مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قبل شهر من القمة: استعدادات، وضغوط، وانتظارات

ساهمت مرحلة الإعداد للشطر الثاني من القمة في تونس في تسليط مزيد من الأضواء على أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في البلاد Keystone

تتواصل الاستعدادات في تونس لاستقبال ما لا يقل عن 17 ألف مشارك، سيقدمون من مختلف دول العالم، للمشاركة في الشطر الثاني من قمة مجتمع المعلومات، التي تفتتح أشغالها يوم 16 نوفمبر المقبل.

ويتفق المراقبون على القول أن المرحلة الثانية من هذه القمة لا تزال تثير الجدل، وذلك لاعتبارين اثنين على الأقل.

يتعلق أولهما بالخلاف المستمر بين الولايات المتحدة التي أصرّت على أن تبقى المتحكمة في عملية تدفق المعلومات من جهة، وبين عدد واسع من الدول، خاصة بعد التغيير المفاجئ في الموقف الأوروبي، من جهة أخرى.

وبما أن هذا الخلاف لا يتعلق بمسائل تقنية، بل يمس قضايا جوهرية، فقد تقرر أن يعقد اجتماع تحضيري إضافي قبل ثلاثة أيام من انطلاق القمة في محاولة أخيرة للتوصل إلى وفاق، بعد أن فشل الإجتماع التحضيري الثالث للقمة الذي انعقد في جنيف في النصف الثاني من شهر سبتمبر الماضي في تحقيق ذلك.

أما العامل الثاني الذي أضفى على هذه القمة صبغة خاصة، إعلاميا وسياسيا، فإنه يتعلق بالجدل الذي لا يزال مستمرا حول أوضاع الحريات وحقوق الإنسان في البلد المضيف.

فالحملة التي تقوم بها منذ عدة أشهر عشرات المنظمات غير الحكومية، المحلية والدولية، من أجل الضغط على النظام التونسي عسى أن يراجع سياسته في هذا المجال، ازدادت حدّة على إثر الإجراءات الزجرية الأخيرة التي اتخذتها السلطة ضد عدد من منظمات المجتمع المدني المحلية.

رهان أساسي

أصبحت تونس معروفة بخِـبرتها الواسعة في تنظيم المؤتمرات الإقليمية والدولية، ولهذا تم منذ أشهر تشكيل لجنتين، الأولى يرأسها وزير تكنولوجيات الاتصال، وقد تولّـت إعداد محتوى المشاركة الرسمية التونسية في القمة.

أما اللجنة الثانية التي يتولى السيد الحبيب عمار الإشراف عليها، فتختص في الإعداد المادي واللوجستي. وقد تم بالتعاون مع الأمم المتحدة والاتحاد الدولي للاتصالات (وهي المؤسسة الأممية التي سبق لها أن أشرفت على المرحلة الأولى من القمة التي عقدت في جنيف في ديسمبر 2003)، وضع خطة متعددة الاختصاصات، وذلك من حيث إعداد الفنادق وأماكن الاستضافة، وقاعات الاجتماعات التي تم تركيزها في قصر المعارض بضاحية الكرم القريبة من وسط العاصمة التونسية، ووسائل النقل، وتنظيم عملية التسجيل، وتسخير فضاء فسيح للإعلاميين، تغطي مساحته 3600 متر مربع.

وقد تمت برمجة 289 نشاط مواز، من بينها معارض للقطاع الخاص، واحتضان 250 عارضا و144 رواقا للعرض، بعد أن تأكدت حتى الآن مشاركة 64 بلدا، حسب مصادر لجنة الإعداد المادي للقمة.

كما وضعت خطة أمنية تعتبر الأضخم من نوعها في تاريخ البلاد لضمان السير العادي للقمة، وحماية كبار الشخصيات، التي يُـفترض بأن تقود الوفود الرسمية، حيث يتوقع رئيس اللجنة مشاركة خمسين رئيس دولة، منهم ثلاثون قد أكّـدوا حضورهم.

وبالرغم من أن أرئيل شارون لن يكون من بين المشاركين، حسبما ذكر الوزير الأول التونسي محمد الغنوشي، فإن الطلبة وتلاميذ المدارس قد يتمتعون بإجازة لبضعة أيام تحسّـبا لأية تحركات مضادة تبقى مُـحتملة.

كما أن تونس العاصمة والطرق الرئيسية التي تربطها بالضواحي الإستراتيجية، ستخضع لعملية تأطير دقيقة، ستشل المدينة بشكل شبه كامل، مما سيجعل أي نشاط مضاد واحتجاجي شبه مستحيل.

ورغم أهمية الجانبين، التنظيمي والأمني في مثل هذه المناسبات، إلا أن الرهان الأساسي للقمة هو في العمق رهان سياسي ببعديه، المحلي والدولي. ولعل هذا الجانب الذي أصبح يشغل كثيرا المسؤولين في تونس، لم يكن واضحا بالقدر الكافي عندما حرصت الحكومة على استضافة المرحلة الثانية من القمة.

وقد برز هذا الجانب في البداية، عندما تمّ توجيه الدعوة لرئيس الوزراء الإسرائيلي. تلك الدعوة التي هزّت وجدان التونسيين، وولّـدت ردود فعل واسعة، كادت أن تتحوّل إلى حركة احتجاج ذات طابع شعبي.

أما الجانب الثاني من الرهان السياسي، فقد غذته المنظمات غير الحكومية المختصة في الدفاع عن حرية التعبير وانتقال المعلومات وحقوق الإنسان. وبعد أن فشلت بعض هذه الجمعيات في إقناع المجتمع الدولي بضرورة استبدال مكان عقد القمة، أو على الأقل دفع النظام التونسي نحو تغيير رئيس لجنة الإعداد المادي (الحبيب عمار) بحجة مسؤولياته السياسية السابقة، ظنت الجهات الرسمية التونسية بأنها قد همشت نهائيا دور هذه المنظمات، لكن ما حدث فيما بعد، أظهر أنه من الخطأ التقليل من أهمية تلك الجمعيات التي تمكّـنت في حالات أخرى من دفع أنظمة عديدة إلى التراجع عن سياساتها المتشددة.

الانضباط وتنفيذ التعهدات

لقد حدث ما لم يكن في الحسبان، حيث قرّر النظام قبل فترة وجيزة من موعد القمة أن يحشر عددا من منظمات المجتمع المدني التونسي في الزاوية، ويستعمل معها العصا الغليظة تحت سمع وبصر المجتمع الدولي الذي أصيب بالذهول.

ومع ما حدث في اجتماع جنيف الأخير من تجاوزات وأخطاء قام بها بعض الذين كلفوا بالدفاع عن السياسة الرسمية، توالت ردود الفعل الدولية بشكل بدأت تُـثير مخاوف الأوساط الحكومية، رغم حِـرص النظام على أن يبدو في مظهر الواثق من نفسه أو غير العابئ بما يجري حوله.

فالرسالة التي تلقتها السلطات التونسية من الدول الغربية المجتمعة في جنيف، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، ودول الاتحاد الأوروبي، وأستراليا وسويسرا وغيرها تضمّـنت دعوة تونس للانضباط وتنفيذ التعهدات السابقة باحترام مشاركة المجتمع المدني، بعيدا عن مختلف أشكال الضغوط.

نفس الطلب تكرر بشكل صريح على لسان “بينيتا فيرارو والدنر”، المفوضة الأوروبية المكلفة بالعلاقات الخارجية وسياسات الجوار للاتحاد الأوروبي، التي زارت تونس مؤخرا (13 أكتوبر)، وأعلنت في مؤتمر صحفي أن “هناك عدة تحديات على تونس القيام بها، أبرزها مسألة حقوق الإنسان والديمقراطية، وحرية التعبير وإصلاح القضاء”.

جاء هذا التصريح مختلفا عن تلك المجاملات التي تعوّد التونسيون على سماعها من المبعوثين الأوروبيين، رغم تأكيد “والدنر” على أن تونس “تمثل نموذجا في المنطقة بالنسبة لوضعية المرأة”، وأنها حققت “تقدما هائلا في المجال الاقتصادي والاجتماعي”.

لكنها في المقابل، أعلنت استعداد أوروبا لمواكبة تونس لمتابعة إصلاحاتها “ولاسيما منها الإصلاحات السياسية”.

وقد سبق لوزير الخارجية الفرنسي أن أكّـد خلال زيارته الأخيرة لتونس، بعد إلتقائه بممثلي المجتمع المدني، أن “حقوق الإنسان لم تعد مسألة داخلية، بل صارت ذات أبعاد عالمية، وتدخل ضمن المبادئ المشتركة التي تقوم عليها علاقات تونس بفرنسا”.

وبعد الرسالة التي تلقاها كوفي أنان من ممثلي منظمات المجتمع المدني العالمي قبل مغادرتهم جنيف (في 1 أكتوبر)، والتي حثّـوهم فيها على التدخل لدى السلطات التونسية لتحترم تعهداتها، دعا أمبايي ليغابو، المقرر الخاص لحقوق حرية الرأي والتعبير (التابع للجنة حقوق الإنسان الأممية) تونس على “الإفراج دون شروط عن كل سجناء الصحافة وسجناء الرأي والسماح بالممارسة الكاملة لحرية الرأي والتعبير في البلاد”.

وتتوقع مصادر دبلوماسية غربية أن الضغوط على الحكومة التونسية ستزداد خلال الفترة القادمة لإقناعها بأهمية رفع القيود عن منظمات المجتمع المدني المحلية، حتى تنعقد القمة في أجواء بعيدة عن التوتر، خاصة وأن المنظمات غير الحكومية الدولية قد هدّدت بتنظيم اجتماع مواز مضاد للقمة في مكان آخر، إذا استمر الوضع التونسي على ما هو عليه.

تعديل الأسلوب

الوقت يمضي بسرعة، ولم يبق سوى أسابيع قليلة، في حين لم يُـبدِ النظام التونسي أي تغيير ملموس في مواقفه. وفي هذه الأجواء المشحونة، التي يسودها الترقب والحيرة، يقوم أعضاء الحكومة التونسية بحملة داخل البلاد تهدف إلى طمأنة التونسيين، بمن فيهم أعضاء الحزب الحاكم بأن كل شيء يجري على أفضل ما يُـرام، وأن قمة تونس ستشكل منعرجا في مسار الحد من تداعيات الفجوة الرقمية، بل أن بعض هؤلاء المسؤولين طالب المواطنين بعدم تصديق الإشاعات التي راجت بكثافة خلال الأيام الأخيرة، وزادت من إرباك الرؤية.

ومع ذلك، لا يستبعد البعض أن تتخذ بعض القرارات السياسية، التي من شأنها أن تُـحدث شيئا من الانفراج العام، ولو بصفة وقتية. ولعل استقبال وزير العدل لعميد المحامين بعد مواجهة حامية استمرت عدة أشهر، اعتبره المتفائلون مؤشرا على احتمال وجود إجراءات أخرى تقلل من حالة الاحتقان، مثل الإفراج عن بعض المعتقلين السياسيين من أنصار حركة النهضة أو إنهاء معاناة مجموعة شبان جرجيس المحكوم عليهم في قضية لها علاقة بحرية الإبحار في شبكة الإنترنت.

هذا ما تنتظره أغلبية الحكومات الغربية الصديقة للنظام التونسي لتتخلص بدورها من حالة الإحراج أمام منظماتها غير الحكومية. فالأولوية عند الكثير من هذه الحكومات، ليس فرض إصلاحات سياسية جوهرية على النظام التونسي، وإنما كل ما تأمله من حليفها، تعديل الأسلوب وعدم ترك الكأس فارغا.

صلاح الدين الجورشي – تونس

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية