مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

قراءة سياسية في القانون الانتقالي العراقي

رغم حرص أعضاء المجلس الإنتقالي على إبراز الحفاوة الشديدة بالتوقيع على نص الدستور المؤقت إلا أن ملامح "العراق الجديد" لا زالت غائمة Keystone

لم يجف حبر التوقيعات على "قانون الدولة المؤقت" حتى أبدى العديد من أعضاء مجلس الحكم الإنتقالي العراقي تحفظاتهم بشأنه، أو اعتراضات على بعض مواده.

وبغض النظر عن مدى معقولية الإعتراضات المثارة، فقد كشفت المناقشات حول قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية عُـمق الانقسام الحاصل بين الفصائل العراقية المختلفة..

بصرف النظر عن مقدار المعقولية في اعتراضات أعضاء مجلس الحكم الإنتقالي العراقي الذين أبدوا، حتى بعد أن وضعوا تواقيعهم عليه، تحفظاتهم بشأنه، فقد كشفت المناقشات حول قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية عُـمق الانقسام الحاصل بين الفصائل العراقية المختلفة، مما يمكن اعتباره نقطة فاصلة تؤذن بانفراط التوافق السياسي المرحلي أو التكتيكي الذي أملته ظروف معارضة نظام الرئيس السابق والتصدي له.

ويُـمكن اعتبار وثيقة الدستور المؤقت أيضا النقطة التي يُـمكن تأشيرها انتظارا للزمن المقبل، بمعنى انتظار ما سيندلق من صراعات بين الأقطاب الأساسيين الذين وضعوا وراء ظهورهم كل التوافقات والمواثيق والاتفاقيات الجانبية السرية منها والعلنية التي تم التوصل إليها خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية بين التيارين الكردي والشيعي اللذين كانا يمثلان العمود الفقري لهيكل المعارضة العراقية في الخارج، مما يعني أن الزمن المقبل، وخاصة عندما تبدأ مناقشة تفاصيل الدستور الدائم المقبل والصلاحيات وتقاسم النفوذ، سيكون صعبا وقاسيا، بل ودراماتيكيا في بعض الأحيان.

ومن أبرز ما يُـمكن تسجيله هنا، التصريحات التي أدلى بها وزير خارجية مجلس الحكم الإنتقالي العراقي، والتي قال فيها “إن عدم التوقيع على القانون كان استجابة لضغوطات خارجية”، الأمر الذي يفصح عن عمق الأزمة الناشبة خلف الستار.

انتصار أمريكي

ويبدو أن مجلس الحكم الإنتقالي العراقي بدأ يدخل في مرحلة الخلافات الجدية، حيث يتوقع عدد من المراقبين أن تتحول التعددية التي يحفل بهاإلى عبء على بعض القوى فيه، وهو ما قد يدفع البعض إلى عدم السماح بتمرير أي شيء دون استشارة أطراف غير مرئية في كادر الصورة وليست ضمن إطارها، لكنها، بالضرورة، مؤثرة إلى حد كبير وفاعلة تماما.

كما كشفت بعض بنود القانون، وخاصة الفقرة (ج) من المادة الحادية والستين، عن انعدام الثقة بين مكونات الشعب العراقي أو ترسيخ انعدام الثقة بينها، وهي ظاهرة مثير ة للقلق حيث كان من المفترض أن يعمل مجلس الحكم الإنتقالي العراقي على بناء المزيد من الجسور بين ألوان الطيف العراقي، خاصة وهو يؤسس لعراق جديد بكل تفاصيله.

ويمكن القول أن التوقيع على قانون إدارة الدولة الانتقالي مثَّـل انتصارا واضحا للموقف الأمريكي الذي رفض، بإخراج ديمقراطي، السماح لأي طرف مهما كان حجمه وثقل وزنه بلي الذراع الأمريكية التي يبدو أن البعض تناسى كونها الأقوى، وأنها الحاكمة فعلا في العراق الجديد.

ومن دون شك، فقد ألحقت هذه الخطوة بعض الضرر بمكانة المرجع الشيعي الأعلى آية الله العظمى علي السيستاني، ووجّـهت له ضربة هي الثانية، خلال أسابيع، بعد أن كانت قطعت الطريق على دعوته للانتخابات العامة قبل تسليم السلطة للعراقيين التي أسقطتها بإعلان الأمم المتحدة استحالة إمكانية تنظيمها في الأشهر المقبلة.

وبالتأكيد، فإن سلطة المرجع، على أهميتها وتأثيرها، تعرّضت إلى خلل كبير أمام الشارع العراقي الذي لن يكون بإمكان القوى السياسية الموجودة حاليا أن تحشده ليخرج، كما حصل في الدعوة للانتخابات، في تظاهرات رافضة بعد أن وضعت توقيعها على وثيقة القانون الانتقالي.

قنابل موقوتة مؤجلة

ولأن من كتبوه كانوا حريصين، كما يبدو، على عدم إغضاب أحد من أعضاء الانتقالي، فقد كان قانون إدارة الدولة يستوعب الجميع، أو هكذا بدا الأمر أولا حتى تفجَّر الخلاف الأخير بين الفرقاء علنا، مما يجعل منه خليطا من رغبات ورؤى شتى، ويسعى لتلبية مصالح ربما تناقضت أو تصارعت.

ولأسباب تتّـصل بما ورد أعلاه وبسواها، ونظرا للرغبة الأمريكية باستعجال الأمر، اضطر كاتبو القانون إلى تأجيل حسم الأمور الأكثر أهمية في مستقبل العراق، وكأنهم أرادوا بذلك أن يتركوا موعد اندلاع الحرائق الكبرى إلى وقت آخر، في الوقت الذي كان لزاما عليهم أن يتصدوا لها الآن، وليس في أي وقت آخر، لأن التأجيل لن يؤدي إلى تهدئة المشاعر والرغبات، بقدر ما سيؤدي الى تعزيز الخلافات وترسيخ أسس الصراعات، خاصة مع استمرار الممارسات الاستفزازية من قبل البعض.

كما يحفل القانون بمزيد من العبارات الفضفاضة والشعارات ذات الطابع الدعائي، ربما بسبب كون بعض نصوصه كُـتبت أصلا بالإنجليزية وتُـرجمت لاحقا إلى العربية، وخاصة تلك الواردة في ديباجته، وهي أصلا غير مبررة لكون القوانين لا تبدأ في العادة بالديباجة، وإنما يتم إصدار مُـلحق يُـبيِّن الأسباب الموجبة لتشريعها، ويمكن – أيضا – تلمس قدرا من عدم الانسجام بين بعض فقراته وبعض الغموض المقصود ربما، أو الناشئ بسبب العبارات الفضفاضة التي أُشير إليها أو كلاهما معا.

كما أن الدعوة إلى مصالحة وطنية شاملة، التي أطلقها المجلس وبشَّر السفير بريمر بها الشعب العراقي، تتعارض كليا مع بعض البنود الواردة في القانون الجديد من حيث اجتثاث البعث وأعضائه، حيث من شأن هذا القانون ترسيخ إجراءات الاجتثاث والحيلولة دون ممارسة شرائح غير قليلة من المواطنين العراقيين كاملي الأهلية لبعض الحقوق السياسية والدستورية والواجبات، بسبب انتماءاتهم السياسية السابقة، بل والمستقبلية أيضا، وهو إجراء يتعارض كليا مع الحق الممنوح لكل العراقيين، بصرف النظر عن الانتماء السياسي أو الجنس أو المعتقد أو الرأي أو القومية أو الدين أو المذهب أو الأصل، مثلما نصًّت المادتين الثانية عشرة والعشرون من القانون المذكور، كما أنه يتعارض مع حق الإنسان في المعتقد، مستقبلا، ومبدأ عدم التمييز بين المواطنين.

وخلافا لمبدأ الشفافية المفترض، يمكن للسلطة التشريعية الانتقالية العراقية بكل سهولة إصدار قوانين وتعليمات وأنظمة أو عقد معاهدات وإبرام اتفاقيات سرية وعدم إطلاع المواطنين عليها، بما فيها تلك التي تحظى برفض الشعب العراقي شبه المطلق.

ومن أجل تثبيت مواقعهم في العراق الانتقالي، لجأ أعضاء مجلس الحكم الإنتقالي العراقي إلى جعل الجمعية الوطنية تتألف من 275 عضوا، بمعنى أن أعضاء الانتقالي الحاليين سيكون ضمنا من بين أعضاء هذه الجمعية الوطنية، برغم أن عددا غير قليل من العراقيين يطعن في أهليتهم للحكم والمسؤولية، وبرغم أن بعضهم محكوم من محاكم عراقية حتى قبل يوليو 1968 في قضايا جنائية.

إلغاء الهوية العربية للدولة

وإذا تركنا جانبا تحليل مستقبل العراق في ضوء ما تحقق وحيثيات الصراعات المرتقبة بين أطراف العملية كلها، وتوجهنا إلى قراءة سريعة لنص القانون الانتقالي، أمكننا تسجيل عدد من الملاحظات في هذا الصدد.

يمكن ملاحظة أن القانون الجديد يلغي الهوية العربية للدولة العراقية. فالعراق، بحسب نصوصه، ليس قطرا عربيا ولا توجد أي إشارة على اعتباره كذلك، سوى أن الشعب العربي منه فقط، باعتباره يتألف من قوميات متعددة، جزء من الأمة العربية، وهي في حقيقة الأمر عبارة زائدة ولا معنى لها لأنها تحصيل حاصل كما يقال.

ووصفت مصادر في أوساط التيار القومي في العراق رفض المجلس لعروبة العراق بأنه “تنكر للحقائق التاريخية والحضارية والجغرافية”، واعتبرت رفضه النص صراحة على عروبة العراق قرارا لا معنى له، إذ أن هذه الحقيقة أكثر رسوخا وقوة من الإرادات السياسية للقوى الرافضة لعروبة العراق في مجلس الحكم.

وقالت المصادر: “إن الرافضين يمثلون تيارا حانقا على العروبة، ويمتثلون لرغبة سلطات الاحتلال بإبعاد العراق عن عالمه العربي”. وكان تجمع الديمقراطيين المستقلين، بزعامة الدكتور عدنان الباجة جي هو التنظيم الوحيد الذي وقف إلى جانب تلك المذكرة.

وقال الدكتور عبد الكريم هاني من تيار القوميين العرب، إن التيار المعادي للأمة العربية يرفع عقيرته اليوم، ويجاهر بضرورة ابتعاد العراق عن أمته، ويحاول إلصاق مسؤولية كل المآسي التي تعرض لها العراق بأشقائه العرب.

واعتبر أن هذا التيار يلتقي اليوم مع توجهات الحزب الشيوعي الذي قال إنه معروف بمعاداته للعروبة والإسلام، كما أنه يلتقي مع بعض الأحزاب ذات النزعة الطائفية والشعوبية الحاقدة على تاريخ الأمة العربية، ويفزعها أي تقارب بين أقطار الأمة ووحدة أبنائها، حسب تعبيره.

وأضاف، إن هذا التيار الحاقد لم يكتف بترويج شعاراته ونواياه على المواطنين السذج، بل راح يجهر من خلال بعض رموزه في مجلس الحكم بالدعوة إلى سلخ العراق عن محيطه القومي، على حد قوله.

لكن سمير يوحنا بطو، وهو مسيحي من الحزب الشيوعي برر رفضه لعروبة العراق قائلا: “إن نظام صدام كرّس مفاهيمه القومية الشوفينية المتعصبة، وفرض تدريسها في المدارس بالقوة، ولم يجن العراقيون من الصلة بالأمة العربية غير المشاكل”. وأضاف: “الآن، وبعد أن حصل العراق على حريته، وتخلّـص من جور النظام البعثي الشمولي، فلا مجال لعودة مثل هذه الأفكار والمفاهيم. فالعراق للعراقيين”.

واعتبر أنه “ليس صحيحا أن ينص الدستور الجديد أو قانون إدارة الدولة على أن العراق جزء من الأمة العربية، لأن مثل هذا النص يضعنا أمام مسؤوليات لا نعتقد أننا بحاجة إلى الاضطلاع بها، والمطلوب بناء عراق ديمقراطي جديد بعيدا عن مشاكل العرب”.

وترى المحامية شذى المحمداوي من التيار الناصري أن العراق كان وسيبقى قلب العروبة وملتقى أنظار العرب. وقالت “إنه ليس من حق هؤلاء الذين ينتمي أغلبهم إلى جنسيات غير عربية، أن يطالبوا اليوم بعزل العراق عن عروبته أو يزيفوا هويته القومية من خلال طمس حقيقة كون العراق جزءًا لا يتجزأ من الأمة العربية”، وأضافت، “هذا تزوير لن يقبله شعبنا، ولن يسمح بتمريره وسط أجواء الفوضى والتناقضات وانعدام الرؤيا واختلاط الأوراق”، حسب تعبيرها.

تساؤلات عديدة

وكانت بعض الصحف التابعة لأحزاب ذات توجهات طائفية التي صدرت في أعقاب الاحتلال الأمريكي للعراق تبنّـت حملة إعلامية معادية دعت فيها إلى إدانة العرب، وملاحقة دعاة التوجه القومي. كما شهدت الأسابيع الأخيرة حوادث قتل طالت مواطنين عربا من جنسيات مختلفة في الاطار ذاته.

وسيفتح القانون الجديد أمام إقليم كردستان فرصة نادرة جدا، بل وذهبية أيضا للتوسع في نطاق أراض عربية مؤكدة، وأخرى مشكوك بها، إذ أنه يمنح حكومة الإقليم السلطة على الأراضي التي كانت تُـدار من قبلها في 19 مارس 2003 والواقعة في محافظات دهوك، وأربيل، والسليمانية، وكركوك، وديالى، ونينوى.

لكن فحص عبارة “الأراضي التي كانت تُـدار من قبلها” يفصح عن مغالطة كبرى، إذ لم تكن صلاحيات حكومة إقليم كردستان مبسوطة على أراض في محافظات كركوك وديالى ونينوى قبل شن الحرب على العراق، بل إن أجزاء من محافظة أربيل كانت فعليا تحت سيطرة الحكومة المركزية في بغداد.

وهنا يمكن تأشير المظاهر المخجلة التي قامت بها بعض العناصر الكردية المحسوبة على الحزبين الرئيسيين، والمتمثلة بإحراق العلم العراقي فور الإعلان عن توقيع القانون كظاهرة ينبغي الالتفات إليها كونها تمثل تعبيرا عن روح انفصالية تغذّيها أطراف كردية لأغراض سياسية ضيقة.

ومن خلال بنود الدستور يُلاحظ تغييب كبير لهوية الدولة العراقية التي تختفي ملامحها أكثر فأكثر، حيث لا يمكن تأشير أين سيكون مركز القوة، هل هو في يد مجلس الرئاسة، أم في يد مجلس الوزراء؟ وهل سيكون القرار النهائي في يد رئيس الجمهورية، أم في يد رئيس الوزراء؟ وهل العراق دولة رئاسية أم برلمانية؟ وكيف سيكون الأمر إذا كان أكثر من مركز قرار في بلد مثل العراق؟

بنود على المقاس

ويُـنشئ القانون الانتقالي نموذجا جديدا للدولة لم يألفه العراقيون منذ تأسيس دولتهم الحديثة في مطلع عشرينيات القرن الماضي، يُخالف العديد من المعطيات التي شكلت واقعهم الاجتماعي واحتياجاتهم وارتباطاتهم الاقتصادية والدينية المتشابكة.

فقد منح القانون الجديد للمحافظات العراقية الثمانية عشرة سلطات إدارية أوسع، حيث ستكون هناك إمكانية كبيرة لشرذمة البلاد إلى أقاليم صغيرة لا تتجاوز الثلاث محافظات، وسوف لن تكون للمركز صلاحيات تُـذكر مع تعزيز المصالح الحزبية والفئوية لبعض الجهات السياسية التي تُـسيطر على بعض المحافظات، وهو نموذج يُـمكن أن يكون صالحا في بلدان أخرى غير العراق.

ويمنح القانون للمحافظين ومجالس المحافظات صلاحية فرض الرسوم والضرائب قي محافظاتهم، وهو ما يتعارض مع المادة الثامنة عشرة منه، وقد يحد من حرية انتقال العراقيين بين المحافظات بسبب فرض رسوم على دخول بعض المحافظات أو الحرية في التملك دون تمييز، كما ورد في مواد متفرقة من الباب الثاني.

ويُـعطي القانون الانتقالي لسلطة التحالف المؤقتة، بعد حلِّها، سلطة غير مرئية من خلال استمرار نفاذ قوانينها التي تم تشريعها خلال فترة الاحتلال، وهي ازدواجية لا يمكن إغفالها.

أما في مجال الجنسية العراقية، فقد صمّـم أعضاء الانتقالي مواد القانون على قياسهم، حينما أتاحوا للعراقي الجمع بين جنسيتين، ومكَّنوا البعض منهم ممن لا يحمل الجنسية العراقية من استعادتها، رغم كل شيء.

فخ المدلولات والمداولات

وعسكريا، سيكون لرئيس الجمهورية ومجلس الرئاسة الثلاثي مجرد دور تشريفي واحتفالي، ولن يكون له الحق في القيادة، في الوقت الذي توضع في يد رئيس الوزراء كل الصلاحيات في هذا الشأن لكونه القائد الفعلي للقوات المسلحة العراقية، وهو إجراء من شأنه، بالضرورة، أن يضع مركز القرار في يد شخص واحد يمكن له أن يوجه قراراته العسكرية والاستخبارية تبعا لمصالح حزبية أو عرقية أو فئوية، وربما شخصية أيضا.

ويمكن للجمعية تغيير قرارات رئيس الوزراء العسكرية والاستخبارية بأغلبية بسيطة، وهي أغلبية يُـمكن ضمانها من خلال التحالفات الحزبية والمساومات السياسية بين الأطراف المكونة للجمعية الوطنية الأمر الذي من شأنه أن يثير المزيد من المخاوف من احتمالات تعزيز المصالح الفئوية والحزبية في الجمعية الوطنية على حساب المصالح الوطنية العليا.

وخلافا لمبدأ سيادة القانون والدستور الوارد في الديباجة، لا تخضع “المحكمة الجنائية المختصة” المشكَّلة في 10 ديسمبر 2003 لمواد هذا الدستور.

وخلافا للأعراف السائدة في كل دول العالم يمنح القانون العراقي الجديد “هيئة الرئاسة” الحق في تدويل قضايا ذات صفة محلية صرفة، عوضا عن حلها بين أبناء الشعب الواحد، وهو ما من شأنه أن يُسهم في ترسيخ قيم التجزئة بين أبناء الشعب العراقي، وفي تأكيد التباين في المواقف بين الفرقاء العراقيين.

كما يُـتيح القانون الانتقالي للعراق، خلافا لمبادئ الديمقراطية المتعارف عليها القائمة على احترام رأي أغلبية الشعب، السقوط في فخ المداولات والاستفتاءات والتعديلات المتضادة بشأن الدستور الدائم، والتي قد تمتد إلى فترة غير محددة من خلال منحه ثلاث محافظات عراقية (أي حوالي 66% من السكان) حق النقض – الفيتو – على الدستور الدائم – طبقا للفقرة (ج) من المادة الحادية والستين، وهي إجراءات قد تطول، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار رغبة كل الأطراف في استحصال مزيد من الحقوق على كل الأصعدة.

كما يمكن لهذه الإجراءات أن تُـطيل من عمر الفترة الانتقالية لمدة عام أو أكثر، رغم التأكيد الوارد في الفقرة (د) من المادة الحادية والستين، وهو ما يتعارض مع الفقرة (2 ب) من المادة الثانية التي تُـحتم أن تنتهي الفترة الانتقالية في 31 ديسمبر 2005.

إيجابيات وتساؤل

وفي إطار تحليل مضامين هذا القانون، يمكن تأشير الخطأ الوارد في الفقرة (ز) من المادة الحادية والستين، إذ كيف يُـمكن إعمال الفقرة (ج) من نفس المادة، اعتبار الاستفتاء على الدستور الدائم ناجحا وسريانه فعليا، إذا لم يرفضه ثلثا عدد السكان في ثلاث محافظات، في حال عدم استكمال كتابته من قبل الجمعية الوطنية بحلول 15 أغسطس 2005.

وفي ضوء كل التساؤلات السابقة يجدر التساؤل: كيف يمكن لأعضاء المجلس الانتقالي العراقي أن يَـصفوا إصدار هذا القانون بأنه “الإنجاز التاريخي الأكبر في حياة العراقيين”، والفرصة الذهبية لنيل حقوقهم والعيش بحرية وكرامة؟

لكن، هل يعني كل ذلك أن القانون الانتقالي سلبي بشكل مطلق؟ بكل تأكيد، توجد فيه فقرات إيجابية مهمة، من قبيل التأكيد على المواطنة العراقية، وعلى صيانة الحريات الفردية، وعلى تعزيز مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، وفي تثبيت الحقوق السياسية للمرأة العراقية، وهو فوق هذا وذاك، خطوة إلى الأمام قد لا يكون لغيرها الفرصة في الظهور إلى العلن، وتستحيل بدونها عملية نقل السلطة المرتقبة، فضلا عن كونه يمثل نقطة ارتكاز للبدء في عملية سياسية أكثر دقة وتوصيفا، لكن تلك الإيجابيات تذوب إزاء كم السلبيات الواردة فيه، وإزاء كونه معدا تحت ظل الاحتلال وموقعا عليه من قبل هيئة غير شرعية وغير منتخبة، لكنه سيلزم في تنفيذه الجمعية الوطنية، وهي التي لا زال كثيرون يُـؤملون أن تكون أكثر تمثيلا للعراقيين.

وفي انتظار ما ستسفر عنه تطورات الأيام المقبلة، لا يتردد الكثير من العراقيين في طرح السؤال التالي: من الذي خوَّل هؤلاء الأشخاص الخمسة والعشرين الحق في رسم مستقبل 25 مليون نسمة وفرض إرادات الغير على الشعب العراقي، خاصة وأن شرعية أغلبهم في أحسن الأحوال محل نظر، إذا لم تكن مطعونا بها أصلا؟!

مصطفى كامل – بغداد

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية