قمة عربية في ظروف غير عادية
تتواصل الاستعدادات والإجتماعات حثيثة لالتئام القمة العربية العادية الرابعة في العاصمة التونسية يومي 29 و30 مارس.
ورغم تغيب البعض، يعتقد المراقبون أن اجتماع القادة العرب لن يكون هذه المرة، إن عُـقـد، مُجرد تظاهرة إعلامية عابرة.
سواء انعقدت القمة العربية في موعدها المحدد ( 29 – 30 مارس الجاري ) أو تم تأجيلها استجابة لرغبة بعض الدول التي أشار إليها الرئيس بوتفليقة في تصريحات نقلت عنه يوم الخميس، فإنها بالتأكيد لن تكون مجرد حدث إعلامي عابر، مثلما كان يحصل في كل مرة.
لا يعني ذلك بالضرورة وجود إرادة عربية رسمية جماعية لتغيير أسلوب التعامل مع القضايا المصيرية، ولكن نظرا لانعقاد هذه القمة في ظروف إقليمية ودولية تتسم بالخطورة، وتهدد بنسف ما بقي مما يصطلح عليه دائما بالنظام الإقليمي العربي.
لهذا أبدت تونس منذ البداية ترددا في احتضان القمة، وهو ما اعتبره البعض ناتجا عن تهرب من تحمل للمسؤولية، غير أنهم عادوا فيما بعد ليقروا بأن ذلك يعكس مخاوف حقيقية من احتمال فشل هذا الاجتماع، الذي بدل أن يشكل عامل وحدة وتقارب يمكن أن ينقلب إلى كارثة سياسية ودبلوماسية.
ولم تقدم الخارجية التونسية على الإعلان مرة ثانية عن احتضان القمة إلا بعد أن تلقت “فيما يبدو” تطمينات من جهات عربية فاعلة ببذل قصارى الجهد من أجل تذليل الصعوبات وتقريب وجهات النظر.
وقد ربط الرئيس بوتفليقة على سبيل المثال مشاركته في القمة بحصول اتفاق بين كل القادة العرب حول مختلف القضايا الأساسية المطروحة على جدول الأعمال. كما جاء الإعلان عن عدم مشاركة ولي العهد السعودي ليعكس بوضوح صعوبة المخاض الوفاقي بين أنظمة تتوازعها هواجس ومصالح متباينة.
صيغة توفيقية
يتفق المراقبون على القول بأن تونس تعتبر أفضل الخيارات لاحتضان القمة. ولا يعود ذلك فقط إلى العلاقات الطبيعية والجيدة التي تربط نظامها بمختلف الأنظمة العربية ونزوع الديبلوماسية التونسية في الغالب نحو الصيغ الوفاقية، ولكن أيضا لما عرفت به تونس من عدم ممارسة ضغوط مباشرة أو غير مباشرة على جامعة الدول العربية، إضافة إلى كونها فضلت عدم الانخراط العلني في الرد على المشروع الأمريكي الخاص بالشرق الأوسط الكبير.
ثلاث قضايا ساخنة، إلى جانب الملف العراقي، يمكن أن تخلق متاعب وتتسبب في تهديد القمة بالفشل. أولها ملف إصلاح الجامعة. هذه المؤسسة المريضة التي اقتنع الجميع بأن هيكلتها وآلياتها الحالية تجعلها عاجزة عن التأثير في مجرى الأحداث إقليميا ودوليا. وهو ما يفسر تقديم عشرة مشاريع متفاوتة القيمة لإصلاحها، إضافة إلى مقترحات الأمانة العامة.
ونظرا لوجود تباينات بين أصحاب تلك المشاريع، بذلت ولا تزال جهود ومشاورات مكثفة من أجل التوصل إلى رؤية مشتركة. لهذا راجت أخبار حول احتمال تأجيل الحسم في هذا الملف إلى قمة الجزائر التي ستعقد العام المقبل. لكن عمرو موسى أكد أمس الخميس على أن “إصلاح الجامعة سيبدأ من تونس”.
وقد كشفت جهات مطلعة لسويس إنفو، أن الأمانة العامة للجامعة توصلت مع الجهات الرسمية إلى صيغة توفيقية، تجعل من قمة تونس نقطة الانطلاق لمعالجة هذا الملف الشائك، حيث سيتم النظر في مسألة المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وربما سيقع الاتفاق حول ورقة تحدد كيفية تشريك المنظمات العربية غير الحكومية في الحياة الداخلية للجامعة. وهذه تعتبر من بين الإضافات النوعية التي عمل عمرو موسى والفريق العامل معه على تمريرها من خلال تأسيس ” مفوضية المجتمع المدني “، التي لا تزال مشلولة اليدين والرجلين. كما تتوقع هذه المصادر احتمال المصادقة على نص الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي انتقدته المنظمات العربية والدولية طيلة سنوات، إلى أن تمت مراجعة العديد من بنوده.
كما أفصحت دمشق عن نيتها في طرح حزمة من الاقتراحات تتعلق بتفعيل العمل العربي المشترك. أما بالنسبة لبقية المسائل المختلف حولها فيتوقع أن توصي القمة بمواصلة التشاور وتعميق النقاش بين الخبراء.
ومع ذلك فإن العقدة الرئيسية تكمن في تعديل آليات اتخاذ القرار: هل سيبقى معتمدا على الإجماع، أم أنه سيصبح بالأغلبية؟ . وكيف سيكون الموقف من أي دولة لا تلتزم بقرارات الأغلبية، هل ستعاقب؟ وما هي نوعية العقوبات ؟. وهل يمكن أن نتصور حكاما عربا يقبلون العقوبة ويلتزمون بقرارات تفرض عليهم ؟. لعل هذا النوع من الأسئلة ستؤجل الإجابة عنها إلى قمة الجزائر في عام 2005..
الإصــلاحات بين الداخل والخارج
الملف الساخن الثاني يتعلق بالرد على مشاريع الإصلاح المطروحة من خارج المنطقة، وبالأخص مشروع “الشرق الأوسط الكبير”. هذا الحجر الذي ألقي في مياه راكدة، ولا يزال يثير المخاوف وردود الأفعال المتباينة.
لقد انقسمت الحكومات العربية إلى شقين: شق يلح على ضرورة رفض منطق الوصاية وفرض الإصلاحات بالضغط والقوة، وتقوده مصر. وشق آخر يطالب بالتريث وإبداء التفاعل، وتجنب الاصطدام بالحكومة الأمريكية، والاستعداد للانخراط في مسار إصلاحي تدريجي وواضح، وتمثله قطر والأردن والبحرين والكويت والمغرب.
واللافت للنظر أن العرب فكروا في دعوة الاتحاد الأوروبي الذي سيمثله وفد هام، وتجاهلوا صاحب المشروع أي الإدارة الأمريكية. ممثلو الاتحاد الأوروبي جاءوا حاملين مشروع، بلوره بعد محادثات أجروها مع الطرفين: الحكومات العربية من جهة، وواشنطن من جهة أخرى.
فالأوروبيون يرون في الأوضاع الراهنة فرصتهم للدفاع عن مواقعهم داخل منطقة الشرق الأوسط. أما من الجانب العربي، فيجري الحديث أيضا عن مشروع عربي للإصلاح شاركت في صياغته مصر والسعودية وسوريا، وتكفلت القاهرة ببلورته في وثيقة متكاملة.
وما من شك في أن الأنباء التي نقلها الأوروبيون وتحدثت عن سحب الإدارة الأمريكية لمشروعها، قد أثارت ارتياحا مؤقتا لدى الكثير من الأنظمة العربية، لكن هل يشكل ذلك عاملا إضافيا للاستمرار في تأجيل القيام بإصلاحات جذرية وملموسة ؟.
الملف الثالث، الذي تطالب دمشق وأطراف أخرى بوضعه في مقدمة بنود جدول أعمال القمة، يخص الصراع العربي الإسرائيلي. هذا الملف الذي تعمدت الإدارة الأمريكية إسقاطه من مشروعها الشرق أوسطي، في حين أصرت الأنظمة العربية الرئيسية على المطالبة بإدراج تسويته ضمن الشروط الأساسية التي تسبق الشروع في تنفيذ أي خطة لإصلاح سياسي شامل.
وقد جاءت عملية اغتيال الشيخ أحمد ياسين، التي وصفها وزير الخارجية الكويتي بكونها “سممت الأجواء في المنطقة”، لتستند عليها الأطراف المتخوفة من تداعيات المشروع الأمريكي، وتؤكد من خلالها وجاهة ربطها بين الإصلاح والتسوية السلمية. فالمخاوف من أن تشهد المنطقة تصاعدا حادا في وتيرة العنف، جعل المراقبين يتوقعون بأن الهاجس الأمني قد يطغى على النقاشات ويحجم الملفات السياسية.
احتمالات مفتوحة
في هذه الأجواء والتوقعات والتردد بين التفاؤل والتشاؤم، يتواصل النشاط حثيثا بالعاصمة التونسية، لاستقبال عدد هام من الحكام العرب، حيث يتوقع المنظمون انعقاد النصاب بسهولة.
أما على الصعيد العربي، فإنه شهد بدوره اتصالات مكثفة ومحاولات لتقريب المسافات بين العواصم والأنظمة العربية على غرار المحادثات التي أجراها الأمير سعود الفيصل باليمن، وقيام وزير الإعلام الفلسطيني بزيارة مفاجئة إلى دمشق، واللقاء الذي جمع أمير قطر بالرئيس بشار الأسد.
لكن اللافت للنظر أن صحيفتين مغربيتين هامتين هما “العلم” و “الأأحداث المغربية” قررتا في هذا الظرف فتح ملف التسلح الجزائري، حيث اتهمت صحيفة “العلم” الناطقة باسم حزب الاستقلال المشارك في الائتلاف الحكومي الجزائر بكونها “تقود سباق التسلح في المغرب العربي وتحرم مواطنيها من أموال التنمية”.
فهل يعني ذلك أن المغرب والجزائر سيفوتان مرة أخرى هذه الفرصة لإخراج منطقة المغرب العربي من المأزق الذي تردت فيه طيلة الحقب الماضية ؟.
إنها قمة الاحتمالات المفتوحة، قد يعتبر البعض أن مقياس نجاحها سيتحدد بعدم حدوث تأزمات جديدة، أما بالنسبة للمستقبل فذاك أمر لا يزال في علم الغيب.
صلاح الدين الجورشي – تونس
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.