي ودفعهم إلى عمل مسلح، لا يعرفون أين ينتهي وأين يبدأ”.
وحول موضوع اختطاف ابنه، يقول علي بن حاج: “المخابرات مسؤولة عن اختفاء ابني عبد القهار. فهي مسؤولة عنه عبر اختطافه أو أنها مسؤولة عنه عبر التغرير به بواسطة شبكة مجهولة الهوية ذهبت به إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال كما يقولون”.
تصريح في غاية الخطورة والأهمية على اعتبار أنه تشكيك في هوية العمل المسلح منذ تسعينات القرن الماضي وتشكيك أيضا في هوية الجماعة السلفية للدعوة والقتال، ولئن كان بن حاج يؤكّـد في المقابل أن هناك قادة مسلحين “يعرفهم ويثق في توجّـهاتهم الفكرية” على حد قوله.
من جهته يؤكد الصحفي فيصل مطاوي من يومية الوطن: “أن اختطاف بن حاج ليس عملا معزولا، إذ يبدو أكثر شيء كحلقة ضمن سلسلة من الأحداث المتتالية المخطط لها من قبل جهة لا تريد نجاح المصالحة الوطنية بأي شكل من الأشكال”.
صبّ الزيت على النار
قد تكون إذن المصالحة هي مربط الفرس أو المدخل لفهم بعض ما يجري. فبينما كانت الأنظار متّـجهة صَـوب علي بن حاج ومواجهته المفتوحة مع أجهزة الأمن، انفجرت قنبلة إعلامية أخرى عرابها هذه المرة، أحمد زنجبيل، أكبر تاجر مخدرات عرفته الجزائر المستقلة.
وحسب معلومات حصلت عليها سويس إنفو، يكون جزء من مصالح الأمن قد بدأ محاولة الاتصال بأحمد زنجبيل عام 2000، أي عاما واحدا بعد وصول بوتفليقة إلى سدة الرئاسة، ولكن الرغبة في الاتصال بنيت على معلومات تُـفيد، أن “بعض القادة العسكريين الكبار يتاجر في المخدرات ويساعد على رواجها”.
غير أن المخفي كان أعظم، حيث كشفت التحقيقات الأولية أن أحمد زنجبيل وزملاءه من العسكريين الكبار يعملون ضِـمن شبكة هائلة لا تحقق الرّبح المادي فقط، بل تدعم الإرهاب أو بالأحرى “جماعات مسلحة دون غيرها”.
وفي خِـضمِّ هذا المسلسل، نجحت الرئاسة، بالتعاون مع جزء من مصالح الأمن، في عزل أحمد زنجبيل وزملائه من بعض العسكر وأقنعته بتسليم نفسه والاستفادة من تدابير المصالحة الوطنية، أي العفو الشامل، مقابل شيء غال الثمن، ويتمثل في قائمة المدنيين والعسكريين الذين ساعدوه، وهو ما حصلت عليه بعض مصالح الأمن – حسبما يبدو – وسلّـمت نسخة من قائمة الأسماء إلى عبد العزيز بوتفليقة.
أكّـد أحمد زنجبيل أنه قام بهذا العمل القذر منذ عام 1992 إلى غاية عام 2002، أي عشرة أعوام كاملة، وإذا كان هذا الرجل وبعض العسكر الذين معه قد مَـوَّلوا أعمالا إرهابية، يكون اختطاف أو اختفاء عبد القهار ابن علي بن حاج، نوعا من صب الزيت على النار.
أما قائمة المجرمين المتورطين، فهي الآن وعلى الأرجح متوفِّـرة لدى مجموعة من الأشخاص يصعب تصفيتهم مرة واحدة، بمعنى أن بوتفليقة يمسك الآن بقنبلة موقوتة خطرها كبير جدا، ولو أن حظوظه في الخروج سالما من قبضة المتورطين أكبر من وقوعه في فخهم.
نفسية بوتفليقة
غير أن الرئيس وما يبدو عليه من قوة شخصية، قد تخونه نفسيته في الكثير من الأحيان. فقد علمت سويس إنفو من مصادر دبلوماسية غربية، أن ما يُعرف بـ “اللوبي الفرنسي” في الجزائر قد نجح في تعطيل مشروع الطريق السيار شرق غرب، الرابط ما بين الحدود التونسية والمغربية.
ولكن كيف نجح الفرنسيون؟ يبدو أنهم تمكّـنوا من ذلك عبر تتبّـع دقيق لنفسية الرئيس. فبعد أن غضبوا من فوز اليابانيين والصينيين بالمشروع، تتبّـعوا بعض العورات في وزارة الأشغال العمومية وشجعوا تعفّـنها، لتصل بعد ذلك تقارير إلى بوتفليقة تؤكّـد أن “قيمة المشروع قد انتفخت بمليار دولار”.
العارفون بنفسية بوتفليقة، وخاصة الفرنسيين، يُـدركون أن الرجل سريع الغضب ولا يُـبالي بأهمية المشروع، قد لا يبالي بجرح هيبته وكرامته كما يتصور، فكان أن تعطل مشروع الطريق السيار إلى أجل غير مسمى وقد يعلن بوتفليقة إلغاءه وإعادة المناقصة، وهنا يكون للفرنسيين حظ أكبر.
كما نجح “اللوبي الفرنسي” في ضرب مؤسسة “بروات روث أند كوندور”، وهي شركة جزائرية مختلطة، من بين المساهمين فيها، ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي.
لقد فازت هذه الشركة بعقود مجزية مع وزارتي الطاقة والدفاع، أغاضت باريس، ولكن كالعادة انتبه الطرف الفرنسي إلى الأخطاء المرتكبة وتدخل في الوقت المناسب.
فعيب عقود الشركة الأمريكية، أنها تمّـت بالتراضي، لا عبر المرور عن طريق المناقصات الدولية، كما تنص عليه القوانين المعمول بها، ولم يقل حينها بوتفليقة شيئا، فبدأت الشركة في إنجاز مشاريع هامة للوزارتين ووصل بعضها مرحلة نهاية الأشغال.
وكعادته، غضب بوتفليقة في اللحظات الأخيرة وأوقف كل شيء واتهم شكيب خليل، وزير الطاقة ومسؤولين في وزارة الدفاع بالكذب عليه، وطريق الشركة هو الانهيار على ما يبدو، لأن أسلوب النيل منها كان مخطّـطا بشكل جيد.
الدولة ليست على ما يرام
كل هذه المعطيات المتداخلة، توحي أن الدولة بشكل عام، ليست على ما يرام، فالرئيس مريض وثقته بمن حوله قليلة، بل وحتى ثقته في أقرب المقربين إليه مهزوزة، ويصل الأمر إلى أن تتمكّـن جهات خارجية من الإيحاء إليه بذكاء، فيغضب ويتحسّـر ويتخذ قرارات، أقل ما يُـقال عنها، أنها متسرِّعة.
وبالرغم من حياد الرأي العام تُـجاه ما يجري، إلا أن له آثار بالغة الشدة على هذا الرأي العام الصامت، الذي يعلم بعضه ويجهل بعضه، أن مشروع السيار شرق غرب، ليس وليد الجزائر المستقلة، بل نتيجة أفكار الحركة الوطنية زمن نجم شمال إفريقيا، عندما فكر الزعماء مصالي الحاج والحبيب بورقيبة وعلال الفاسي في طريق تربط ما بين دول المغرب العربي.
صحيح أن الحركة الوطنية قد عرفت خلافات حادّة بين إسلاميين وعلمانيين، غير أن توريث هذا الخلاف إلى صعاليك يُـتاجرون بالمخدرات للدفاع عن الجمهورية عن طريق ذبح عدد من المواطنين، تطبيقا لمنهج الغاية تبرر الوسيلة، إنما هو أمر غاية في القذارة، برأي المتابعين والمطلعين على الشأن الجزائري.
وكما أن الطريق السيار قد أُوقِـف بإيحاء وانهارت “براون روث أند كوندور” بإيحاء، فمن يدري، ربما يكون الموحون قد تورّطوا في لعبة أحمد زنجبيل، فتكتمل الحلقة بشكل كامل ليبقى مصير عبد القهار ابن علي بن حاج مجهولا إلى أجل غير مسمى، ويصبح من الأهمية بمكان متابعة التطورات في الأيام القليلة القادمة.
هيثم رباني – الجزائر
حمّـل الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة، الاستخبارات المسؤولية المباشرة وغير المباشرة في اختفاء ابنه عبد القهار.
أكّـد علي بن حاج أن “العمل المسلح اليوم غير العمل المسلح في تسعينيات القرن الماضي”.
شدّد علي بن حاج على أن “قادة العمل المسلح نكرات لا نعرفهم”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.