قمة الرياض: هل هي عودة إلى خمسينيات القرن العشرين؟
ثمّـة شِـبه إجماع بين المراقبين على أن القمة العربية في الرياض، شذت هذه المرة عن طوق القمم العربية المتلاحقة منذ عام 1965، التي بقيت قراراتها حِـبراً على ورق وولدت مواقفها بلا أسنان.
وهذا، ربما ما دفع الرئيس السوري بشار الأسد إلى وصفها بأنها “أفضل القِـمم العربية”. لكن، هل هذا التقييم في محله؟ يبدو، ظاهرياً على الأقل، أن الأمر على هذا النحو.
كانت هذه المرة الأولى، منذ سنوات عدة، التي يستمع فيها العالم إلى مواقف عربية مستقلة، مثل “رفض صياغة القوى الأجنبية لمستقبل المنطقة” والإدانة الجماعية لـ “الاحتلال الأمريكي غير المشروع للعراق” وإلقاء القادة العرب اللوم على أنفسهم “لفقدان الأمة ثقتها بهم”.
كما كانت المرة الأولى أيضاً، التي يقرر فيها العرب الإمساك بزمام المبادرة فيما يتعلق بالسلام في الشرق الأوسط، بدل الاكتفاء بإطلاق المبادرات ثم انتظار “الرضى” الأمريكي والإسرائيلي عليها، كما فعلوا في قمة بيروت عام 2002.
الحيوية العربية ملموسة وحقيقية. ومَـن أطلق على هذه القمة تعبير “استعادة القرار” أو “قمة الاستفاقة”، لم يبالغ كثيراً، خاصة وأن سلسلة “استعادات” حدثت قبل هذه القمة أوحت بأن العرب قرّروا العودة إلى ساحة الفعل: اتفاق مكة بين حماس وفتح واستقبال الرئيس الإيراني أحمدي نجاد في الرياض، وفتح الأبواب السعودية أمام حزب الله اللبناني، وإلغاء العاهل السعودي عبد الله غداء مقرراً في البيت الأبيض.. إلخ.
رقصة تانغو
لكن مهلاً. هذا النمط من الحيوية، وبرغم أهميتها الكبرى في جمع الصفّ العربي والقفز فوق الخلافات الهامشية، هي في الواقع رقصة تانغو تحتاج إلى طرفين لإنجازها. العرب الآن وصلوا إلى حلَـبة الرقص، لكنهم لا زالوا بانتظار وصول الراقص الآخر الإسرائيلي، الذي من دُونه ستكون اللاجدوى والجُـهد الضائع، هما الحصيلتان الوحيدتان.
حتى الآن، لا يبدو أن الدولة العِـبرية مستعدة لهذه الرقصة الجديدة، ولا تزال مُـتنازعة بين سلام يخدِم مصالحها الإستراتيجية في إقامة حِـلف شرق أوسطي كبير مع العرب ضِـد إيران، وبين حرب دائمة تشدها إليها إيديولوجيتها التلمودية – الصهيونية.
تل أبيب قالت، إن المبادرة العربية تتضمّـن نواحٍ إيجابية، لكنها تحتاج إلى المزيد من التفكير والتمحيص، خاصة حين يأتي الأمر إلى فقرة عودة اللاجئين الفلسطينيين، لكن من الواضح أنها لن تكون لا الآن ولا غداً في وارِد قبول سلام يُـجبرها على لفظ ما ابتلعته من أراض فلسطينية عام 1967، حتى ولو حصلت، ليس فقط على اعتراف 300 مليون عربي، بل 1،5 مليار مسلم، فالتاريخ المقدس هنا، يأتي قبل الجغرافيا السياسية بأشواط طويلة.
بين العقل والقلب
أين واشنطن من كل هذا الذي يجري؟ واضح من ردود فعلها الأولية، أن عقلها مع العرب وقلبها مع إسرائيل.
عقلها، يدفعها إلى تلمس الإيجابيات الضخمة، التي تتضمنها المبادرة العربية من التأسيس لحلف عربي – إسرائيلي يؤسّـس بدوره لشرق أوسط جديد ونظام إقليمي جديد، يكون درة تاج الباكس أمريكانا (السلام الأمريكي) في قلب قارة أوراسيا، وقلبها يُـجبرها على رفض كل ما ترفضه تل أبيب، تماماً كما فعلت طيلة السنوات الستين الماضية، حتى ولو أدى الأمر إلى الإضرار ببعض المصالح القومية الأمريكية.
الصراع بين العقل والقلب مستمر، ويبدو أنه أحدث انقساما داخل الإدارة الأمريكية بين “جماعة كوندوليزا رايس” و”جماعة ديك تشيني”، وأيضاً بين الصقور الجمهوريين والحمائم الديمقراطيين. فمن سينتصر في مثل هذا التنازع؟ وما هو مصير نتائج “أفضل القمم العربية” في ضوئه؟
عودة إلى دالاس
الانقسامات في الإدارة الأمريكية حول كيفية التعاطي مع ملف التسوية في الشرق الأوسط، اندلع هذه المرة، ليس بين الحمائم والصقور، بل بين الصقور والصقور.
كوندوليزا رايس، التي كانت محسوبة على متطرّفي البنتاغون والمحافظين الجدد، باتت أكثر ميلاً إلى الاعتدال بعد أن انتقلت إلى وزارة الخارجية، المعقل الرئيسي للمدرسة الواقعية الأمريكية، وهي ترفع الآن شعارات جديدة مثل “بلورة أفق سياسي جديد” وأساس مُـشترك للتفاوض”بين العرب والإسرائيليين”، وكل ذلك، انطلاقا من تبنِّـيها الضمني لمبادرة بيكر – هاميلتون، التي تدعو إلى حلٍّ إقليمي شامِـل للقضية العراقية، يتضمّـن تسوية للقضية الفلسطينية.
في المقابل، لا يزال الصقور بقيادة نائب الرئيس تشيني يرفضون المقاربة الإقليمية، ومعها مبادرة بيكر – هاميلتون برمّـتها، ويتمسّـكون بالحل الثنائي (غير الوارد في مستقبل قريب) بين الفلسطينيين والإسرائيليين. لكن، حتى ولو انتصرت وجهة نظر رايس، فهذا لن يقود بالضرورة إلى إخراج مبادرة السلام العربية (الداعية لمبادلة الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة باعتراف 22 دولة عربية بإسرائيل)، من غرفة الإنعاش الاصطناعية، التي تقبّـع فيها منذ عام 2002، وهذا لسببين:
الأول، أن الهدف الحقيقي لواشنطن، ليس سلام فلسطين، بل حرب إيران. والثاني، أن رايس لا يبدو أنها في وارد وضع الحساسيات العربية في عين الاعتبار، كما اتضح خلال جولتها الشرق أوسطية الأخيرة، حين دعت العرب إلى التطبيع الفوري مع إسرائيل، قبل قيام الدولة الفلسطينية. آنذاك، بدت رايس وكأنها تقول للعرب: الخطر الإيراني أكبر من الخطر الإسرائيلي عليكم، وبالتالي، التأسيس لحلف عربي – إسرائيلي يستنِـد إلى التطبيع، بات أهم من التسوية العربية الإسرائيلية.
هذا الموقف هو رجع صدى حرفي تقريباً لما حدث بين العرب والأمريكيين في أوائل خمسينيات القرن العشرين، حين طرح جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكي الناري، مشروعه لحلف قيادة الشرق الأوسط (ثم لحلف بغداد) بهدف الوقوف في وجه الخطر الشيوعي السوفييتي، آنذاك أيضاً، قال الأمريكيون للعرب بأن عليهم التطبيع مع إسرائيل بهدف منح الأولوية لمجابهة الخطر الشيوعي.
مشروع دالاس كان بالنسبة لعرب الحِـقبة القومية الناصرية مهمّـة مستحيلة، لكن لاحساسية الأمريكيين نحو حساسية العرب إزاء القضية الفلسطينية، أدّى إلى صِـدام مُـروّع بين الطرفين، استمر أكثر من رُبع قرن. فهل تؤدي هذه اللاحساسية الآن إلى حصيلة مماثلة؟
تباين الأولويات..
إذا ما تمسّـكت واشنطن بأولوياتها الإيرانية، قد لا يُـسفر ذلك عن صِـدام مع العرب. فالقومية العربية الناصرية زالت من الوجود، والدول العربية، التي تطرح أولوية سلام فلسطين قبل حرب إيران، هي في مُـعظمها حليفة لأمريكا.
لكن هذا لا يمنع بُـروز التباينات بين الأصدقاء، خاصة في ضوء التخبط الأمريكي الراهن في الشرق الأوسط، وهي تبايُـنات ستزداد حِـدّة على الأرجح، إذا ما واصلت الولايات المتحدة تبنَـي خِـيار استرضاء الدولة العبرية، بدل الضغط عليها لتسهيل تسوية القضية الفلسطينية.
قد يكون من المبكّـر الآن القفز إلى مثل هذه الاستنتاجات، خاصة وأن بعض العرب يُـمني النفس بأن يحذو الرئيس بوش في أواخر عهده حذو والده بوش الأب، بالدعوة إلى مؤتمر سلام شرق أوسطي شامل أو على الأقل، حذو الرئيس كلينتون بعقد كامب ديفيد- 3.
لكن، وإذا ما وضعنا في الاعتبار ضُـعف حكومة أولمرت وهشاشة حكومة هنية، وأضفنا إليهما تباين الأولويات المباشرة بين العرب والأمريكيين، والعادة الأمريكية المتأصلة بالانحياز “العاطفي” الدائم إلى رغبات تل أبيب، فقد نتوصّـل إلى الاستنتاج بأن إحياء مبادرة السلام العربية لن يكون أكثر من سحابة عابرة في صيف خليجي – شرق أوسطي قد يكون شديد الحرارة (!).
سعد محيو – بيروت
القدس (رويترز) – نسب موقع (واي.نت) YNet الإخباري، التابع لصحيفة يديعوت أحرونوت، إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت قوله يوم الخميس 29 مارس، أن “تغيرا ثوريا” حدث في رؤية الدول العربية لإسرائيل.
ونقل الموقع عن أولمرت قوله خلال حفل استقبال لأعضاء في حزبه كديما “توجد عملية هنا صقلتها الحرب في لبنان (العام الماضي).. وهذه العملية جعلت الدول المؤثرة في العالم العربي بدأت تُـدرك أن إسرائيل ليست أكبر مشاكلها. هناك تغير ثوري في مفهومهم”. ولم يتسن على الفور الاتصال بمكتب اولمرت للحصول على تعقيب.
وفي وقت سابق من يوم الخميس، تبنى القادة العرب في قمتهم في الرياض مبادرة تقدموا بها قبل خمسة أعوام تعرض على إسرائيل تطبيعا كاملا للعلاقات مع العرب، مقابل انسحاب إسرائيلي كامل من الأراضي التي احتلت في حرب عام 1967 وإنشاء دولة فلسطينية و”حل عادل” لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين، ووصف أولمرت القمة بأنها “حدث جدي بالتأكيد”. ونُـقل عنه القول “نحن لا نخدع أنفسنا، إنهم يريدون عودة إلي حدود 1967 وهم يريدون أيضا حق العودة (للاجئين الفلسطينيين)”، وقال إن إسرائيل لم تفاجأ وكانت تتوقع هذه النتيجة.
وأضاف أولمرت أن السعودية هي الدولة التي “ستحدّد في نهاية المطاف قُـدرة العرب على الوصول إلى حل وسط مع إسرائيل”، وقال “يوجد هنا اتجاه مُهم يسترعي الانتباه… استعداد السعوديين للقيام بدور رائد والتدخل هو بالتأكيد شيء مثير للاهتمام”، ومضى أولمرت قائلا “إننا لا نبالغ في هذه المسألة، لكننا لا نغفلها أيضا”.
وفي وقت سابق من يوم الخميس، قال مسؤول بمكتب أولمرت، إن رئيس الوزراء يدرس المبادرة العربية.
وقالت الولايات المتحدة إنها تعتبر نتيجة القمة العربية “إيجابية جدا”.
(المصدر وكالة رويترز بتاريخ 29 مارس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.