في رسالة واضحة.. انتخب الأتراك للديمقراطية
ضرب حزب العدالة والتنمية ضربته التاريخية، عندما ثأر من القوى العِـلمانية، وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية، ولكن في صناديق الاقتراع عبْـر تحقيق انتصار كاسح، قارب نصف أصوات الناخبين في سابقة لم تحدث إلا في الخمسينات مع رئيس الحكومة حينها، عدنان مندريس.
فاز حزب العدالة والتنمية في انتخابات 22 أغسطس 2007 بنسبة تقارب 47% من الأصوات، أي بزيادة 13% عن انتخابات 2002، فيما لم ينجح منافسه حزب الشعب الجمهوري في تعزيز مكانته واكتفى بنسبة 20-21% من الأصوات.
الجديد هذه المرة، فهو نجاح حزب الحركة القومية اليميني المتشدد في دخول البرلمان وبنسبة جيِّـدة من الأصوات قاربت 15%، ما دفع قادته إلى اعتبار حزبهم، حزب المعارضة الفعلي في البرلمان المقبل، في ظل اهتزاز وضع حزب الشعب الجمهوري، الذي طالب أنصاره باستقالة زعيمه دينيز بايكال.
في الأساس، كان الدافع الرئيسي لإجراء انتخابات مبكّـرة، فشل البرلمان السابق في انتخاب رئيس جديد للجمهورية في أبريل الماضي، لذا، اتّـخذت هذه الانتخابات طابع التحدّي بين الجيش وحزب العدالة والتنمية، بعدما ضغط الجيش عبر بيان على الإنترنت، كان بمثابة إنذار، حتى لا يتم انتخاب إسلامي زوجته محجبة، هو عبدالله غُـل رئيسا للجمهورية، وقامت المحكمة الدستورية بتخريج الإنذار عبر قرار يفرض نِـصاب ثلثي مقاعد البرلمان، لانتخاب الرئيس الجديد.
ذهب حزب العدالة والتنمية إلى الانتخابات لإفشال انتهاك الجيش للحياة الديمقراطية، فيما عمل الجيش على تكتيل مختلف القوى، يمينا ويسارا، للإطاحة أو على الأقل لإضعاف سُـلطة حزب العدالة والتنمية.
لكن لم يخذِل الناخب التركي التوقعات، ووقف إلى جانب “الضحية” في رسالة واضحة وقوية، بل شديدة اللهجة بأنه يريد الديمقراطية منهاجا للتطور وأن الكلمة الأخيرة، يجب أن تكون للشعب وأن زمن الانقلابات ولّـى.
رهان حزب العدالة والتنمية
لم يكن نجاح حزب العدالة والتنمية مجرَّد ردّ فعل على عرقلة انتخاب غُـل رئيسا للجمهورية، بل أن المواطن التركي انتخب أيضا استمرار نهج التنمية الاقتصادية، التي بلغت مستويات كبيرة بفضل سياسات حزب العدالة والتنمية في مكافحة التضخم وجذب الاستثمارات، بل إن الهيئات الاقتصادية ورجال الأعمال كانوا من مؤيِّـدي حزب العدالة والتنمية، لأنهم يريدون الاستقرار السياسي، الشرط الأساسي للازدهار الاقتصادي، وكان اردوغان منتبها لهذا الجانب في كلمته أمام المحتفِـلين بنصره، عندما وعد برفع متوسط الدّخل الفردي بحلول عام 2013 إلى عشرة آلاف دولار.
بانتصار حزب العدالة والتنمية، انتخب المواطن التركي خيار الإتحاد الأوروبي، الرّهان الأساسي للحزب الحاكم في أنقرة منذ عام 2002، فقد ثبت أن التغيير والإصلاح غير ممكن بالآليات الداخلية في ظل تحكم العسكر بالمؤسسات غير المنتخبة، من هنا، تبدو الفرصة سانحة وقوية للتغيير الجذري، في حال استمر حزب العدالة والتنمية في السلطة لولاية جديدة.
ذكـّر اردوغان في تصريحاته بعد الانتصار، بأنها المرة الثانية (الأولى كانت مع عدنان مندريس)، التي ينجح فيها حزب تركي بزيادة عدد أصواته في الانتخابات، وهو في السلطة، لكن من المفيد التذكير أيضا أن عدنان مندريس، رغم أن أصوات حزبه تعدّت 50%، بل لامست مرة 57%، قد انتهى على حبل المشنقة في انقلاب عسكري عام 1960.
طبعا، لا يجوز إسقاط ظروف تلك المرحلة على الواقع الحالي لكن التذكير بها يظل ضروريا ومفيدا لفهم ما يحدث وما قد تؤول إليه الأمور.
سيناريو الانقلاب غير مستبعد
لقد عكست نتائج الانتخابات واقعا مهمّـا، وهو أن نفوذ الحزب يمتد إلى جميع المناطق التركية، بل هو تقدم حتى على حزب المجتمع الكردي في المناطق الكردية وعلى حزب الشعب الجمهوري في معقل الأخير في انتاليا، وتساوى معه في قلعة العِـلمانيين في إزمير.
مع ذلك، لم يخرج اردوغان على الناس بصورة الفاتح، بل كان هادئا في توجيه رسائل الطَّـمأنة إلى العِـلمانيين، من أنه لا يريد تغيير النظام العِـلماني في محاولة لإزالة الخوف من نفوسهم بعد انتصاره الكاسح، وكان اردوغان نفسه قد دعا قبل الانتخابات إلى اختيار رئيس توافقي، في إطار تهدئة النفوس.
مع ذلك، لا يمكن تجاهل أن للجيش والقوى العِـلمانية تاريخيا وبالممارسة، تأثير كبير على القرار السياسي، بل إن هناك مسألة أخرى تتَّـصل بالواقع السياسي الجديد، وهو دخول ما بين 23 و 24 نائبا عن حزب المجتمع الكردي، المؤيِّـد لحزب العمال الكردستاني، إلى البرلمان.
وبوجود سبعين نائبا عن حزب الحركة القومية المعادي للأكراد، قد تتحول قاعة البرلمان إلى ميدان حرب بين الطرفين، يكون المستفيد الأكبر منها الجيش، الذي قد ينتهز أجواء التوتر لتبرير تدخُّـله في السياسة والانقلاب على نتائج الانتخابات، وهو سيناريو ليس مستبعَـدا، إذا أصر حزب العدالة والتنمية على التحدي بترشيح عبدالله غُـل أو إسلامي آخر زوجته محجّـبة، لرئاسة الجمهورية.
هل أخذ الجيش العبرة؟
إذا فشل البرلمان الجديد في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، سيكون حتميا الذهاب إلى انتخابات نيابية أخرى خلال شهرين أو ثلاثة، لكن هذه المرة، لن يتم انتخاب الرئيس من البرلمان الجديد، بل من الشعب مباشرة في حال نال الاستفتاء المقرر إجراؤه في 21 أكتوبر المقبل على تأييد الشعب، ويحتمل حينها أن تجري انتخابات الرئاسة خلال شهر ديسمبر 2007.
لقد نجحت تركيا في اختبار الديمقراطية، كما لم يعرفه أي بلد أو مجتمع إسلامي. ومع أن العِـبرة تبقى في مدى احترام الجيش ومراكز القوى العلمانية للخيار الديمقراطي، فإن تجاهل الجيش للواقع الجديد ولخيار الغالبية الساحقة من المجتمع، سيكون مع مطلع القرن الحادي والعشرين، خطأ تاريخيا، بل نحرا لتركيا ولموقعها ولدورها الإقليمي والدولي والحضاري. فهل يعتبر الجيش ممّـا جرى أم سيكَـرر أخطاءه؟
د. محمد بيروت – بيروت
أنقرة (رويترز) – حقق حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا فوزا مدويا في الانتخابات يوم الأحد 22 يوليو، يمنح الحزب ذا الجذور الإسلامية المشجع لقطاع الأعمال تفويضا بإجراء إصلاحات، لكنه قد يمهد الطريق لمزيد من التوتر مع النخبة العلمانية. وتمثل هذه النتيجة نصرا معنويا لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، الذي دعا إلى انتخابات مبكّـرة، بعد خسارة معركة مع المؤسسة العلمانية، التي تضم جنرالات الجيش الذين لا يريدون وصول حليفه ذي الجذور الإسلامية، وزير الخارجية عبد الله غُـل، إلى منصب رئيس الجمهورية.
وبعد فرز جميع الأصوات تقريبا، حصل حزب العدالة والتنمية على 47%، بزيادة كبيرة عما حصل عليه في انتخابات عام 2002، لكن المعارضة الأكثر تماسكا في مواجهته، تعني أنه قد لا يحصل على الكثير من المقاعد الإضافية. وقال اردوغان لآلاف من أنصاره المبتهجين خارج مقر حزبه في العاصمة التركية، حيث أضاءت الألعاب النارية السماء “هذه أول مرة، منذ 52 عاما يزيد حزب موجود في السلطة من أصواته للمرة الثانية، سنواصل العمل بتصميم لتحقيق هدفنا (بالانضمام) للاتحاد الأوروبي”.
ولم يتجاوز حاجز 10% الضرورية كحد أدنى لدخول البرلمان، سوى حزبين علمانيين آخرين، هما الحزب الشعبي الجمهوري القومي وحصل على 21% وحزب الحركة القومية اليميني المتطرف على 14%. وحقق مستقلون، أغلبهم من الأكراد، فوزا أيضا، مما يجعلهم أول أكراد يدخلون إلى البرلمان منذ بداية التسعينات، مما أثار احتفالات صاخبة في معقل الأكراد في شرق البلاد. ورقص أنصار اردوغان وأطلقوا أبواق السيارات ولوحوا بأعلام ضخمة عليها شعار حزب العدالة والتنمية في شتى أنحاء تركيا.
وتركَّـز الجدل بين الأحزاب حول الإصلاح الاقتصادي وكيفية التعامل مع عنف الانفصاليين الأكراد والانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، الذي يُـبدي فتورا لضمّ تركيا إليه، ومكان الدِّين في تركيا الحديثة. وتجاهل الناخبون، على ما يبدو، تحذيرات المعارضة من أن حزب العدالة والتنمية يسعى سرا إلى إقامة دولة دينية على النمط الإيراني، رغم المسيرات الحاشدة التي خرجت إلى الشوارع هذا العام، دفاعا عن الفصل الصارم بين الدولة والدِّين في تركيا، وهي واحدة من الديمقراطيات القليلة في العالم الإسلامي. وقاد أردوغان طفرة اقتصادية وفي علامة على ابتهاج الأسواق المالية بنتيجة الانتخابات، التي تجسد واحدا من أقوى التفويضات في تاريخ تركيا الحديث حققت الليرة التركية ارتفاعا بنحو 2% أمام الدولار في أوائل التعاملات الآسيوية.
وقال خبراء اقتصاديون إن أردوغان (53 عاما)، أكثر الساسة شعبية في تركيا يستطيع الآن مواصلة سياسات السوق الحر واستئناف محادثات العضوية مع الاتحاد الأوروبي، رغم التململ المتزايد في تركيا من مماطلة الاتحاد في قبول انضمام تركيا. وقال المحلل سيمون كويجانو ايفانز، “هذا هو السيناريو الأمثل للأسواق… السؤال الآن، كيف سيكون رد فعل المؤسسة (العلمانية)، وهذا شيء ستكون الأسواق قلقة بشأنه”.
ويعتبر الجيش نفسه الضامن الأول للدولة العلمانية في تركيا وأطاح بأربع حكومات في الأعوام الخمسين الماضية، أحدثها حكومة ذات توجه إسلامي سابقة لحكومة حزب العدالة والتنمية عام 1997. وقال سميح ايديز، وهو كاتب تركي بارز “لا أعتقد أن (الجيش) راضٍ، لكنه لن ينشر الدبابات، سيبحث عن وسائل ليجعل وجوده محسوسا، واضعا في الاعتبار أنها حكومة تتمتع بتفويض قوي”.
لكن الحكومة الجديدة لن تلبث أن تواجه تحديات جديدة، إذ يتعين عليها أن تجد مرشحا للرئاسة يحظى بموافقة جميع الأطراف والتحرك بحذر لتحافظ على ابتعاد الجيش وتسرع من وتيرة الإصلاحات الضرورية للانضمام للاتحاد الأوروبي أو المخاطرة بمواجهة ردّة اقتصادية، وأن تقرر ما إذا كانت سترسل الجيش إلى شمال العراق لسحق المتمردين الأكراد المتمركزين هناك. وتقاتل قوات الأمن التركية متمردي حزب العمال الكردستاني منذ عام 1984 في صراع راحَ ضحيته أكثر من 30 ألف شخص، وتصاعدت الاشتباكات العنيفة على مدى العام الماضي. وتثير احتمالات إقدام تركيا على هذه الخطوة، قلق الولايات المتحدة بشكل متزايد.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 22 يوليو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.