قوانين محاربة الإرهاب العربية.. “تقنين لانتهاكات كانت سائدة”!
أدت تحريات اللجنة الدولية للقانونيين (مقرها جنيف) حول قوانين محاربة الإرهاب المطبقة في البلدان العربية إلى نتيجة مفادها أن هذه الدول - وإن بشكل متفاوت - قد "قننت انتهاكات كانت موجودة أصلا"!
الخبير الدولي المعروف والأستاذ الجامعي جورج ابي صعب الذي شارك في جلسات الشرق الأوسط وبلدان المغرب العربي، يلخص في حوار شامل مع سويس إنفو أهم هذه الانتهاكات والتوصيات التي سترفع عند الإنتهاء من معاينة الأوضاع في كل مناطق العالم.
سمحت المبادرة التي أطلقتها اللجنة الدولية للحقوقيين (التي تتخذ من جنيف مقرا لها) في أكتوبر 2005 والهادفة لمراجعة ممارسات الدول في مختلف أنحاء العالم في مجال محاربة الإرهاب ومدى مطابقة ذلك لمبادئ حقوق الإنسان، إلى حد الآن بتحليل الأوضاع في 15 منطقة تشمل الشرق الأوسط وشمال افريقيا.
الخبير الدولي المعروف والأستاذ الجامعي جورج ابي صعب الذي شارك في العديد من هذه المهام بصفته عضوا في “فريق الحقوقيين البارزين” الذي يضم 8 حقوقيين يتمتعون بسمعة عالمية يقومون بإنجاز هذه المهمة، اختص سويس إنفو بحديث تطرق فيه إلى تفاصيل هذه المهمة والنتائج التي توصلت إليها وما سيتمخض عنها من توصيات.
سويس إنفو: شاركتم مؤخرا ضمن لجنة الحقوقيين البارزين لحساب لجنة القانونين الدوليين للتأكد من مدى مطابقة قوانين محاربة الإرهاب في مختلف أنحاء العالم، مع معايير حقوق الإنسان. هل يمكن معرفة تفاصيل المهمة التي كُلفتم بها؟
د. جورج أبي صعب: تشكيل اللجنة المكونة من ثماني شخصيات معروفة بعضها أكثر من غيره مثل ماري روبنسن (المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان)، أتى في أعقاب أحداث الحادي عشر سبتمبر 2001 وما تلى ذلك من إجراءات مشددة لمحاربة الإرهاب في جميع أنحاء العالم وما نجم عن ذلك من انتهاكات، أبرزها معسكرات الاعتقال في غوانتانامو ومظاهر التعذيب والتنكيل كأبو غريب وغيرها، والسجون السرية والسياسية.
تمثلت مهمة هذه اللجنة غير الحكومية والتي لا تخضع لمنظمات دولية تصوت فيها الحكومات، في تحليل مدى مطابقة قوانين محاربة الإرهاب مع التزامات الدول وفقا للمواثيق والمعاهدات الدولية.
فنحن نعترف بأن الدور الأول لأي حكومة هو حفظ الأمن، ومنع وردع ما من شأنه أن يخل به، ولكن يجب أن يتم ذلك في إطار احترام الحد الأدنى من حقوق الإنسان.
ومن خلال ما نتوصل إليه من تحليل سنرفع تقريرا نوضح فيه ما هي الممارسات المعقولة والمقبولة وما هي الممارسات التي تتعارض تماما مع الالتزامات الدولية التي تعهدت بها الدول.
سويس إنفو: نظمتم قبل شهر جلسة في مصر لمعاينة قوانين محاربة الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط، وأخرى قبل أيام في المغرب لمعاينة ممارسات بلدان المغرب العربي، ما ذا يمكن ان نقول عن ممارسات الدول العربية في مجال محاربة الارهاب؟
د. جورج أبي صعب: من الصعب التعميم لأن المنطقة العربية تشمل أكثر من عشرين دولة، ولم تتخذ إجراءات متوازية. لكن العامل المشترك في أغلب الدول وليس في كلها، هو أن كثيرا من هذه الإجراءات كانت موجودة سابقا على شكل مجرد ممارسات ولم تكن مقننة. وكانت تستعمل أساسا في محاربة الإرهاب الفعلي، ولكن في كثير من الأحيان لقمع وتكميم أي معارضة سياسية. وكانت بالتالي محل نقد من دول ومنظمات حقوق الإنسان في الشمال.
لكن ما حدث بعد الحادي عشر سبتمبر وبسبب القوانين الشديدة التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية وبقدر اقل المملكة المتحدة وباقي دول أوروبا، والذي يتعارض مع الحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان حتى في حالة الطوارئ، عمل على تبرير ما كان يمارس في المنطقة العربية. واليوم نسمع ممثلي الحكومات العربية يقولون “انظر يا أخي لما تقوم به أمريكا وأستراليا وبريطانيا”.
وحتى الدول التي لم تكن لديها قوانين لمحاربة الإرهاب، بدأ بعضها يقنن ما كان ليبقى اسثنائيا ولحالة الضرورة، ويتجاوزون ذلك في الممارسة بحجة محاربة الإرهاب.
سويس إنفو: هل يمكن تقديم بعض الأمثلة؟
د. جورج ابي صعب: لا لن أقدم أمثلة محددة.
سويس إنفو: إن لم يكن عن الدول فعن الممارسات؟
د. جورج ابي صعب: هناك دول لم تقدم على تقنين أي شيء ولكنها تبرر الممارسات بكون “أننا نواجه خطرا عظيما وكنا نلفت نظر الدول المتقدمة ولم يكونوا يصدقوننا. واليوم بعد أن أصيبوا بدورهم أصبحوا يصدقوننا واتخذوا إجراءات مماثلة لما اتخذناه من إجراءات. فلماذا تنتقدوننا؟”.
وهذه الممارسات تمتد من ملاحقة الأشخاص عبر مراقبة التلفون والبريد بدون مراقبة قضائية، وهذا أهون الانتهاكات، الى القبض على الأشخاص بدون إذن قضائي، وإخفاؤهم حتى لا يعلم أهلهم بذلك والضبط الإداري بدون رقابة قضائية الذي ليس له حد زمني. وحتى في حال تقديم هؤلاء الأشخاص للمحاكمة، فإنها تفتقر للحد الأدنى من الضمانات القانونية لمحاكمة عادلة. وهذا بالطبع إضافة الى التعذيب وفي بعض الأحيان القتل تحت التعذيب وما إلى ذلك.
وكل هذه الممارسات موجودة وكانت موجودة والمسألة مسألة نسبة، إذ لا توجد دولة في العالم يمكن أن نعطيها في هذا الميدان درجة 100 %، حتى أعلى الدول مثل الدول الأسكندنافية او سويسرا لا تخلو من تجاوزات ولكن الأمر يتوقف على نسبة تلك التجاوزات.
فما كان استثنائيا ويُغطى عليه أصبح اليوم عاديا. ومع الأسف أصبحت حجة محاربة الإرهاب حجة سهلة لتغطية كل التجاوزات. وأهم ضمانة في هذا المجال هو استقلال القضاء لأن وجود قضاء مستقل بإمكانه أن يزاول رقابة فعلية على ما تقوم به أجهزة الأمن.
سويس إنفو: وكيف تنظرون الى واقع هذا الجهاز القضائي في العالم العربي؟
د. جورج ابي صعب: هذا أيضا موضوع نسبية ويختلف من دولة لدولة. ولكن عموما الحالة تحتاج الى تحسين كبير.
سويس إنفو: من خلال معاينتكم لواقع محاربة الإرهاب في الولايات المتحدة وفي بلدان أوربا ومناطق أخرى من العالم وما عاينتموه في المنطقة العربية كيف يمكن الحكم على ممارسات الدول العربية؟
د. جورج ابي صعب: إشكالية محاربة الإرهاب لا أفرقها عن إشكالية احترام حقوق الإنسان وإشكالية الديمقراطية. وقد أصبحت القوانين متشابهة. والأدهى من ذلك أن الجامعة العربية اعتمدت معاهدة لمكافحة الإرهاب بها تعريف للإرهاب واسع بحيث يشمل أي صوت معارض. وكل الدول التي زرناها تقول “إننا أخذنا بعين الاعتبار بنود معاهدة الجامعة العربية”. وهذه المعاهدة من صنع حكومات الدول العربية، وبالتالي ما يمكن قوله بخصوص التجاوزات في مجال محاربة الإرهاب هو بنفس مستوى أداء الدول العربية في مجال احترام حقوق الإنسان.
فالدول العربية مع الأسف، نجد أنها حققت بعض التقدم في ميادين وتراجعت في ميادين عديدة. فمصر على سبيل المثال حقت تقدما في مجال حرية الرأي ولكن لم تحقق تقدما في مجالات أخرى. وهناك دول عربية ليس فيها تقنين بتاتا. فالمغرب على سبيل المثال أدخل قانونا لمحاربة الإرهاب قالت عنه كل نقابات المحامين وجمعيات الدفاع عن حقوق الإنسان إنه لم تكن هناك حاجة لسنه لأن القانون الجنائي به ما يكفي وأن سنه سيوسع السلطة.
وفيه دول أخرى مثل سوريا أو اليمن ليس بها قانون لمحاربة الإرهاب ولكن الممارسات والتجاوزات هي نفسها إن لم تكن أكثر. والخلاصة هي أنه لا يمكن فصل ممارسات محاربة الإرهاب عن ممارسات احترام حقوق الإنسان، والدول العربية ليست من بين دول اعلى القائمة في هذا المجال.
سويس إنفو: الدكتور أبي صعب، هل يمكن أن نقول أن ممارسات محاربة الإرهاب او الطريقة التي تتم بها تلك الممارسات كانت بمثابة انتكاسة بالنسبة لبداية احترام معايير حقوق الإنسان في المنطقة العربية؟
د. جورج ابي صعب: لاشك في هذا بسبب أن الدور القيادي في الضغط على الدول لاحترام الإنسان الذي كان يأتي من بعض دول الشمال، والذي كان في بعض الأحيان يُساء استخدامه للتدخل في شؤون الدول، قد انتهى.
لكن يجب ألا نخلط او نعتبر أن المواطن الذي يطالب بالديمقراطية داخليا يُجعل منه عميلا لأمريكا لأنها تطالب بذلك. ولو ننظر في اغلب البلدان لوجدنا ان المطالبين بالديمقراطية هم من أكبر المناهضين للسياسات الأمريكية وغيرها. لذلك يمكن القول أن الأمر تميّع بحيث أن حماية حقوق الإنسان والدفاع عنها أصبح أمرا ليس باليسير.
سويس إنفو: لجنة الحقوقيين الدوليين تفضلت بالقيام بما لم تجرؤ منظمات أخرى على القيام به أي فتح ملف محاربة الإرهاب ومعاينة الممارسات في مختلف أنحاء العالم بحيادية. ما مصير كل هذه التقارير التي ستعدونها؟
د. جورج ابي صعب: لم نقم بعد بإعداد التقرير النهائي، وإنما نحن بصدد القيام بالمسح الميداني للحصول على صورة شاملة للممارسات في جميع أنحاء العالم. ولا أود أن أقول ان الموضوع لم يبحث من قبل بل هناك العديد من الكتابات في هذا الميدان، إنما ما هو متوفر اليوم من كتابات هي إما عبارة عن توصيات بالذات من الناشطين في مجال حقوق الإنسان لاحترام حقوق الإنسان بغض النظر عن باقي الجوانب الأخرى، أو تبريرات حكومية ومواقف رسمية تتهم المنتقدين بأنهم أناس سذج لا يُراعون الواقع ولا ينظرون الى ما يهدد النظام السياسي والديمقراطية، ويدافعون عن أعداء الديمقراطية والإنسان باسم حقوق الإنسان.
وكل طرف من هؤلاء له جانب من الحقيقة لأن محاربة الإرهاب هو أفظع مظاهر العولمة لأنه أصبح من السهل جدا تنظيم مجموعات وتجميع المعلومات حول مكان الأسلحة وكيفية تصنيعها وما إلى ذلك بشكل أصبح من الصعب احتواء الخطر. ومن هنا أصبحت هناك حاجة كبرى ليس فقط لمكافحة الإرهاب بل للوقاية من اعتداءاته خصوصا إذا ما تحول من عمليات فردية الى عمل مجموعات تستخدم النفايات النووية او البيولوجية. لذلك يجب الاعتراف بالحاجة الأمنية وبأن العالم في حاجة الى حماية نفسه وان هذه الحماية تستوجب أدوات ووسائل أكثر مما كان مستخدما من قبل.
ولكن يجب أن تعترف الحكومات أيضا بأن هناك حدا لانتهاك حرية الأشخاص باسم حماية أمنهم. وأن تعترف بأن تجاوز ذلك لا يعني فقط خرق احترام حقوق الإنسان بل قد يؤدي الى تغيير النظام السياسي والاجتماعي للمجتمع نفسه بحيث يصبح مغلقا ومراقبا تتضاءل فيه الحريات والممارسات الديمقراطية.
والغرض من دراستنا هذه هو لعمل تقرير يظهر ما يمكن عمله فعلا من جانب الحكومات للحماية ولكن أيضا ما يجب احترامه بما لا يمنع من استخدام وسائل الحماية. أي باختصار إيجاد نقطة التوازن بين الممارسات الحسنة و الممارسة المشجوبة تماما، وألا يتم، على أي حال استخدام أي منهما لممارسة القمع السياسي.
سويس إنفو – محمد شريف – جنيف
يضم فريق الحقوقيين البارزين التابع للجنة الدولية للحقوقيين 8 أعضاء ويترأسها أرتور شاسكاسون، رئيس قضاة جنوب افريقيا السابق ومن بين أعضاءها المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان الأيرلندية ماري روبنسن، إلى جانب السويسري ستيفان تريشيل الذي شغل رئاسة اللجنة الأوروبية لحقوق الإنسان سابقا، والخبير القانوني الدولي المصري وأستاذ القانون بالمعهد الدولي للدراسات العليا بجنيف جورج أبي صعب.
العملية التي قامت بها لجنة الخبراء القانونيين البارزين تمثلت في تنظيم جلسات استماع شملت لحد الآن 10 بلدان (استراليا وكندا وكولمبيا واندونيسيا وباكستان والفلبين وروسيا وتايلاندا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) و6 أقاليم في العالم (الإتحاد الأوروبي و شرق افريقيا وشمال افريقيا والشرق الأوسط وامريكا الجنوبية وجنوب آسيا).
عمل اللجنة كان يتم في بعض الحالات عبر تنظيم جلسات استماع تقول فيها كل الأطراف ما تعرفه عن موضوع محاربة الإرهاب وتشمل ممثلي الحكومات والناشطين في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان ونقابات المحامين وممثلي الضحايا سواء ضحايا الإرهاب او ممثلي من أصبحوا ضحايا لإجراءات مكافحة الإرهاب. ففي الولايات المتحدة الأمريكية يقول الدكتور جورج ابي صعب “قابلنا نقابات المحامين، والمحامين العسكريين، وكذلك المحامين المدافعين عن سجناء غوانتانامو، والمنظمات المدنية المدافعة عن حقوق الإنسان، وممثلي ضحايا 11 سبتمبر”.
في المقابل، رفضت بعض الحكومات أن يُستمع لإدلاءاتها أمام الآخرين ولكنها لم ترفض الحديث الى خبراء اللجنة على انفراد.
ومن خلال ما يتوصل إليه فريق الحقوقيين البارزين من تحليلات واستنتاجات، سيتم رفع تقرير يوضح لجميع الأطراف ما هي الممارسات المعقولة والمقبولة وما هي الممارسات التي تتعارض تماما مع الالتزامات الدولية التي تعهدت بها الدول.
قوة هذا العمل، كما يقول الدكتور جورج ابي صعب “تكمن في كونه من إعداد لجنة مستقلة مكونة من شخصيات مستقلة ولها شهرة عالمية. ومصداقيته تكمن في شخصية الأفراد الساهرين عليه وفي الطريقة التي انتهجوها لإعداد التقرير بالاستماع الى كل الأطراف المهتمة بموضوع حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب”.
سوف تقوم اللجنة الدولية للحقوقيين (تأسست عام 1952 ومقرها جنيف) بنشر التقرير الذي سيتمخض عن عمل هذا الفريق وتوزيعه على الحكومات والناشطين في مجال حقوق الإنسان والمنظمات الدولية المعنية.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.