قمة تونس المؤجلة: من الصدمة إلى الأسئلة!
بعد الصدمة التي أثارها قرار تونس المفاجئ إرجاء عقد القمة العربية إلى "أجل غير مسمى" توالت ردود الفعل الشعبية والدبلوماسية.
وفي انتظار ما ستسفر عنه المشاورات التي تجريها مصر من أجل عقد القمة في القاهرة وتونس المتمسكة بحقها في احتضانها فوق أراضيها، لا زالت العديد من الأسئلة بدون إجابات.
انقلب الرهان إلى لغم انفجر تحت أقدام الجميع، حيث قررت فجأة القيادة السياسية التونسية تأجيل القمة في الوقت الذي كان فيه وزراء الخارجية العرب مجتمعين، يواصلون الجدل حول الوثيقة الرئيسية التي كان يفترض أن تعرض على القادة يوم الاثنين 29 مارس.
وجاء في بيان الخارجية التونسية أن سبب قرار التأجيل يعود إلى رفض بعض الأطراف التعديلات التي اقترحت تونس إدخالها على وثيقة “عهد الميثاق والتضامن بين قادة الدول العربية”. وهي تعديلات تتعلق بضرورة التنصيص على التزام الدول “بمواصلة الإصلاح الشامل، وتعزيز الديمقراطية، وحرية التعبير، ودعم دور المجتمع المدني، ورعاية حقوق الإنسان، وتعزيز دور المرأة، والتمسك بحوار الحضارات، وتأكيد رفضهم للتطرف والإرهاب”. وعبرت الحكومة التونسية عن “استغرابها لإصرار البعض على استبعاد هذه المسائل الجوهرية والمصيرية لعملية التطوير والتحديث والإصلاح”.
ما أن اتخذ هذا القرار وتلي ذلك البيان حتى سادت حالة من الذهول، ثم بدأت التداعيات تتوالى بسرعة دراماتيكية على جميع الأصعدة. ردود فعل عربية مختلفة رسمية وإعلامية وشعبية.
البعض يساند الموقف التونسي، ويرى فيه “موقفا شجاعا وحكيما أنقذ العرب من قمة ستكون حتما فاشلة”. وفي المقابل اعتبر آخرون قرار التأجيل “خطأ كبيرا، وإجراء فرديا، وصدمة للأمة”. وصرح ( عمرو موسى ) أن القرار “ستكون له تداعيات خطيرة على مستقبل العمل العربي المشترك”. وهو يشير من وراء ذلك إلى حالة الانقسام المنتظرة التي سرعان ما برزت للوجود من خلال الدعوة المصرية لنقل القمة إلى القاهرة، وتحديد تاريخ لها في 16 أفريل. وهو تحرك لقي دعما سريعا من عدة جهات عربية (على الأقل من طرف اليمن والأردن والسعودية وسوريا والبحرين وفلسطين).
إيقاف المسار .. وتأويلات!
في مقابل هذا التحرك المصري السريع، اندفعت الجهات الرسمية التونسية إلى التعريف بخلفيات ومرتكزات قرار التأجيل، في محاولة لحشر بعض الأطراف العربية في الزاوية، باتهامها بكونها هي المسؤولة عن فشل عقد القمة بسبب رفضها الإصلاح.
ثم انتقل هذا الرد إلى رفض دعوة حسني مبارك، وذلك بالتمسك بعقد القمة في تونس، والشروع من جديد في إجراء اتصالات في هذا الغرض. ولا شك في أن الساعات والأيام القادمة ستكون حبلى بالتحركات والمفاجآت، وذلك وسط أجواء غير صحية تنذر بتدشين شوط آخر من استنزاف الطاقات والوقت والصراعات الهامشية.
ونظرا لغياب جوانب من الصورة، أو نقص في بعض المعلومات، تفجرت عديد الأسئلة، وفتحت الأبواب على مصراعيها أمام التأويلات المتعددة والخطيرة؟.
من ذلك: هل صحيح أن جوهر الخلاف يكمن في مسائل تتعلق بالإصلاح السياسي، رغم أن الجميع يتحدثون منذ فترة عن أهمية الإصلاح، واتخذ بعضهم خطوات متفاوتة الأهمية في هذا المجال؟. هل كان لواشنطن دور مباشر أو غير مباشر في الحيلولة دون انعقاد القمة؟. ماذا حدث بالضبط خلال الساعات الأخيرة حتى تتخذ القيادة التونسية قرارها العاصف، رغم أنها تعلم بأن ذلك سيدخلها في صراع مباشر مع أكثر من دولة رئيسية في المنطقة؟.
لقد تمت الإشارة في مراسلة سابقة إلى أهم الملفات الساخنة التي كانت مطروحة على جدول أعمال القمة. وكان واضحا منذ البداية أن المشروع الأمريكي سيكون محل صراع وتجاذب بين مختلف الأطراف.
وقد كان المطلوب أن يبذل الجميع جهودا استثنائية للتوصل إلى الحد الأدنى، لكن إعلان أكثر من حاكم عربي عن عدم حضوره دفع بالقيادة التونسية إلى مراجعة حساباتها، وتغيير أسلوب إدارتها للملف، وذلك بإيقاف المسار قبل اكتماله. وهو ما ترتبت عنه نتائج إيجابية وأخرى سلبية.
أوضاع لا تحتمل التأجيل
فالقرار التونسي جاء بمثابة الرجة التي أشعرت الجميع بأن الجسم العربي مريض جدا، وأن الأمر يحتم تجاوز الحسابات الصغيرة والمناورات المحدودة، والتصدي للمشكلات الحقيقية التي لم تعد تتحمل التأجيل.
كما أن القرار-الرجة قد أخرج مسألة الإصلاح من دائرة الغرف المغلقة والكواليس الخفية، إلى دائرة الشارع العربي الذي من حقه أن يعرف ما يجري، كمرحلة أولى نحو أن يكون له دور في ما يجب أن يحصل.
لكن في المقابل استندت الانتقادات التي وجهت للموقف التونسي على أنه لم يرتكز على عملية تشاور واسعة، ولم يتضمن في البداية مقترحات واضحة حول آلية لتحديد الخطوات العملية المستقبلية، مما أثار الحيرة والإرباك على جميع الأصعدة، وفتح الباب أمام المبادرات الموازية أو المضادة. كما أعطى الفرصة للالتفات إلى القاهرة، باعتبارها تاريخيا ورمزيا كانت تعتبر “ملجأ للخروج من المآزق”.
وهو ما أشار إليه بوضوح عمرو موسى عندما اعتبر بأن “الرئيس مبارك ومصر قادران على إخراج العرب من هذه الورطة”. ورغم أن ردود مختلف الأطراف لم تنزلق حتى كتابة هذه المراسلة نحو الحرب الإعلامية والدبلوماسية، والتهجم المباشر والتراشق بالاتهامات، إلا أن خطر الانزلاق يبقى واردا إذا لم يضبط الجميع أعصابهم. وهو ما جعل الأمين العام للجامعة يحذر من تحميل تونس “وحدها كل المسؤولية وإنما كان مجمل الأداء العربي بأكمله مشاركا في المسؤولية”.
الذين تلقوا الضربة الكبيرة هم الفلسطينيون بالتأكيد، الذين يخشون أن يذهبوا ضحية الخلافات العربية. فهم يواجهون بمفردهم قمعا شرسا وتصاعديا خطيرا. والذي يخشاه البعض هو أن تندفع الأنظمة نحو اعتبار عقد القمة هدفا في حد ذاته، بقطع النظر عن مكانها، وذلك دون الاهتمام بمضمون القرارات وبمدى وجود إرادة حقيقية لمواجهة أوضاع لم تعد تحتمل التأجيل والمناورات الصغيرة.
صلاح الدين الجورشي – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.