في انتظار بوادر الانفراج
بعد مرور حوالي ستة اسابيع على الاستفتاء حول تعديل الدستور، لا تزال اواسط المعارضة التونسية تنتظر بوادر انفراج سياسي، خصوصا ما يتعلق باصدار عفو تشريعي عام والتخفيف من القيود الصارمة على بعض تيارات المعارضة.
في غرفة بالطابق الثالث من عمارة قريبة من المركب الجامعي، الذي شهد منذ الستينات أهم التحركات الطلابية المناهضة للسلطة، تواصل زوجة السجين السياسي حمة الهمامي، زعيم حزب العمال الشيوعي المحظور، إضرابا عن الطعام، بدأته يوم 26 يونيو، معلنة أنها لن تتراجع عنه إلا مع إطلاق سراح زوجها المعتقل.
وتحول منزل السيدة راضية النصراوي، وهي محامية معروفة بشجاعتها ودفاعها عن مختلف مساجين الرأي مهما كانت مواقعهم ومشاربهم السياسية والأيديولوجية، إلى قبلة الكثيرين من النشطاء والسياسيين والمثقفين الذين قرروا الخروج من حياة الانكفاء داخل أسوار الجامعات والتحقوا خلال السنوات القليلة الماضية بالاوساط المطالبة بالحريات والديموقراطية.
كان هذا الاضراب عاملا آخرا لاستئناف تلك الحركية ذات الطابع الاحتجاجي والتعبوي، التي ظهرت قبل الاستفتاء على تعديل الدستور وتراجعت وتيرتها بعده. وتزامن قرار راضية النصراوي مع محاكمة زهير اليحياوي، التي أثارت احتجاج المحامين واستغرابهم، خاصة بعد أن قررت محكمة الاستئناف إحالة المتهم بمفرده وفي غياب محامي الدفاع، لتتلو أمامه نص الحكم.
وبما أن هذه المحاكمة هي في تونس الأولى من نوعها التي يحال فيها شخص بتهمة تتعلق ب “جريمة” تمت عبر شبكة الإنترنت، فقد نظم الحزب الديموقراطي التقدمي المعارض ندوة حول الشبكة العنكبوتية وحرية التعبير والرأي، تم خلالها استعراض المحاولات التي شهدتها تونس خلال السنوات الأخيرة في مجال تأسيس صحافة إلكترونية، وهي اجتهادات لقيت صعوبات جمة بسبب الحصار القوي الذي ضرب حول مختلف المواقع التونسية، والتي ظن أصحابها أنهم سيتمكنون من الهروب من الأدوات القانونية والسياسية المتحكمة في الصحافة المكتوبة، فوجدوا أنفسهم في معركة خفية مع رقابة لا تقل قوة وشراسة.
في هذه الأجواء القلقة، ونظرا لتواتر الأخبار والروايات حول الظروف الصعبة التي يواجهها سجناء الرأي داخل المعتقلات التونسية، دعت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان إلى تجمع نظمته بمقرها يوم الأربعاء الماضي من أجل استئناف الحملة الخاصة بالعفو التشريعي العام، وهي حملة سبق ان أطلقتها قبل سنة عدة جمعيات وأحزاب، لكنها سرعان ما تعثرت وتراجعت بعد أن انشغل الجميع بملفات أخرى مثل دعم الانتفاضة الفلسطينية والتصدي لمسألة التحويرات الدستورية.
آمال الانفراج والخوف من تكلس السلطة
وتميز هذا التجمع بحضور السيد اسماعيل بولحية بصفته الأمين العام لحركة الديموقراطيين الاشتراكيين، التي تمر حاليا بمخاض مصالحة بين مختلف أجنحتها. وقد أكد في كلمته أن الجميع “صف واحد للمطالبة بالعفو التشريعي العام” الذي اعتبره “شرطا ملازما لجمهورية الغد التي دخلتها البلاد بعد الاستفتاء”، قائلا إن تونس تفتخر بنساء من أمثال راضية النصراوي وسهام بن سدرين وأم زياد .
أما السيد أحمد إبراهيم عضو المكتب السياسي لحركة التجديد، التي بقدر اقترابها من الأحزاب المناهضة للحكم بقدر ما تتسع المسافة بينها وبين السلطة يوما بعد يوم، فقد أكد أن العفو التشريعي هو “المدخل لتنقية المناخ السياسي العام الذي، لا يزال يشكو حسب اعتقاده من تفاقم التباين بين الخطاب والممارسة”، مشيرا بالخصوص إلى مظهرين خطيرين، هما توظيف القضاء واستخدام الإدارة من قبل الجهاز الحاكم. وأكّد في خاتمة تدخله، “أن حركة التجديد ستعمل على إبعاد هذه الحملة عن الموسمية والنشاط الظرفي”.
أما نجيب الشابي، فقد أشار إلى المساجين الإسلاميين، معتبرا أن العفو التشريعي العام هو في معنى من معانيه “طي صفحة الاستئصال”، مؤكدا أن الحكومة عندما تنفي وجود مساجين سياسيين إنما تواصل إدارة ظهرها للمشكلات الحقيقية التي تعاني منها البلاد..
واعتبر عبد الرؤوف العيادي، الذي تكلم باسم مجلس الحريات، أن مطلب العفو التشريعي لم يجد حتى الآن الدعم الكافي من قبل النخبة التونسية، رغم أنه يختزل كل مطالب الحريات. أما د. مصطفى بن جعفر، رئيس حزب المنتدى الديموقراطي من اجل العمل والحريات، غير المرخّص له، فقد أكد أن المطالبة بالعفو العام لا تقف عند الجانب الإنساني، وإنما تتعداه إلى الإقرار بحق الذين سيتمتعون به في ممارسة النشاط السياسي، ودعا النظام التونسي إلى انتهاج أسلوب النظام المصري الذي “اتعظ وأجرى مصالحة مع الجماعات المسلحة داخل السجون”.
لقد تباينت، عشية الاستفتاء حول الدستور، آراء النخبة السياسية التي تتحرك بعيدا عن دوائر الحكم حول توقعاتها بالنسبة للمرحلة القادمة. فاعتقد البعض أن النظام لن يغير أسلوب تعاطيه مع الملفات السياسية، وذهب إلى حد القول، إن السلطة ستوظف النتائج الرسمية للاستفتاء لتستقوي أكثر على المجتمع المدني، وتزداد تصلبا، بينها تفاءل آخرون وصدقوا ما راج من أخبار حول احتمال اتخاذ جملة من الإجراءت التي من شأنها أن توحي بقرب حدوث انفراج سياسي.
لكن الأسابيع التي توالت بعد الدخول فيما يسميه الخطاب الرسمي جمهورية الغد، جاءت مخيبة لآمال الطرف الثاني، مدعمة إلى حد ما الأطراف الداعية إلى القطيعة والمرددة بأن السلطة لم تعد قادرة على القيام بإصلاحات سياسية، لأنها لا تُقرّ أصلا بوجود أزمة.
لكن مع اقتراب موعد ذكرى إعلان الجمهورية يوم 25 يوليو، أخذت تروج من جديد أخبار مطمئنة شبيهة بالتي راجت قبل أيام من موعد الاستفتاء. فهل هي مجرد بالونات امتصاص، أم أن في الأفق شيئا جديدا؟ الأكيد أن الشارع السياسي يعيش حالة قلق شديد وصفها أحدهم بضيق في التنفس ونقص حاد في الأوكسجين.
ومهما كانت التوقعات والاحتمالات، فإن خطاب الرئيس زين العابدين بن علي يوم 25 يوليو في الذكرى الخامسة والاربعين لاعلان الجمهورية في تونس، قد يكشف توجهات المرحلة المقبلة. فهو، اذا ما خلا من أي قرارات تتعلق بالحريات العامة، سيكون مؤشرا هاما على الاستمرار في تغليب الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية على القضايا السياسية. وفي ذلك اختبار جديد لقدرات المعارضة الديموقراطية على فرض وجودها ومطالبة ، لان السياسة تحددها موازين القوى.
صلاح الدين الجورشي – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.