في الخارج … لكن قلوبهم مع البلاد
يعتقد كثيرون أن هجرة مئات الآلاف من السويسريين لبلادهم واختلاطهم بثقافات ومجتمعات أخرى يبعدهم بشكل أو بآخر عن وطنهم.
لكن يبدو أن العكس هو الأصح، حيث يلمس المتابع لفعاليات مؤتمرهم السنوي مدى حرص نسبة كبيرة منهم على المشاركة في الحياة السياسية الداخلية للبلاد، حتى لو كانوا في أقصى بقاع الأرض.
هناك أبعاد متعددة للاهتمام المتبادل بين سويسرا ومواطنيها المقيمين في الخارج. فمن جهة تعمل “منظمة السويسريين في الخارج” على رعاية اهتماماتهم ومصالحهم، كما تعبر عن وجهة نظرهم في عدد من القضايا الداخلية التي تشغل بال الرأي العام في الكنفدرالية، ومن جهة أخرى، يحظى السويسريون الذي قرروا الهجرة لسبب أو لآخر باهتمام المسؤولين الرسميين ودوائر صنع القرار السياسي في البلاد.
ومن آخر الخطوات التي اتخذت في هذا السياق، قرار البرلمان الفدرالي تشكيل لجنة خاصة للتواصل مع أكثر من 600 ألف سويسري مقيمين في الخارج وهو ما اعتُبر خطوة إيجابية تكشف عن استمرار اهتمام برن بهم، وحرصها على توطيد الصلات معهم، لا سيما على صعيد العمل السياسي الداخلي.
وقد اختار السيد جورج ستوكي الرئيس الجديد لمنظمة السويسريين في الخارج (والعضو البرلماني السابق عن الحزب الراديكالي)، مناسبة افتتاح أعمال المؤتمر السنوي للسويسريين المقيمين في الخارج، الذي التئم على مدى 3 أيام (من 20 إلى 22 أغسطس 2004) في مدينة فينترتور الصناعية في شمال شرق سويسرا، للإعلان رسميا عن تشكيل اللجنة.
ومن المنتظر أن تعقد اللجنة البرلمانية الجديدة أولى اجتماعاتها يوم 22 سبتمبر القادم، بعد أن أعرب قرابة 80 نائب عن استعدادهم للمشاركة في أعمالها، ويُتوقع أن تضم في صفوفها ممثلين عن كافة التيارات السياسية المتواجدة في غرفتي البرلمان الفدرالي.
تعزيز التواصل
هذه الخطوة تأتي أيضا كرد فعل إيجابي ومتوقع من طرف الأحزاب السياسية على الإهتمام الذي يُبديه السويسريون المقيمون في الخارج بالشؤون السياسية في الكنفدرالية، حيث يحرص ما لايقل عن 100 ألف منهم على الإدلاء بأصواتهم والمشاركة بشكل منتظم في الاستفتاءات الشعبية (بمعدل 4 سنويا) التي تشهدها سويسرا.
وسوف تنعقد جلسات اللجنة البرلمانية الجديدة مرتين في السنة للوقوف على أهم المشكلات التي تعترض السويسريين في الخارج ومن أجل التواصل معهم والتعرف على وجهات نظرهم وأفكارهم فيما يتعلق بأبرز القضايا الداخلية أيضا.
وقد بدا اهتمام السويسريين بالخارج بالملفات الهامة التي تشغل بال الرأي العام الداخلي جليا في أول أيام أعمال مؤتمرهم السنوي، والذي يتصادف مع اقتراب موعد التصويت الشعبي على عدد من القضايا المثيرة للجدل، من بينها تسهيل حصول الأجانب المقيمين بشكل دائم في الكنفدرالية من الجيل الثاني والثالث على الجنسية السويسرية.
الأغلبية توافق على تسهيل منح الجنسية
وفي سياق نقاشات المؤتمر، عبر بعض المشاركين في مجلس السويسريين في الخارج، المنبثق عن المنظمة المتحدثة باسمهم، عن دهشتهم من عدم وجود تسهيلات حتى الآن في حصول الجيلين الثاني والثالث من الأجانب على الجنسية السويسرية، ولفت بعضهم الأنظار إلى أن عددا كبيرا من المواطنين ينحدر من أصول أجنبية، مستدلا بذلك على أن التنوع العرقي موجود منذ قرون في الكنفدرالية.
من جهتها ذكرت اليزابيث ميشيل، العضوة في إدارة منظمة السويسريين في الخارج في كلمة لها أمام مجلس منظمة السويسريين في الخارج، بأن “الكونفدرالية لها تقاليد عريقة في العمل الانساني في العالم بل وتستضيف هيئات دولية شهيرة مثل الصليب الأحمر، فماذا لا تكون تلك النواحي الإنسانية أيضا متوافرة في السياسة الداخلية؟ ولماذا يجب على الأجانب من الجيلين الثاني والثالث أن يعانوا من أجل الحصول على الجنسية السويسرية؟”.
وأيد أغلب أعضاء المجلس التنفيذي لمنظمة السويسريين في الخارج المقترحات الداعية إلى تسهيل الحصول على الجنسية السويسرية، وذلك بنسبة كبيرة، على الرغم من محاولة أنصار حزب الشعب السويسري اليميني التأثير على الحاضرين من خلال التذكير بأن أغلب الأجانب المقيمين في سويسرا لا يتكيفون مع المجتمع وبارتفاع بنسبة الأجانب الضالعين في ارتكاب الجرائم، إلا أن المحاولة لم تؤت بنتيجة فعالة، حيث نسى ممثلو الحزب أنهم يخاطبون عقليات أخرى تختلف جوهريا عن تلك التي عادة ما يتعامل معها في الداخل.
ونعم … للتقارب المدروس مع بروكسل
من جهة أخرى، رحبت منظمة السويسريين في الخارج بالخطوات التي تقوم بها الحكومة الفدرالية في التعامل مع الاتحاد الأوربي، من خلال الاتفاقيات الثنائية، وأوضحت وزيرة الخارجية السويسرية ميشلين كالمي – راي في مداخلتها بأن الحكومة الفدرالية تحترم رأي الناخبين الرافضين الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولكنها في الوقت نفسه سعت لضمان مصالح البلاد مع دول الجوار، التي تمثل أهم شريك لها سواء في المعاملات التجارية أو بما يفرضه الواقع الجغرافي.
وحرصت الوزيرة في كلمة القتها في ثاني أيام المؤتمر (السبت 21 أغسطس) على شرح أهم الايجابيات التي حصلت عليها سويسرا من الاتفاقيات الثنائية المبرمة مع الاتحاد الاوروبي، ودعت المشاركين على عدم معارضة التحاق سويسرا باتفاقية شنغين ومعاهدة دبلن، اللتان تنظمان التعاون الأمني مع بروكسل وتضمنان حرية تنقل الأشخاص بين سويسرا وجاراتها، مؤكدة على أن الكنفدرالية تضمن في كل تلك الاتفاقيات حماية مصالحها في أي وقت ترى فيه تهديدا لها.
كما أكدت السيدة كالمي-راي على أن سويسرا لا تشهد تراجعا في مكانتها العلمية والتصنيعية، مشيرة في الوقت نفسه إلى أن اتخاذ قرار بمواجهة التحديات التي تقابل البلاد في هذا المجال يعود إلى السويسريين أنفسهم، أي أن الإرادة الداخلية هي التي تحدد كيفية المواجهة والتعامل مع المشكلات التي تصادف البحث العلمي في ظل الحرص على الحفاظ على المكانة المتقدمة التي بلغتها سويسرا في هذا المجال.
تشكيل اللجنة البرلمانية للعناية بالسويسريين في الخارج نقلة إيجابية جديدة في العلاقة بين الكونفدرالية ومواطنيها المهاجرين، تؤكدها أيضا حرص الخارجية السويسرية على شرح أدق تفاصيل الاتفاقيات الثنائية مع الاتحاد الاوروبي والمميزات التي ستحصل عليها من ورائها، فالسويسريون في الخارج ثقل سياسي هام في الداخل، واكتسابهم لتأييد افكار وتوجهات الحكومة الفدرالية دعم مباشر لها، تثبته بالحرص على رعايتهم وربطهم بوطنهم الأم في كل قضاياه الداخلية، وفي المقابل سينعكس هذا بالتأكيد على المهاجرين بشكل إيجابي، فمن يجد ظهرا يحميه، يواجه الإغتراب بقلب جامد.
تامر أبوالعينين – فينترتور – سويس انفو
يصل عدد السويسريين المقمين في الخارج إلى 620 ألف شخص.
يحرص حوالي 90 ألف منهم على المشاركة بشكل منتظم في التصويت على جميع الاستفتاءات الشعبية المطروحة.
يقيم 62% من السويسريين المهاجرين بشكل دائم في البلدان الأعضاء في الاتحاد الاوربي.
إلى جانب منظمة السويسريين في الخارج، شكل البرلمان الفدرالي مؤخرا لجنة خاصة للتواصل معهم، ستعقد اولى جلساتها يوم 22 سبتمبر 2004.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.