في تركيا: انتخابات نيابية أم رئاسية؟
تجري في 22 يوليو الجاري، الانتخابات النيابية المبكّـرة في تركيا، وهي في الحقيقة أبكر من موعدها المعتاد بأربعة أشهر فقط، ولو أنها جرت في موعدها الطبيعي، لكان البرلمان الحالي الأول منذ 1983، الذي يكمل ولايته المؤلفة من خمس سنوات.
وقد اعتادت تركيا على عدم الاستقرار السياسي، وكان ذلك من أسباب تِـكرار إجراء انتخابات نيابية قبل موعدها بسنة على الأقل.
لم يكن حزب العدالة والتنمية الحاكم يرغب في تقديم موعد الانتخابات، خصوصا وأنه لم يتبَـق على موعدها سوى أربعة أشهر، لكن التطورات المفاجئة، التي شهدتها البلاد في شهر أبريل 2007، أدخلتها في مسار لم يكُـن أحد يتوقعه، إذ رفض الجيش انتخاب وزير الخارجية عبدالله غول رئيسا للجمهورية، ومنع بالتالي، وصول أول إسلامي (زوجته محجبة) إلى قصر الرئاسة في “تشانكايا”، أحد أحياء أنقرة الراقية.
وقد استُـكمِـل الرفض العسكري، بقرار من المحكمة الدستورية، التي أفتت بضرورة حضور ثلثي النواب (أي 367 نائبا)، ليكتمل نِـصاب انتخاب رئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي لم يكن متيَـسرا لحزب العدالة والتنمية، الذي كان يملك 352 نائبا فقط من أصل 550 نائبا.
قرار مفاجئ
قرار المحكمة كان مفاجئا، لأن سوابق انتخاب رئيس الجمهورية من دون نِـصاب الثلثين، كانت متعددة، هذه الواقعة، التي شّـهها البعض بانقلاب دستوري على سلطة العدالة والتنمية، كانت الدافع للدعوة لانتخابات مبكّـرة من قِـبل البرلمان في 22 يوليو الجاري واستمرار الرئيس الحالي أحمد نجدت سيزير، إلى حين انتخاب رئيس جديد، بل ذهب حزب العدالة والتنمية أبعد من ذلك، بإجراء تعديلات دستورية لانتخاب الرئيس مباشرة من الشعب، منعا لتدخل الجيش في إرادة النواب، وهو ما تم تمريره ووافقت عليه المحكمة الدستورية، تمهيدا لإجراء استفتاء عليه في 21 أكتوبر القادم، وهو ما اعتُـبر أيضا ثورة دستورية تدخِـل تعديلا جوهريا على طبيعة النظام، لأن للرئيس صلاحيات مؤثرة، وإن كانت محدودة، فهو الذي يعيِّـن القضاة وأعضاء المحكمة الدستورية ورؤساء الجامعات ومجلس التعليم العالي والسفراء، وغير ذلك.
هذه التطورات كانت مهمّـة للغاية لفهم أن الانتخابات النيابية المبكرة، التي ستُـجرى، لم تكن بدافع برلماني صرف تفرضه العملية الديمقراطية وتداول السلطة، بل كوسيلة أو واسطة أو معبر نحو الهدف الأصلي، وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
من هنا كانت مسألة رئاسة الجمهورية مادّة رئيسية في الحملات الانتخابية للأحزاب، وأبرَز حزب العدالة والتنمية هذه النقطة مع التّـركيز على أنه ضحِـية ممارسة كيدية غير دستورية للمحكمة الدستورية، ولعب غول نفسه على هذا الوتر بالقول، أن الضحية لم يكن هو، بل الأمة بكاملها، أما رئيس الحزب والحكومة رجب طيب اردوغان، فوصف قرار المحكمة برصاصة ضد الديمقراطية، ودعا إلى الردّ على التحدّي، ليس بتوفير 367، بل 467 نائبا.
رهان العسكر
من الواضح، أن حزب العدالة والتنمية يُـريد التحكّـم مُـنفردا في مسألة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وهو حق يُـعطيه إياه القانون، بحُـكم لُـعبة الأكثرية والأقلية، ولكن هنا بالتحديد، اعتراض المعارضة من أن رئيس الجمهورية يجب أن يكون للجميع، ودعت إلى رئيس توافقي.
لا شك أن ذريعة المعارضة لا تهدف للتوافق، فالرئيس الحالي ليس توافقيا في ممارساته، وهو منحاز بالكامل ضد حزب العدالة والتنمية، ولكن العُـقدة الجوهرية، أن العسكر والعِـلمانيين المُـتشددين، لا يريدون رئيسا بخلفية إسلامية للجمهورية.
لم يكتف العسكر بإنذاره الشهير في 27 أبريل الماضي، بل أتبعه بحَـبْـك تحالُـفات بين الأحزاب السياسية المختلفة، يمينا ويسارا، من أجل رفع حظوظ أكثر من حزب لدخول البرلمان، وهذا يقود إلى الحديث عن النظام الانتخابي في تركيا، الذي هو نسبي ويفرض حصول أي حزب لدخول البرلمان على نسبة 10% من الأصوات على مستوى تركيا، وفي حال فشله في ذلك، تتوزع أصواته وبالتالي، المقاعد، التي كانت من حق الحزب في الدوائر التي فاز فيها على الأحزاب التي نجحت في دخول البرلمان، وهذا يُـفسّر أن حزبا ينال من المقاعد البرلمانية أكثر من نسبة الأصوات، التي حصل عليها. فحزب العدالة والتنمية، نال في انتخابات 2002 حوالي 34% من الأصوات، فيما عادلت مقاعده 65% من مجموع نواب البرلمان.
بقدر ما يكون عدد الأحزاب، التي ستدخل البرلمان قليلا، بقدر ما تستفيد في مضاعفة حجم نوابها، وهذا هدف أساسي لحزب العدالة والتنمية، المستفيد الأكبر من وجوده، وحزب الشعب الجمهوري فقط في البرلمان الحالي.
يهدف حزب العدالة والتنمية إلى الحصول على 367 مقعدا نيابيا، وهذا يتطلب دخول حزبين فقط إلى البرلمان. وفي المقابل، تسعى قوى العسكر والعلمانيين وكل المتضررين من وجود حزب العدالة والتنمية في السلطة، إلى إدخال أكبر عدد من الأحزاب إلى البرلمان.
ووِفقا لاستطلاعات الرأي العام، فإن رِهان العسكر، هو على دخول حزب ثالث على الأقل، هو حزب الحركة القومية، بحيث يتم التركيز في مرحلة أولى على عدم حصول حزب العدالة والتنمية على أكثرية الثلثين.
محاولة تفشيل حزب العدالة والتنمية
وفي مرحلة لاحقة، وكل ذلك أثناء الحملة الانتخابية وقبل الانتخابات، توفير مناخات ضاغطة على الناخب التركي، لكي لا يعطي أصواته لأردوغان ورفاقه، وبالتالي، تفشيل الحزب حتى في الاحتفاظ بأكثرية النصف زائد واحد، ما يُـخرجه من السلطة.
ويتّـبع العسكر سياسة توتير تعلي القِـيم القومية وتضع حزب العدالة والتنمية في خانة المستهين والمتخاذل في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني من خلال عدم إجازة البرلمان، الذي يُـسيطر عليه حزب العدالة والتنمية، للجيش القيام بعملية عسكرية في شمال العراق.
ويدخل عامل جديد للغاية على الحياة السياسية التركية وعلى البرلمان عبر احتمال دخول ما بين 20 إلى 40 نائبا كرديا، يمثلون حزب المجتمع الديمقراطي الكردي، المقرب من حزب العمال الكردستاني، لكن سيترشحون بصفة مستقلين، وهو ما سيضمن لقِـسم كبير منهم النجاح، فيما الترشح على أساس حزبي لن يؤدّي إلى نتيجة، لأن كل الاستطلاعات لا تعطي الحزب الكردي أكثر من 6% غير الكافية لدخول البرلمان.
دخول الأكراد إلى البرلمان ستكون له انعكاسات مهمة على الساحة السياسية، حيث سيتاح للأكراد منبرا محصّـنا للدّفاع عن قضيتهم، وقد يفضي ذلك إلى توترات غير محسوبة، لكن قد يكون لهؤلاء النواب دور حاسم في إيصال مرشح حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الجمهورية.
فقد يكون حزب العدالة والتنمية بحاجة إلى أصوات النواب الأكراد لإكمال نِـصاب الثلثين لانتخاب رئيس للجمهورية، كما أنه في حال عدم فوز الحزب بالغالبية المطلقة، سيكون عليه التحالف، ولو من خارج الحكومة، مع الحزب الكردي لتشكيل حكومة جديدة، وقد أظهر أحد قادة الأكراد، المرشح أحمد تورك، استعداد الأكراد لدعم الحكومة من الخارج، من دون المشاركة فيها.
ماذا ستختار تركيا؟
ستواجه تركيا بعد 22 يوليو 2007، سيناريوهات متعددة تعتمد كلها على نتائج الانتخابات، إذا فاز حزب العدالة والتنمية بأكثرية ثلثي مقاعد البرلمان، فهذا يعني نظريا، قدرته على التفرّد بالقرار السياسي، ولاسيما انتخاب رئيس جديد للجمهورية، لكن السؤال هنا حول ما إذا كان حزب العدالة والتنمية سيُـكرر سيناريو ترشيح إسلامي للرئاسة أم سيقدم مرشحا “معتدلا” بمعايير العلمانية، كذلك، تُطرح علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كان الجيش سيُـكرر بدوره محاولة منع وصول إسلامي لرئاسة الجمهورية.
أما إذا فاز حزب العدالة والتنمية بأغلبية مُـطلقة، فالتساؤل حول ما إذا كانت أصوات النواب الأكراد، المرجّـح دخولهم البرلمان، ستكون كافية لتوفير نِـصاب الثلثين لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وما هو الثَّـمن الذي قد يطلبُـونه لمثل هذه الفرضية، وهل الجيش سيسمح بمثل هذا “التواطؤ” الضِّـمني بين الإسلاميين والأكراد.
أما إذا لم يحصل حزب العدالة والتنمية، حتى على أكثرية النصف زائد واحد، فسيبقى التساؤل حول ما إذا كان سيدخل في ائتلاف مع الأكراد لتشكيل حكومة جديدة.
أما إذا لم تكفِ أصوات العدالة والتنمية والأكراد لمثل هذا الائتلاف، فإن احتمال قِـيام ائتلاف بين خصوم الأمس: حزب الشعب الجمهوري اليساري العلماني وحزب الحركة القومية اليميني المتشدد (في حال دخوله البرلمان)، سيكون قويا، خصوصا أن الجيش يحضـّر لمثل هذا الاحتمال، وزعماء الحزبين ألمحا أكثر من مرة انفتاحهما على هذا الخيار، هما اللذان يجمعهما العداء لحزب العدالة والتنمية.
في جميع الأحوال، يبقى احتمال آخر غير مُـستبعد، وهو أنه إذا فشل البرلمان الجديد في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، فإن الذهاب إلى انتخابات مبكّـرة أخرى، سيكون واردا جدا، وربما تجري في اليوم نفسه للاستفتاء التعديلات الدستورية في 21 أكتوبر القادم.
أما الاحتمال الآخر والأخير، فهو قيام الجيش بانقلاب عسكري، بعدما لم يعد ذلك مُـستبعدا ولا في أي وقت منذ إنذار 27 أبريل العسكري. فماذا ستختار تركيا في 22 يوليو 2007، بل كذلك ماذا سيكون خيار الجيش؟
محمد نورالدين – بيروت
يبلغ عدد مقاعد البرلمان التركي 550 مقعدا، وقُـسِّـمت البلاد إلى 85 دائرة انتخابية، موزعة على 81 ولاية.
لا يمكن لأي حزب، الحصول على مقعد في البرلمان التركي، إلا إذا حاز على 10% من أصوات الناخبين على الأقل.
تشير آخر استطلاعات الرأي إلى أن حزب العدالة والتنمية، سيحصل على ما بين 35 و45% من الأصوات، وللتذكير، فقد حصل في انتخابات 2002 على 34،29% من مجموع أصوات الناخبين وعلى 352 مقعد في البرلمان.
تتوقع استطلاعات الرأي أن يحصل حزب الشعب الجمهوري المعارض، على حوالي 20% من أصوات الناخبين.
تكهّـن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، بأن حزبه سيحصل على أكثر من 40% من الأصوات.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.