لأول مرة: قضايا التحول الديمقراطي في جامعات عربية
هل يمكن أن تقوم الجامعات العربية بتدريس مادّة متخصِّـصة في تنمية المعرفة بمضامين وتجارب التحولات الديمقراطية واضعة أمام القوى الراغبة في التغيير أسس الانتقال الديمقراطي وعوائقه؟
لم يعد هذا مجرد سؤال افتراضي، إنما تحوّل إلى مسعى ستتجسَّـد نتائجه قريبا في أكثر من جامعة وفي أكثر من دولة عربية.
لقد خصص اجتماع تحضيري لهذا الموضوع عقد في الرباط ما بين 26 و27 مارس بمبادرة من “مركز الكواكبي للتحــولات الديمـقراطية”، الذي رغم أنه لم يمض سوى عام واحد على تأسيسه في عمان، فقد لفت أنظار المنظمات الدولية وأصحاب القرار في عدد من العواصم العربية والعالمية.
كانت مسألة التحول الديمقراطي تكاد تكون من المحرّمات في معظم البلاد العربية خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي، لكن مع توالي المتغيرات العالمية والمحلية، أصبحت هذه الإشكالية تشغل أوساطا سياسية وحقوقية عديدة، بل إن بعض الدول العربية تجد نفسها اليوم تواجه استحقاقات وتحدّيات التحول الديمقراطي.
ومن هذا المنطلق، اعتبر مركز الكواكبي في الورقة التي ناقشها المشاركون في اجتماع الرباط أن “مأسسة طرق تداول المعرفة بتجارب التحولات الديمقراطية، لا يشكل فقط جزءً أساسيا من عملية التربية الديمقراطية، بل هو أيضا ركن أساسي من أركان توفير القدرة العلمية والعملية على التغيير”، ومن هنا ولدت فكرة تأسيس “كرسي الكواكبي”، الذي يهدف إلى “تكوين نخبة من الفاعلين المتخصصين في مجال التحولات الديمقراطية”.
مبادرة أولى من نوعها
اللافت النظر، أن المقترح لم يبق معلقا في فراغ، حيث تقدمت أكثر من جامعة عربية بطلب احتضان هذا الكرسي، وتلقَّـى المركز أربع طلبات رسمية، كان أولها من جامعة “فيلادلفيا” في الأردن، ثم تلتها الجامعة اللبنانية، فجامعة قطر، وأخير جامعة القاضي عياض بمراكش، التي عبَّـرت عن رغبتها في أن تقوم بدور العنوان الإقليمي لهذا الكرسي، ولا يستبعد أصحاب المبادرة بأن تلتحق جامعة الجزائر قريبا بهذه الكوكبة من الجامعات.
أما على الصعيد الدولي، فقد قامت عديد الجامعات والمنظمات بدعمها الفني والمالي لهذه المبادرة الأولى من نوعها في العالم العربي، مثل جامعة “طاراغونا Tarragone” الإسبانية وجامعة European Inter-University الموجودة بمدينة البندقية الإيطالية.
من جهة أخرى، قرر كل من وزارة الخارجية الإيطالية والخارجية البريطانية وصندوق “ميبي MEPI” تقديم مساعدات مالية لتوفير الانطلاق الفعلي لهذه المبادرة.
ويقول السيد محسن مرزوق، المنسق التنفيذي العام لمركز الكواكبي، الذي يرأسه الأمير الحسن بن طلال وسينتقل مقره قريبا إلى الدوحة، إن هذه المبادرة التي يُـفترض أن تتجسّـد على أرض الواقع في مطلع السنة الجامعية القادمة بالدول الأربعة المذكورة سابقا، تتميَّـز بثلاث خصائص:
– أولا، طرافتها بحكم أنها المبادرة الأولى من نوعها التي تشهد ميلاد كرسي إقليمي بالعالم العربي مختص في قضايا التحول الديمقراطي.
– ثانيا، بالرغم من أن الأمر يتعلق بـ “كرسي” علمي، لكنه لن يكون مجاله أكاديميا صرفا، فأصالة المشروع – حسب اعتقاد السيد مرزوق – تتمثل في أن هذا المنصب الجامعي سيكون على المستويين، المعرفي والتنفيذي، محصلة التعاون بين المؤسسات الجامعية وما يميِّـزها من تقاليد أكاديمية صارمة، وبين الخِـبرات المتراكمة المنبثقة عن الممارسة والتي يوفرها نشطاء في المجتمع المدني أو تجارب السلطة والحكم، التي سيقدمها ممثلو الحكومات، سواء الحاليون أو السابقون.
ثالثا، لن يقتصر نطاق المستفيدين من هذا الكرسي على طلبة الجامعات فقط، ولكن سيشمل أيضا نشطاء الحركة الديمقراطية في الدول التي ستحتضن التجربة.
التأطير العلمي
لتحقيق التكامل، الذي دعا إليه الدكتور الطيب البكوش، رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان (مقره تونس) بين النشاط الأكاديمي الجامعي وبين مؤسسات المجتمع المدني، توجد في كل دولة ستحتضن هذا الكرسي مؤسسة مدنية ستشارك في عملية التوجيه والبرمجة، مثل المعهد الملكي للدراسات الدينية (الأردن)، والمنظمة المغربية لحقوق الإنسان، كما تشارك في هذا التأطير منظمة “لا سلم بدون عدالة” الإيطالية والمؤسسة السويدية IDEA، وهي أهم مؤسسة في العالم مختصة في قضايا التحول الديمقراطي.
أما المحاضرون الذين سيتولون التأطير العلمي للطلبة ولكل اللذين سيتابعون هذه الدروس، فسيكونون خليطا من الخبراء وكذلك من أصحاب الخبرة الميدانية في قضايا التحول الديمقراطي، وتعتمد منهجية التعليم المقترحة على بعث هيئة تدريس دولية من مختلف القارات، إضافة إلى عدد من ضيوف الكرسي ومن الخبراء والشخصيات البارزة الممثلة للمجتمع المدني.
ومن بين الأسماء التي تم التفكير في دعوتها للمشاركة في هذا البرنامج ضمن “كرسي الكواكبي”، الأمير الحسن ابن طلال، ورئيس المجلس العسكري السابق في موريتانيا علي فال والدكتور سعد الدين إبراهيم والدكتور الصادق المهدي، رئيس الوزراء السابق في السودان، الذي أطاح به العسكر والرئيس السابق السوداني سوار أبو ذهب، الذي سلم السلطة للمدنيين والدكتور برهان غليون، والدكتور الطيب البكوش.
أما من خارج العالم العربي، فستوجَّـه الدعوة أيضا لشخصيات عالمية مثل الرئيس البرتغالي السابق سواريز والرئيس التشيكي المثقف فاتسلاف هافل، والحائز على جائزة نوبل للسلام أسقف جنوب إفريقيا، ديزمون توتو.
وقد تقرر عقد اجتماع آخر ما بين 17 و 19 يونيو القادم بالعاصمة الأردنية، وذلك للتوقيع على الاتفاقيات، التي ستبرم بين مركز الكواكبي من جهة، والهيئة العلمية والبرمجية، التي ستتشكل من الجامعات ومراكز البحث والمؤسسات المدنية الإقليمية والعالمية، من جهة أخرى.
كما تتوقع مصادر مركز الكواكبي، الذي يحمل اسم المصلح العربي الشهير صاحب كتاب (طبائع الاستبداد)، أن يضبط الاجتماع القادم برنامج السنة الأولى لهذا الكرسي، ليقع بعد ذلك الشروع في إلقاء المحاضرات والدروس بالجامعات الأربعة، وبذلك تنطلق لأول مرة في العالم العربي تجربة نوعية، من شأنها أن تعزز تجربة سابقة في مجال التربية على حقوق الإنسان، إضافة إلى أنها تستجيب لحاجة قد أصبحت مُـلحة في أكثر من بلد.
صلاح الدين الجورشي – تونس
عقدت المنظمة المغربية لحقوق الإنسان بشراكة مع المعهد العربي لحقوق الإنسان ومركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية يومي 26 و27 مارس 2007 بالرباط، الاجتماع التحضيري الأول لكرسي الكواكبي للتحولات الديمقراطية.
وأوضح بلاغ مشترك صادر عن الجهات المنظمة أن هذا اللقاء يروم “إنشاء حلف من الجامعات والمنظمات العربية والدولية لتأسيس الكرسي المذكور في إطار مجلس إدارة المركز لتحويله تدريجيا إلى ماجستير يُـعنى بقضايا التحول الديمقراطي.
وأشار المصدر ذاته إلى أن الكرسي يروم تكوين نخبة من الفاعلين والمختصين في مجال التحولات الديمقراطية من خلال توفير مادة متعددة الاختصاصات في مجال التحولات الديمقراطية، تعكس العلاقة الجدلية بين الديمقراطية وحقوق الإنسان والتنمية و السلم.
يذكر أن مركز الكواكبي للتحولات الديمقراطية تأسس بعمان في 16 يونيو 2006، إثر انعقاد مجلس الأمناء الأول للمركز برئاسة سمو الأمير الحسن بن طلال، وهو يهدف إلى نشر الثقافة والممارسة الديمقراطية من خلال وسائل الحوار والتفاعل السلمي وبناء القدرات والخبرات المحلية رفيعة المستوى في مجال تشخيص وتوصيف ومصاحبة وتأطير التحولات الديمقراطية وتطوير البدائل.
كما يرمي المركز إلى تشجيع الحوار بين صانعي القرار السياسي وفعاليات المجتمع المدني حول قضايا التحول الديمقراطي في إطار احترام الرأي المخالف وتنشيط تبادل ونقل الخبرات والتعاون بين الخبراء وممثلي الجمعيات المدنية والسياسية من خلال سيرورات التحول والمراحل الانتقالية في مجال الديمقراطية على المستويات العربية والدولية.
(المصدر: وكالة المغرب العربي للأنباء بتاريخ 22 مارس 2007)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.