قضية السجون السرية.. الشكوك تتحول الى حقائق!
مقرر البرلمان الأوروبي حول السجون السرية لوكالة المخابرات الأمريكية، السويسري ديك مارتي ، يصدر تقريره الثاني الذي انتقل من مجرد شكوك الى تأكيدات وإثباتات.
التقرير الصادر في باريس يوم الجمعة 8 يونيو، يثبت تورط وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في إدارة سجون سرية في كل من رومانيا وبولندا بتواطؤ من سلطات الدولتين.
أوضح السويسري ديك مارتي، مقرر مجلس أوروبا في تقريره الثاني، الذي نشر يوم الجمعة 8 يونيو 2007 في باريس عن السجون السرية في اوروبا، بأن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أشرفت على إدارة سجون سرية في كل من بولندا ورومانيا ما بين عامي 2003 و2005، وذلك من أجل استنطاق معتقلين مشتبه فيهم في إطار الحرب ضد الإرهاب التي تخوضها الولايات المتحدة منذ تفجيرات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية.
ويرى مارتي وهو عضو في مجلس الشيوخ السويسري أن هذين البلدين “قبلا إيواء سجون سرية في إطار برنامج قامت به وكالة المخابرات المركزية الأمريكية سي آي إي، والهادف “لقتل او توقيف واعتقال” أشخاص هامين ُيشتبه في تورطهم في عمليات إرهابية.
من الشكوك الى التأكيدات
إذا كان التقرير الأول لديك مارتي قد اشتمل على شكوك قوية في وجود هذه السجون السرية، فإن التقرير الجديد أورد تأكيدات لوجودها، إذ أشار مقرر مجلس أوروبا إلى “أن أشخاصا يُشتبه في أنهم إرهابيون، تم احتجازهم في سرية في بولندا ورومانيا، ولا يمكن أن نستثني بلدانا أخرى في ذلك”.
وأضاف السيد ديك مارتي “لقد كانت هذه السجون مُـدارة من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، لكن اجهزة المخابرات البولندية والرومانية كانت تسهر على حماية المناطق المحيطة بها وعملت على تسهيل وتمويه الرحلات الجوية الخاصة بنقلهم”.
وقد أشار التقرير، استنادا الى مصادر لم يُفصح عن هويتها في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، إلى “أن أبو زبيدة، المشتبه في أنه حلقة الوصل بين أسامة بن لادن وخلايا القاعدة، وخالد شيخ محمد، العقل المدبر لتفجيرات 11 سبتمبر 2001، تم اعتقالهما واستنطاقهما في سجون سرية في بولندا”.
فقد تم السماح بمثل هذه الممارسات بفضل اتفاق سري تم توقيعه في 4 أكتوبر 2001 بين واشنطن وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، وبين واشنطن وحكومات الدول المعنية، يخول لوكالة المخابرات المركزية إمكانية اختطاف واعتقال أشخاص يُشتبه في تورطهم في أعمال إرهابية في أوروبا.
تقرير السيد ديك مارتي تعرض أيضا للعراقيل التي قوبل بها التحقيق في بلدان أوروبية، إما رفضت التعاون او وضعت عراقيل في طريقه مثل ألمانيا وإيطاليا، إذ يقول “إن القضاة في ميلانو قاموا بعمل جبار في التحقيق الخاص باختطاف الإمام أبو عمر” (وهو إمام مصري كان يقيم في ميلانو واختطف من أحد شوارعها ثم سلم إلى السلطات المصرية التي عذبته وسجنته لعدة أعوام) ولكنه يرى أن “السياسيين يرغبون في نسف هذه المحاكمة”.
تهم مرفوضة
في رد فعل على هذه التهم، اعتبر غريزي سمادجينسكي، وزير الدفاع البولندي الأسبق ما بين عامي 2001 و2005 هذه التهم بمثابة “سيناريوهات خيالية”، أما النائب الروماني نوريكا نيكولاي، الذي أشرف على تحقيق بخصوص هذه الاتهامات لحساب البرلمان الروماني، فقد اعتبر أن “الاتهامات لا أساس لها من الصحة على الإطلاق”.
ونفس الموقف عبرت عنه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على لسان الناطق باسمها بول غيميغليانو، الذي قال “إنني لم اطلع بعد على التقرير، ولكن أوروبا كانت مصدرا لاتهامات ملفقة عن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وعن حربها ضد الإرهاب”.
وفي المانيا، نفى الناطق باسم الحكومة الألمانية توماس شتيغ، الاتهامات الواردة في التقرير والمتعلقة بعرقلة ألمانيا لعملية التحقيق.
“إهانة لأوروبا”
من جهته، أشار ديك مارتي إلى أنه لا يرغب في تقديم ما توصل إليه من حجج وأدلة إلى محكمة من المحاكم، لأن هدفه لا يتمثل في وضع متهمين وراء القضبان، بل “إثارة نقاش سياسي على المستوى الأوروبي” في هذه القضية.
ويرى المحقق السويسري أن ما رغبت الولايات المتحدة في تحقيقه من وراء إقامة هذه السجون السرية في أوروبا، هو “تصدير معاملات غير شرعية لم ترغب الإدارة الأمريكية أن تجري فوق ترابها، لأنها مخالفة للدستور الأمريكي”، وهو ما يراه أمرا “مهينا لأوروبا”.
أما ما يعتبره ديك مارتي أكثر إهانة لأوروبا، فيتمثل في ما وصفه بـ “مشاركة بعض المسؤولين الأوروبيين وليست الحكومات الأوروبية”.
سويس إنفو مع الوكالات
في عام 2005 أثارت منظمة هيومان رايتس ووتش للمرة الأولى الشكوك حول وجود سجون سرية تابعة لجهاز المخابرات المركزية الأمريكية لاختطاف واعتقال الإرهابيين المشتبه فيهم.
كلف مجلس أوروبا ديك مارتي، عضو مجلس الشيوخ السويسري، ورئيس لجنة القضايا القانونية وحقوق الإنسان في الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا للقيام بتحقيق في الموضوع.
في شهر يونيو 2006 قدم ديك مارتي أول تقرير أشار فيه إلى تعاون 14 دولة أوروبية مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لنقل واعتقال إرهابيين مشتبه بهم في سجون سرية.
وقد اتهم التقرير الحكومة السويسرية أيضا، بغض الطرف عن عبور رحلات جوية مشتبه فيها، لمجالها الجوي.
في التقرير الثاني، الصادر يوم الجمعة 8 يونيو 2007، أشار ديك مارتي الى أن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية كانت تدير سجونا سرية في بولندا ورومانيا ما بين 2003 و2005.
من المقرر تنظيم نقاش برلماني في جلسة مفتوحة بمقر البرلمان الأوروبي في ستراسبورغ حول هذه القضية يوم 27 يونيو الجاري.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.