كُتابٌ سويسريون ترجمُوا كتبا عربية
أشرفت دار منشورات البرزخ الجزائرية بالتعاون مع السفارة السويسرية في الجزائر والمؤسسة السويسرية Culture Pro Helvetia على تنظيم لقاء حول الكتاب ولغاتهم وتجاربهم في الكتابة والترجمة. أهمية اللقاء تكمن في كونه انعكاسا لتجارب الكتاب والمترجمين من اللغة العربية إلى اللغات الأوربية، وخصوصا منها الفرنسية والألمانية والإنجليزية والعكس.
هناك إجماع على أن كتابات الأدباء الشباب في البلدان العربية تختلف من حيث محتواها وأفكارها واهتماماتها عما كتبه الأدباء العرب قبل جيل أو جيلين. فبينما كان أُدباء المغرب العربي وخصوصا منهم الجزائريون، يكتبون باللغة الفرنسية زمن الاستعمار وبعده بقليل، لم يعد الأدباء الجزائريون ملتزمين بالنص الفرنسي. فمنهم من يكتب بالعربية أيضا، بل وحتى من يكتب بالفرنسية لم يعد يشعر أنه ملزم باستعارة ألفاظ من واقع معيشته الإسلامي العربي الأمازيغي، لصياغتها في أسلوب فرنسي يفهمه الفرنسيون.
مثل هذا التغير له أثره الجلي في كتابات الأدباء، وأثر جلي آخر في عمل المترجمين، الذين أصبحوا يتعاملون مع نصوص أدبية وكتابات علمية اكثر “تحررا” من قيود اللغة الدخيلة، أو”غنيمة الحرب”، على رأي البعض، ويُقصد بها اللغتين الإنجليزية أو الفرنسية.
من جهتها، تمكنت دار البرزخ من جمع ما لا يمكن جمعه عبر دعوة كتاب وأساتذة جامعات يتفقون حول عنوان الموضوع، ولا يتفقون إلا في القليل حول تفاصيله. والبعض وصف الأمر بأنه طبيعي جدا لأن أساتذة الجامعات ينذر أن يتفقوا، بسبب الاتفاق الأولي على مبدأ:
“نعم ولكن…”
وكما كان هناك خلاف حول مسألة التفكير بالعربية والكتابة بالفرنسية والعكس، كان هناك إشكال حول كيفية عرض الكتابات العربية في الغرب، أي هل يمكن نزع صفة الغرابة أو “Exotisme” عن العربية لدى القارئ الغربي بشكل عام؟ يجيب عن هذا السؤال الأستاذ هارتموت فهدريش، المختص في الشؤون العربية والإسلامية ومترجم مؤلفات عربية كثيرة منها لغسان كنفاني وجمال الغيطاني:
“بطبيعة الحال توجد هذه النظرة الغريبة للأدب العربي ويجب أن نتأسف لبحث البعض عن
قصص ألف ليلة وليلة، وما شابهها من القصص في الأدب العربي، وبالفعل هناك اهتمام أقل بالكتابات العربية الحديثة التي تتصدى للمشاكل الحالية في قرننا الحالي، وما يجب مواجهته من مشاكل في حياتنا اليومية”.
البقية تأتي
قدم المحاضرون نماذج ممتازة لتجارب الترجمة والتأليف، وكذلك حول تقنيات الترجمة الحديثة وهموم أو تعب المؤلف في التعبير عن أفكاره ومحاولة إيصاله، وما يُنتظر من القراء كمتلقين و أو نقاد على حد سواء، بعد أن تغير دور القراء من مجرد متلقين إلى نقاد أيضا.
وهنا أيضا تبرز أزمة الكليشيهات في النص العربي المترجم أو في نص الكتاب أو الأدباء والمؤلفين العرب باللغات الفرنسية والإنجليزية وغيرهما. بمعنى أن هناك نظرة مسبقة حول ماهية النص والرسالة التي يحملها، مع أن الواقع عكس ما هو مفهوم حاليا في الغرب. ويقول الأستاذ دانييل دورولي، رئيس الكتاب السويسريين في مجموعة أولتن:
“لا أعتقد أن الكليشيهات ستختفي بل يتقوى وجودها بشكل أو بآخر مع مرور الوقت. ولكن في المقابل، يُلاحظ وجود عدة أجيال من الكتاب، منها من عاش وتأثر بفترة الاستعمار، ومنها الجيل الجديد الذي يعتقد أن ثُنائية الثقافة يمثل غنى حقيقيا، ويمكن أن يفتح الباب في مجالات كثيرة، ليس في مجال الأدب لوحده، بل في ميدان العمل أيضا. وفي الوقت الحالي، لا أجد ذلك الحرج الذي كان يشعر به من يتحدث باللغة الفرنسية في الجزائر، قبل ثلاثين عاما عندما كان يُلمز بشكل أو بآخر بأنه على علاقة بالاستعمار”.
هناك أيضا واقع آخر، تجاري بكل معاني الكلمة، يجعل مما يُكتب من طرف العرب بالعربية أو بغيرها، لا يتناسب وموضة القراءة في الغرب حاليا. ولكن استمرار جهد الكتابة، بالإضافة إلى كونه ضروري وحيوي بكل المقاييس، لابد وأن ينتهي بالحصول على حقه الشرعي الزمني في أن يتحول إلى موضة في فترة من الفترات، يقول الأستاذ دورولي:
“طبعا هذه الكتابات ليست موضة الآن، ولكنها تشترك في نفس الصفات مع الكتابات باللغة الفرنسية من خارج فرنسا، وكل هذه الكتابات الفرنسية القادمة من العالم بأسره، تزيد من فهم الأوضاع في تلك البلدان بشكل يختلف عن أسلوب فهمها عما كان مُتبعا في السابق عبر الطرق الأكاديمية، تماما كما يحدث في اللغة الإنجليزية القادمة من شبه القارة الهندية. وأعتقد أن الجزائر، باعتبارها الدولة الفرانكوفونية الثانية في العالم، بإمكانها أن تُعطي شكلا جديدا لفهم واقع اللغة، ورغم أن الكتابات الجزائرية ليست موضة أوربية الآن إلا أنها قد تُصبح كذلك في السنوات القادمة”.
ليس هناك شك في أن العلاقة بين النص العربي وترجمته الغربية، وكذلك العكس، قد عرفا تطورات هائلة هي طبيعية جدا حسب رأي الكاتب الجزائري رشيد بوجدرة، لأنها
مرتبطة بتطور الأجيال. والشيء الجميل برأي الكثيرين أن يتم عرض العلاقة الدرامية بين العربية والفرنسية عبر جهد سويسري جزائري، كأن التاريخ يتكرر بشكل جميل، تماما كما وقعت مفاوضات استقلال الجزائر عن فرنسا في إيفيان الفرنسية.
هيثم رباني – الجزئر
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.