“كتيبة هوار” تعيد شيئا من البسمة إلى شفاه العراقيين
صحيح أن يونس محمود، كابتن المنتخب العراقي هو الذي قاد العراق ليتربّـع لأول مرة على عرش كأس آسيا واستحق بذلك أن يتوّج ملِـكا لكل لاعبي كرة القدم في القارة الخضراء.
وصحيح أيضا أن الحارس الأمين نور صبري، نقل “الأخضر” العراقي إلى المنافسة الأخيرة أثناء ركلات الترجيح مع كوريا الجنوبية، إلا أن هوار مُـلا محمد، ذلك الشاب الكردي القادم من شعب رفع علم العراق عاليا في ربوع إقليم كردستان شمال العراق، يبقى رمزا لوحدة العراق بكل مكوناته.. عربا وأكرادا وتركمانا، سُـنة وشيعة ومسيحيين وصابئة وكلدو آشوريين..
نعم إنها كتيبة النور في مقابل كل كتائب الظلام وخلاياه المريضة في عراق يتنافس فيه اليوم فريقان: رياضي مؤلّـف من فِـتية لم يعرفوا السياسة ولم يقرؤوا منها ما يُـلوث هواء العراق، الذي قرروا أن يتنفَّـسوه نقيا، وآخر سياسي يضمّ حكومة وبرلمانا ومعارضة و”مقاومة” وباقي الفرقاء.. المتصارعين جميعا على فَـتات دنيا زائلة رخيصة، يزعمون أنهم يعملون للعراق، “ويحسبون أنهم مهتَـدون”.
الفريق الأول، تقوده كتيبة هوار! ويونس محمد ونور صبري وبقية ثلّـة ولِـدت من رحِـم المُـعاناة، فهم يلعبون كرة القدم، وكل منهم واضع يده على جرحه النازف، فينتصرون ويفوزون ويبكون…… ليفرح العراقيون.
كتيبة هوار! تصنع الفرح للعراقيين وتحوِّلهم من مجرّد أرقام يعلن عنها المتحدث باسم خطّـة فرض القانون بعد كل حادث تفجير بسيارات مفخخة أو أحزمة ناسفة، لا تتحوّل في الكثير من الحالات إلى أسماء على شواهد القُـبور المنتشِـرة في كل أرجاء العراق، عندما أصبحت بلاد الرافدين والخصب والنّـماء، إلى ضريح كبير إسمه العراق.
كتيبة هوار! ليست كتيبة عسكرية، لأن هؤلاء الشبان نبذوا الحرب والعنف والدماء، ورفعوا شعار السلام والأمن لكل العراقيين، وكل منهم عندما يصرّح بعد كل فوز، يطالب بوطن يُـمارس عليه هوايته المفضلة في لعب كرة القدم، في الأزقة والشوارع الضيقة، التي باتت اليوم فروعا لمقبرة كبيرة واحدة، اسمها العراق.
كتيبة هوار! لا تنتمي للنظام السابق، الذي كان يقتل الوطنيين والمعارضين لحكم الحزب الواحد صبرا ويدفنهم في المئات من المقابر الجماعية أو يضيّـع آثارهم عبر مفارم اللحوم إلى النهر مباشرة أو بالتذويب في حامض “التيزاب”، ولن تنتمي للعراق الجديد، الذي تحوّلت فيه كل نساء العراق إلى خنساوات، حيث الجُـثث يكنسها كناس!
كتيبة هوار! رفع رجالها اسم العراق عاليا والتحفوا بعلمه، الذي يُرادُ له أن يتمزّق في صراع الأجندات والإرادات الإقليمية والدولية، وتدثروا بضوء نجومه الساطعة في سماء العراق، وهم يرسمون للعراقيين خارطة وطن وُلِـد وسيبقى هو العراق، الذي لا يقبل القسمة.
كتيبة هوار! هي التي تقود العراق وتستحق أن تحكمه، وهي تنال في استفتاء الفرح الممزوج بالموت والجُـثث كل أصوات العراقيين، حتى أولئك الذين لم تُسجَّـل أسماؤهم في القوائم الانتخابية، التي أعدّتها سلطة الاحتلال.
كتيبة المقاولين!
أما الفريق الثاني، المقاولون السياسيون والمقاولون المسلحون، فإنهم اليوم صاروا مفضوحين يسخر منهم كبيرهم، الذي علّـمهم نظام المحاصصة، الطائفية والعرقية، السفير زلماي خليل زادة، الذي دعا العراقيين إلى أن “يتعلموا الدّرس من الفريق الرياضي” (!).
فريق المقاولين! تعرّى بفعل كتيبة هوار الإيجابي الهادف، وهو يحاول اليوم اللِّـحاق بهذه الكتيبة لاحتواء نصرِها وسِـهامه الموجّـهة ضد الفريق الثاني، وليطالب أحد لاعبيه من غير خجَـل، كتيبة هوار إلى التَّـظاهر أمام المِـنطقة الخضراء، ليحُـثوا السياسيين على نبذ خلافاتهم!
وهل سيُـصدِّق العراقيون، الذين شربوا حبّ العراق ووِحدته من كأس آسيا وعلى أيدي فُـرسان كتيبة نور صبري وهوار، مثل هذه الدعوات ونواياها المغلفة، وهم يشاهدون أن النّـجف، هذه الحاضرة المقدسة الطاهرة، تحوّلت إلى تكساس؟؟؟
عُـضو غائب على الدّوام في البرلمان، وهو دائما كمُـراسل جوّال يتقلّـب في حُـضن هذه الدولة أو تلك، وجّـه نداء من أحد مرابطه في دولة إقليمية، دعا فيه بقية الساسة إلى اللعب بروح الفريق الواحد، وهو يعلم أنه يكذب على الله وعلى نفسه وعلى العراقيين.
الحكومة، وقد وجدت نفسها في آخر الرَّكب والناس يتخلّـون عن تأييدهم لها وللقوائم التي خاضت انتخابات البرلمان الماضية، سارعت إلى تقديم مُـكافآت مالية لمُـقاتلي الكتيبة الأخرى، بعد أن غمَـر نورها الجميع، إلا الحكومة وباقي المتصارعين على السلطة ومراكز النفوذ.
فرح بلون الموت
سأل بريطاني صديقه العراقي وقد التقيا في حانة: لماذا حين نشرب الخمر نحن البريطانيين ونسكر، فإننا نرقص ونمرح، بينما أنتم عندما تسكرون، تضجّـون بالبكاء؟
العراقيون يبكون دائما، فقد خط البكاء عليهم منذ أن نزل آدم من الجنة، وها هي كل أغانيهم ومواويلهم وموسيقاهم تحكي للعالم كله حزن العراق الأبدي وكربلائيته الأزلية السرمدية الخالدة إلى ما شاء الله، وكأنها تشكو له غمّ الفراق وغربة آدم في ترحاله الجديد.
العراقيون أفرحتهم انتصارات فُـرسان كتيبة هوار! ولكنهم بدلا من الضحك والمرح… يبكون ويُـذرفون أنهارا من الدموع، فهم لم يتعلّـموا الفرح ولم يألفوه أو يتعوّدوا عليه.
وفرح العراقيين الحزين العابر، اختلط بلون الدّم والتفجير، ليعكس ذلك للعالم كله أن هناك بالفعل من لا يريد للعراقيين أن يفرحوا، وكما تقول أمٌّ فقدت صبيّـها، ذي الأثني عشر ربيعا في تفجير أعقب مظاهرات الفرح بالتأهل للمباراة النهائية، فإن هؤلاء المتمنِّـين بالجلوس على مائدة رسول الله، ليسوا مقاومة وليسوا ضدّ الاحتلال، وإنما هم أعداء الحب والفرح وأعداء العراق.
لماذا يفجر “مقاوم” نفسه في عُـرس وفي احتفال عفوي بفوز كروي؟ وأي مقاومة هذه التي تمنع الفرح على العراقيين، وهي تزعم أنها تريد تحريرهم من بُـؤس الاحتلال وقسوته؟؟
استحقاق انتخابي!
الفرح العراقي لم ينقطع أو يتوقّـف، رغم كل المخاوف بتفجيرات تكفيريين جديدة، دفعت هذه المرة إلى أن يرفع الكثير من العراقيين أصواتهم لمطالبة رئيس الوزراء نوري المالكي، باتِّـخاذ الخُـطوة الأكثر جُـرأة في كل حياته السياسية وشطب خطوط العملية السياسية، التي صارت أسيرة لمواقف جبهة التّـوافق العراقية، التي تضم بعثيين سابقين (وحاليين) عبّر عن بعضهم الرئيس جلال طالباني أكثر من مرة، بأن “هؤلاء في الصباح مع العملية السياسية وفي المساء مع الإرهاب”.
وبعد خلافه المتصاعد مع قائد القوات الأمريكية ديفيد بتراوس، الذي وصل حدا من السوء، جعل هذا الأخير يطلب من الرئيس الأمريكي جورج بوش نقل بتراوس من العراق، بسبب سياسته المنفتحة بشكل مثير على العشائر السُـنية وزعماء من المسلحين واستهداف مناطق الشيعة بشكل متعمد، فإن المالكي المُـطالب بتخطّـي عقبات المحاصصة والقفز فوق الأجندة والإرادة الأمريكية لم يكلّـف نفسه عناء السفر إلى جاكرتا ليحضر موقعة كتيبة هوار الأخيرة هناك، واستثمار هذا النصر لصالح تشكيل حكومة مستقلة، تقوم على أنقاض ما سُـميت بحكومة الوحدة الوطنية، خصوصا وأن مثل هذه الوحدة عادت موجودة، لا في الحكومة ولا داخل الائتلاف العراقي، الذي ينتمي له المالكي وحزبه، حزب الدعوة الإسلامية.
وبدلا من أن يعمد المالكي إلى تشكيل مثل هذه الحكومة من أكفَّـاء يختارهم من المستقلين ومن تبقى من حلفائه داخل الائتلاف وخارجه، فإنه أوقع نفسه في مصيدة صِـراع داخلي آخر، عندما تدخَّـل بطريقة وُصِـفت بأنها غير دستورية في قضية عزل محافظ البصرة، ذلك الملف المعقَّـد، الذي فتح على مصراعيه بعد خروج حزب الفضيلة من الائتلاف “الحاكم” واندلاع مظاهرات في البصرة، نادت بعزل المحافظ محمد مصبح الوائلي، المنتمي إلى الفضيلة.
الآن، وبعد أن تفاقمت أزمة الحكم والتراشق الإعلامي بين جبهة التوافق والمالكي والمتحدث باسم الحكومة، إثر وضع طارق الهاشمي، نائب الرئيس العراقي استقالته بتصرف جبهة التوافق ومسارعة زعيم الائتلاف عبد العزيز الحكيم إلى الدعوة لاجتماع عاجل لبحث مطالب الجبهة، بما أحرج المالكي كثيرا وكشف ظهره، وبعد الاحتفالات العراقية بالمنتخب من أقصى العراق إلى أقصاه، بعربه وكرده وسُـنته وشيعته، ورفع العلم العراقي في كل مُـدن كردستان، الذي ترفض حكومته التعامل معه بزعم أنه “علم صدام”! يحق للمراهنين على تفتيت العراق أن يتساءلوا، وهم يرون بالعين المجرّدة أن كتيبة هوار، هي الجهة العراقية الوحيدة، التي تعمل من أجل العراق ولرفع علمه عاليا، بينما الآخرون في الحكومة وخارجها، لا يعملون إلا وِفق أجندات خارجية أو على الأقل من أجل مصالح فئوية وطائفية.
هل هناك من يجرأ اليوم على الحديث عن تقسيم العراق، ولو بفدرالية الوسط والجنوب؟!
نجاح محمد علي – دبي
قال السفير الأمريكي في الأمم المتحدة خليل زاد، إن السياسيين العراقيين المنقسمين على أنفسهم، يجب أن يتعلموا درسا من فريق بلادهم لكرة القدم، والمؤلف من لاعبين سُـنة وشيعة وأكراد تمكّـنوا من خلال “وحدتهم” من الفوز بكأس آسيا يوم الأحد 29 يوليو.
وأشاد سفير واشنطن السابق في العراق بفريق كرة القدم العراقي بعد فوزه لأول مرة بكاس آسيا، متغلبا على فريق السعودية بهدف واحد في المباراة، التي جرت في جاكرتا.
وصرح خليل زاد لشبكة سي ان ان “أود أن أهنئ العراقيين وفريق كرة القدم على النصر الكبير الذي حققوه اليوم”.
وتضغط واشنطن على الحكومة العراقية لإحراز تقدم في جهود المصالحة الوطنية، واغتنم خليل زاد فرصة فوز فريق كرة القدم لحث السياسيين على أن يحذوا حِـذو الرياضيين، وقال إن اللاعبين العراقيين “كانوا متّـحدين بحق، على عكس الحكومة والعملية السياسية التي تفتقر إلى الوحدة”.
وأضاف أن “الوحدة كانت نتاج جهد موحّـد بذله الفريق، مما أثمر عن نتائج، وآمل أن يتعلم السياسيون العراقيون من فريق كرة القدم”.
وكان البيت الأبيض أصدر في وقت سابق من هذا الشهر تقريرا أوليا حول خطة الرئيس الأمريكي جورج بوش لزيادة عدد القوات الأمريكية في العراق، خلص إلى أن الحكومة العراقية لم تحدث تقدّما مُـرضيا، سوى في ثمان من 18 نقطة حدّدها الكونغرس حول الأمن والسياسة.
(المصدر: وكالة الأخبار العراقية بتاريخ 30 يوليو 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.