قضايا الهجرة وتحديات الاندماج.. رؤية متخصصة
كان موضوع الهجرة ولا زال أحد الموضوعات المثيرة منذ القرن الماضي ويتواصل الاهتمام به، خاصة مع تسارع وتيرة العولمة وتطوّر وسائل الاتصال والتواصل وتشابك الأحداث على المستوى الدولي.
وتساهم سويسرا، بما تتمتع به من حضور دولي وموقع إستراتيجي، في الحوار الدائر بشأن هذه الظاهرة، فضلا عما عُـرف عن هذا البلد من أنه أرض الهجرة منذ القدم.
لاستجلاء أبعاد هذا الموضوع واستكشاف العناصر المؤثرة فيه، حاورنا السيدة روزيتا فيبّي، وهي عالمة اجتماع سويسرية متخصصة في دراسة واقع المهاجرين وأستاذة بجامعة لوزان وعضو بمجلس إدارة مركز دراسات الهجرة، التابع لجامعة نيوشاتل، وتحظى تعليقات السيدة روزتا بمتابعة واسعة لأهمية الدراسات التي أنجزتها حول هذا الموضوع.
سويس انفو: نظمت سويسرا خلال الفترة الممتدة بين 1965 و1995 سبعة استفتاءات شعبية بشأن قوانين الهجرة، لماذا تثير هذه الظاهرة كل هذا القلق وهذه المخاوف؟
روزيتا فيبّي: لا أدري إن كان بإمكاننا القول أن كثرة الاستفتاءات الشعبية تعبّر عن مشاعر الخوف، ولكن من دون شك هي انعكاس للحركة السياسية التي تحيط بموضوع الهجرة، ويبدو لي أن الأمر طبيعي، لأن هذه الظاهرة هي في نفس الوقت نتيجة تحوّل اجتماعي وهي سبب لتحوّلات لاحقة، غير أن الطريقة التي تعالَـج بها هذه المسألة، تحدّدها المشروعات السياسية التي تريد أن توظّف هذه القضية لصالحها.
سويس انفو: رغم الوجوه الإيجابية الكثيرة للهجرة، لماذا لا ينظر المجتمع السياسي في سويسرا إلا إلى الوجوه السلبية منها؟
روزيتا فيبّي: يجب أن نأخذ في الاعتبار حقيقة أن المهاجرين في سويسرا يظلون بدون أطر ومؤسسات تمثلهم وتدافع عنهم على المستوى الوطني، وفي نفس الوقت، لا يتمتعون بحق المواطنة، فلا يشاركون في الانتخابات. وما دامت القوى السياسية تستند إلى قاعدة انتخابية سويسرية خالصة، فهي تسعى في ركاب إرضائها، والأمر يختلف في البلدان التي نجد فيها للأجانب قاعدة انتخابية.
سويس انفو: إحصائيا، من دون الهجرة والتجنيس يتراجع عدد سكان سويسرا، فإذا كان الأمر كذلك وإذا كانت الدوائر الاقتصادية تنظر بإيجابية لقدوم اليد العاملة الأجنبية، فأين تكمن المشكلة إذن؟
روزيتا فيبّي: أتساءل مرة أخرى إن كان بالإمكان الحديث عن دوائر اقتصادية متجانسة، أعتقد أن هناك أوساطا متعددة، بعضها منفتح على السوق الداخلية والبعض الآخر متوجه للأسواق الخارجية. وفي الغالب، تتضارب مصالح الجهتين، وهناك صراع شديد بين السياسات الاقتصادية التي تدعو إليها كل جهة من هاتين الجهتين.
سويس انفو: هل تحترم القوانين المنظمة للهجرة التي أقرت في سنة 2006 قواعد القانون الدولي، بما في ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟
روزيتا فيبّي: مما هو معلوم أن هذا التساؤل قد لازم الحملة الانتخابية التي سبقت الاستفتاء، ولكن تلك القوانين أبعد من أن تمثل استثناء، فأغلب الدول الأوروبية شددت خطابها تجاه المهاجرين وعدلت قوانينها.
ومن القوانين التي أثارت حفيظة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، النص الذي يلزم اللاجئ بتقديم ما يثبت هويته في غضون 48 ساعة أو يرفض النظر في طلبه للجوء.
سويس انفو: القوانين الجديدة المنظمة للهجرة تدعو الأجانب إلى بذل المزيد من الجهود للاندماج؟ فما الذي تطلبه السلطات بالضبط؟
روزيتا فيبّي: تبنت سويسرا الخطاب الداعي لاندماج المهاجرين في التسعينات لسببين: يتعلق الأول بظهور أهمية المهاجرين للحفاظ على النمو الديمغرافي في البلاد، والثاني لمواجهة أزمة البطالة.
ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يكون وجود المهاجرين من أجل تلبية حاجيات سوق الشغل، أصبحت نسبة كبيرة منهم عالة على صندوق الرعاية الاجتماعية.
واليوم، أحد أهداف هذه السياسة ضمان تشغيل هذه الفئة، والاستغناء عمن يفتقد الكفاءة منها. وأول تلك الشروط إتقان أحد اللغات الوطنية.
لا يجب إغفال البُـعد الرمزي وما تجلبه الصِّـراعات الدولية من آثار على الساحة السويسرية، خاصة في العلاقة مع الأجانب. وعلى هذا المستوى، يحمل الاندماج معنى الانضباط إلى نموذج اجتماعي محددا مسبقا وغير قابل للتفاوض.
سويس انفو: ما هي الشروط التي يجب أن تتوفّـر في سياسة تهدف إلى تحقيق اندماج حقيقي للمهاجرين؟
روزيتا فيبّي: الاندماج الحقيقي هو أن يُـتاح للمهاجر الاستفادة من الفُـرص الاقتصادية والمشاركة السياسية، ويتحقق ذلك كلّـما أزحنا العوائق التي تُـعرقل الانخراط في الحياة العامة. ويجب أن يُـتاح هذا لجميع الفئات، بغضّ النظر عن المستويات التعليمية أو الخبرة الوظيفية.
سويس انفو: يكثر الحديث في وسائل الإعلام عن ارتفاع نِـسب الجريمة بين صفوف الشباب من ذوي الأصول المهاجرة، ولكن قليلا ما يتم التطرق إلى المشكلات التي يواجهونها؟ فهل هذه الظاهرة تخصّ هذه الأقلية دون غيرها؟
روزيتا فيبّي: كانت نِـسب الجريمة لدى المهاجرين الأوائل ضئيلة جدا ولا مجال لمقارنتها بالنِّـسب التي كانت منتشرة بين السكان الاصليين، رغم أن غالبيتهم من الشباب والرجال، ولكن الأمر عكس ذلك بالنسبة لشباب الجيل الثاني، إذ يميل بعضهم للانحراف عندما لا يجدون حلولا لمشكلاتهم بالطرق المعهودة، فيحاولون الخروج منها بطرق أخرى قد لا تكون دائما مشروعة، وهذا شكل من أشكال الهروب إلى الأمام.
أضف إلى ذلك، أن الإجراءات العقابية التي تسلّـط على الأجنبي تكون مشددة أكثر ولا يسمح له بالاستفادة من السّـراح المشروط، وهذا ما يرفع نسب المحتجزين منهم، الصحيح أن هناك مشكلة ولا يجب إنكارها، بل معالجتها من الجذور.
سويس انفو: أنجزت دراسات عديدة حول التهميش والتمييز الذي يعاني منه الأجانب في سوق العمل، فما هي أشكال هذا التمييز؟ وما هي تجلياته؟
روزيتا فيبّي: لقد كنت أول من قام بدراسة ظواهر التمييز ضد الأجانب في ميدان العمل، وأشرت إلى انعكاسات ذلك السلوك، الذي يتوقف عند الاسم واللون، دون النظر إلى الكفاءات، وأثبِـت إحصائيا نِـسب التمييز التي كان يتعرّض لها الأتراك ورعايا بلدان البلقان لمجرد انتمائهم العرقي (30% من الأتراك، و62% من الألبان تعرضوا لهذا النوع من التمييز).
لكن التمييز يمسّ أيضا مواقع العمل، فلا تتاح للمهاجرين نفس الامتيازات التي تتاح لرفاقهم كفرص التدريب والارتقاء الوظيفي، فضلا عن الأجور المتفاوتة..
سويس انفو: ألا ترين أن المراهنة أكثر فأكثر على هجرة أصحاب المؤهلات العليا من شأنه أن يضر بالبلدان النامية التي تدعمها سويسرا نفسها؟
روزيتا فيبّي: يجب التذكير بأن هذا الخيار لا تنفرد به سويسرا عن بقية البلدان المتقدمة، وهو في نفس الوقت استجابة مباشرة لمتطلبات سوق العمل داخليا، وللمنافسة الدولية خارجيا، أما أن يكون هذا الخِـيار في تعارض مع برامج أخرى، مثل التشجيع على التنمية، فهذا أمر لا يمكن إنكاره، وعلى العموم، الأضرار التي يمكن أن تلحق بدول الجنوب بسبب ذلك، تختلف في درجاتها من بلد إلى لآخر، ويمكن الحد منها من خلال التنسيق على المستوى الدولي.
سويس انفو: ما هي الدروس التي يمكن أن يستخلصها المهاجرون الجدد من تجارب سابقيهم؟
روزيتا فيبّي: لا يمكن الحديث عن دروس مستفادة، بل يجب أن ندرس تلك التجربة والظروف التي أحاطت بها، ثم البحث في الشروط الموضوعية الحالية والمقارنة بين الاثنين، ولنضرب مثال على ذلك: تحقق اندماج المهاجرين السابقين من خلال سوق العمل ودعم جهات عديدة كالنقابات والدول التي قدموا منها، والضمانات الدولية.
ولكن، هذه العوامل غير متوفِّـرة للمهاجرين الجدد، فهم يواجهون منافسة كبيرة في سوق العمل، والحركة النقابية ضعيفة الفعالية، ولا يتوقعون دعما من الدول التي ينحدرون منها. إذن، ليس هناك دروس للاستفادة ويتطلب تغيير الوضع توفير الظروف الملائمة لذلك أولا.
أجرى الحوار عبد الحفيظ العبدلي – فريبورغ
تبنت سويسرا الخطاب الداعي لاندماج المهاجرين في التسعينات لسببين: ظهور أهمية المهاجرين للحفاظ على النمو الديموغرافي في البلاد ومواجهة أزمة البطالة.
تقليديا، كانت السياسات المنظمة للهجرة تتحدّد وفق معادلات وموازين القوى في الداخل، أما الآن، فإدارة مسألة الهجرة قد تجاوزت الإطار الوطني الضيِّـق إلى المستوى الدولي.
بالنسبة لشباب الجيل الثاني، يميل بعضهم للانحراف عندما لا يجدون حلولا لمشكلاتهم بالطرق المعهودة، فيحاولون الخروج منها بطرق أخرى قد لا تكون دائما مشروعة.
هي عالمة اجتماع سويسرية من أصل إيطالي، متخصصة في ميدان دراسات الهجرة وحاصلة على دكتوراه في العلوم السياسية من جامعة روما. تعمل روزيتا كأستاذة محاضرة بقسم الإنتروبولوجيا وعلم الاجتماع بجامعة لوزان، وهي عضو بمجلس إدارة معهد دراسات الهجرة بنيوشاتل.
من أبرز مؤلفات روزيتا فيبّي:
– اندماج المهاجرين في سويسرا: المجنّسون والجيل الثاني
– البعد الدولي في دراسة ظاهرة الهجرة
– هجرة أصحاب الكفاءات
– الهجرة بين الديمغرافيا والديمقراطية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.