في قطاع غزة: قتل ثـلاثي الأبعاد
لم تتردد اسرائيل في الاعلان أن جيشها قتل الفي فلسطيني في غزة خلال العامين الأخيرين. وفي الأيام القليلة التي تلت هذا الاعلان، منتصف كانون ثاني/يناير العام الجاري، كان وزير الجيش الاسرائيلي ايهود باراك يصر على تطبيق ادوات قتل جديدة بقطع الكهرباء والوقود والغذاء.
وهكذا دخل القطاع الذي يئن تحت وطأة حصار متواصل منذ أكثر من سبع سنين، في مواجهة من نوع جديد مع اسلحة غير تلك التي تردي الواحد في لحظة، انها اسلحة قثل ثلاثية الأبعاد، تطال اكثر مما تتوقع.
وفي اسبوع التعصيد العسكري الاخير، الذي ردت فيه اسرائيل، كما تقول، على مطلقى الصواريخ تجاه بلداتها الجنوبية، كان المجتمع الدولي، لا زال ينظر في امكانية عقد جلسة لمجلس الامن الدولي للنظر في المسألة.
وفي غضون ذلك قصف الجيش الاسرائيلي مقر وزارة الداخلية، التابعة لحركة حماس المقالة. وغداة القصف الذي تستبب في وقع مزيد من الضحايا، خرجت الصحف الاسرائيلية تقول إن ضرب مثر الوزارة، كان بمثابة رسالة واضحة إلى حركة حماس.
والرسالة هذه، فسرتها الصحف الاسرائيلية، ذاتها، بان الخطوة القادمة، إن لم تتوقف حماس عن اطلاق الصواريخ على اسرائيل، ستكون اغتيال قادة حماس الرئيسيين: خالد مشعل ومحمود الزهار واسماعيل هنية.
قبل ذلك بوقت قصير، سقط حسام نجل الزهار في احدى الغارات التي شنتها اسرائيل على غزة. وفي اليوم التالي كان الرئيس محمود عباس، الذي يقاطع حماس، يتصل بالزهار معزيا، وكذلك فعل باقي اركان قيادة فتح.
وبين إغماضة وانتباهتها، راحت معظم وسائل الاعلام الاجنبية والمحلية، تتحدث عن احتمال تحول واجب التعزية بابن الزهار إلى فرصة لاختراق الحاجز الكبير بين فتح وحماس وبدء الحوار العتيد المنتظر المتوقف منذ سيطرة حماس على غزة فمنتص شهر حزيران الماضي.
لكن نتيجة اليوم التالي جاءت مخيبة للامال. وخرج سعيد صيام، رئيس كتلة حماس في المجلس التشريعي، ووزير الداخلية السابق في حكومة حماس، يعلن أنه تم القاء القبض على شخص كان ينوي تفجير نفسه واغتيال هنية، وأن أمين عام الرئاسة الطيب عبد الرحيم يقف وراء العملية.
الثمن الباهظ
وعلق مسؤول سابق في حماس، رفض الكشف عن هويته، في حديث لسويس انفو على تطوارات الاوضاع في غزة وقال “الوضع صعب جدا، والمشكلة تزداد تعقيدا. ليست ثمة رؤيا واضحة لدى حماس أو فتح والرئاسة، والعالم يقف صامتا، والناس الابرياء يدفعون ثمنا باهظا”.
واعتبر، ناصر القدوة، وزير الشؤون الخارجية السابق، في حديث لسويس انفو أن “الأمور قد خرجت عن نطاق السيطرة، وأنه ليس من مصلحةاسرائيل ولا أي اطرف في دفع الامور لهذه الدرجة”.
وراى القدوة أن “هناك احتمالان وحيدان، إمكانية التراجع، أو الاستمرار في التصعيد، لكني أعتقد أن احتمال التراجع هو الذي سيسود”.
وأكد رياض المالكي، وزير الاعلام في الحكومة الفلسطينية، أن الحكومة “ومنذ اليوم الاول للعدوان الاسرائيلي تحركت باتجاه الرباعية الدولية وجامعة الدول العربية للتدخل الفوري لوقف العدوان”.
وقال المالكي في تصريحات صحافية “إن الحكومة دعت الى عقد اجتماع طاريء لمجلس حقوق الانسان في جنيف، وجلسة لمجلس الامن ودول عدم الانحياز لوقف العدوان الاسرائيلي المستمر تجاه الفلسطينيين”.
وأكد المالكي أن الإغلاق الكامل للمعابر يمنع الحكومة الفلسطينية من إرسال المواد التموينية والصحية إلى قطاع غزة “نحن جاهزون لتقديم المساعدة في لحظة فتح المعابر وسنقدم المواد التموينية والغذائية كما حصل خلال الاشهر الماضية”.
وفي غضون ذلك كانت غزة تغرق في ظلام دامس بعد نفاد الوقود وتوقف محطة الكهرباء الوحيدة عن العمل. وأقفلت جميع المخابز ابوابها أمام طوابير ينتظرون الحصول على رغيف خبر.
وقال رئيس اللجنة الشعبية لمواجهة الحصار النائب جمال الخضري، إن ما يجرى في غزة “مقدمة لكارثة انسانية أكبر ستتسع في المستقبل بسبب الحصار وإغلاق المعابر ومنع دخول المساعدات والمواد الغذائية وتقليص الوقود ومنع سفر المرضى والجرحى ونقص الادوية ما تسبب في وفاة 72 مريضا بسبب منعهم من السفر”.
النتيجة
وفي الوقت الذي كانت فيه أسلحة إسرائيل الجديدة، الكهرباء والغذاء والوقود، تمعن في ضرب أهالي غزة، كان عدد الصورايخ التي تطلقها حماس يأخذ في الانحسار، وكانت تقارير، موثوقة، تتحدث عن إمكانية عودة السلطة الفلسطينية إلى معابر قطاع غزة، لاسيما معبر رفح.
وقال مسؤول رفيع، رفض الكشف عن هويته “الأمور تتحرك بعيدا في الكواليس بينما الجميع منشغلون بما يحدث على أرض الواقع في غزة. لقد تحققت تطورات في مسألة المعابر، وفهمت حماس رسالة اسرائيل (باغتيال قادتها) وهي ستتراجع عن ضرب الصواريخ”.
وثمة تفسير لهذه التطورات يشي باتجاه “انفراج” الأزمة الحالية وانخراط حماس وإسرائيل في صفقة إطلاق الجندي الاسرائيلي جلعاد شاليط مقابل الإفراج عن نواب حماس ومسؤوليها وعدد من القادة المحليين. في مقابل ذلك، ستعود الحكومة الفلسطينية للسيطرة على معابر غزة من أجل التنفيس عن السكان المحاصرين.
ومن شأن هذ التطور أن يخلق وضعا معقدا جديدا: حماس في وضع مرتاح يعيدها إلى المجلس التشريعي لمناكفة حكومة فياض والرئاسة، ليتجدد الانقسام الفلسطيني القائم حاليا وتلقي اسرائيل باللائمة على الطرفين الفلسطينيين حول وضع غزة السمتقبلي.
هشام عبدالله – رام الله
غزة (رويترز) – غرقت مناطق واسعة من غزة في الظلام الأحد 20 يناير 2008 بعدما توقفت محطة الكهرباء الرئيسية عن العمل تماما بعد أن أغلقت اسرائيل المعابر مع القطاع الذي تسيطر عليه حركة المقاومة الاسلامية (حماس) ومنعت امدادات الوقود.
وقال أري ميكيل المتحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية ان اسرائيل ذكرت ان هذا الحصار رد على الهجمات الصاروخية من غزة وان “كل شيء سيعود الى طبيعته” اذا اوقف النشطون اطلاق الصواريخ. واضاف ان اسرائيل قللت ايضا من امدادات البنزين المستخدم في السيارات وكذلك وقود الديزل لكن ليس زيت الوقود وغاز الطهو.
واصطفت طوابير امام المخابز يوم الأحد فيما قام الناس بتخزين الطعام واغلقت المصانع ومحطات البنزين بعد ان اغلقت محطة توليد الكهرباء بغزة المحرك التربيني الثاني بها.
وقال ضرار ابو سيسي المدير العام لمحطة الكهرباء ان 800 ألف شخص على الاقل باتوا الان في الظلام مشيرا الى أن ” الكارثة” ستؤثر على المستشفيات والعيادات الطبية وآبار المياه والمنازل والمصانع وجميع جوانب الحياة.
وشكك متحدث باسم وزارة الخارجية الاسرائيلية فيما اذا كان اغلاق المحطة بالكامل أمرا ضروريا مشيرا الى أن حماس لها مصلحة سياسية في التهويل من تأثير الاجراءات الاسرائيلية.
ويقول مسؤولون اسرائيليين وفلسطينيين ان غزة تستهلك نحو 200 ميجاوات من الكهرباء منها 65 ميجاوات تنتجها المحطة المحلية بينما تحصل على بقية الكمية من مصر واسرائيل. ولازالت اسرائيل تواصل امداداتها من الكهرباء.
وأحكمت اسرائيل يوم الجمعة 18 يناير حصارها للقطاع باغلاق كل المعابر الحدودية قاطعة امدادات الوقود بل موقفة المساعدات الانسانية التي تقدمها الامم المتحدة الا في حالات استثنائية. وأكد مسؤولون بالاتحاد الاوروبي الذي يمول امدادات الوقود للمحطة ان شحنة يوم الأحد تم منعها وأن الاحتياطي تم استخدامه.
وادانت الامم المتحدة يوم الجمعة هذا الاغلاق وحذرت اسرائيل من فرض “عقاب جماعي” غير قانوني ضد سكان غزة البالغ عددهم 1.5 مليون نسمة.
وقال أبو محمد أسامة وهو صاحب متجر في غزة “هكذا تريد اسرائيل غزة.. بحر من الظلام… العالم المتحضر يراقب في صمت تام”.
وأدت هجمات جوية اسرائيلية الى قتل نشطين فلسطينيين اثنين على الاقل يوم الأحد. وقتلت اسرائيل عشرات في هجمات على غزة خلال الاسبوع المنصرم في حملة مكثفة تقول انها تستهدف النشطين الذين اطلقوا نحو 230 صاروخا على بلداتها الجنوبية.
ووصف الفلسطينيون الهجوم الاسرائيلي الذي تضمن قصف مقر وزارة الداخلية التي تديرها حماس في غزة بأنه “صفعة على وجه” جهود السلام التي تدعمها الولايات المتحدة.
وقال جون جينج رئيس وكالة الامم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) في غزة في مؤتمر صحفي في القطاع ان “الظلام الذي غرقت فيه مدينة غزة الليلة دليل واضح.. يشير الى كيف اصبح الوضع ميئوسا منه الآن”.
وتوعدت حماس التي ترفض القاء السلاح والاعتراف باسرائيل بعدم وقف قتالها ضد الدولة اليهودية. ودعا سامي ابو زهري المسؤول بحماس مصر الى اعادة فتح حدودها مع غزة التي اغلقت في معظمها منذ سيطرة حماس على القطاع في يونيو حزيران وحذرت من “انفجار” اذا استمر الاغلاق.
وحث الرئيس الفلسطيني محمود عباس اسرائيل على فتح معابر غزة والسماح بدخول الوقود الى القطاع ولكنه حث الفلسطينيين على عدم اعطاء اسرائيل المبرر الذي تحتاجه لمواصلة عدوانها وحصارها. ودعا الدول العربية والمجتمع الدولي الى التدخل.
وقال متحدث باسم الجيش الاسرائيلي ان عدد الهجمات الصاروخية تراجع بشكل حاد يوم الأحد اذ لم يطلق سوى أربعة صواريخ وقذيفة مورتر على اسرائيل خلال اليوم بالمقارنة مع أكثر من 45 يومي الجمعة والسبت.
وفي مدن الضفة الغربية التي تهيمن عليها حركة فتح التي يتزعمها عباس حمل محتجون شموعا لاظهار التضامن مع سكان غزة وهم يهتفون”الله معك يا غزة”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 20 يناير 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.