في انتظار الرّدود..
اختتم جيمس بيكر جولته المغاربية بعد أن عرض مقترحاته الجديدة على الأطراف الرئيسية المعنية بقضية الصحراء الغربية.
ومن المفترض أن يحصل المبعوث الأممي على ردود قادة المغرب والجزائر وجبهة البوليزاريو وموريتانيا على مقترحاته قبل غرة شهر مارس القادم.
كادت الجولة المغاربية لجيمس بيكر المبعوث الدولي لتسوية نزاع الصحراء الغربية التي انتهت الجمعة، أن تكون جولة روتينية في إطار المهمة المكلف بها منذ 1997، لولا أجواء الانفراج النسبي الذي تعرفه منطقة المغرب العربي منذ عدة أسابيع وانعكاس هذا الانفراج على التعاطي مع تطورات نزاع الصحراء الغربية المتفجر منذ عام 1975.
الانفراج المغاربي شجع جيمس بيكر على حمل مقترحات تُـنعش مشروعا للتسوية قدمه قبل سنتين لم يحظ بقبول جميع أطراف النزاع، وإعطاء جولته بعدا سياسيا أعاد النزاع الصحراوي إلى الواجهة بعد أن تلاشى الاهتمام به على ضوء ما عرفه العالم من تطورات بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 وما تعرفه منطقة الشرق الأوسط من تطورات في الملفين الفلسطيني والعراقي.
فالنزاع الصحراوي الذي دخل قائمة “النزاعات ذات العمر الطويل” وتعرف تسويته تعثرات، لم يعد منذ نهاية الثمانينات، يشكل تهديدا للأمن العالمي والاقليمي بعد أن تراجع النشاط العسكري في منطقة النزاع وولوج أطرافه دائرة التسوية والمفاوضات المباشرة وغير المباشرة وعرف محطات أساسية في هذا المسار وإن كانت آفاق التسوية لازالت غامضة.
“أسلوب بيكر”
من المحطات الأساسية لهذا المسار كان تعيين جيمس بيكر مبعوثا شخصيا للامين العام للأمم المتحدة 1997 لمتابعة التسوية المجمدة آنذاك بسبب اختلاف المغرب وجبهة البوليزاريو – أطراف النزاع – على تحديد هوية الصحراويين الذين تحق لهم المشاركة بالاستفتاء الذي كان مزمعا تنظيمه تحت إشراف الأمم المتحدة لتقرير مصيرهم في دولة مستقلة أو الاندماج بالمغرب.
على مدى ثلاث سنوات تحرك بيكر وجال بين عواصم دول المنطقة المعنية بالنزاع ونقل ممثلين عنهم إلى لشبونة ولندن وهيوستن وتحت إشرافه وقعوا اتفاقيات وبروتوكولات, لكن بعد كل ذلك بدلا من أن تفتح آفاق وآمال التسوية السلمية على أساس مخطط متفق عليه، وصل جيمس بيكر إلى أن هذا المخطط عاجز عن أن يكون طريقا للتسوية وبدأ منذ عام 2000 البحث عن طريق جديد، مستفيدا من تسويات لنزاعات دولية وإقليمية حققت نجاحات خلال تسعينات القرن الماضي وأيضا من نتائج اتصالات وأفكار كانت الدبلوماسية الأمريكية في الجزائر والرباط قد حققتها.
في منتصف 2000 تبلورت في ذهن بيكر أفكار استمدها من ما حملته اتفاقيتا أوسلو بين الفلسطينيين والإسرائيليين واتفاقية دايتون لتسوية الأزمة اليوغوسلافية. ومحور الاتفاقيتين هو الحكم الذاتي في إطار الدولة القائمة، وكما في أوسلو تضمنت أفكار بيكر المحدودية الزمنية للاتفاقية.
مقترحات .. ومعارضة!
أفكار بيكر لقيت تشجيعا من كوفي عنان الأمين العام للأمم المتحدة الذي تبناها وقدمها في إطار تقريره الدوري إلى مجلس الأمن في خريف نفس العام. وبعد عام من النقاشات داخل المجلس تم بلورة المقترحات في مشروع متكامل.
مشروع التسوية الذي قدم للمجلس كان يتضمن منح الحكم الذاتي للصحراويين تحت السيادة المؤقتة لمدة خمس سنوات من تاريخ بدء تطبيقه، تجري الأمم المتحدة بعدها استفتاء تقرير المصير. وخلال السنوات الخمس وتحت إشراف الأمم المتحدة، تعين الحكومة المغربية هيئات تنفيذية وقضائية واسعة الصلاحية والسلطات كما يقوم الصحراويون بانتخاب مجلس تشريعي. ويحدد المشروع بالتفصيل آلية الاختيار والانتخاب والسلطات.
كان جيمس بيكر يعتقد ومعه كوفي عنان أن ما قدمه من أفكار بعد مشاورات مع أطراف النزاع لن يجد معارضة، إلا أن اعتقاده لم يكن في مكانه إذ أن الرباط قبلت المشروع ما دام يحافظ على وحدتها ورفضت جبهة البوليزاريو والجزائر الأفكار واعتبرتها مصادرة لحق الصحراويين في تقرير مصيرهم الذي كفله مخطط السلام. واضطر مجلس الامن الدولي إلى تأجيل اتخاذ قرار نهائي بشأن المشروع والطلب من جيمس بيكر إدخال تعديلات على المشروع تضمن قبول جميع الأطراف به.
خلال السنة الماضية كانت دول منطقة المغرب العربي تعيش على إيقاعات محاربة الإرهاب وأطل النزاع الصحراوي برأسه حين أعلن كوفي عنان يأسه من إمكانية تحقيق تسوية سلمية للنزاع وطلب في تقرير من مجلس الأمن الاختيار بين تطبيق مخطط السلام بغض النظر عن مواقف أطراف النزاع أو تطبيق مشروع بيكر أو تقسيم الصحراء الغربية بين المغرب والبوليزاريو أو انسحاب الأمم المتحدة من عملية السلام وإنهاء مهمة بعثتها هناك.
تعديلات .. وغموض
ولان الوضع الدولي لم يكن يسمح بإرباك جديد ورغم الدعم والتبني الأمريكي لمشروع بيكر, فإن قبول أطراف النزاع بأي حل ظل المهيمن على نقاشات أعضاء مجلس الأمن وطلبوا من بيكر التعديلات الممكنة بالتشاور مع أطراف النزاع والتي سلمها إلى قادة المنطقة خلال جولته طالبا منهم تحديد مواقف واضحة على ضوئها يستطيع التعاطي مع ما سيتضمنه تقرير كوفي عنان القادم للمجلس .
بيكر وقادة المنطقة رفضوا الكشف رسميا عن التعديلات المقترحة، إلا أن ما تردد في العاصمة المغربية الرباط قبل قدوم بيكر يشير إلى أن التعديلات تتمحور في توسيع صلاحيات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية للوصول في العلاقات بين المغرب والصحراء إلى مستوى الدولة الكونفدرالية ووضع ضوابط على الرباط في اختيار الهيئات وترك مدة تنفيذ الحكم الذاتي إلى التشاور حيث تتوقع مصادر دبلوماسية إمكانية تقليصها إلى ثلاث سنوات بدلا من خمس كما تتضمن التعديلات إضافة خيار الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية الى اختيارات الناخبين الصحراويين في الاستفتاء المزمع تنظيمه.
جولة بيكر المغاربية كادت أن تكون روتينية ولم تكن قبل أسابيع تتضمن تقديم مقترحات. وكان المطلوب من المبعوث الأممي ان يقدم لكوفي عنان تقريرا حول تطورات تسوية النزاع الصحراوي ليضمنها تقريره الدوري إلى مجلس الأمن من أجل تمديد مهمة بعثة قوات الأمم المتحدة في الصحراء الغربية (مينورسو) لكنه الانفراج الذي خلقته حركية الاتصالات والاجتماعات المغاربية والمغربية- الجزائرية.
لكن هذا الانفراج لا زال هشا بل مهددا بعد التصريحات التي أدلى بها الرئيس الجزائري الثلاثاء والتي ربط فيها بناء المغرب العربي بحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيرهم والذي يعيد تعاطي البلدين مع النزاع الصحراوي إلى المربع الأول.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.