في لبنان.. هل هو مأزق “حزب الله”؟
سؤالان برزا من بين لهيب الحرائق التي أشعلها الإضراب العام للمعارضة اللبنانية يوم 23 يناير، والذي أدّى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.
يتعلق الاول، بمعرفة المدى الذي قد تصل إليه المواجهات بين القوى المؤيدة والمعارضة للحكومة، أما الثاني فيبحث عن أوجه الأزمة التي يبدو أنها تتهدد حزب الله.
السؤال الأول، هل ستعني هذه المجابهات بين قوى 8 مارس (أنصار إيران وسوريا) وبين قوى 14 مارس (أنصار السعودية- أمريكا)، أن الصِّـراع في لبنان انتقل من التّـصويت بالأقدام (عبر التظاهرات السلمية) إلى التصويت بالدّم (عبر الصِّـدامات المسلّـحة)، لم يكن لا مفاجئاً ولا غريباً؟
أما السؤال الثاني، هل هذا التدهور يعكِـس في وجه من وجوهه أزمة في القوة السياسية والعسكرية الرئيسة في البلاد: حزب الله؟
السلاح والقرار
لبنان كما هو معروف، مُـدجَج بالسلاح من رأسه إلى أخمص قدميه، وليس صحيحاً أن “حزب الله”، هو التنظيم العسكري الوحيد فيه. وليد جنبلاط له ميليشياته، التي أخرجت مؤخراً أسلحتها من مخازن الجبل ومغاويره، و”القوات اللبنانية” التابعة لسمير جعجع، إسمها يدل عليها: قوات مسلحة كانت في الأصل الذراع العسكري لحزب الكتائب، وتيار المستقبل (على ما يُـشاع)، بات له أيضاً تنظميه العسكري السرّي الذي يجب أن تُـضاف إليه ميليشيات الحزب القومي السوري والبعث والمردة والتنظيمات الناصرية وفصائل المنظمات الفلسطينية… الخ.
السِّـلاح متوافر بكثرة، وهو كان في تاريخ لبنان ولا يزال، “زينة” السياسات الطائفية، كما أن الانتقال السهل والسّـريع من الصِّـراع السلمي – الطائفي إلى الصِّـدامات المسلحة، كان على الدوام “عقب أخيل” القاتل في جسد الديمقراطية اللبنانية.
وفي كل حين كانت تصِـل فيه أزمة التوازنات الطائفية إلى طريق مسدود، كان السِّـلاح هو الحكم، حدث في عام 1958 حين انقسم اللبنانيون إلى معسكرين، أحدهما أمريكي والثاني ناصري، وتكرر عام 1975 مع الانقسام بين موالين للثورة الفلسطينية ومعارضين لها، وهو يكاد يتكرّر في 2007 مع الاستقطاب بين أنصار الثورة الإيرانية وأعدائها.
لكن مهلاً. السِّـلاح في لبنان، وبرغم أنه لبنانياً، ليس شأناً محلياًً. قرار استخدامه أو حجبه في يد الدول الإقليمية والدولية، التي تدفع ثمن شرائه وصيانته وتجديده وتدريب المقاتلين عليه. وفي الأزمة الراهنة، لا يبدو أن هذه القوى اتخذت قرار دفع اللبنانيين إلى التخاطب بلغة الرصاص.
فإيران تبدو حريصة كل الحرص (حتى الآن على الأقل) على وقف انزلاق البلد إلى حرب مذهبية، تصُـب في النهاية لمصلحة خصومها الأمريكيين والإسرائيليين.
والمملكة السعودية، ومن موقع حِـرصها الدائم على إقامة علاقات متوازنة مع إيران الدولة، برغم خصومتها الشديدة مع إيران الثورة، لا تريد هي الأخرى أن يكون تدهور الوضع المذهبي في لبنان لغماً يفجَـر سياسة التوازن هذه.
هذان العاملان هما الآن الكابح الوحيد أمام انتقال الأزمة اللبنانية من أفواه السياسيين إلى فوهات البنادق، ولأنه لا يبدو في الأفق القريب أن أياَ من الطرفين في وارد دفع “زبائنه” المحليين اللبنانيين إلى حسم الصِّـراع على السلطة بالقوة، سيبقى الوضع اللبناني يتأرجح على شفير الهاوية، بدون أن يقع فيها، إلى حين تبلوُر الصِّـراعات الإقليمية – الدولية، سلباً أو إيجاباً.
أما الضحايا من القتلى والجرحى الذين سقطوا في الإضراب العام الأخير، فيُـمكن وضعهم في خانة “المضاعفات غير المحسوبة” والتي طوّقَها سريعاً قرار حزب الله بوقف التصعيد.
هل يعني كل ذلك أن هذه الأحداث الدموية لم تدخل لبنان في دائرة الخطر؟ كلا، لكنها لن تدخله من البوابة التي تنصب عليها كل الأضواء الآن، وهي بوابة فؤاد السنيورة في بيروت، بل من أخرى غير مرئية: بوابة فاطمة في الجنوب! وهذا ما ينقلنا إلى السؤال الثاني: طبيعة الأزمة التي يعيشها حزب الله.
الجنوب، الجنوب
المعلومات الشحيحة المتدفِّـقة من بقعة الجنوب الإستراتيجية، والتي كانت قبل 12 يوليو 2006 البؤرة الرئيسية للصِّـراعات الدولية – الإقليمية والمعقل الرئيسي لحزب الله، تشير إلى الآتي:
– التركيبة التي رست عليها القوات الدولية (اليونيفيل)، التي تدفقت على الجنوب، استنادا إلى القرار 1701، تتكوّن في مُـعظمها من دول منظمة حلف شمال الأطلسي (خاصة فرنسا وإيطاليا اللّـتين تُـسيطران على بر شمال الليطاني، وألمانيا التي تُـهمين على كل البحر اللبناني)، وبالطبع، إيران وإلى حدٍّ ما سوريا، قد لا تقبلان طويلاً بخسارة الجنوب على هذا النحو، خاصة في إطار الصراع الراهن مع الغرب.
– برغم ذلك، يبدو “حزب الله” (وهنا وجه الإثارة)، أكثر الأطراف اللبنانية حِـرصاً على عدم تفجَـر الوضع في الجنوب، وهذا لدافع مقنع: إنه لا يريد منح إسرائيل فرصة لاستئناف الحرب بهدف استعادة هيبتها من ناحية، ولأنه حريص على ألا يتعرّض سكّـان الجنوب إلى مؤامرة تهجير جديدة، قد تقذف بهم هذه المرة إلى العراق، كما ألمح إلى ذلك السيد حسن نصر الله مؤخراً من ناحية أخرى.
– الخطر من احتمال التفجير، يأتي من تنظيم “القاعدة” ومن تنظيمات أصولية أخرى متطرفة في طرابلس وبعض أريافها، والتي يُـقال أنها تُـخطط للقيام قريباً بعمليات انتحارية في الجنوب، لدفع القوات الأطلسية إلى الانسحاب من هناك.
المعلومات حول هذه النقطة الأخيرة موثوقة ومؤكدة، وهي تتقاطع مع معلومات أخرى تربط ربطاً وثيقاً بين ما سيجري في العراق بعد الفشل المتوقّـع للخطّـة العسكرية الأمريكية الجديدة هناك، وبين ما قد يجري في لبنان عبر بوابة الجنوب.
وإذا ما أضفنا إلى ذلك حقيقة أن الدولة العبرية تؤكّـد أناء الليل وأطراف النهار أنها قد تستأنف حرب الأسيرين خلال الصيف المقبل، ربما تتّـضح أمامنا الغابة الحقيقية التي تختفي وراء شجرة الأزمة اللبنانية الراهنة، وهي، كما هو واضح، غابة يعيش وسطها أسد إسمه حزب الله في وضع دقيق وحرج، لن تستطيع أزمات بيروت التي يخوضها هذا الأخير هناك إغفالها طويلاً. فالمسألة بالنسبة له، مسألة دور ومبرّر وجود.
سعد محيو – بيروت
باريس (رويترز) – قال مسؤولون أمريكيون يوم الأربعاء 25 يناير، إن الولايات المتحدة ستتعهد بتقديم حوالي 770 مليون دولار من المساعدات للبنان في محاولة لدعم رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة في الصراع على السلطة بينه وبين جماعة حزب الله. وتتطلب هذه الأموال موافقة الكونغرس الأمريكي، وستساعد في تمويل دعم الميزانية وتوريد معدات عسكرية ومشروعات لإعادة بناء مرافق البنية الأساسية التي تدمرت في الحرب بين إسرائيل ومقاتلي حزب الله العام الماضي.
وقالت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس للصحفيين في طريقها إلى باريس للمشاركة في مؤتمر للمانحين الدوليين يوم الخميس 25 يناير “الرئيس سيطلب من الكونغرس 770 مليون دولار دعما للبنان”، وقد يجمع مؤتمر باريس مليارات الدولارات لمساعدة لبنان.
وتأمل الولايات المتحدة أن تعزز هذه الأموال السنيورة وهو مسلم سني. ويسعى حزب الله الشيعي إلى الإطاحة بحكومته المدعومة من الغرب، وكانت واشنطن تعهّـدت العام الماضي بتقديم معونات قيمتها 230 مليون دولار إلى لبنان.
ويوم الثلاثاء 23 يناير، سد محتجّـون يريدون الإطاحة بحكومة السنيورة الطرق في لبنان بالإطارات المحترقة، الأمر الذي فجّـر اشتباكات، قُـتل فيها ثلاثة أشخاص وأُصيب 133 آخرون بجِـراح.
وقالت رايس للصحفيين المسافرين معها: “أحداث الأمس تزيد من أهمية رسالة من المجتمع الدولي، مفادها انه يدعم حكومة لبنان المنتخبة انتخابا ديمقراطيا، وأنه يجب ألا يكون هناك عنف أو محاولات تخويف لجعل الحكم أكثر صعوبة على رئيس الوزراء”. وقالت عن الاحتجاجات “إنها محاولة للاستفزاز، انها محاولة للتخويف”، ووصفتها بأنها “لا تبالي بالعواقب”، واضافت قولها “رئيس الوزراء السنيورة في طريقه إلى باريس واعتقد أن هذا دليل على أن حكومته لا تخاف”. وسُئلت رايس هل لدي حزب الله القدرة على إسقاط السنيورة، فقالت “إني أفترض أنهم لا يريدون أن يهوي لبنان في غِـمار صراع مفتوح وقتل كثير من الأبرياء لمتابعة السعي وراء أهدافهم السياسية”.
وقال مسؤول أمريكي رفيع، طلب ألا ينشر اسمه، إن الأموال الأمريكية ستتضمن 250 مليون دولار من التحويلات النقدية إلى حكومة لبنان، التي ستكون مرتبطة بالإصلاحات، وأضاف المسؤول، أن الشروط لم تتحدد بعد، لكنها قد تتضمن زيادة الضرائب وتخفيض الدعم الحكومي للسلع واتخاذ خطوات لتقوية الحكم. وقال إن 220 مليون دولار أخرى ستساعد الجيش اللبناني، ربما من خلال تمويل بنود مثل ذخائر الأسلحة الخفيفة والمركبات وقطع الغيار والتدريب، وأضاف أن الولايات المتحدة ستقدم أيضا 184 مليون دولار لدعم البعثة الدولية لحفظ السلام في لبنان و60 مليون دولار لتدريب وتجهيز قوات الأمن و50 مليون دولار لتمويل مشروعات متصلة بالاعمار و5.5 مليون دولار لإزالة الألغام.
وقالت رايس إنها تعتقد إن لبنان سينفذ الإصلاحات الاقتصادية على الرغم من عجزه عن أن يفعل هذا في الماضي ومن الضعف السياسي لحكومة السنيورة، وأضافت “لن يكون الأمر سهلا، لكني أرى أيضا أن هذه الحكومة أظهرت جلدها وأظهرت قدرتها على أن تتحلى بقدر كبير من الحزم والشدة، وقد أظهرت ذلك خلال الحرب”.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 25 يناير 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.