قمة روما: اتفاق عسير لا يوفر حلولا لأزمة أسعار الغذاء
أنهت قمة روما التي عقدت لمناقشة أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بدعوة من منظمة الأغذية والزراعة أشغالها بعد مفاوضات عسيرة دون أن تتمكن من الحسم في قضيتي الوقود البيولوجي والدعم المقدم للقطاع الزراعي في بعض البلدان.
وباستثناء الوعود بتقديم مساعدات مالية لمواجهة الأوضاع الطارئة في بعض البلدان المتضررة من أزمة ارتفاع أسعار الغذاء في العالم والأماني بإمكانية قيام “ثورة خضراء” في إفريقيا، يبدو أن قمة روما أجلت القضايا الشائكة إلى وقت آخر.
اختتمت قمة روما التي دعت إليها منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة لمناقشة أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية والتي شارك فيها حوالي 500 ممثل من 180 دولة أشغالها مساء الخميس 5 يونيو 2008 بإصدار بيان ختامي شددت فيه على ضرورة مواصلة الالتزام بمكافحة أزمة ارتفاع أسعار المواد الغذائية “بكل الوسائل”.
ولكن ردود الفعل الصادرة عن منظمات المجتمع المدني وبعض الدول الفقيرة تترك الإنطباع بأنه – باستثناء الإجراءات الطارئة التي تم الإعلان عنها – توجد رغبة في تأجيل الفصل في القضايا الجوهرية مثل تحديد الموقف من الوقود البيولوجي المستخرج من بعض المواد الغذائية مثل الذرة او الصويا، أو قضية الدعم المالي الذي لا زالت بعض الدول الغنية تقدمه لمزارعيها.
أزمة قد تتفاقم
قمة روما التي جاءت في أعقاب أزمة ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية إلى حدود 50% بشكل مفاجئ، وتسببت في اندلاع “ثورات الجوع” كما أطلق عليها في عدد من البلدان في إفريقيا ومنطقة الكراييب وآسيا، عُقدت عليها آمال كبرى لكي تعالج هذه الأزمة التي يعترف الجميع بأنها مرشحة لمزيد الإرتفاع.
فالأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة (الذي سبق له أن وعد في اجتماع طارئ عقده في برن بسويسرا في بداية شهر مايو مع مدراء كبريات المنظمات الأممية، بمعالجة الأسباب في العاصمة الإيطالية)، استخدم كل ما في وسعه للتشديد عل ضرورة الخروج بحل من هذه القمة، وصرح في بداية الاجتماع بأن “العالم لن يسمح بالفشل”.
وتكمن جدية الأزمة الحالية في أن أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية لمئات الملايين من البشر شهدت ارتفاعا يصل إلى 53% خلال الأربعة أشهر الأولى من عام 2008 بالمقارنة مع أسعارها في نفس الفترة من العام المنقضي. وهو ما يعني أن حوالي 100 مليون جائع قد ينضافون إلى حوالي 850 مليون شخص يعانون أصلا من نقص في الغذاء في العالم.
ويبدو أن هذه الإحتمالات الكارثية قد دفعت بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة للقول بوضوح: “إنها حرب لا يمكن أن نخسرها لأن الجوع يؤدي الى عدم الاستقرار، لذلك علينا أن نُجند أنفسنا جميعا وفي الحين”.
اقتراحات لمواجهة الأوضاع الطارئة
إذا كانت المملكة العربية السعودية قد أعلنت قبل أسابيع بأنها ستساهم بحوالي 500 مليون دولار لصالح برنامج الغذاء العالمي المسؤول عن توفير الحد الأدنى من الغذاء لملايين الجائعين في العالم، فإن بنك التنمية الإسلامي تعهد من جانبه بتقديم 1،5 مليار دولار لدعم توزيع الغذاء في 27 من الدول الإسلامية ذات الدخل الضعيف.
وسيُودع هذا المبلغ في صندوق يخصص لتقديم الدعم أو القروض الميسرة لهذه البلدان لمساعدتها على تمويل مخزونها من المواد الغذائية وشراء البذور والمبيدات الحشرية على المدى القصير. اما على المدى المتوسط، فسيهتم هذا الصندوق بتمويل بعض المشاريع الزراعية والأبحاث في الميدان الفلاحي.
وفيما أعلن برنامج الغذاء العالمي تخصيص 1،2 مليار دولار للمساعدات الغذائية الطارئة، اقترح الرئيس التونسي زين العابدين بن علي اقتطاع دولار واحد عن كل برميل من النفط لتعزيز الميزانية المخصصة لمواجهة أزمة الغذاء في العالم.
تعهدات بدون التزامات
يلخص البيان الصادر عن قمة روما ما يجب القيام به في عبارة “استخدام كل الوسائل المتاحة من أجل التخفيف من حدة الأزمة الحالية، وتعزيز إنتاج المواد الغذائية، والرفع من حجم الاستثمارات في القطاع الزراعي من أجل ضمان إنتاج زراعي مستديم يُوفي بحاجيات الأجيال الحالية والقادمة”.
ولكن عندما يتعلق الأمر بكيفية الوصول إلى ذلك، يبدو أن الاتفاق حول خطة العمل يلاقي بعض الصعوبات. فهناك من يقترح إرجاء الموضوع إلى حين عرضه على قادة البلدان الثماني الكبار لدى اجتماعهم في قمتهم القادمة المقرر انعقادها في شهر يوليو المقبل في اليابان.
وكانت الأمم المتحدة قد أوضحت بأن مواجهة الأزمة تتطلب الرفع من مستوى الإنتاج الزراعي في العالم بحوالي 50% من هنا حتى العام 2030، وهو ما يتطلب مجهودا ماليا ضخما يتراوح ما بين 15 و 20 مليار دولار سنويا.
وقد ركزت قمة روما أيضا على ضرورة دعم الإنتاج الزراعي في إفريقيا باعتبارها إحدى القارات الأكثر تضررا من الأزمة الحالية. وجرى الحديث عن ضرورة القيام بـ “ثورة خضراء في إفريقيا” مثلما جاء على لسان وزير الزراعة النيجيري سيادي أبا رووما الذي رأى أن “إفريقيا قد تأخرت كثيرا للقيام بذلك”.
نفس الفكرة عبر عنها كوفي أنان، الأمين العام السابق للأمم المتحدة ورئيس “التحالف من أجل ثورة خضراء في افريقيا” بقوله “نأمل في دعم ثورة خضراء في إفريقيا تكون محافظة على التنوع الطبيعي وعلى الخصوصيات الإقليمية”. وكان أنان قد وقع في روما مع عدد من المنظمات الدولية اتفاقا تم بموجبه تأسيس هذا التحالف الجديد.
تأجيل الأهم إلى وقت لاحق
في المقابل، لم تحسم قمة روما في المواضيع المحورية التي يعتقد الخبراء أنها أثرت بشكل أساسي في أزمة أسعار المواد الغذائية مثل الوقود البيولوجي المستخرج من مواد غذائية، أو الدعم المقدم لمزارعي بعض الدول الغنية، الأمر الذي يعمل على عرقلة منافسة المنتجات الزراعية للبلدان النامية في الأسواق الدولية.
ملف الوقود البيولوجي أثار جدلا واسعا بين بلدان مدافعة عنه، مثل البرازيل والولايات المتحدة الأمريكية اللتان تعتبران من أكبر المنتجين له في العالم، وعدد من الدول الأخرى ومنظمات المجتمع المدني التي ترى فيه أحد الأسباب الرئيسية لغلاء أسعار المواد الغذائية.
ويبدو أن الحل الوسط الذي سمح للوفود المشاركة في المؤتمر باعتماد بيانه الختامي يتمثل في التوافق على وضع “نظام للتقييم” يسمح بتحديد مدى تأثير إنتاج الوقود البيولوجي على التزود بالمواد الغذائية.
وفيما يتعلق بالعراقيل التي تحول دون قيام نظام تجاري عادل، سواء فيما يتعلق بدعم الدول الغنية لمزارعيها أو فرض البعض لحواجز جمركية بوجه استيراد مواد غذائية محددة، اكتفت الدول بإعادة توجيه نداء “من أجل العمل على قيام هذا النظام” التجاري العادل.
وكان الأمين العام بان كي مون قد وصف ذلك بـ “السياسة التي تهدف لإفقار الجار”، داعيا الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية إلى الإسراع بإنهاء جولة مفاوضات الدوحة والتوصل إلى حل بخصوص تحرير التجارة في القطاع الزراعي، لكن المنظمة لا زالت تتخبط في محادثات ومساومات بلا نهاية منذ عام 2001 فيما عرف بـ “مفاوضات الدوحة لتحرير التجارة”.
هذه النتائج الهزيلة التي تمخضت عنها قمة روما دفعت ممثلي بعض البلدان الفقيرة ومنظمات المجتمع المدني الى التشكيك فيها على غرار تينا غوتي من منظمة سويس إيد والعضو في الوفد السويسري الذي تحول إلى روما التي قالت: “إن هذه القمة دعت الى إيجاد حلول راديكالية ولكن الدول أعادت طرح نفس المواضيع التي كانت مطروحة منذ 20 سنة متجاهلة المواضيع الحقيقية مثل الوقود البيولوجي ومعايير تحرير التجارة”.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
جاء في بيان نشرته منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة يوم الخميس 22 مايو 2008 في مقرها بالعاصمة الإيطالية روما بعنوان “أسعار الأغذية ستظل مرتفعةً رغم زيادة الإنتاج – يرجَّح أن تتفاقُم حدة الجوع في بعض البلدان الفقيرة”:
إنعكست آثار الأسعار المرتفعة للمواد الغذائية سلباً على أكثر المجموعات السكانية تعرّضاً للعواقب لدى العديد من البلدان التي تنفق جزءاً كبيراً من دخلها بالفعل على الغذاء، ذلك وفق تقريرٍ حديث صادر عن منظمة الأغذية والزراعة “FAO”.
وأوضح التقرير أن فاتورة الواردات الغذائية لبلدان العجز الغذائي ذات الدخل المنخفض ربما تصل الى 169 مليار دولار في العام الحالي 2008، أي بزيادة مقدارها 40 في المائة مقارنة بالعام 2007. ووصفت المنظمة هذه الزيادة المتواصلة في حجم الإنفاق على الواردات الغذائية للمجموعات المهددة في البلاد بأنه “تطور مثير للقلق” مشيرة الى أن سلّة الواردات الغذائية السنوية قد تكلفهم أربعة أضعاف ما كانت عليه في العام 2000.
وأشار التقرير الى أن الأسعار الدولية لمعظم السلع الزراعية قد بدأت تتراجع، لكنها من غير المتوقع أن تعود الى مستوياتها المنخفضة المسجلة في العام الماضي. فقد ظل جدول أسعار الأغذية الخاص بمنظمة الأغذية والزراعة، مستقراً منذ شهر فبراير/ شباط من العام الحالي، غير أن المعدل للأشهر الأربعة الأولى من العام الحالي ما يزال أعلى بنسبة 53 في المائة عند مقارنته بنفس الفترة قبل سنة.
وقال الدكتور حافظ غانم، المدير العام المساعد، مسؤول قطاع التنمية الإقتصادية والإجتماعية لدى المنظمة “أن الغذاء لم يعد سلعة رخيصة كما كان في السابق، محذرا من “أننا نواجه خطر إرتفاع عدد الجياع بملايين أخرى من بني البشر”.
ورغم التوقعات المواتية بصدد الإنتاج العالمي، فإن التراجع المتوقع في أسعار العديد من السلع الزراعية الأساسية خلال الموسم الجديد 2008/ 2009 قد يكون محدوداً بسبب الحاجة إلى تجديد المخزونات وتحقيق زيادة في حجم الاستغلال. ونظراً لإرتفاع حجم الإستغلال، فإن الحالة تتطلب أكثر من موسم جيد لتجديد المخزونات والحد من إرتفاع الأسعار خلال الموسم.
وسيتناول رؤساء الدول والحكومات مشكلة إرتفاع أسعار المواد الغذائية وتحديات تغير المناخ والطاقة الحيوية والأمن الغذائي في قمة يونيو/حزيران المقبلة التي ستعقد في روما في الفترة من 3 الى 5 يونيو/حزيران 2008. (…)
(المصدر: موقع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة بتاريخ 22 مايو 2008)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.