قمة مغاربية بمن حضــر؟!
تواصل الدبلوماسية الجزائرية استعداداتها لعقد القمة المغاربية المُـؤجّـلة منذ عام 1994 يومي 23 و24 ديسمبر الجاري.
وفيما تأكّـد غياب الرئيس الموريتاني، لا زالت مشاركة العاهل المغربي محلّ تخمين واحتمال.
بات عقد القمة المغاربية هدفا بحدّ ذاته. فقادة المغرب العربي لم يلْـتقُوا في قمة منذ عشر سنوات. ولذلك، يصبح حضور أو عدم حضور هذا القائد المغاربي أو ذاك لقمة الجزائر، المقرر عقدها الأسبوع القادم، محور اهتمام المراقبين ومؤشرا على مدى نجاح القمة، بل حتى مؤشرا على مستقبل اتحاد أسس بين خمس دول يجمعها التاريخ واللغة والدين، وقالوا أيضا المستقبل.
لقد أصبح من المؤكد أن الرئيس الموريتاني، معاوية ولد سيدي أحمد الطايع سيغيب عن القمة الموعودة، وإن كانت نواكشوط حرِصت على عدم إضفاء البُـعد السياسي لغياب رئيسها، فإن حضور أو غياب العاهل المغربي الملك محمد السادس لا زال محل تخمينات واحتمالات، ولم يظهر حتى الآن ما يقطع الشك باليقين حضورا أو غيابا.
سياسيا، وفي ميدان العلاقات الثنائية الجزائرية المغربية، لم تعرف علاقات البلدين خلال السنة التي فصلت بين محاولة سابقة لعقد القمة والمحاولة الحالية، أيّ جديد يدفع العاهل المغربي لتغيير موقفه من الحضور والمشاركة في القمة التي يأمل المغاربيون أن تنقل اتحادهم من حالة الجمود والتجميد إلى حالة الفعل والتفعيل.
التنظير لم يصمُـد!
وأسّـس اتحاد المغرب العربي عام 1989 بين كل من ليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا في زمن كانت المنطقة العربية تعرف ظاهرة التجمعات الإقليمية أو الجهوية.
وكان المغاربيون يقولون إن اتحادهم يختلف عن نظيرِيه في المشرق (مجلس التعاون الخليجي، ومجلس التعاون العربي)، وأن المرمى السياسي لاتحادهم ضئيل وشبه معدوم كون دوله، وإن فصلت بينها الحدود، شكّـلت وحدة ممزوجة بالدم خلال سنوات النضال ضد الاستعمار، وأيضا الطبيعة الجغرافية والإقليمية والبنى الثقافية التي، وإن كان جلّـها إرثا استعماريا، إلا أنها شكّـلت عوامل توحيد مقبولة.
وكان التنظير المغاربي يُـوحي بأن ما تعرفه العلاقات الثنائية بين دول الاتحاد من أزمات أو قضايا عالقة أو ملفات معقّـدة قد بدأت تأخذ طريقها نحو التسوية والحل بفضل “الواقعية” التي تحكم العقل المغاربي.
لكن هذا التنظير لم يصمُـد طويلا، وما أخفته لحظات الفرح الوحدوي عاد للظهور بأشكال مُـتعدّدة. وليكتشف المغاربيون وغيرهم أن كل القضايا المعلّـقة ظلّـت مُـعلّـقة إن لم تزد تعقيدا وتشابكا مع قضايا أخرى استحثتها تطورات أزمات لاحقة.
ومهما كانت حساسية العلاقات الثنائية بين الدول الخمس، فإن العلاقات بين المغرب والجزائر، بحكم التاريخ والثقل السكّـاني والسياسي والاقتصادي لكل منهما، تبقى المتحكّـم في مصير العمل المغاربي المشترك.
فالانفراج الذي عرفته علاقات البلدين في نهاية الثمانينات، كانت الحافز والمشجّـع لقيام الاتحاد المغاربي، وحين تعثرت العلاقات فيما بعد، بدأ العمل الاتحادي يعرف بُـطءا، وحين توتّـرت العلاقات في منتصف التسعينات دخل الاتحاد في مرحلة الغيبوبة أو الجمود.
ملف الصحراء الغربية
وقضية الصحراء الغربية هي عنوان الأزمة المغربية الجزائرية منذ منتصف السبعينات، وكل من الطرفين يعتبرها قضيّـة القضايا بالنسبة له، وهي قضية تُـعالِـج ملفّـها الأمم المتحدة، وكل أطرافها يُـقرّون بهذه المعالجة، لكنهم جميعا يجدون في التفاصيل ما يمنعهم من التطبيق الكامل لمقاربات قُـدّمت على مدى السنوات الماضية.
وفي العلاقات المغربية الجزائرية، حيث تقف قضية الصحراء الغربية ميزانا ومقياسا لعلاقاتهما، يُـحاول كل من الطرفين أن يبحث عن وسائل ضغط على الطرف الآخر وأوراق قوة تدعم موقفه، والقمة المغاربية كانت إحدى الأوراق التي دخلت في ميدان الضغوط المتبادلة.
كانت آخر قمة مغاربية قد عقدت في تونس بداية عام 1994، وكان مُـقرّرا عقد القمة التي تليها، حسب الأحرف الأبجدية في الجزائر، التي ترأست الاتحاد منذ قمة تونس. وكان مقررا أن تنتقل الرئاسة في نهاية عام 1994 إلى ليبيا بعد أن تُـعقد القمة في الجزائر.
لكن ليبيا التي كانت تريد إعلان احتجاجها على مواقف شركائها المغاربيين من الحصار الذي فُـرض عليها، اعتذرت عن رئاسة الاتحاد، وبالتالي، بقيت الرئاسة في الجزائر ولم ير المغاربيون ضرورة عقد قمّـتهم التي كانوا يعرفون أن ليبيا ستغيب عنها.
وبعد ذلك، توتّـرت العلاقات المغربية الجزائرية حول ملفات لا علاقة لها بالاتحاد أو المنطقة أو حتى قضية الصحراء الغربية. لكن الرباط وجَـدت في قمة المغرب العربي ورقة ضغط على الجزائر، وفي قضية الصحراء الغربية مرجعية. فطلبت في خريف عام 1995 تجميد العمل المغاربي ومؤسساته احتجاجا على موقف الجزائر من النزاع الصحراوي.
ترجيح المشاركة.. ولكن؟
ومنذ ذلك التاريخ والاتحاد في غرفة الإنعاش يتنفّـس بشكل طبيعي أحيانا ويُـحرّك قدمه أو رجله أحيانا، بما يدفع بالمتفائلين للتحرّك لعلّ الحياة تدب أكثر في بقية أوصاله. لكن الحركة تبقى في حدها الأدنى، فيصابون بالإحباط ويستكينون.
حضور العاهل المغربي لقمة الجزائر أو عدم حضوره تحمل إشارات حول طبيعة العلاقات بين المغرب والجزائر وما ينتظرها مستقبلا. وحتى اليوم، لم يعلن المغرب حضور الملك أو غيابه، لكن بعض الوقائع تدفع بترجيح مشاركته. ومن هذه الوقائع، زيارة خاصة غير مُـعلنة يقوم بها إلى فرنسا في الوقت الذي يقوم فيه الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة بزيارة رسمية إلى فرنسا، وإن كانت زيارة قصيرة.
والمتفائلون بحضور الملك محمد السادس يرون في هاتين الزيارتين مؤشّـرات على حضوره للقمة المغاربية في الجزائر ارتباطا بما تسعى إليه فرنسا من علاقات وئام وتصالح وتعاون مغاربي، وأساسا جزائري مغربي للتخفيف من اندفاع كل منهما نحو واشنطن التي تعمل بالنسبية لباريس لخلق إشكاليات أو تطوير أزمات ليتسنّـى لها التدخل. وبالتالي، تصبح هي مرجعية دول المنطقة سياسيا واقتصاديا ومستقبلا ثقافيا واجتماعيا.
وكان الرئيس الفرنسي جاك شيراك واضحا في قمة 5+5 التي احتضنتها تونس بداية الشهر الجاري، إذ كان واضحا في تأكيده على إنعاش اتحاد المغرب العربي أو إصلاح ذات البين بين الجزائر والمغرب. لكن وضوح الرئيس شيراك لا يعني تجاوب الأطراف معه، لأن الحسابات الصغيرة تبقى في كثير من الأحيان المتحكّـم الحقيقي في القضايا الكبيرة.
حسابات الصغار الصغيرة
وبالنسبة للمغرب، فإن مشاركة العاهل المغربي في القمة نجاح للجزائر وورقة قوية بيد الدبلوماسية الجزائرية التي تأخذ من قضية الصحراء الغربية محورا رئيسيا لتحركها، وهذه الدبلوماسية مقبلة على دور جديد من خلال احتلال الجزائر للمقعد غير الدائم في مجلس الأمن المخصص للمجموعة العربية.
ومن المقرر أن يبُـتّ مجلس الأمن الدولي بشكل نهائي في مصير قراره رقم 1495 بشأن منح الصحراويين حُـكما ذاتيا مؤقتا ذا صلاحيات واسعة، تمهيدا لإجراء استفتاء يقرِّرون من خلاله مصيرَهم بعد خمس سنوات.
وقد سبق للمغرب أن أعلن رفضه للقرار، لكن سويس انفو علمت أنه قد يُـعلن قبوله المتحفظ له، خوفا من استغلال الجزائر لرفضه، وبالتالي، التقدم لمجلس الأمن باقتراح “فرض الحل” أو “فرض عقوبات على من يرفض تطبيق الحل”.
ومن الواضح أن المنطقة المغاربية لا زالت تائهة في حسابات الصغار أو الحسابات الصغيرة الآنية، دون الأخذ بعين الاعتبار الحسابات الكبيرة الاستراتيجية بما يخدم استقرار وأمن ووحدة وتنمية دول المنطقة جميعها.
ولأن الحسابات الصغيرة هي التي تحكم، فإن أهمية حضور هذا الزعيم أو غياب ذاك تتقلّـص، لأن كل القمة تصبح بلا قيمة، ولعل هذا ما يُـدركه المغاربيون الذين لم يعقدوا إلا قمّـة واحدة من القمم السبعة التي عقدت منذ 1989 بحضور كل رؤساء دول الاتحاد، وفي كل حالات الغياب كانت الأسباب ذاتية، ولحسابات ثنائية أو عتب عبّـر عنه بالغياب أو المقاطعة.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.