مباحثات “بنّاءة” بين واشنطن وكييف بشأن هدنة جزئية في حرب روسيا وأوكرانيا

أكّدت أوكرانيا أنّ المباحثات مع الولايات المتحدة الثلاثاء في السعودية بدأت بشكل “بنّاء للغاية”، مع مناقشة مقترح تقدمت به كييف لوقف إطلاق نار جزئي مع روسيا، بعد ساعات من شنّها أكبر هجوم بالمسيرات على منطقة موسكو خلال سنوات الحرب.
وبدأت المباحثات في مدينة جدة الساحلية ظهرا بحضور وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو ونظيره الأوكراني أندريه سيبيغا، وتأتي في وقت يكثّف الرئيس الأميركي دونالد ترامب من ضغوطه على كييف لإنهاء الحرب التي بدأت بالغزو الروسي لأوكرانيا في 2022.
وهي لا تزال مستمرة بعد ثماني ساعات على بدئها بين الطرفين في فندق ريتز كارلتون بالمدينة السعودية، على ما أفاد مسؤول أميركي الصحافيين.
وقال مسؤول أوكراني في كييف طلب عدم الكشف عن هويته لوكالة فرانس برس إن “المحادثات تسير بشكل جيد، وتمت مناقشة الكثير من المسائل”.
تأمل كييف أنّ يؤدي عرض الهدنة الجزئية لإقناع واشنطن باستئناف مساعداتها العسكرية لها وتبادل المعلومات الاستخباراتية والوصول إلى صور الأقمار الصناعية، والتي أوقفتها واشنطن بعد مشادة حادة في البيت الأبيض بين ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في البيت الأبيض.
وهذه المباحثات هي اللقاء الأبرز بين الطرفين منذ هذه المشادة الكلامية الصادمة في 28 شباط/فبراير، عندما وبّخ ترامب زيلينسكي بسبب ما اعتبره قلة عرفان حيال الدعم الأميركي.
وأفاد رئيس مكتب الرئاسة الأوكرانية أندري يرماك الصحافيين فيما كان يدخل الاجتماع “نحن مستعدون لفعل كل شيء من أجل تحقيق السلام”.
وأكد مسؤولون أوكرانيون إن الهجوم بمئات الطائرات المسيّرة نحو موسكو ومناطق أخرى ليل الإثنين الثلاثاء، هدف إلى دفع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للموافقة على هدنة جوية وبحرية.
وصرّح أندريه كوفالينكو، المسؤول في مجلس الأمن القومي لمكافحة المعلومات المضللة “هذه إشارة إضافية إلى بوتين بأنه يجب أن يكون مهتمًا أيضًا بوقف إطلاق النار في الجو”.
واعترضت منظومات الدفاع الجوي ودمرت 337 مسيّرة أوكرانية، بينها 91 فوق منطقة موسكو و126 فوق منطقة كورسك” الحدودية مع أوكرانيا.
وأسفر الهجوم عن مقتل ثلاثة أشخاص في منطقة موسكو، بحسب مسؤولين محليين.
– “سلام عادل ومستدام” –
وكان زيلينسكي زار الاثنين مدينة جدة حيث التقى وليّ عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، لكنه ترك المحادثات مع الأميركيين لثلاثة من كبار مساعديه.
وعقب المشادة مع ترامب، غادر زيلينسكي البيت الأبيض دون التوقيع على اتفاق طالب به الرئيس الأميركي، من شأنه أن يمنح بلاده إمكانية الوصول إلى قدر كبير من الثروة المعدنية في أوكرانيا كتعويض عن إمدادات الأسلحة.
وقال زيلينسكي إنه لا يزال على استعداد للتوقيع، رغم أن روبيو قال إنّ الأمر لن يكون محور البحث الثلاثاء.
بدوره قال روبيو الذي انضم إليه في المباحثات مستشار الأمن القومي لترامب مايك والتز، إن تعليق المساعدات “شيء آمل أن نتمكن من حلّه” الثلاثاء.
وأضاف “نأمل أن يكون لدينا اجتماع جيد وأخبار جيدة لنبلغكم بها”.
وقال روبيو إن الولايات المتحدة لم تقطع المعلومات الاستخباراتية عن العمليات الدفاعية الأوكرانية.
وكان يرماك أكد عبر تلغرام بعيد بدء الاجتماع، أن اللقاء “مع الفريق الأميركي بدأ بشكل بناء للغاية، نعمل على إحلال سلام عادل ومستدام” بعد ثلاثة أعوام على بدء الغزو الروسي.
وردا على سؤال حول ما إذا كان الهجوم بالمسيرات فجر الثلاثاء قد يعرقل محادثات السلام، قال المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف “لا توجد مفاوضات (سلام) حتى الآن، لذا لا يوجد ما يمكن تعطيله”.
ورفض بيسكوف في وقت سابق التعليق على موقف روسيا من وقف إطلاق النار الجزئي المقترح. وقال “من المستحيل تماما التحدث عن المواقف حتى الآن”.
وتابع “سيكتشف الأميركيون اليوم فقط، كما يقولون هم أنفسهم، من الأوكرانيين إلى أي مدى أوكرانيا مستعدة للسلام”.
بدورها، كثفت موسكو الضربات ضد البنى التحتية الأوكرانية وقالت إنها استعادت 12 مستعمرة في منطقة كورسك الحدودية بجنوب روسيا والتي استولت عليها كييف لاستخدامها كورقة مقايضة.
– البحث عن تنازلات –
في الاجتماع الشهير في البيت الأبيض، ردّ زيلينسكي بحدة على الانتقادات التي وجّهها إليه نائب الرئيس الأميركي جاي دي فانس، إذ تساءل الرئيس الأوكراني عن السبب الذي سيدفعه للوثوق بوعود روسيا التي بدأت غزو بلاده قبل ثلاثة أعوام على الرغم من الجهود الدبلوماسية السابقة.
لكن بمواجهة ضغوط الولايات المتحدة، ستعلن أوكرانيا في محادثات جدة تأييدها وقف إطلاق نار محدودا.
وقال مسؤول أوكراني لوكالة فرانس برس طالبا عدم نشر اسمه “لدينا اقتراح لوقف إطلاق النار في الجو ووقف إطلاق النار في البحر، لأنّ هذين هما خياران لوقف إطلاق النار يسهل تطبيقهما ومراقبتهما ومن الممكن البدء بهما”.
من جهته، ألمح روبيو الى أن هذا الاقتراح قد ينال قبول واشنطن.
وصرّح الوزير للصحافيين “لا أقول إن هذا الأمر وحده يكفي، لكنه نوع من تنازل ضروري بهدف وضع حدّ للنزاع”.
وتابع “لن تحصل على وقف إطلاق النار ونهاية لهذه الحرب ما لم يقدم الجانبان تنازلات”.
وقال “لا يمكن للروس احتلال كل أوكرانيا ومن الواضح أنه سيكون من الصعب للغاية على أوكرانيا في أي فترة زمنية معقولة إجبار الروس على العودة إلى حيث كانوا في عام 2014″، الذي شهد ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم وهجوما جزئيا في شرق أوكرانيا.
– وساطة سعودية “محتملة” –
وكان زيلينسكي قال إنه ناقش مع ولي العهد السعودي شروط أي اتفاق سلام دائم، بما في ذلك إطلاق سراح السجناء وإعادة الأطفال الذين تتهم كييف موسكو باختطافهم.
وأضاف بيان أوكراني أن الزعيمين “ناقشا الوساطة المحتملة للمملكة العربية السعودية في إطلاق سراح السجناء وإعادة الأطفال”. و”تبادلا وجهات النظر حول صيغ الضمانات الأمنية وما ينبغي أن تكون عليه بالنسبة لأوكرانيا حتى لا تندلع الحرب مرة أخرى”.
وقال روبيو إنه لا يتوقع القيام مع الأوكرانيين “برسم خطوط على الخريطة” خلال المباحثات في جدة، لكنه سيقوم بنقل أفكار إلى روسيا.
والتقى روبيو ووالتز الشهر الماضي، أيضًا في السعودية، مع نظرائهم الروس، في تواصل على مستوى غير مسبوق منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا.
لكن ترامب هدّد الأسبوع الماضي بمزيد من العقوبات ضد روسيا لإجبارها على الجلوس على طاولة المفاوضات، تعقيبا على ضربات نفذتها على أوكرانيا.
لكنّ التحول المفاجئ في السياسة الأميركية منذ عودة ترامب الى البيت الأبيض مطلع العام، أذهل العديد من الحلفاء.
وقال روبيو إن الولايات المتحدة ستعترض على أيّ خطاب “معاد” لروسيا في اجتماع وزراء خارجية مجموعة السبع في كندا هذا الأسبوع.
بورز-سكت/م ل-هت/ود