قبل عام ونصف من الانتخابات.. الرئيس بن علي يختار منافسيه
كشف الرئيس التونسي زين العابدين بن علي - في خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى 52 للاستقلال - عن الشروط التي سيقع التنصيص عليها بالدستور التونسي لقبول أو رفض المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة التي ستنظم في شهر نوفمبر من سنة 2009.
هذه الشروط لا تنطبق على السيد نجيب الشابي، القيادي في الحزب الديمقراطي التقدمي المعارض وتقصيه نهائيا من سباق معروف الفائز فيه سلفا. وهو ما اعتبره الشابي وآخرون “تعديلا وضع على القياس بهدف منعه من الترشح”.
جاء في الخطاب أن الترشح لرئاسة الجمهورية سيقتصــر فقــــط عــلــى “المسؤول الأول عن كل حزب سياسي سواء كان رئيسا أو أمينا عاما أو أمينا أول لحزبه شريطة أن يكون منتخبا لتلك المسؤولية، وأن يكون يوم تقديم مطلب ترشحه مباشرا لها منذ مدة لا تقل عن سنتين متتاليتين منذ انتخابه لها”.
وبما أن الشابي قد تخلى في المؤتمر الأخير للحزب الديمقراطي التقدمي عن منصب الأمانة العامة لكي يتفرغ لمنافسة الرئيس بن علي، فإن هذا التعديل جاء ليحبط هذا المسعى، ويضع جدارا إسمنتيا في وجه الذي لم يكن طامعا في خوض انتخابات تنافسية حقيقية، لكن كان ينوي أن يتوج حياته النضالية بخوض معركة سياسية ضد أقوى رجل في البلاد.
ليست هذه المرة الأولى التي يصطدم فيها هذا المحامي المثقف والسياسي الذي تميزت مسيرته بخوض سلسلة من التجارب التنظيمية والأيديولوجية الثرية والمتنوعة. فقبل الانتخابات السابقة التي نظمت عام 2004، عبر عن نيته للترشح، وإذا بالتعديل الدستوري الذي وضع بالمناسبة اشترط بشكل متعمد أن يكون المرشح مسؤولا قياديا في حزب له على الأقل عضو بالبرلمان.
وبما أن حزب الشابي لا ينطبق عليه هذا الشرط، فقد حرم من فرصة المشاركة. وبالرغم من ذلك، أصر على تحدي القانون في محاولة لجمع المعارضة وراءه، لكن الأغلبية يومها لم تشاطره التحليل، وفضلت أن تساند مرشح “حركة التجديد” في مسعى لبناء قطب ديمقراطي. وفي آخر لحظة، قرر الشابي إعلان الانسحاب.
خُطة مغايرة .. ولكن
هذه المرة وضع خطة مغايرة، حيث عمل على الشروع مبكرا في حملة انتخابية هدفها إحراج السلطة، وجمع أقصى عدد من المؤيدين لحقه في الترشح، مما يجعل منه منافسا مدعوما ومحرجا.
لكن لم يمض على الشروع في تنفيذ خطته سوى أسابيع قليلة، حتى جاء الخطاب الرئاسي ليضعه من جديد “في حالة تسلل” على حد تعبير الرياضيين. وهكذا وجد نفسه مجددا وقبل حلول الموعد بوقت طويل أمام خيارين قاسيين: إما مواصلة السباحة في فراغ، أو إعلان الانسحاب مرة أخرى من منطقة تحكمها قواعد لعبة متحركة.
البعض يتحدثون عن خيار ثالث لم يكن واردا في المرحلة السابقة، وهو ترشيح الأمينة العامة للحزب، مية الجريبي، التي لم تكن مهيأة لكي تلعب هذا الدور. فالتعديل الدستوري الجديد لم يستثنيها كما استثنى الشابي. وربما، لو انتقلت الراية إليها، أن تكون المرأة الأولى في تاريخ تونس التي تترشح للانتخابات الرئاسية وتنافس ثاني رئيس عرفته البلاد منذ أكثر من نصف قرن.
ونظرا لرمزية المسألة النسائية في تونس والعالم العربي، فإن هذا الترشيح قد يضفي على الانتخابات الرئاسية القادمة شيئا من الحيوية التي تبخرت بعد قرار إقصاء الشابي. كما أن ذلك قد يخفف من صراعات ومناكفات طالما ساهمت في مزيد إضعاف صفوف المعارضة الديمقراطية. وهكذا قد تجري الرياح بما لا يشتهي السَّفن، فتتغير الأدوار والوجوه، ويبقى التحدي والسعي المشروع لإثبات الذات.
هذا الاحتمال غير وارد من وجهة نظر المعنية بالأمر، مية الجريبي، التي انتقدت مشروع التعديل وأكدت في تصريح لسويس أنفو أن حزبها لا ينوي تغيير مرشحه ولا يفكر في تعديل إستراتيجيته.
واعتبرت أن توجها من هذا القبيل سيكون بمثابة “الاستخفاف بمناضلي الحزب وبالمواطنين”. إذ “بعد أكثر من خمسة شهور من النقاش الداخلي الذي أفضى إلى اختيار الأخ نجيب الشابي، هل يعقل أن نتخلى عن ذلك بحجة أن الرئيس بن علي الذي يجمع بين الخصم والحكم قد قرر أن تكون المرشحة مية الجريبي وليس غيرها؟”.
ورأت في ذلك “تدخلا مرفوضا في استقلالية قرار الحزب”. لكن بسؤالها عما ينوون القيام به حاليا، أكدت بأن الحزب قرر خوض “معركة سياسية حقيقية من أجل الدفاع عن حق مرشحنا وعن سيادة قرارنا”. كما يعتزم الحزب دعوة جميع القوى السياسية لدعمه في هذه الحملة.
عودة إلى مرشح “التجديد”؟
تشترك التعديلات الدستورية التي تمت والخاصة بإضفاء مسحة من التعددية على الانتخابات الرئاسية وحتى التشريعية في مسألتين على الأقل: الأولى تعكس ميزان القوى السائد وتكرسه من خلال المحافظة عليه، وثانيا تنتقي التعديلات المشاركين “المناسبين”، وتضع الأحزاب أمام خيارات محددة. ولهذا، حتى المخالفين لنجيب الشابي وجزء هام من خصومه لم يستحسنوا عملية الإقصاء.
في هذه المرة، وخلافا للمرة السابقة (2004)، تم حصر المرشحين في رؤساء الأحزاب فقط، وذلك بعد دراسة دقيقة لجميع الاحتمالات الخاصة بهذا الظرف. فاللجنة التي أعدت مشروع التعديل درست أوضاع الأحزاب المشاكسة، وبحثت عن القاسم المشترك، ثم قيدت المشاركة بطريقة تلغي احتمال حصول أي مفاجأة قد تصبح خارج السيطرة.
وهكذا تمت إعادة الكرة من جديد إلى “حركة التجديد” التي سبق أن كان مرشحها عنـوان كتلــــة “المبادرة الديمقراطية” التي أضفت نكهة مغايرة على الانتخابات الرئاسية السابقة. وفي صورة إحجام رئيسة الحزب الديمقراطي التقدمي، يكون الأمين الأول لحركة التجديد، السيد أحمد إبراهيم، هو المرشح الوحيد الممكن من الناحية القانونية بالنسبة للأحزاب أو الأوساط السياسية التي لا تربطها علاقات بالسلطة.
في هذا السياق، عبر السيد حاتم الشعبوني، عضو أمانة حركة التجديد، عن أسف الحركة للإقصاء الذي تم وحال “دون تمكين شخصيات تتمتع بالمصداقية والإشعاع من حق الترشح”، لكنه أكد في الآن نفسه على أن حزبه ليس من دعاة المقاطعة، وأنه في الوقت الذي يساند من الناحية المبدئية حق الشابي في الترشح، إلا أنه قد يختلف معه من الناحية العملية، حيث ستتمسك حركة التجديد بمبدأ المشاركة، وقد تدرس احتمال دعوة المعارضة والأوساط الديمقراطية من جديد للالتفاف حول مرشح مشترك “وإن كان ذلك أمرا لا يزال سابقـا لأوانه”.
سيناريو 2004
إن ردود الفعل المسجلة هنا وهناك، من شأنها أن تدفع في اتجاه إعادة سيناريو الانتخابات الرئاسية السابقة. صمود سياسي من قبل المحامي نجيب الشابي لمدة لن تتجاوز خمسة أشهر، لكنه سيضطر بعد إجراء التعديل إلى الانسحاب حيث لن يكون لتمسكه بحق الترشح أي معنى من الناحية القانونية. وعندها سيتجدد الجدل مرة أخرى حول مدى استعداد الأوساط الديمقراطية للالتفاف حول مرشح حركة التجديد، خاصة بعد أن ألغى مشروع التعديل الدستوري احتمال ترشيح الاقتصادي اليساري محمود بن رمضان، وهو احتمال راج خلال الأسابيع الماضية.
أما بالنسبة للمرشحين المحتملين من قبل رؤساء الأحزاب التي ليست في قطيعة مع النظام، فيأتي في مقدمتهم المرشح السابق للرئاسيات، السيد محمد بوشيحة، الأمين العام لحزب الوحدة الشعبية، إلى جانب الأمين العام للحزب الاتحاد الوحدوي الديمقراطي، السيد أحمد اليانوبلي، إلى جانب رئيسي حزبين صغيرين هما السيدان منذر ثابت (الحزب الاجتماعي التحرري) والمنجي الخماسي (حزب الخضر للتقدم الذي تم الاعتراف به بتاريخ 3 مارس 2006).
أما السيد إسماعيل بولحية، رئيس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، التي تضم أهم مجموعة برلمانية بعد الحزب الحاكم، فإنه فيما يبدو لا ينوي تغيير موقفه السابق، وهو رفض الزج بنفسه في الرئاسيات، في صورة بقائه على رأس الحركة. أما إذا لم يجدد ترشحه في المؤتمر القادم للحركة – وهو احتمال ضعيف – فإن من سيخلفه لن يتمكن قانونا من الترشح.
“الملعب صغير جدا”
بناء على ما تقدم، يكون الرئيس بن علي، بالتعديلات التي أعلن عن إدخالها على الدستور، قد وضع الإطار القانوني والسياسي الذي سيحكم الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو ما جعل البعض يؤكد بأن الانتخابات قد انتهت من قبل سنة ونصف من موعدها، وآخرون يرون فيما تم الإعلان عنه دليلا إضافيا على صحة دعوتهم إلى المقاطعة ونفض اليد من إمكانية تغيير السلطة لسياستها.
أما الدكتور خليل الزاوية، عضو المكتب السياسي لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، فقد اعتبر أن “الأصل هو أن تفكر المعارضة في الوسائل التي من شأنها أن تدفع بالمواطن إلى التفكير في الشأن العام”.
ولا يكون ذلك من وجهة نظره بـ “المرور ضرورة عبر الرئاسيات، وإنما بالتشديد على تحسين الظروف التي ستجري فيها الانتخابات، وكذلك بأن تخوض المعارضة الانتخابات التشريعية القادمة، والتي ستجري بشكل مواز مع الانتخابات الرئاسية، في ظل جبهة موحدة”.
هكذا تستمر اللعبة السياسية في تونس داخل ملعب صغير جدا، تحكمه قواعد تتغير من محطة انتخابية إلى أخرى، لكن في كل الأحوال هناك لاعب رئيسي ومنتصر وحيد ودائم عبر الضربة القاضية.
صلاح الدين الجورشي – تونس
تونس (رويترز) – أعلن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي يوم الجمعة 21 مارس 2008 عن نيته في تنقيح الدستور خلال الانتخابات الرئاسية التي ستجري العام المقبل بشكل سيقصي آليا أبرز معارضيه، أحمد نجيب الشابي، الذي أعلن ترشح نفسه لخوض هذا السباق.
وقال بن علي يوم الجمعة في كلمة بمناسبة الذكرى السنوية 52 لعيدي الاستقلال والشباب، أن الترشح لانتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر تشرين الثاني المقبل سيقتصر بالنسبة للاحزاب التي لا تمتلك عددا أدنى من النواب (20 نائبا) على زعماء الاحزاب المنتخبين منذ ما لا يقل عن عامين وهو ما يقصي الشابي بصفة آلية.
وفي ديسمبر كانون الاول عام 2006، أعلن الشابي تخليه عن منصبه أمينا عاما للحزب الديمقراطي التقدمي لمية الجريبي ليعلن الشهر الماضي عن ترشيح نفسه للانتخابات الرئاسية المقبلة.
وقال بن علي في خطابه إنه “في صورة عدم توفر شرط تقديم المترشح من قبل عدد ادنى من النواب..سندرج تنقيحا وبصورة استثنائية بالنسبة للانتخابات القادمة امكانية ان يترشح لرئاسة الجمهورية المسؤول الاول عن كل حزب..شريطة ان يكون منتخبا لتلك المسؤولية.”
وجاء هذا الاعلان بينما يقوم الشابي (60 عاما) – وهو ابرز معارضي حكومة بن علي – بحملة انتخابية في نفطة باقصى الجنوب التونسي لحشد التأييد.
وفي تونس تسعة أحزاب من بينها سبعة ممثلة في البرلمان بينما هناك حزبان ليس لهما اي نائب وهما الحزب الديمقراطي التقدمي والتكتل من اجل العمل والحريات.
وقال الشابي لرويترز عبر الهاتف معلقا عن نية تنقيح الدستور “القانون معد على المقاس لاقصائي انا شخصيا من الانتخابات وهذا غير معقول..انا مستاء جدا.”
لكن التعديل الدستوري المقرر سيتيح لمية الجريبي الامينة العامة للحزب التقدمي الديمقراطي الترشح لانتخابات الرئاسة ان رغبت في ذلك اذ ان التعديل الدستوري يمكن الامين العام للاحزاب غير الممثلة في البرلمان من تقديم ترشحه بعد عامين من تاريخ انتخابه.
وانتخبت مية أمينة عامة للحزب في ديسمبر 2006 ويمكنها ان تقدم ترشيحها نهاية هذا العام اذار رغبت في خوض معركة الرئاسة.
وفاز بن علي الذي يحكم البلاد منذ 1987 بنسبة 94.4 بالمئة من الاصوات لكن بن علي لم يحدد حتى الآن ان كان سيترشح للانتخابات المقبلة رغم مناشدات متكررة من حزب التجمع الدستوري الديمقراطي الحاكم.
(المصدر: وكالة رويترز بتاريخ 21 مارس 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.